تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مقال في الصميم.. يتحدث عن الواقع المرير للتعليم..



حواليكم
24-08-2015, 05:00 PM
الثروة الخفية

*

هدى حمد

*

"نحن لا نملكُ شيئا لنُورثه لأبنائنا، ولكن نملكُ أن نستثمر فيهم عبر التعليم".. كثيرا ما كنتُ أسمع هذه الجملة من المتنورين من بقاع شتى من العالم، يقولونها بطرق مُختلفة، ولذا تقدمت كثير من دول العالم وتحضرت، ليس لأنّ لديها ثروات من قبيل النفط والغاز والذهب، بل لأنّها استثمرت في ثروة لا يمكن لها أن تنضب أبدا، وهي الإنسان.

*والسؤال: إلى أي حد تمكن التعليم في سلطنة عُمان من صناعة ثروة من هذا النوع، خصوصا وأننا الآن نُكابد خسارة كبيرة في أسعار النفط، نُكابد لحظة الصحو من الجنة التي كُنا نرغد فيها منذ بداية السبعينيات، لنكتشف أننا لم نفعل شيئا مُهما تجاه ثرواتنا المادية من قبيل السياحة، والاقتصاد، وثروات الطاقة المتجددة، ولذا كان أول قربان نُضحي به، هو تخفيض فرص التوظيف، والحوافز وعلاوات المواطن.

*لنترك ذلك جانبا، ولنتحدث عمّا حققناه على مستوى الثروة الأخرى.. أعني الإنسان في منظومة التعليم.. فعلى غير العادة يُقرع الجرس هذا العام أبكر من المُعتاد، وهي خطوة تبدو ظاهريا جيدة، لإعطاء التدريس مسحة من الجدية والالتزام، غابت عنه لفترة ليست بالقصيرة، ولكن هل يعكس ذلك الحقيقة تماما؟

أظن أنّ مجرد جلوس أحدنا مع جملة من الطلبة والمعلمين، ستضعنا أمام فوهة مدفع من شدة الاحتقان، وقد يقال إنّه أمر طبيعي، فهذا الجيل متذمر ولا يريد أن ينتج، ولكن ما الذي جعلنا ننتج جيلا متذمرا بهذا القدر! ألا يستحق ذلك البحث والدراسة؟ ******

تفتح المدارس أبوابها أبكر من المعتاد، والجو لا يزال عابسا ومُلتهبا، وأغلب المدارس غير مُستعدة لذلك، فهنالك إلى اليوم مدارس بلا مظلات، في بلد تُسجلُ فيه ثاني أعلى درجة حرارة في العالم، بل إنّ المظلات غالبا ما تكون من تبرعات شخصية وليس لها موازنات مُخصصة. يبدأ العام الدراسي أبكر في ظل وجود طلبة يُقدمون امتحانات الدور الثاني، وفي ظل عدم استقرار الطاقم التدريسي و"الانتدابات" غير واضحة بعد. هنالك على سبيل المثال مديرية ألغت عقدها مع الشركة الموردة للأغذية، ولم يتم إلى وقت قريب التعاقد مع شركة جديدة، مما يعني أن يتدبر أولياء الأمور كل ما يتعلق بطعام وشراب أولادهم. هذا عدا عن أنّ أطعمة هذه المقاصف لا ترقى أصلا *إلى المستوى الغذائي الصحي. *حتى شركات النظافة، لم تستعد هي الأخرى لهذه المُباغتة، ويبدو أنّها لن تتمكن رصد العدد الكافي من العُمال لكل مدرسة. *ورغم ذلك وكما شاهدت في العديد من الصور، فقد بذل المعلمون جهدا كبيرا لتجهيز الصفوف بالبالونات والألوان والهدايا،*ليغدو اليوم الدراسي الأول مُبهجا، بل إنّ البعض منهم اضطر لأن يدفع من جيبه الخاص لفرح اليوم الأول.

في السابق كان ثلاثة أرباع طلاب الصف الواحد يحلمون أن يصبحوا معلمين ومعلمات، ولكن لم تعد هذه الأمنية تُلح على أغلبهم الآن، وهم يشاهدون معلمهم "مهدود الحيل"، ومتشتتا بين الأنشطة الكثيرة وبين مهمته الأساسية في التعليم، وأكثر من ذلك، ليس من السهل أن تجد له بديلا في حالة مرضه أو في حالة ولادة مُعلمة، أو في الاجازات الطويلة بدون راتب.. أما تعثر صيانة المدارس فهو وجه آخر من المأساة. **

*تتكرر الوعود في كل عام بمراعاة الضغوط المُلقاة على عاتقهم، فيعود المُعلم ليجد نصابه من الحصص وقد ارتفع، بل إنّ عدد الطلاب قد يصل في الفصل الواحد إلى 41 طالبا. بالمقابل يصبح من الصعب فتح فصول جديدة لعدم وجود معلمين قادرين على إزاحة هذا العبء، بينما يقبع المتخرجون في البيوت في انتظار فرصهم التي لا تأتي إلا شحيحة. أمّا نظام التعليم المسائي فهو مأساة أخرى لمضيعة وقت الطلبة والمُعلم في آن، وكان يمكن تجاوز هذه الأزمة في بلد تعداد سكانه مع الوافدين لم يتجاوز بعد الأربعة ملايين، والمساحات الجغرافية فيه شاسعة.

لكل هذه الأسباب وغيرها نخسر ثقتنا بمنظومة التعليم الحكومي وليس بالمعلم وحسب، وفي كل مرّة نقع بين فكين مفترسين، إمّا مدارس خاصة تمتص دم ولي الأمر، وإمّا مدارس حكومية يلزمها أشواط طويلة لتعيد إلينا الثقة.

يبقى مع بداية هذا العام أن نقول: عندما يستعيد التعليم الحكومي مكانته، سنصنع ثروتنا غير الناضبة، وهي بدورها من ستحرك الثروات الأخرى وتكشف عنها الغبار الكثيف.


*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (http://forum.moe.gov.om/showthread.php?t=648345&goto=newpost)