المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرية الحكم وبناء الهوية في فكر السلطان قابوس



حواليكم
17-04-2015, 04:40 PM
انطلاقا من تطبيقات نظرية تحليل الخطاب السياسي والجماهير ي والإعلامي للسلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان المفدّى وتطبيقات المنهج المقارن على المبادئ العامة للسياسة العُمانية الحديثة في الداخل والخارج التي وضع خطوطها العريضة السلطان قابوس المفدّى منذ البدايات الأولى لبناء الدولة الحديثة في سبعينيات القرن العشرين. ومن خلال التحليل الكيفي من منظور الاتجاه الإنساني humanistic trend والبحث وراء علاقات القوة التي حاولت النصوص الإعلامية التعبير عنها، واستخدام تطبيقات السيميائية في تحليل النصوص، والفحص الدقيق لمصادر مادة الخطاب ومحاولة تحليلها مع الأخذ في الاعتبار دور النظرية البراجماتية للمعنى وقواعد التفسير علي أساس التحليل البنيوي.
أولا- نظرية الحكم:

من خلال تحليل نصوص الخطاب الإعلامي والجماهير تكشَّف لنا أنَّ منظومة الحكم في سلطنة عُمان تنطلق من جذور تاريخية ضاربة في القدم وتتكأ على الثوابت للنموذج السياسي الذي قدمه فقهاء الإسلام التنويريين لنظرية الحكم من (شورى وإجماع، وعقد، وبيعة، وحرية المعتقد) التي أكدت على الثوابت التالية:
(1) توحّد الوطن كدولة سياسية تحت قيادة موحدة.
(2) اعتراف الدولة بحرية المعتقد للمذاهب المختلفة.
(3) القبول بالواقع القبلي والعشائري (القاعدة الاجتماعية والاقتصادية لتلك الدولة).

وقد تبيَّن لنا أنّ الفكر السياسي الإباضي هو أحد أهم روافد الرؤية السياسية للحكم في سلطنة عُمان؛ بل إنه يشكل مرجعية تاريخية وسياسية في ثقافة إدارة شؤون الدولة وسياسة البلاد والعباد وكان من أهم مفاعيلها نفي (مبدأ القرشية) وهو نفي يتفق وروح الإسلام الذي ساوى بين الناس جميعًا. ويرى في السياسة (وسيلة) تمكّن الفرد من اجتياز الاختبار الدنيوي والوصول إلى يوم الحساب وكان هذا سببا في أن تنزع (فلسفة الحكم) عند السلطان قابوس منذ البداية نحو السياسة، بل استنبطت المبادئ العامة لسياسة الدولة من جوهر الإسلام. وهو ما توصلت إليه دراسة محمود مسعود شيبة نصار في أطروحته بكلية الدراسات الإسلامية.

ولذا من يطالع محاورات السلطان قابوس (نظريا)، ويحاول مطابقتها مع الوقائع على الأرض، ففي حوار له مع مجلة المصور المصرية أعادت نشره جريدة عُمان يوم 04\04\1985 يقول: (لقد تعايشت هذه المذاهب في تواد وتراحم.. لأن جوهرها يعبر عن روح الإسلام. إنه دين العقل الذي لم يغلق أبدا باب الاجتهاد لكي يبقى المسلمون دائما على وفاق مع عصرهم.. وللأسف فإن البعض يريد للإسلام الجمود وللمسلمين التخلف عن روح العصر.. هؤلاء فيما أعتقد لا يخدمون الإسلام وإنما يخدمون أهدافا أخرى غريبة عن الإسلام وليست في صالحه). وهنا يمكن للقارئ استنباط الخطوط العريضة لرؤية السلطان قابوس السياسية ومبادئ سياسته في قيادة الدولة بل والغوص وراء المعاني لاكتشاف المعين الذي يستقي منه أفكاره والأسباب الكامنة في فلسفة حكمه والتي انطلق منها في بناء دعائم دولته،، وسعيه المتواصل إلى تحقيق أهدافه الاستراتيجية التي خطّ معالمها منذ بداية الطريق وكان من أهم هذه المبادئ:

(1) هدف السياسة في الإسلام إقامة الدين وتدبير سياسة المحكومين.
(2) ليس للإسلام صورة واحدة في النظام السياسي، ومن يعتقد أنَّ للإسلام صورة واحدة في نظام الحكم فقد جاوز الصواب.
(3) ليس نظام الحكم في الإسلام وراثيا، ولا ثيوقراطيا يستغل به رجال الدين سيطرتهم على العباد. إنما هو نظام حياتي مستمد من الوحي ومعايش للواقع المستجد في ظل أهل الحل والعقد.
(4) نظام السياسة في الإسلام لا يحجم عن الغير بل يستفيد من تجاربهم.
(5) في السياسة الإسلامية القدوة قبل السلطة، والتوجيه قبل التشريع؛ ذلك لأن السلطة والقدوة متعاونتان، لأن النفس البشرية تتردد بين رغب ورهب؛ فالقدوة تولد الرغب والسلطة تولد الرهب، والقوة تدفع والسلطة تزع.
(6) تتسم السياسة في الإسلام بالثبات لا الجمود، والتوازن، والعدل.
(7) هي سياسة هادفة إلى العزة والكرامة الإنسانية والخيرية والعدل المطلق، ونفي العنصرية، كما تهدف إلى البرِّ، والقسط، والرحمة، وتهدف إلى قدسية المعاملات والمواثيق الدولية.
(8) هي سياسة مقاصد، توصف بالإيجابية والتسامح والصالح العام والعمل مع الفطرة لا ضدها.
ثانيا - بناء مجتمع أفضل:

وانطلاقًا من المبادئ السابقة قمنا بإجراء العديد من تطبيقات السيميولوجيا (العلاماتية) على نصوص المواد الصحفية وبخاصةً حوارات السلطان قابوس مع وسائل الإعلام العربية والأجنبية ومحاولة الاستفادة منها في حقل تحليل النصوص الإعلامية، انتهى إلى نتيجة مفادها أنّ السلطان قابوس ركّز في جُلّ أحاديثه وتصريحاته ومحاوراته للصحفيين العرب والأجانب على سعيه الدؤوب نحو بناء مجتمع أفضل في سلطنة عمان ينطلق من بنية فكرية وعلمية تقوم على بناء البشر قبل الحجر. ويمكن إيجازها في ثلاثة محاور:
(1) أنَّ المنظور القرآني والمنظور المدني يتطابقان في الاهتمام بدور العقل الرائد في فهم الكون وتيسير شؤون الناس ومجتمعاتهم.
(2) على الرغم من إشكالية الصحة والزلل التي تتصف بها المعرفة البشرية فإنّ ذلك لا يجب أن يؤدي إلى تهميشها اقتناعًا بأن التفكير العقلي هو أهم صفة ميّز بها القرآنُ الإنسانَ على بقية الكائنات الأخرى.
(3) المعرفة العقلية: مهما تكثفت مصادرها وفروعها وتكاملت، فإنها تبقى معرفة تتسم بإمكانية الخطأ والصواب وهي ظاهرة دائبة الحركية والاجتهادات، والتأزم والصراعات الجدلية المستمرة من دون الظفر المؤكد بتاج المصداقية المطلقة وتظل دائما مزيجا من الشك واليقين.

والخلاصة: أنّ المجتمع الإنساني الأمثل في القرن الحادي والعشرين اليوم، أو في الماضي القديم، أو في المستقبل البعيد لا يبدو أنّه قابل للتحقيق إلا في تلاحم جدلي بين المعرفة الإنسانية والمعرفة السماوية، أي عندما تقع هندسة المجتمع كنتيجة لحوار بين الهدي السماوي ونور العقل الإنساني هنا على الأرض. إنّه باختصار مجتمع حوار النقل مع العقل كما قال أهل الذكر المسلمون الأولون.
ثالثًا - مشروع بناء الهوية الوطنية:

بمطابقة النصوص بالوقائع على الأرض اتضح أنّ السلطان قابوس المفدّى - آمن مبكرا ومنذ اللحظة الأولى التي قاد فيها مسيرة النهضة في سلطنة عُمان - بحتمية إنجاز مشروع لبناء الهوية الوطنية الواحدة والجامعة لكافة مكونات المجتمع كأساس وخطوة أولى في بناء الدولة الحديثة. ويقصد بالهوية الوطنية الواحدة ذلك الوعاء الوطني الكبير الذي يعترف ويوثق ويستوعب كل طوائف ومكونات المجتمع، ويخلق منه وبه كيانا كبيرا وقويا يمثل الجميع ولا يقصي أو يلغي أحدا، بل يقويه وينميه داخل الإطار الوطني العام الذي يقوي كل مكوناته.. كما يصنع نقطة تلاق وارتكاز وانطلاق واحدة للمجتمع لينطلق منها لتحقيق أهدافه العليا. الهوية الوطنية هي أيضا الدستور الضمني غير المكتوب وغير المعلن، ولكنه كائن ومتجسد في نفوس أبناء الوطن الواحد فليعتنقوه ويطبقوه ويحافظوا عليه كجزء من تكوينهم الوجداني والذهني والنفسي قبل أن يكون مكونا ثقافيا وقانونيا يرجع إليه - وفق رؤية الباحث إبراهيم رمضان الديب - وإن عبقرية الهوية الوطنية الواحدة الجامعة تتمثل أيضا في:

(أ‌) قدرتها الكامنة على تحويل التعدد والتنوع الطبيعي للمجتمع إلى ثروة وطنية لتنمية ونهضة المجتمع، وتحويل التقاطع والصراع الطائفي إلى احتشاد منظم نحو بوصلة وطنية واحدة.
(ب‌) نزع فتيل المفجر النفسي والذهني الخاص بالخوف لدى كل فصيل على حاضره ومستقبله خشية الإقصاء والحرمان من حقوقه الخاصة والعامة، والذي يدفع الإنسان والتجمع البشري بفطرته نحو التقوقع حول ذاته، ثم محاولات تحصينها وتقويتها تمهيدا للصراع مع الآخر، مما يحول المجتمع إلى جزر منعزلة متقاطعة المصالح جاهزة للصراع الناعم ثم الصلب المدمر لمقومات المجتمع، وتحويل هذه الطاقة والقوة النفسية السلبية المشحونة داخل النفوس القلقة الخائفة التي تعد نفسها وتحشد مواردها وطاقتها للصراع المحتوم المقبل في أي لحظة، تحوله إلى طاقة إيجابية من الحب والتعاون والتكامل لبناء وتنمية الوطن. وتستند عملية بناء وتمكين الهوية الوطنية الواحدة الجامعة لمكونات المجتمع إلى منظومة متكاملة من المبادئ والمرتكزات يأتي في مقدمتها:
(1) الهوية الوطنية للمجتمع تتشكل من جزء صلب وهو اللغة والتراث التاريخي للمجتمع، وآخر مرن وهو القيم الحاكمة لهذا المجتمع بالإضافة إلى رؤيته وأهدافه المستقبلية.
(2) الاعتراف الكامل بكل المكونات الطائفية الموجودة في المجتمع وحقها الكامل من المواطنة الحقيقة متساوية الحقوق والواجبات مع الجميع.
(3) الاستناد إلى الوجود التاريخي كأحد المكونات التاريخية لهذا المجتمع، وليس الأكثرية العددية.
(4) الاستناد إلى منظومة القيم الإنسانية العالمية المتعارف عليها عالميا بالحرية والتسامح والإخاء الإنساني والعدل والمساواة والتراحم والتي تعزز احترام وحماية حقوق الإنسان والتعايش السلمي وصيانة وتعزيز الحريات الخاصة والعامة وإعلاء وتمكين وتطبيق القانون بما يضمن الأمن والاستقرار المجتمعي.
(5) القيم المشتركة لكافة مكونات المجتمع الواحد والتي تمثل نقطة الارتكاز الصلبة في بناء المجتمع الواحد، وذلك ما ذهب إليه مالك بن نبي حين تحدث عن فكرة التركيب النفسي للثقافة وتكوينها من تركيب جزئي وتركيب عام من مكونات متنوعة ومختلفة.
(6) منظومة القيم الفرعية التفصيلية لقيمة المواطنة (الاحترام, والعدل، والمساواة، والالتزام والانضباط، والمؤسسية) كقيمة عامة حاكمة لسلوك وأداء المجتمعات الحرة الحديثة.
(7) مجموعة قيم الرقابة الشعبية وفى مقدمتها الإيجابية، والتطوع، والمبادرة، والحكمة، والوعي, واليقظة، وتقديم الهم والمصلحة العامة على الخاصة، والتي تعزز تمكين الإرادة الشعبية، خاصة عندما يتم وضعها في أطر مؤسسية متنوعة لمؤسسات ومجالات عمل المجتمع المدني كمكمل وداعم لأدوار ومهام الحكومة، ومراقب لها، ومعزز لأدائها ولخدمة مصالح الجماهير.
رابعًا – نظرية الأدوار المتكاملة:

بدراسة التغطية الإخبارية لمشاريع التنمية الوطنية في سلطنة عمان على صفحات جريدة عُمان وإشارات السلطان قابوس إليها في أحاديثه الصحفية أكد أنّ السلطان وضع لنفسه وبلاده هدفًا استراتيجيا منذ اللحظات الأولى لمجيئه للحكم تمثّل في (بناء دولة حديثة)، يشارك فيها العمانيون كلٌ على قدر طاقته ومهارته، ووضع خطط تنموية على أسس علمية تسعى في وقت قياسي غلى إعادة إعمار الدولة وإعادتها إلى الواجهة الحضارية بعد عزلة دامت أربعين عاما وشغل نفسه بشعبه وابتعد عن أضواء البهرجة الإعلامية إدراكا منه واقتناعًا بأنّ عصر الزعامات قد انتهى وأنّ القائد الحقيقي لا يبحث عن دور خارج حدود بلاده بل هو من يشغل نفسه بقضية تنمية بلاده والنهوض بأمته وشعبه وحاول تصدير هذا النموذج عربيا حيث دعا إلى انتهاج سياسة عربية جديدة تقوم على التكامل بين الأدوار وترك الزعامة خلف ظهورنا بعد أن صارت شيئا من الماضي وهذه الفكرة عبر عنها صراحةً في حواره مع مكرم محمد أحمد رئيس تحرير مجلة المصوّر المصرية واسعة الانتشار كانت جريدة عُمان قد أعادت نشره على صفحاتها يوم 04\04\1985 والذي قال فيه نصًّا: (إنَّ مكمن المشكلة مهما جاهد البعض في إخفائها خلف الصيغ الرنانة أو الشعارات البراقة أن البعض يتصوّر أن هناك فرصة لزعامة العالم العربي في غيبة مصر غير المبررة.. البعض يريد أن يتزعَّم.. هذا هو سر بلائنا وتفككنا.. ولكن المشكلة أنّ هؤلاء لا يدركون أن عصر الزعامات قد انتهى.. مصر ذاتها تقول الآن إن الأوضاع قد تغيرت واختلفت وأنها لا تنشد زعامة أو دورا قائدا وإنما تنشد تضامنا بين أطراف متكافئة ومن مسؤوليات متكافئة. وأظن أننا لو استوعبنا فكرة الأدوار المتكاملة بدلا من الزعامة أو فكرة الدور القائد لوجدت كل دولة عربية الصيغة المعقولة للتضامن والتنسيق المشترك.. لماذا لا نقول دعونا نكمِّل بعضنا البعض بدلا من أن تشتت جهودنا وراء هذا الغير صحيح وهو زعامة العالم العربي.. لقد كانت نتيجة ذلك.. المزيد من الانقسام والاستقطاب والفرقة وضياع المسؤولية القومية فإنني أقول دائما إن أزمة الأمة العربية إنما تنبع من داخلها بأكثر من أن تكون مفروضة عليها).

خامسا – قراءة تفسيرية للخطاب الإعلامي
انطلاقا من الدراسة النسقية للعلامات (السيمولوجيا) داخل المقابلات الصحفية التي قامت بها كبريات الصحف العالمية العربية والأجنبية مع السلطان قابوس، ودراسة آلية إنتاجها وتوصيلها وتصنيفها في (لغة خاصة) تفرّدت بها المحاورات، وما تحمله من شفرات، ومحاولة البحث وراء دلالتها ووظيفتها الاجتماعية أو بعبارة أخرى إنتاج المعاني من أنظمة العلامات اللغوية أو غير اللغوية، ودراسة هذه الأحاديث الصحفية باعتبارها (ظاهرة ثقافية)، و(أنظمة علامات) اتكاءً على فكرة أنّ (الثقافة اتصال). وأعتقد أنه علم مهم في دراسة اللغة الصحفية والسياسية كما هو مهم في دراسة الأدب، حيث يستعمل اللغة وهي نظام العلامات الأول في الثقافة الإنسانية، ولن تؤتي أي دراسة ثمارها إلى إذا عكفت على (تنظيم) هذه المقابلات الصحفية من خلال شفرات فرعية وتطبيق مفاهيم سوسير - في (الدال والمدلول) ومحاولة الكشف عن العلاقة الاعتباطية بينهما.
وقد أمكننا الوصول من خلال دراسة محاورات السلطان قابوس مع كبار محرري الصحف العالمية والعربية إلى العديد من النتائج كان من أهمها:

أولا – استخدم بعض من المحررين في مقدمة مقابلتهم الصحفية مع السلطان قابوس أسلوب (الصورة الأدبية الدقيقة المختصرة) تعبير يعني بالفرنسية الكرمة الصغيرة (من النقوش الزخرفية التي تشبه أغصان الكرمة في المخطوطات والكتب القديمة)، واتسمت مقدمة هذا النوع من المقابلات بدقة في الصياغة اللغوية والرقة في المشاعر. والإيحاء بالصورة المبهجة أو الانطباع الخاطف لمشاهد من السلطنة أو وصف لشخصية السلطان قابوس. ومن نماذجها (حوارات أحمد الجار الله في السياسة الكويتية)، بينما استخدم آخرون ما يسمى اصطلاحا بـ(الصورة الجانبية) وهو اصطلاح يشير بشكل عام إلى لمحة تحدد الخطوط الخارجية المختصرة وخاصة الوجه الإنساني منظورا إليه من جانب. ومن سمته أن يجمع بين مادة (السيرة الشخصية) أو [ترجمة الحياة] وبين (تفسير الشخصية) يقدم من خلالهما تصويرا ظليا ولمحة جزئية عن السلطان والسلطنة، دون التطرق إلى الصورة المكتملة. ومن اهم المقابلات التي اعتمدت على هذا التكنيك (صحيفة أخبار الخليج البحرينية، وجريدة البلاد السعودية)؛ إلا أن المحاورين المصريين (إبراهيم نافع في الأهرام، وممدوح رضا في جريدة الجمهورية، ومكرم محمد أحمد في مجلة المصوّر، ومجلة آخر ساعة) فقد اعتمدوا في تقديم لقاءاتهم الصحفية على ما يسمى اصطلاحا بـ(الصورة الجوهرية) حيث يعتمد الحوار على (فكرة مركزية) مثل (الحرب العراقية – الإيرانية) أو (القضية الفلسطينية) ينتظم حولها الحوار؛ حيث يعمد المحرر الصحفي إلى وجه أو سمة من موضوع أو فكرة للوصف ويتناولها بغية بناء (صورة جوهرية) يقصد بها أن يختزل كلا شاملا بادي التعقيد إلى أساس بنائي موحد.
ثانيا – بمحاولة استقراء الأسئلة والإجابات داخل كل حوار اتضح أن هذه الحوارات كانت عفوية ولم يعد لها مسبقا والإجابات ليست سابقة التجهيز، ويمكننا توصيفها اصطلاحا بأنها ذات نمط (حواري) بمعنى أنها اتسمت بصفة التفاعل والاستجابة المتبادلة وابتعدت عن النمط (الأحادي الصوت)أو المنولوج وأنّ جميع (الملفوظات) التي نطق بها السلطان قابوس ومحاوروه كانت غائصة في سياق من الحوار أي أنها تستجيب لملفوظات سابقة لطرفي الحديث، فلا وجود لإجابات جاهزة سابقة على العمليات اللغوية الاجتماعية مع الآخرين. وتكشف المحاورات أن السلطان قابوس قبل استخدامه الكلمات في التعبير الذاتي الداخلي يؤكد من خلال مناقشاته أنه مرّ أثناء نشأته وتعليمه بعملية تنمية لغوية عبر الحوار مع الآخرين. وأن حواراته لم تكن بالمعنى المعتاد للحوار - أي تجاذب أطراف الحديث بين شخصين أو أكثر- بل كانت عملية ديناميكية تسعى إلى جعل تلك الحوارات ممكنة. ويرجع ذلك الإمكان إلى أن اللغة نشاط بين ذوات أي نشاط اجتماعي وهي تسبق الذاتية من الناحية المنطقية، وليست محايدة قط أو خارج علاقات الاتصال أو خالية من مطامح الآخرين فهي حوارية. ويترتب على ذلك إحاطة الفردية المستقلة بالتساؤل، فالأنا التي تتكلم، تتكلم في نفس الوقت تعددًا من اللغات مستمدة من أصول وسياقات اجتماعية متعددة. فكل (أنا) هي (نحن).
ثالثا – كشفت إجابات السلطان قابوس عن قبول من جانبه للعقل باعتباره السلطة العليا في مسائل الاعتقاد والسلوك والرأي. والنزعة العقلية واتكائه على مذهب فلسفي يقول بأن العقل هو مصدر المعرفة والخبرة والتجربة مكملة له لأن المبادئ العقلية فطرية في الذهن والنزعة العقلية، بإعلائها من قيمة العقل.

رابعا – أظهرت الإجابات سرعة البديهة من جانب السلطان قابوس والإدراك اللماح والتعبير المبتكر الملائم للفكرة بحيث يثير الدهشة والابتهاج على غير توقع، وتعتمد سرعة البديهة على حيوية التعبير وملاءمته.
خامسا – أكدت المحاورات أن السلطان قابوس اعتمد في جميع مقابلاته الصحفية على عملية الاستدلال العقلي في التدليل المنطقي. وهي منهج نسقي في التفكير يقوم على الترتيب المنتظم والدقة. ويبدأ من الاختبار المستقصي للمواد إلى النتيجة ذات الصياغة اللغوية الدقيقة.

سادسا – يستند السلطان قابوس في نقاشه على مبدأ (العلة ومعلول)، (السبب والنتيجة) والكثير مما نقرأه في محاوراته هو نتاج لعلاقات السببية. فحينما نقرأ إجابة عن سؤال "لماذا حدث ذلك؟" نكون في نطاق العلل والأسباب. وحينما نقرأ سؤال ماذا سيفعل؟ فإن الاجابة تكون في نطاق النتائج والمعلولات فالسبب هو ما يحدث أثرا، هو تلك الفكرة أو الحادثة التي ينجم عنها أو التي تحدث نتيجة. والنتيجة هي ما ينتج عن قوة فاعلة أو سبب.
سابعًا – كانت معظم الأسئلة الموجهة للسلطان قابوس من المحاورين الصحفيين تنحصر في صيغة (السؤال الخطابي)، وهو السؤال الذي يُسأل لإحداث تأثير أو لتقرير حقيقة والغرض من مثل هذا السؤال الذي تكون إجابته واضحة هو إحداث تأثير في السامعين أو القراء أعمق من تأثير العبارة التقريرية المباشرة.




*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (http://forum.moe.gov.om/showthread.php?t=634045&goto=newpost)