تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : يوم على الشاطئ



الخاتون
22-03-2015, 03:19 PM
مر بإحدى فترات الكآبة وكان يتمتم لنفسه يوميا : " يجب عليّ الخروج منها " ، سيعود للحياة معناها ولكن الأيام العقيمة امتدت ، فلجأ إلى صديقه الطبيب وسأله : " هل تستطيع مساعدتي ؟ " .

سأله الطبيب : " أين كنت تجد أسعد لحظاتك ، وأنت طفل ؟ " .
قال : " على الشاطئ ، لدينا كوخ صيفي هناك ! " .

طلب منه الذهاب إليه وحده صباح اليوم التالي ، على أن يصل هناك قبل التاسعة ، مشترطا عليه ألا يقرأ ، أو يكتب ، أو يستمع إلى الراديو أو يتحدث مع أي شخص ، وكتب له وصفة على أربع ورقات وطواها قائلا : " خذها في التاسعة صباحا والثانية عشرة ظهرا والثالثة عصرا والسادسة مساء " .

قاد سارته إلى الشاطئ في صباح اليوم التالي وكان خاليا ، وبدا البحر كئيبا وغاضبا ، فجلس في السيارة وأخرج أول ورقة وقرأ : " أنصت بعناية " .

حملق في الكلمتين ، وفكر ، لقد حرم عليه الطبيب سماع كل شيء ، فأي شيء يسمع ؟

رفع رأسه ، وأنصت ، لم يكن هناك إلا صوت هدير البحر وصياح أجش لأحد طيور النورس ، وأزيز بعض الطائرات في السماء .
خرج من السيارة ، فأغلقت عصفة ريح الباب بصفعة مفاجئة . تسلق تلا رمليا ، وكان صوت خوار البحر عاليا جدا ، أحنى رأسه مقحما إياه في أجمة من العشب البحري ، أنصت بتركيز وشعر بتوقف كل شيء في حالة إنتظار ، وفي لحظة السكون تلك ، توقفت أفكاره واستراح عقله !

بحلول الظهر فتح الورقة الثانية وقرأ : " حاول الرجوع للخلف " . غادر السيارة ، مفكرا : ربما كان عليّ الرجوع إلى ذكرياتي نصف المنسية .

قرر استرجاع التفاصيل كافة التي يمكنه استرجاعها واختار الرجوع عشرين سنة على آخر رحلة صيد أسماك قام بها مع أخيه الأصغر ، الذي توفى في الحرب العالمية الثانية .

أغمض عينيه ورآه في حيويته المدهشة بل ورأى المرح في عينيه ، وسمع صرخاته المبتهجة ، ثم تلاشت الصور .
مرت الفترة الثانية بسرعة أكبر ، وبحلول الساعة الثالثة كانت كلمات الورقة الثالثة تقول : " أعد دراسة دوافعك " .

قال لنفسه : لا شيء يعيب دوافعي ، فأنا أريد أن أكون ناجحا ، من ذا الذي لا يريد ؟!
رد عليه صوت خفيض في مكان ما بداخل عقله : ربما لا تكون دوافعك بالجودة الكافية ، وربما يكون هذا سبب توقف العجلات عن الدوران !

عندما كان عمله ينجح ، كان منطلقا فيه بتلقائية وحرية ، أما في الآونة الأخيرة ، فقد كان دائما ينظر إلى المكافآت التي تمنى أن تجلبها له الوظيفة ، لم يعد العمل غاية ، بل أصبح وسيلة للحصول على المال ، ودفع الفواتير ، وضاع الشعور بالإسهام في شيء أو مساعدة الناس ، في محاولة مسعورة للتعلق بالأمان .

جلس هناك لمدة طويلة مستمعا إلى خرير تكسر الأمواج ، وقد تبدل إلى هدير مكتوم مع عودة المد ، وانتابه شعور بالإعجاب بالدكتور .

كانت آخر ورقة بها أربع كلمات ، قرأها وهو يسير ببطء على الشاطئ وكانت : " اكتب مشكلاتك على الرمال " ، التقط كسرة صدفة ، وكتب ، ثم مشى بعيدا عنها ، ولم ينظر وراءه ، لقد كتب مشكلاته على الرمال وكان المد يرتفع !
من قصص كتاب " شوربة دجاج للروح الايجابية " .