تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : زهايمر.. في العشرين



حواليكم
29-01-2014, 01:40 PM
كهل تسعيني يُطعِم زوجته المُسنّة ، متمتماً في أسى : لم تعد قادرة على الحياة، الزهايمر فتك بها. ليهمس أحدهم في خبث : ألا تمل، هي حتى لم تعد تذكرك !! فيلتفت في رضا، مبتسماً : هي لا تعرفني ، لكني أعرفها .. وهذا يكفي !!؟

الزهايمر الذي أصاب الزوجة لم ينل من قلبِ شريكها الوفي. حُب العمر بقي يلوّن التفاصيل والزوايا وإن أصاب العطب الذاكرة، ظلت عيناها تعرفه، تلك النظرة كانت كفيلة أن توقد فيه مشاعل الصبر وأن تُبقي ذكريات الأمس عامرة بالنور. ظل القلب ينبض معانقاً كل لفتة وهمسة سكنت تفاصيل الماضي دون ملل.. هذا هو الحب

أمّا السيدة الطويلة جداً ، والذكية جداً، ميشال أوباما فيُحكى أنها كانت ذات صباح مع زوجها في أحد المطاعم الشهيرة، وإذ بأحد الطهاة يُبادلها الحديث بحرارة، مما أثار حفيظة الزوج الذي سألها في غيرة الرؤساء العشاق المجانين، ما الموضوع يا مدام، يبدو أن هناك سابق معرفة؟! لتجيب في ضحكة أنثى ملكت الدنيا وما فيها: كان يريد أن يخطبني أيام الجامعة، ولم يتحقق حلمه، فإذ بالرئيس يتمتم في غرور قائد، وصفاقة عاشق دبت في صدره سهام الغرام المحترقة: يا إلهي هذا يعني أنك كنتِ ستصبحين زوجة لأحد الطهاة الماهرين!! لتبتسم السيدة الفطنة في ثقة متناهية: بل هو من كان سيصبح رئيس أمريكا

دهاء أنثى، ويقين قلبٍ جسور، وثقة امرأة تعرف قدرها جيداً. تُدرك أنها تملك أصابعاً ماهرة وبصيرة نافذة ورغبة صادقة وأنه بوسعها أن تغزل من المحال أجمل حقيقة

لكن ما بين وفاء زوج، وغرور أنثى عاشقة.. ما بين موقف مبكِ ولقطة متبسمة لا تملك إلا أن تتأمل ووتتسائل كيف تحولت الشراكة إلى صفر على الشمال بلا قيمة في حياتنا!! كم حالة زهايمر يا ترى تصيبنا؟! غاب مفهوم الشراكة في شرقنا الجريح؟! أصبح يُداهمنا الزهايمر مبكراً جداً، فننسى في العشرين الأم التي أنجبتنا والأب الذي قبّل وجنتينا، وعانقنا.. وأعطانا وأخذ بيدينا إلى أن خطونا أولى خطواتنا، وما أن نصل للثلاثين إلا وقد بعنا رفاق الصبا في مزادٍ علني، ولا نطرق باب الأربعين إلا وقد وقفنا متململين، متأففين من وجوهٍ رافقتنا فإذ بنا نعلنها على الملأ.. بداية رحلة بحثٍ لعيونٍ جديدة بعد أن سئمنا الماضي وذكرياته بكل من فيه

لازلتُ أذكر أحد معارفنا الذي عاش في معية زوجته خمسين سنة، ويوم توفيت وأنزلها القبر بيديه، بقي هناك ولم يعد يُغادر الفناء إلا نادراً، وحين سئُل قال: نمت بجوارها خمسون عاماً، هنا داري، وسريري، وهناك قبري الحقيقي.. حيٌ أنا بجوارها، وميتٌ في بعادها!

وليس بوسعي أن أنسى بوح أحدهم في لحظة شجن، هامساً: عشتُ مع أم أولادي قرابة العشرة أعوام، ورغم انفصالنا منذ سنين طويلة، لازلتُ أذكر عينيها حين كانت تعانقني، أذكر قلبها حين كان يحتويني، أذكر دفء قلبها حين كان الصقيع يطرق النوافذ ويتكدس خلف الأبواب بلا خجل!! تلك الشراكة علمتني أن لا اخشى الفصول ولا الاقتحام وأن الغربة تغدو طرفة بين أحضان من نحب

شراكة العمر ليست نكتة، ولا مثالية فجة وليست أسطورة لا نقابلها إلا على ضفاف ألف ليلة وليلة!! هي مشوارٌ طويل بحلوه ومره لا ينتهي حتى بانقضائه. ليست فقرة في الهامش، بل شرفٌ عظيم لا يجب أن نعُطه إلا لمن يستحقه. فقط من يعشقون أحلامنا ويتقاسمون آلامنا سيبقون ويحتلون قلوبنا ويمضون معنا إلى حيث محطة العمر الأخيرة. أرجوكم لا تنسوهم، فما نحن بلا ذكرياتنا

استعيذوا بالله من فقر المشاعر.. فأجمل ما في الحياة شراكةٌ طويلة لا تنقضي، وصداقةٌ بلا فصول، بلا برد، بلا ليل. أجمل ما في العمر قصة حب لا تشيخ، وقلوب دافئة تُعانق قلبك المنهك.. للأبد، ومشاغبة ابن فطن، وابتسامة ابنة جميلة، ترمي قلبك بين أحضانها، في أقصى لحظات اليأس

خلف كل عظيم أنثى بحجم وطن




*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (http://forum.moe.gov.om/~moeoman/vb/showthread.php?t=551032&goto=newpost)