حواليكم
31-01-2014, 02:30 PM
أعظم ما قاله لي أبي ذات يوم.. " أُحبُ والدتك كثيراً، فأخبرها بذلك"!!؟
كان عمري آنذاك اثنيْ عشرَ عاماً. كنتُ طفلاً وكان اللقاء الأخير. لم أكن أعرف أنها لقطة الوداع. كنّا نسير سوياً في صالة السفر، خطواته كانت تقترب مني وكأنها تريد أن تبوح بأمرٍ ما أجهله.. وكأنها تعرف أن الرحيل آتٍ لا محالة فتأبى أن تبارح مكانها دون عناقٍ وقُبل..وظلان يتعانقان مخافة بعد يلوح في الأفق، وعيناي الشاردتان، ويدي الصغيرة، في يده الباردة، وصوته الدافئ المتعب، هامساً في قلبي المضطرب، بنبرة مسافر لن يعود.. أخبر والدتك أني أُحبها
الأقدار كانت ماهرة كعادتها في غزل التفاصيل! لم تكن صدفة أبداً أننا كنّا نسير أمام بوابات الانتظار والرحيل، وحولنا تلك المجاميع الهائلة من الدموع ومواكب الأعناق المتناثرة، وصفوف العيون الحزينة، وكأنها بروفة القدر الأولى في مسلسل فراق السفر الشهير، مقدمة لوداع موتٍ يتكرر بتغير الوجوه!! رحلتان طويلتان، لكن الثانية ذهابٌ بلا عودة
ليكتمل أول درس أتلقاه من معلمٍ غاب دون أن يُلقنني إياه، الحب باقٍ يا ولدي، حياتنا لا تساوي كثيراً بلا من نحب، للفراق ألمٌ وأنينٌ يوسمان القلب ببصمة تبقى فينا ما حيينا.. تعيش معنا. تكبر ولا تموت ما دام في العمر نبض. بعد خمسةٍ وعشرون عاماً، أستعيد الموقف وأستحضر كل لحظة.. أسمع دقات قلب ذلك الطفل تصرخ
أدركتُ بعد كل هذه السنين أن أبي حين رحل، ترك أثره بقلبي! وأن الذكريات تزداد شراسة. أكبر وتكبر بداخلي، تزرع مخالبها في ضلوعي ولا تتركني. بقي المشهد عالقاً في الذاكرة، ظلت اللقطة التي تمتلئ بالتفاصيل الشجية، بزواياها الكئيبة، الأيادي التي تلوح ببطء، تحمل بين أصابعها آلام الرحيل ودموع الفراق .فجأة يرتفع صوت الذكريات أكثر، تلوح في الظلام ملامح أمي وهي تخبرني أنها ترى أبي أحياناً في منامها يزورها يطلب منها أن يتنزها سوياً كما كانا يفعلان في مشوار الدنيا القصير. تسرح أمي بعيداً ولا تتكلم. ألمح في صمتها، أنّة شجن، أو ربما اشتياق.. أو ربما غضب. أتخيل الحلم الذي لم تروهِ، أغزل تفاصيله بأصابعي.. أسمع صوت أبي يُخبرني مبتسماً، وكأنه يُذكرّني.. يا ولدي لا تنسَ الدرس، كن تلميذاً نجيباً في هذه الحياة. القدر يصقل عقلك وقلبك لعمرٍ قادم، يهيئك لفصلٍ جديد ستعيشه حين تكبر، كن شجاعاً جداً حينها. وإن وقعت، وتألمت، وتلعثمت كما سقطت أنا ذات يوم، لا تنكسر. تذكر أنك لا تستطيع أن توقف عمراً أو تمنع قدراً.. تجاربنا تصنعنا!! لو عاد بنا العمر لعدنا لما فعلنا، الحكمة ليست في تفادي ما كان، بل أن تصقلنا الحياة فنكون أقوى!
اليوم بعد كل تلك السنين أقف مكان أبي، وأشعر بدفء عناق أمي. ألمح في عيون أبنائي أبي ونفسي.. وعمري الذي مضى. أرى أبنائي بين ذراعي، أسمع دقات قلوبهم اللاهثة وعيونهم التي بدأت ترى الصورة بكل تفاصيلها وقد انحسرت الألوان الزهرية وكشفت الدنيا عن فصولها الأربعة. أرى دموع ابنتي وعينيها اللتين تمتلئان حباً وشوقاً وزرقة أبحر فيهما وأغرق.. أفتش بفضول عن ثغرة ألم حتى أسدها بكلتي يدي، بقلبي.. أعانقهم بقوة، أخبرهم أن الدنيا بخير، وأن الأمان على صدري. أذكرهم بدرسي الأول الذي تعلمت: الحب الحقيقي يا أطفالي لا يموت وإن خفت همسه وسط ضوضاء العمر التي لا ترحم. الماضي وإن كان مؤلماً بكل ما فيه، من الممكن أن يُصبح خارطة الحاضر ودليل المستقبل، فالله يكسرنا كي يبنينا.. أحزاننا إن صادقناها أصبحت الصديق الأوفى بعد أن كانت ألد الأعداء ذات مساء مظلم
كان أعظم ما أخبرني به أبي في لقاء الرحيل.. أن الموت لا يقتل الحب فينا بل يحييه. وإن فرّقتنا الأقدار، يبقى القلب العاشق ينبض دون لحظة صمت، وأن الحب وثيقة وقرار، لا تملك الأيام أن تمزقه وإن سافرت أجسادنا في رحلة النهاية ذات شتاءٍ مزعج
أعظم ما علمني هو أبي، أن أكون عاشقاً ثائراً رغم كل شيء.. رغم ألف قيد
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (http://forum.moe.gov.om/~moeoman/vb/showthread.php?t=551190&goto=newpost)
كان عمري آنذاك اثنيْ عشرَ عاماً. كنتُ طفلاً وكان اللقاء الأخير. لم أكن أعرف أنها لقطة الوداع. كنّا نسير سوياً في صالة السفر، خطواته كانت تقترب مني وكأنها تريد أن تبوح بأمرٍ ما أجهله.. وكأنها تعرف أن الرحيل آتٍ لا محالة فتأبى أن تبارح مكانها دون عناقٍ وقُبل..وظلان يتعانقان مخافة بعد يلوح في الأفق، وعيناي الشاردتان، ويدي الصغيرة، في يده الباردة، وصوته الدافئ المتعب، هامساً في قلبي المضطرب، بنبرة مسافر لن يعود.. أخبر والدتك أني أُحبها
الأقدار كانت ماهرة كعادتها في غزل التفاصيل! لم تكن صدفة أبداً أننا كنّا نسير أمام بوابات الانتظار والرحيل، وحولنا تلك المجاميع الهائلة من الدموع ومواكب الأعناق المتناثرة، وصفوف العيون الحزينة، وكأنها بروفة القدر الأولى في مسلسل فراق السفر الشهير، مقدمة لوداع موتٍ يتكرر بتغير الوجوه!! رحلتان طويلتان، لكن الثانية ذهابٌ بلا عودة
ليكتمل أول درس أتلقاه من معلمٍ غاب دون أن يُلقنني إياه، الحب باقٍ يا ولدي، حياتنا لا تساوي كثيراً بلا من نحب، للفراق ألمٌ وأنينٌ يوسمان القلب ببصمة تبقى فينا ما حيينا.. تعيش معنا. تكبر ولا تموت ما دام في العمر نبض. بعد خمسةٍ وعشرون عاماً، أستعيد الموقف وأستحضر كل لحظة.. أسمع دقات قلب ذلك الطفل تصرخ
أدركتُ بعد كل هذه السنين أن أبي حين رحل، ترك أثره بقلبي! وأن الذكريات تزداد شراسة. أكبر وتكبر بداخلي، تزرع مخالبها في ضلوعي ولا تتركني. بقي المشهد عالقاً في الذاكرة، ظلت اللقطة التي تمتلئ بالتفاصيل الشجية، بزواياها الكئيبة، الأيادي التي تلوح ببطء، تحمل بين أصابعها آلام الرحيل ودموع الفراق .فجأة يرتفع صوت الذكريات أكثر، تلوح في الظلام ملامح أمي وهي تخبرني أنها ترى أبي أحياناً في منامها يزورها يطلب منها أن يتنزها سوياً كما كانا يفعلان في مشوار الدنيا القصير. تسرح أمي بعيداً ولا تتكلم. ألمح في صمتها، أنّة شجن، أو ربما اشتياق.. أو ربما غضب. أتخيل الحلم الذي لم تروهِ، أغزل تفاصيله بأصابعي.. أسمع صوت أبي يُخبرني مبتسماً، وكأنه يُذكرّني.. يا ولدي لا تنسَ الدرس، كن تلميذاً نجيباً في هذه الحياة. القدر يصقل عقلك وقلبك لعمرٍ قادم، يهيئك لفصلٍ جديد ستعيشه حين تكبر، كن شجاعاً جداً حينها. وإن وقعت، وتألمت، وتلعثمت كما سقطت أنا ذات يوم، لا تنكسر. تذكر أنك لا تستطيع أن توقف عمراً أو تمنع قدراً.. تجاربنا تصنعنا!! لو عاد بنا العمر لعدنا لما فعلنا، الحكمة ليست في تفادي ما كان، بل أن تصقلنا الحياة فنكون أقوى!
اليوم بعد كل تلك السنين أقف مكان أبي، وأشعر بدفء عناق أمي. ألمح في عيون أبنائي أبي ونفسي.. وعمري الذي مضى. أرى أبنائي بين ذراعي، أسمع دقات قلوبهم اللاهثة وعيونهم التي بدأت ترى الصورة بكل تفاصيلها وقد انحسرت الألوان الزهرية وكشفت الدنيا عن فصولها الأربعة. أرى دموع ابنتي وعينيها اللتين تمتلئان حباً وشوقاً وزرقة أبحر فيهما وأغرق.. أفتش بفضول عن ثغرة ألم حتى أسدها بكلتي يدي، بقلبي.. أعانقهم بقوة، أخبرهم أن الدنيا بخير، وأن الأمان على صدري. أذكرهم بدرسي الأول الذي تعلمت: الحب الحقيقي يا أطفالي لا يموت وإن خفت همسه وسط ضوضاء العمر التي لا ترحم. الماضي وإن كان مؤلماً بكل ما فيه، من الممكن أن يُصبح خارطة الحاضر ودليل المستقبل، فالله يكسرنا كي يبنينا.. أحزاننا إن صادقناها أصبحت الصديق الأوفى بعد أن كانت ألد الأعداء ذات مساء مظلم
كان أعظم ما أخبرني به أبي في لقاء الرحيل.. أن الموت لا يقتل الحب فينا بل يحييه. وإن فرّقتنا الأقدار، يبقى القلب العاشق ينبض دون لحظة صمت، وأن الحب وثيقة وقرار، لا تملك الأيام أن تمزقه وإن سافرت أجسادنا في رحلة النهاية ذات شتاءٍ مزعج
أعظم ما علمني هو أبي، أن أكون عاشقاً ثائراً رغم كل شيء.. رغم ألف قيد
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (http://forum.moe.gov.om/~moeoman/vb/showthread.php?t=551190&goto=newpost)