بسام الكمزاري
14-09-2011, 10:06 PM
العصبية القبلية: ما لها وما عليها في الحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى الجزء الأول
http://www.musandam.net/up//uploads/images/musandam72ed73517b.gif
لعل من الظواهر التي تبرز على السطح هذه الأيام، والتي لها علاقة بالحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى"العصبية القبلية" وهي ظاهرة لها بعدها المعنوي، ومخطئ من يظن أن جذوتها خبت، مع ظهور مفهوم الدولة الحديثة في عالمنا العربي فهي ظاهرة لا تزال تخامر وجدان التراث العربي منذ أقدم العصور، وإلى اليوم حتى في ظل عصر التقنية وثورة الاتصالات. حتى الدين وهو المعول عليه، لم يقظ على هذه الظاهرة في المجتمعات العربية رغم عصرنتها، وإن كان هناك تشجيع للتقليل من قيمتها وحث المسلمين على تركها إذا ما تعارضت مع القيم والمثل العليا، التي دعا إليها الإسلام ومنها الأخوة والمساواة كما جاء ذلك في ميثاق الصحيفة بالمدينة المنورة، وقد روي عن الرسول(صلى الله عليه وسلم) قوله: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى..".
ويمكن أن نستحضر أيضا هنا، موقف الخليفة عمر بن الخطاب من عمرو بن العاص والي مصر وإبنه
عندما ضرب ابن القبطي، وقال قولته المشهورة:" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
وقبل أن أنتقل إلى صلب الموضوع أود التنبيه، بأنه لا ينبغي النظر إلى العصبية القبلية على أنها ظاهرة سلبية مطلقة
ولكن بقدر ما ينتج عنها، أو طريقة فهمنا لها يمكن أن يكون لها تأثيراً إيجابيا أو سلبيا
وبما أن الموضوع طويل ومتشعب ومعقد سأحاول مناقشته معكم بشكل مبسط قدر المستطاع
وقد ارتأيت تقسيمه إلى جزئين:
الجزء الأول:
مدخل عام أحاول من خلاله تقديم إطار نظري لمفهوم العصبية القبلية ، مازجاً بين المفهوم الاصطلاحي برؤية الفكر الإنساني كما يراه بعض الباحثين والدارسين وبالأخص إبراز رؤية أحد أبرز المنظرين لهذه الظاهرة، وهو ابن خلدون رائد علم الاجتماع، وإذا كنت في هذا الجزء سأحاول ملامسة الموضوع من منطلق فلسفة التنظير فإن في الجزء الثاني سأعني فيها بملامسة الواقع الحالي الذي نعايشه كمجتمع عماني هو جزء من منظومة العالم العربي الذي نعيش وسط محيطه.
إن العصبية بمفهومها العام:
"هي صلة رحم طبيعية في البشر، يحصل بها بين أبناء النسب القريب، والتناصر، والإتحاد، والالتحام" ويرى ابن خلدون أن العصبية قوة طبيعية متعددة الحدود والوظائف، فهي بنظره أداة لتأليف الأفراد وتجميعه وأداة التغلب على العصائب والجماعات، وأداة للمطالبة والمقاومة والمدافعة والحماية.
على هذا ينظر إليها ابن خلدون في المفهوم السالف الذكر باعتبارها عنصر إيجابي معنوي فاعل في المجتمع، ولكن ذلك المفهوم بتلك الطريقة قد يصدق على المستوى الفردي أما على مستوى النظام السياسي فقد يختلف الحال، خاصة إذا وظفت العصبية القبلية لتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، فعندها تصبح أداة سلبية ومعول هدم، لا وسيلة بناء، وإلا لما ابتليت مجتمعاتنا بداء اسمه"الواسطة"، بل حتى الموروث الثقافي يكرس ذلك فيقال في الأمثال: "القريب أولى من الغريب"، لكن ماذا لو أن ذلك القريب لا يصلح، ولا يملك مؤهلات ليكون أولى من الغريب؟ وما العيب أن يكون الغريب أولى، لو كان هو الأجدر والأفضل؟.
وعندما كان مجتمع الأمس أقرب في التأثّر بالدين من مجتمع اليوم كان هناك أشبه ما يمكن أن أسميه بالتدافع، ذلك أن الدين بتأثيره كان يساعد على تهذيب العصبية القبلية
وتوجيهها وجهة إيجابية، ولعل من هذا المنطلق كان يفكر ابن خلدون لدرجة أنه اعتبر فساد عصبية الدولة عامل من عوامل سقوط الدول في دورتها الحضارية.
ولفترة طويل ظل التراث السياسي في الإسلام قائما على المعادلة التالية: عصبية(رابطة عرقية، وولاء، أو انتماء + نبوة(الدين)= سلطة
لكن سرعان ما استبدلت هذه المعادلة حسب وجهت نظري على النحو التالي: مال + وجاهة= سلطة
ومن جهة أخرى قد تبدو الصورة أكثر تلميعا لدى بعض المجتمعات في العصر الحديث، مستفيدة من أطروحات عصر التنوير الأوربي فقد سعى بعض رواد الفكر، والثقافة والسياسة، إلى تأسيس الأحزاب بحيث تحل النزعة التحزبية محل العصبية القبلية غير أن واقع الحال يقول أن النزعة الحزبية لم تلغٍ النزعة العصبية، ولكن ألبستها لبوساً جديدا ، "فأصبحت الحزبية المعاصرة نسخة طبق الأصل من العصبية المؤسسة على الولاء والانتماء" باختصار أضحى الولاء للحزب بدل الولاء للقبيلة.
وهناك توجهات لدى البعض في الدعوة إلى الاستعاضة عن العصبية القائمة على صلة الدم أو الرحم بالعصبية القائمة على صلة الفكر في العصر الحديث. وهناك من يرى أن النزعات المعاصرة كالعرقية والإقليمية والحزبية إنما يندرج في نفس المعنى الخلدوني للعصبية بل أن البعض ذهب لأكثر من هذا، حين فسّروا- تجاوزا -العصبية بالقومية، معتبرين إياها مؤسسة الدولة والمجتمع المدني.
لا أخفي عليكم صعوبة فهم ما أرمي إليه، ولعل ذلك منشأه ذلك الكم المعقد والمتشابك لهذا الموضوع وعلى ذلك فالأمر يقتضي التأني في فهم ملابساته، والرجوع إلى جذوره.
وحتى لا أطيل عليكم هنا سأعود من جديد في الجزء الثاني المكمل لهذا الموضوع، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
- ما هو الواقع القبلي في معترك الحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى في الفترة القادمة؟.
- هل انتخابات مجلس الشورى شأن قبلي، أم هو شأن عام يخص كافة أطياف المجتمع؟.
- هل من صالح المجتمع توظيف العامل القبلي والتعويل عليه في اختيار المرشح الأنسب؟.
- لماذا يتخوف البعض من وصول مرشح له عصبية قبلية في ظل نظام مؤسساتي يحترم سيادة القانون؟.
- ألم تكن هناك تجارب ناجحة، ووصل مرشحون لم يكن لهم ثقل قبلي، بل كان نجاحهم نابع من ثقة الناس بهم
وإحساسهم بأن حسن التعامل، والمشاركة المجتمعية، والتفاعل مع هموم ممثليهم، ومحاولة تلبية احتياجاتهم معنويا وماديا.
- ألم يكن التاريخ العماني شاهداً على تجارب حية، على اختيار الأكفأ وليس الجاه القبلي لمن هو مؤهل لتولي المسؤولية، وحتى لا تستأثر القبيلة
وينقاد وينصاع لما تمليه عليه عصبيته القبلية، فينحاز لها، ولا يستمع إلا لها راضيا بذلك أم مجبرا.
- وأسئلة أخرى يمكن أن تطرح هنا بما يخدم هذا الموضوع.
منقول من قلم كاتب باارز لم يذكر أسمه ..
http://www.musandam.net/up//uploads/images/musandam72ed73517b.gif
لعل من الظواهر التي تبرز على السطح هذه الأيام، والتي لها علاقة بالحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى"العصبية القبلية" وهي ظاهرة لها بعدها المعنوي، ومخطئ من يظن أن جذوتها خبت، مع ظهور مفهوم الدولة الحديثة في عالمنا العربي فهي ظاهرة لا تزال تخامر وجدان التراث العربي منذ أقدم العصور، وإلى اليوم حتى في ظل عصر التقنية وثورة الاتصالات. حتى الدين وهو المعول عليه، لم يقظ على هذه الظاهرة في المجتمعات العربية رغم عصرنتها، وإن كان هناك تشجيع للتقليل من قيمتها وحث المسلمين على تركها إذا ما تعارضت مع القيم والمثل العليا، التي دعا إليها الإسلام ومنها الأخوة والمساواة كما جاء ذلك في ميثاق الصحيفة بالمدينة المنورة، وقد روي عن الرسول(صلى الله عليه وسلم) قوله: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى..".
ويمكن أن نستحضر أيضا هنا، موقف الخليفة عمر بن الخطاب من عمرو بن العاص والي مصر وإبنه
عندما ضرب ابن القبطي، وقال قولته المشهورة:" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
وقبل أن أنتقل إلى صلب الموضوع أود التنبيه، بأنه لا ينبغي النظر إلى العصبية القبلية على أنها ظاهرة سلبية مطلقة
ولكن بقدر ما ينتج عنها، أو طريقة فهمنا لها يمكن أن يكون لها تأثيراً إيجابيا أو سلبيا
وبما أن الموضوع طويل ومتشعب ومعقد سأحاول مناقشته معكم بشكل مبسط قدر المستطاع
وقد ارتأيت تقسيمه إلى جزئين:
الجزء الأول:
مدخل عام أحاول من خلاله تقديم إطار نظري لمفهوم العصبية القبلية ، مازجاً بين المفهوم الاصطلاحي برؤية الفكر الإنساني كما يراه بعض الباحثين والدارسين وبالأخص إبراز رؤية أحد أبرز المنظرين لهذه الظاهرة، وهو ابن خلدون رائد علم الاجتماع، وإذا كنت في هذا الجزء سأحاول ملامسة الموضوع من منطلق فلسفة التنظير فإن في الجزء الثاني سأعني فيها بملامسة الواقع الحالي الذي نعايشه كمجتمع عماني هو جزء من منظومة العالم العربي الذي نعيش وسط محيطه.
إن العصبية بمفهومها العام:
"هي صلة رحم طبيعية في البشر، يحصل بها بين أبناء النسب القريب، والتناصر، والإتحاد، والالتحام" ويرى ابن خلدون أن العصبية قوة طبيعية متعددة الحدود والوظائف، فهي بنظره أداة لتأليف الأفراد وتجميعه وأداة التغلب على العصائب والجماعات، وأداة للمطالبة والمقاومة والمدافعة والحماية.
على هذا ينظر إليها ابن خلدون في المفهوم السالف الذكر باعتبارها عنصر إيجابي معنوي فاعل في المجتمع، ولكن ذلك المفهوم بتلك الطريقة قد يصدق على المستوى الفردي أما على مستوى النظام السياسي فقد يختلف الحال، خاصة إذا وظفت العصبية القبلية لتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، فعندها تصبح أداة سلبية ومعول هدم، لا وسيلة بناء، وإلا لما ابتليت مجتمعاتنا بداء اسمه"الواسطة"، بل حتى الموروث الثقافي يكرس ذلك فيقال في الأمثال: "القريب أولى من الغريب"، لكن ماذا لو أن ذلك القريب لا يصلح، ولا يملك مؤهلات ليكون أولى من الغريب؟ وما العيب أن يكون الغريب أولى، لو كان هو الأجدر والأفضل؟.
وعندما كان مجتمع الأمس أقرب في التأثّر بالدين من مجتمع اليوم كان هناك أشبه ما يمكن أن أسميه بالتدافع، ذلك أن الدين بتأثيره كان يساعد على تهذيب العصبية القبلية
وتوجيهها وجهة إيجابية، ولعل من هذا المنطلق كان يفكر ابن خلدون لدرجة أنه اعتبر فساد عصبية الدولة عامل من عوامل سقوط الدول في دورتها الحضارية.
ولفترة طويل ظل التراث السياسي في الإسلام قائما على المعادلة التالية: عصبية(رابطة عرقية، وولاء، أو انتماء + نبوة(الدين)= سلطة
لكن سرعان ما استبدلت هذه المعادلة حسب وجهت نظري على النحو التالي: مال + وجاهة= سلطة
ومن جهة أخرى قد تبدو الصورة أكثر تلميعا لدى بعض المجتمعات في العصر الحديث، مستفيدة من أطروحات عصر التنوير الأوربي فقد سعى بعض رواد الفكر، والثقافة والسياسة، إلى تأسيس الأحزاب بحيث تحل النزعة التحزبية محل العصبية القبلية غير أن واقع الحال يقول أن النزعة الحزبية لم تلغٍ النزعة العصبية، ولكن ألبستها لبوساً جديدا ، "فأصبحت الحزبية المعاصرة نسخة طبق الأصل من العصبية المؤسسة على الولاء والانتماء" باختصار أضحى الولاء للحزب بدل الولاء للقبيلة.
وهناك توجهات لدى البعض في الدعوة إلى الاستعاضة عن العصبية القائمة على صلة الدم أو الرحم بالعصبية القائمة على صلة الفكر في العصر الحديث. وهناك من يرى أن النزعات المعاصرة كالعرقية والإقليمية والحزبية إنما يندرج في نفس المعنى الخلدوني للعصبية بل أن البعض ذهب لأكثر من هذا، حين فسّروا- تجاوزا -العصبية بالقومية، معتبرين إياها مؤسسة الدولة والمجتمع المدني.
لا أخفي عليكم صعوبة فهم ما أرمي إليه، ولعل ذلك منشأه ذلك الكم المعقد والمتشابك لهذا الموضوع وعلى ذلك فالأمر يقتضي التأني في فهم ملابساته، والرجوع إلى جذوره.
وحتى لا أطيل عليكم هنا سأعود من جديد في الجزء الثاني المكمل لهذا الموضوع، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
- ما هو الواقع القبلي في معترك الحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى في الفترة القادمة؟.
- هل انتخابات مجلس الشورى شأن قبلي، أم هو شأن عام يخص كافة أطياف المجتمع؟.
- هل من صالح المجتمع توظيف العامل القبلي والتعويل عليه في اختيار المرشح الأنسب؟.
- لماذا يتخوف البعض من وصول مرشح له عصبية قبلية في ظل نظام مؤسساتي يحترم سيادة القانون؟.
- ألم تكن هناك تجارب ناجحة، ووصل مرشحون لم يكن لهم ثقل قبلي، بل كان نجاحهم نابع من ثقة الناس بهم
وإحساسهم بأن حسن التعامل، والمشاركة المجتمعية، والتفاعل مع هموم ممثليهم، ومحاولة تلبية احتياجاتهم معنويا وماديا.
- ألم يكن التاريخ العماني شاهداً على تجارب حية، على اختيار الأكفأ وليس الجاه القبلي لمن هو مؤهل لتولي المسؤولية، وحتى لا تستأثر القبيلة
وينقاد وينصاع لما تمليه عليه عصبيته القبلية، فينحاز لها، ولا يستمع إلا لها راضيا بذلك أم مجبرا.
- وأسئلة أخرى يمكن أن تطرح هنا بما يخدم هذا الموضوع.
منقول من قلم كاتب باارز لم يذكر أسمه ..