تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نساء ماركيز الحزينات



الخاتون
22-04-2015, 02:44 PM
حين كان منكبا على كتابة روايته الجميلة " الحب في زمن الكوليرا " ، قال : " إن رواية جميلة عن الحب لا تؤذي أحدا ولا تؤخر مسيرة العالم ، لأن كل عمل فني متقن يسهم في ارتقاء الإنسانية ، والإنسانية لا تستطيع التقدم إلا في إتجاه واحد ، وواجب الكاتب الثوري هو أن يكتب جيدا . هذا هو إلتزامه " .

الذين قرأوا " الجميلات النائمات " رائعة الياباني ياسوناري كاواباتا عليهم أن يتهيئوا لفقدان دهشتهم على الأقل وهم يقرأون الرواية الأخيرة لجابرييل ماركيز : " ذاكرة غانياتي الحزينات " .

لم يخف ماركيز أبدا إعجابه بتلك الرواية اليابانية المدهشة ، بل كتب مقدمة لها منشورة في ترجمتها إلى العربية ، وأورد في سياق مشابه لها حكاية الفتاة التي جاورته مصادفة في رحلة طويلة من أوروبا إلى الولايات المتحدة ، ما إن رآها حتى هيأ نفسه لرفقة

ممتعة فوق سماء المحيط الأطلسي ، لكن لدهشته فإن الفتاة طلبت من المضيفة كأسا من الماء وأخرجت من حقيبتها حبة أو حبتين ، من النوع الذي يستخدم للمساعدة على النوم فيما يبدو ، و " حشرت " وسادة صغيرة في الفراغ الضيق بين مسند المقعد الذي تجلس عليه وجدار الطائرة وغرقت في نوم عميق إمتد طوال الرحلة التي دامت عدة ساعات .

عندها أيقن الكاتب من صحة الشعور الذي انتابه ما إن لمح تلك الفتاة الجملية وهو أن هذه " الرفقة " ستجلب سوء طالع لأحدهما ، له أو لها ، وسوء الطالع كما يفهم من السياق كان من نصيبه .

من " الجميلات النائمات " استوحى ماركيز وهو يقص هذه الحكاية فكرة التأمل الطويل في وجه فتاة جميلة نائمة ، وهو الأمر الذي يبدو أنه فعله خلال ساعات الرحلة ، ومن " الجميلات النائمات " أيضا استوحى ماركيز فكرة روايته الجديدة ، بل إنه صدرها بفقرة من الرواية اليابانية ، تحذر فيها امرأة الفندق زبونها العجوز ايجوش بعدم الإقدام على أي أمر مناف للذوق ، ليحكي لنا فيما بعد قصة رجل بلغ التسعين من عمره ، يعيش وحيدا ويستمر كتابة زاوية أسبوعية في جريدة سيارة تداهمه تلك الرغبة الجامحة في أن يقع في الحب وهو في هذا العمر الكبير .

ليس للحب من أعمار ، أو فلنقل للدقة لا تتوقف قدرة الإنسان على أن يحب في عمر معين ، لعل هذه هي الفكرة الرئيسية التي تستحوذ على ماركيز في الرواية فيما نظن ، وهي فكرة محورية في أدبه سبق أن عبر عنها بشكل جميل في " الحب في زمن الكوليرا " ، لكنه هنا سيتركنا نتأمل على مهل مقدار تلك التبدلات التي طرأت على روح وسلوك هذا العجوز بعد أن وجد نفسه ينساق إلى الحب ، فيعاني ما يعانيه العشاق من سهد وغيرة وزيادة الناس العائشين " في سلام " دون أن يكتووا بنار هذا الحب .

يمكن القول أن ماركيز وقد بات " شيخا " أهدى الشيخوخة قصة مثيرة عن الحب .

إنها أجمل هدية يمكن تلقيها في مثل هذا العمر ، لكن الأجمل أن تقرأها وأنت مسكون بعمر الشباب وليس بروحه فقط .