المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كعشب بين مفاصل صخرة



الخاتون
14-03-2015, 02:40 PM
الإنسان مجموعة من الرغبات المختلفة وأحيانا المتضادة . وعلم النفس يقسم الإنسان إلى ذات وهامش .

الذات هي العوالم الحقيقية الداخلية أما الهامش فهو العالم المكتسب والذي تنظمه النواميس الاجتماعية المختلفة ، ويبدو أن الإنسان لا ينتسب لا إلى الذات بالمطلق ، ولا إلى الهامش بالمطلق ، إنه يقع في منتصف المسافة بين الأمرين ، أو إنه مركب منهما ، وهو ما

اعتنت السيكولوجيا الحديثة بدراسته في تأملها لتلك العلاقة الملتبسة بين الوعي واللاوعي ، وفي ملاحظتها لأن كثيرا من سلوك الناس قد يتضاد مع الرغبات العميقة في النفس ، كأن للإنسان عالمين متضادين ، واحد من المشاعر والأهواء التي تعتمل في داخله ، وآخر من خلاصة تصالحه مع محيطه الاجتماعي ، وكلما احتدم الصراع بين العالمين ازداد العذاب والتشتت .

ويبدو أن الناس أنفسهم كتركيب روحي منقسمين بين فريقين ، أحدهما تكون الرغبات الفطرية لديه عالية أو محتدة فيواجه صراعا يوميا بين ذاته ومحيطه ، وفريق آخر على النقيض تكون الصفات المكتسبة لديه من المحيط أقوى وأشد أثرا ، فينكفئ الصراع إلى

ذاته حين يتعين عليه إقصاء أو حتى قمع الرغبات التي يراها لا تستقيم مع المكتسب من التصورات والقناعات لأن منطق المحيط أقوى عادة من منطق الذات ، ولأن المحيط قادرعلى تعطيل ذلك النوع من الرغبات التي يجدها غير متسقة مع ما استقر عليه الرأي من أحكام وقواعد .

لكن هناك رغبات صغيرة ، ناعمة ، حلوة لدى كل منا ، ومن حقها أن تعبر عن نفسها ، بل هي قادرة على فعل ذلك تماما ، " كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة " ، من هذه الرغبات الناعمة يتشكل ما يمكن أن نسميه العالم الروحي للإنسان ، في تفاصيله

الحميمة ، التي سيكون من ضرب التعسف محاولة عقلنتها أو إقصائها ، لأن الحياة حينذاك ستتحول إلى صحراء جافة قاسية ، خالية من الفسح والفضاءات التي تجعل من الإنسان أكثر ألقا وأكثر إنسانية وشفافية وعذوبة .

من المفهوم أن الإنسان لا يستطيع أن يحقق كل رغباته في آن واحد .

لتحقيق رغبة ما لابد من الإقصاء ولو المؤقت للرغبة النقيض ، ولكن الرغبات المختلفة لا تتجاوز في ذات الإنسان وحده ، إنها تتجاوز وتتناقض في المحيط الاجتماعي كله ، وهو ما أدى إلى تبلور مفهوم الحرية المسؤولة التي تسمح للرغبات المختلفة بالتعايش .


وفي الميدان الاجتماعي ، فضلا عن العالم الروحي ، فإن الكثيرين لا يبدون مستعدين للقبول بهذا التجاور ، إنهم ينزعون أكثر فأكثر لإقصاء كل رغبات الآخرين مقابل تسييد رغبة واحدة هي رغبتهم .