تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خارج العش



الخاتون
16-05-2015, 02:54 PM
أصعب ما تواجهه الأم هو تلك اللحظة التي يكبر فيها الأبناء والبنات ويغادرون بيت العائلة .
منهم من يذهب للدراسة في دولة أخرى ، ومنهم من تتزوج ، ويبقى السرير خاليا والغرفة ساكنة ، يتم تنظيفها كل يوم ، حسب العادة ، وتبقى تحمل إسم " غرفة فلان " أو " غرفة فلانة " .

حين كبر ابني وقرر الإستقلال بحياته عنا ، قرصني قلبي لكنني ارتحت كثيرا من ضوضاء موسيقاه ، ومن قلقي عليه إذا تأخر في العودة ، ومن الباب الذي يظل مشرعا يستقبل الرفاق الداخلين والخارجين حتى ساعة متأخرة من الليل .

اليوم ، يزورني الولد الذي صار رجلا ، مثل الضيوف ، ويتصل هاتفيا قبل أن يصعد إلى الشقة ، ويقرع الجرس رغم أن مفتاحه ظل معه ، ولا يفتح قنينة مرطبات قبل الإستئذان ، الأمر الذي يجعلني أصيح : " البيت بيتك يا عمري " !

ثم كبرت ابنتي والتحقت بجامعة بعيدة نسبيا . وكان البرنامج الدراسي يتضمن فجوات طويلة ، أحيانا ، بين محاضرة وأخرى ، فكانت تتعب من الإنتظار ولا تعرف أين تقضي الوقت في طقس بارد ومطير خلال السنة الدراسية .

جائتني ، ذات يوم ، وطلبت أن تستأجر لنفسها غرفة قريبة من الجامعة .
ورغم أنني استنكرت الأمر لكنها كانت قد اتخذت قرارها . وعندما يختار أحدنا الإقامة في الغرب فإن عليه أن يتوقع مواقف من هذا النوع .

إن البنت لا تطلب أمرا خارجا على أعراف المجتمع الذي تعيش فيه .
أزورها في غرفتها لكي أطبخ لها ما تحب من طعام ، فلا تأكل أي شيء حين تعود من المحاضرة الأخيرة .

أرتب السرير وأكنس الأوراق المهملة وأضع ثيابها في الغسيل . ثم أعود إلى شقتي ، بيت العائلة ، واعتني بغرفتها على أمل أن تأتي لتنام فيها في عطلة نهاية الأسبوع .

عطلة نهاية الأسبوع هي موعد مقدس للشباب . وليلة السبت هي الوقت المخصص للفسحة مع الأصدقاء والصديقات ، لذلك فإن الأمل يبقى معلقا على ظهيرة الأحد ، حيث المائدة التي تجمع الأبناء والبنات المشتتين في غرف مستقلة وشقق خاصة بهم .

الولد والبنت يحتفظان بمفتاحي العش العائلي ، وحضني ينتظرهما في أي لحظة ، ولا أحتمل أن يتصلا لأخذ موعد قبل الحضور ..
إن عمري كله وعمر كل والدة موعد مفتوح للطيور التي حلقت خارج العش .