حواليكم
10-10-2015, 02:32 AM
نقصد بالتواصل البيداغوجي الصفي ، ذلك التواصل المؤسس على ربط علاقات وخلق تفاعلات حرة وديمقراطية بين المدرس والتلميذ بالأساس ، من أجل تيسير عملية التعلم وتمكين المتعلم من المشاركة الفعلية في بناء معارفه وتوظيف موارده الوجدانية والمعرفية كي يتعرف على المشكلة المطروحة ويحدد أسبابها داخل وضعية تكوينية معينة ، ويفك لغزها داخل الفصل الدراسي. و بالتالي يقتصر دور المدرس على التوجيه ، و تنظيم تدخلات التلاميذ كي يكتسبوا مهارات وكفايات تواصلية يستطيعون بواسطتها التعبير عن حاجياتهم ، وتمكنهم من التحكم في سيرورة تكوينهم .
فالتواصل البيداغوجي الصفي عنصر أساسي، و مكون لا غنى عنه في العملية التعليمية-التعلمية؛ إذ كيف يمكن للمدرس أن يحدد مكامن الضعف والقوة لدى التلميذ إذا لم يتواصل معه، وكيف له أن يساعد المتعلم و يقدم له استراتيجية معالجة و/أو تغذية راجعة إذا لم يرافقه في سيرورة تعلمه وينصت إليه و يحترم رأيه.
فالاختلاف في الرأي هو الذي يولد الحوار، و الحوار هو أساس التواصل اللغوي (اللفظي) المتداول داخل الفصل الدراسي. و إذا ألغينا عنصر التواصل فلن تكون لدينا جماعة الفصل، بل أفراد متفرقون(مشتتون و إن كانوا في حجرة واحدة) لا يربط بينهم أي رابط و لا يجمعهم أي مشروع.
I. جماعة الفصل و التواصل :
تتميز جماعة الفصل بالتفاعلات والعلاقات التي تربط المدرس بالتلاميذ، والتلاميذ فيما بينهم.ولا يمكن أن نتجاهل دينامية هذه الجماعة و ما تحمله من معنى، و ما يمكن أن تلعبه من أدوار متكاملة من أجل بلوغ هدف معين. يبقى الهدف الأساسي و الأسمى الذي يتطلع إليه التلاميذ في جماعة الفصل هو التعلم و التكوين و اكتساب الكفايات، و التحكم في سيرورات التعلم من طرف كل واحد منهم . فما هي خصائص جماعة الفصل؟
نقترح التحديدين التاليين :
الأوليرى "إن لجماعة الفصل وجهين متفاعلين يرتبط الأول بحياة هذه الجماعة المؤسسية وما يحددها من قوانين وتنظيمات مدرسية وتوزيع على الصفوف وأعراف سلوكية ترسمها التعليمات، ويرتبط الثاني بتلك العلاقات والتفاعلات التي تربط بشكل تلقائي و حر التلاميذ فيما بينهم، وفيما بين التلاميذ والمدرس و بين المدرس و جماعة الفصل ككل، بعيدا عن قوانين المؤسسة و تنظيماتها"1
والثانييرى أن"جماعة الفصل تعد من فصيلة جماعات العمل التي تتميز عموما بالخصائص التالية:
- الإنتاج كهدف مركزي للجماعة(إنتاج مادي أو فكري)؛
- ظهور مشاكل وصعوبات مرتبطة بعمليات التماسك والتكامل الجماعيين؛
- ظهور أو وجود العلاقات السلطوية"2.
يمكن أن نلخص خصائص جماعة الفصل فيما يلي:
§ أفراد تحكمهم قوانين خارجية؛
§ لهم أدوار متكاملة ؛
§ يجمعهم مشروع مشترك (التعلم و التكوين)؛
§ التفاعل و التواصل ملازمان لجماعة الفصل؛
§ قائد يساعد التلاميذ على بلوغ أهدافهم؛ ... إلخ
تلعب جماعة الفصل دورا هاما في تعلم التلميذ إذ بفضل الاحتكاك مع الآخرين، و تبادل الآراء و المنافسة من أجل إثبات الذات، يقوم المتعلم باكتشاف حقائق جديدة و يطور سيرورة تكوينه و يكتسب كفايات و مهارات و قدرات؛ قد تكون كامنة داخل ذاته و تفجرها التفاعلات مع أفراد جماعة الفصل. يبدو ،إذن، جليا أن تقاسم المهام بين التلاميذ و إنجاز مهام متكاملة؛ كلها عوامل تؤثر إيجابا على عملية تعلم التلميذ.
1. جماعة الفصل و التعلم :
تتطلب عملية التعلم، تفاعل الفرد مع موضوع التعلم داخل وضعية تكوينية، لا يكون فيها بمعزل عن الآخرين، و تبادل التأثير فيما بينهم، كي يتم تحقيق الهدف المرتقب، و حصول التعلم الذي يتجلى في اكتساب طرق جديدة لتحليل المشاكل المطروحة في المهمات المطلوب إنجازها. إن أهم شيء في عملية التعلم /التكوين هي كيفية الوصول إلى النتيجة وتحكم التلميذ في سيرورة تعلمه، و ليست النتيجة في حد ذاتها.
تحدث كثير من الباحثين عن دور الجماعة في عملية التعلم، و نذكر بما قاله بعضهم في الموضوع :
"إن عملية التعلم ليست في الواقع عملية فردية خالصة تحدث في معزل عن أي تأثير من طرف الآخر. إنها نشاط يعتمد في كثير من جوانبه على التواصل مع الآخر و التفاعل معه على مستويات مختلفة معرفيا و وجدانيا.
فلقد دافع العديد من البيداغوجيين على هذه الحقيقة في نظرياتهم المختلفة، حيث وضعوا مفهوم النشاط الجماعي في مركز العملية التعلمية، و اعتبروا التعلم بدوره كفعالية إنسانية لا تتحقق في مدلولها العام (كتربية) في علاقة وثيقة مع الآخرين"3
وقال فيليب جونير في نفس الفكرة ما يلي :
"يرى البنائيون أن المعارف تبنى من قبل الذات نفسها، عبر التجارب التي تعيشها في محيطها، و انطلاقا مما سبقت لها أن عاشته في هذا المحيط، ومن التفاعلات مع الآخرين. فالمعرفة في رأيهم، بما فيها المعرفة العلمية المرموزة في البرامج الدراسية، لا تقبل النقل [التلقين] لأن المتعلم يبني بنفسه معارفه حول المعارف العلمية المدرسية"4
هكذا نستنتج أن عملية التعلم تتطلب عملا جماعيا واحتكاكا مع الآخر من أجل المنافسة والتحفيز على إبداء الرأي والانخراط في جماعة الفصل لتحقيق مشروع مشترك أو إنجاز مهام مشتركة . كما أن ذات المتعلم قادرة على فهم ما يدور حولها، فهي تحتاج فقط لمن ُيَنور لها الطريق من أجل اكتساب المعرفة بنفسها.
يحتاج المتعلم إلى وسط مدرسي ( تكويني ) يبرز فيه أداءه ويمكنه من الاحتكاك مع الآخر و مقارنة مكتسباته مع باقي أفراد جماعة الفصل. فلا يمكن أن يحدد مستواه الدراسي إلا إذا قارنه مع الآخرين و تموقع داخل جماعة الفصل كي يضبط نواقصه وينمي قدراته الحجاجية ويبرهن عن كفاياته التواصلية فيوظف مصطلحات وصيغ بلاغية تجمع بين تمثلاته وتمثلات أقرانه تجعله يحس بانتمائه إلى جماعة الفصل وأنه غير مقصى، وهذا يشجعه على المنافسة وتوظيف قدراته المعرفية والوجدانية من أجل الحصول على الصدارة .ولعل أهمية المنافسة بين التلاميذ ظاهرة تربوية يمكن أن يلجأ إليها المدرس لتحفيزهم وتشجيعهم على تجويد أدائهم داخل الفصل الدراسي، وحثهم على العمل المشترك الذي يقربهم من بعضهم البعض، ويزيل الحواجز الطبقية بينهم؛ وييسر لهم الاندماج في مشروع تكويني مشترك .
يبقى نجاح المتعلم في إنجاز المهمة المنوطة به، رهينا بدينامية جماعة الفصل التي تتيح له باب المنافسة مع أقرانه داخل جو تربوي تسوده علاقات مودة واحترام.
2. تعريف التواصل :
لاحظنا من خلال تحليلنا لجماعة الفصل، أن التواصل و التفاعل بين مختلف الأفراد ملازم لهذه الجماعة التي تحيا بهاتين الخاصيتين و تموت من دونهما، ولا يبقى لها وجود مع غيابهما.
لا بد أن نذكر هنا، بأن كلتا العمليتين الديداكتيكية والبيداغوجية لا يمكن لهما أن تنجحا و تحققا رغبات و حاجيات المتعلمين، إذا لم يكن التواصل ذو نوعية جيدة.
تشمل عملية التواصل البيداغوجي عدة عناصر، و قد حددها أحد الباحثين في ستة هي كالتالي:
1- الأطراف الفاعلة في التواصل البيداغوجي، و نعني بها المدرس و المتعلمين؛
2- الهدف من التواصل البيداغوجي، و يكون عادة على شكل نوايا يرغب المدرس في تحقيقها من وراء الوضعية التواصلية، أو تأثير على سلوك المتلقي؛
3- البلاغ أو الرسالة، أو المحتوى المراد تبليغه للمتلقين؛
4- القنوات، والوسائط التي توظف في التواصل البيداغوجي، مثل الأدوات، والحركات، و اللغة، و غيرها من الرموز التي تستعمل عادة للتعبير عن البلاغ أو المحتوى، بغية تسهيل اكتسابه على المتعلم؛
5- سيرورة التفاعلات بين المدرس و المتعلم، أو بين المتعلمين بعضهم ببعض؛
6- السياق الذي يحدث فيه التواصل البيداغوجي."5
نقترح تعريفا آخر للتواصل البيداغوجي، كما يقدمه أحد الباحثين :
"يسمى تواصلا بيداغوجيا كل أشكال و سيرورات و مظاهر العلاقات التواصلية بين مدرس( أو من يقوم مقامه) والتلاميذ أو بين التلاميذ أنفسهم . كما يتضمن الوسائل التواصلية و المجال و الزمان؛ و هو يهدف إلى تبادل أو نقل الخبرات والمعارف والتجارب والمواقف، مثلما يهدف إلى التأثير على سلوك المتلقي. وقد خلص الباحث من هذا التعريف إلى تحديد ثلاثة مكونات أساسية لفعل التواصل البيداغوجي هي :
- التفاعلات و العلاقات المتبادلة بين المدرس و التلاميذ، أو بين التلاميذ أنفسهم؛
- سياق التواصل البيداغوجي في الزمان و المكان، و وسائله اللفظية و غير اللفظية؛
- وظيفة التواصل التي قد تكون للتبادل أو التبليغ أو التأثير."6
نحن نرى أن وظيفة التواصل تتجاوز بكثير عملية تبادل التأثير و التأثر بين المرسل والمتلقي من أجل تبليغ رسالة معينة، بل إن من أولوياتها خلق جو من الثقة، وربط علاقات إنسانية بين الأفراد مبنية على الحب و الاحترام ؛ أما إذا أغفلنا هذه التفاعلات الإنسانية التي تؤثر بصفة مباشرة على شخصية المتعلم، فإن استعداده و قابليته للتحاور مع المدرس و مع أقرانه ستتضاءل إن لم نقل ستنعدم؛ و بالتالي سيصعب تجاوز الخلافات التي تظهر أثناء العملية التعليمية- التعلمية والتي تحول دون تحكم التلميذ في سيرورة تكوينه الذاتي، و التي تنقص من أداء المدرس الذي لا يجد تجاوبا من طرف المتعلم.
لذا نقترح العناصر المكونة لعملية التواصل كالتالي׃
1. الشعور بالارتياح و الطمأنينة عند المرسل و المتلقي؛
2. الاستعداد للتواصل ؛
3. الاحترام المتبادل؛
4. الرسالة ׃مضمونها وكيفية تقديمها؛
5. المرسل ؛
6. قناة الإرسال׃اللغة، المعينات الديداكتيكية ... الخ؛
7. المستقبل؛
8. التغذية الراجعة ׃تقويم وتصحيح مسار الحوار؛
9. إلغاء التشويش׃إرساء التفاهم وتقليص التباين الحاصل بين المرسل والمتلقي؛
10. بلوغ الهدف المنشود من عملية التواصل.
تعتبر عملية التواصل البيداغوجي من المهارات و الكفايات الواجب توفرها لدى المدرس بصفة خاصة، كي ينجح في خلق جو مناسب، مؤسس على التعاون و التفاهم و الاحترام المتبادل، كي يركز الجميع على الرسالة، مع محاولة فك رموزها، و إقصاء التشويش الذي قد يؤثر سلبا على عمليتي التعليم/التكوين.
فمعلوم أن كفايات التدريس "ترتبط بقدرة المدرس على الاتصال و التواصل، و قدرته على اتخاذ القرارات بشكل علمي و موضوعي، و قدرته على إعداد الدروس. و على تنويع أساليب و طرق التدريس، و أدوات التقويم و أساليبه، و تحليل و تفسير نتائج الاختبارات و استثمارها للتصحيح و التصويب لتحقيق التطوير المنشود لدى المتعلمين"7
تبقى عملية التواصل، في نظرنا، المرحلة الحاسمة، التي تحدد كل العمليات التي يمكن أن يقوم بها المدرس لإنجاح استراتيجية تعليمه و طرق تدريسه، و تحليله الديداكتيكي....إلخ . إذ بدون تواصل فإن العملية التعليمية/التكوينية ستبوء لا محال بالفشل.
ولكي تنجح هذه العملية، لا بد أن تتوفر عدة عناصر؛ و قد قدم لنا لازويل(Lasswell) نموذجا لسيرورة التواصل تحتوي على خمسة عناصر هي:
"1 - من؟ (يرسل الرسالة) –المرسل؛
2- ماذا؟ (موضوع الرسالة) الرسالة (النص)؛
3 - كيف؟ ( تحقق الإرسال) القناة؛
4 - نحو من؟ (توجه الرسالة) المستمعون؛
5 - بأي تأثير؟ الفعالية. "8
نتوهم، في بعض الأحيان، أننا نتواصل مع الآخرين، خاصة في المؤسسات التعليمية، و داخل الفصل الدراسي تحديدا، حيث نلاحظ احتكار المدرس للكلمة( فهو يتحدث من بداية الحصة إلى آخرها)؛ ففي هذه الحالة يسود إيصال المعلومات و الأجوبة الجاهزة دون أسئلة من طرف التلاميذ أو تفاعلهم مع موضوع التعلم . في هذه الحالة فإن الاتصال من أجل التبليغ هو السائد.
تعتمد، عملية التواصل، على الاتصال بالطرف الآخر، و أن تكون هناك علاقة مباشرة بين شخصين أو أكثر لتبادل المعلومات و فك رموز الرسالة و إعادة بنائها و مناقشتها. تتطلب عملية التواصل خلق تفاعلات بين ـ شخصية تبقى رهينة بحضور هؤلاء الأشخاص في نفس الزمكان(الفصل الدراسي) مع إمكانية اختلاف الأمكنة (عبر الأقمار الاصطناعية و الأنترنيت).
ونقترح تعريفا للاتصال كالتالي :
"الاتصال هو الطريقة التي تنتقل المعرفة و الأفكار بواسطتها من شخص إلى شخص آخر بقصد التفاعل و التأثير المعرفي أو الوجداني في هذا الشخص، أو بإخباره بشيء، أو تبادل المعلومات و الأفكار معه أو إقناعه بوجهة نظر أو رأي، أو الارتقاء بمستواه الجمالي و القيمي، أو الترفيه عنه.
تنتقل المعرفة، و الأخبار بين الناس، عن طريق اللغة. وتبقى اللغة هي وسيلة التواصل الأساسية داخل الفصل الدراسي، بين المدرس و التلاميذ، و التلاميذ فيما بينهم، و إن توفرت المعينات الديداكتيكية، و وسائل الإيضاح التعليمية فإنه لا يكفي أن يقدم المدرس وضعية-مشكلة للمتعلم و يتركه يتخبط في تعلمه؛ إذا لم يوضح له الهدف، و يحدد له معايير النجاح، و يتدخل لمعالجة بعض الصعوبات البيداغوجية (خاصة)؛ فإنه لن يطرأ أي تغيير على تصرف المتعلم ولن يقع أي تقدم في حصيلته المعرفية أو اكتسابه لكفايات جديدة.
اللغة أداة التواصل الرئيسية داخل الفصل الدراسي :
نلجأ إلى اللغة لطلب الحاجة، و نستعملها للاستنجاد، و نستخدمها عندما نتهاتف....إلخ. فاستعمالات اللغة و وظائفها كثيرة، و لا يمكن أن نتصور فصلا دراسيا أو حصة تعليمية دون توظيف اللغة.
يستحسن أن يحاول كل من المرسل و المتلقي، عند تفاعلهما و تبادل الآراء و الخبرات بينهما، معرفة كيفية تفكير كل واحد منهما، و ما هي الطريقة الأنسب لفهم بعضهما البعض ؛ ذلك و كما قال بول ريكورRicœur«إن فهم الإنسان لذاته ولعالمه يرتكز ويتحقق داخل اللغة.»Paul ricoeur ;Philosophie du langage,article in Encyclopédie Universalis, Vol 9,Paris E.U,1985
1- الوظيفة التواصلية للغة :
يشرح المدرس، و يوجه التلميذ في عمله مستعملا اللغة المتعارف عليها مؤسساتيا و المتداولة بينهما. وبواسطة اللغة تنجلي الإشكالات المرتبطة بسوء فهم الرسالة أو الخطاب البيداغوجي، و لا يمكن أن ننكر أن سوء التفاهم ينجم في غالب الأحيان عن عدم فهم فكرة المرسل أو تأويل كلامه بطريقة سلبية تؤثر على عملية التواصل؛ لأن لكل من المرسل و المخاطب تمثلاته الخاصة بالآخر و التي تؤثر على ايجابية التواصل و التفاهم أو تغلق الأبواب و المنافذ في وجه كل محاولة للتواصل و التفاعل.
و قد قال أحد الباحثين في هذا الصدد :
" لا أحد يمكن أن ينفي أهمية التواصل داخل القسم. الطريقة التعليمية- التعلمية ليست إلا مجموعة من الرسائل المتبادلة بين عناصر جماعة القسم، لا سيما بين المعلم و التلاميذ و هؤلاء فيما بينهم، زيادة على التواصل الحسي الذي له أهمية كبرى"10
وتؤكد هذه الفكرة رأي آخر إذ يفصح على " إن أي إنتاج لغوي هو في الجوهر إنتاج لغوي لوضعية تواصلية ذاتية و متفردة و ليس مقطعا من مقاطع اللغة الطبيعية التي يتداولها الإنسان. إن التداول الحقيقي لمقطع من مقاطع اللغة يتطلب توفر أربعة عناصر هي :
1- متلفظ؛
2- وضعية تواصلية؛
3- زمان و مكان؛
4- ملتقط لعملية التلفظ"11
ولكي يستفيد المدرس و التلميذ من الوضعيات التعليمية المقترحة، و العلاقة البيداغوجية التي تربطهما ؛ لا بد من توظيف اللغة الكلامية و انتقاء الملفوظات التي لها دلالة ولها علاقة بموضوع التعلم؛ مع الأخذ بعين الاعتبار القاموس اللغوي للتلميذ.
لا يكفي تقديم وضعية تكوينية/تعليمية، و معينات ديداكتيكية للمتعلم و تركه يبحث وحده على المهمة المطلوبة منه. فاللغة هي أداة التواصل التي يستعملها المدرس لتبليغ المحتوى الدراسي، و التعبير عن أفكاره؛ هذه اللغة هي التي يلجأ إليها المتعلم لفك رموز الرسالة التربوية و قراءتها و تأويلها بطريقته الخاصة وفق معارفه السابقة و مهاراته اللغوية التركيبية و اللفظية؛ دون أن ننسى تمثلات كل من التلميذ و المدرس عن موضوع التعلم أو أحد عناصره. لذا وجب التأكد من أن كلا الطرفين يتحدثان نفس اللغة عن نفس الشيء و ليس عن شيء غيره.
ويقول الفيلسوف هايدجرHeidegger׃« فالتفاهم حول شيء ما معناه التفكير بشكل متماثل حوله وحينما يحدث اختلاف في طرق التفكير وفي الآراء،،وجب تحديد وجهات النظر التي تنبثق عنها الاتفاقات كماالاختلافات.»يورغنهابرماس׃"هايدجر والنازية، التأويل الفلسفي والالتزام السياسي"،ترجمة :عزالدين الخطابي، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة،2005،ص83.
نعتبر تدخلات المدرس عبر التواصل اللفظي، و اختيار اللغة المناسبة للوضعية التعليمية/التعلمية أو ما نسميه " وضعية المجابهة التكوينية العامل الرئيسي الذي يمكن التلميذ من اكتساب الكفايات و بلوغ الأهداف المسطرة.
لذا وجب الاهتمام باللغة كقوة فاعلة و أساسية لإنجاح العملية التعليمية- التكوينية و تيسير العلاقة البيداغوجية داخل الفصل الدراسي التي تعتمد بالدرجة الأولى على التواصل بين التلميذ و المدرس. و لبلوغ أهداف التواصل اللغوي، وتبادل التأثير والتأثر بينهما؛ نقترح الأسئلة التالية التي يجب أن يأخذها المدرس بعين الاعتبار عند تواصله مع التلميذ ׃
v مع من أتكلم ؟
v لماذا أتكلم؟
v كيف أتكلم ؟
يبقى التواصل البوصلة التي ستقود المدرس في اختيار استراتيجية المعالجة الأنسب للوضعية أو السياق الذي يتطلب تدخلا و توجيها لفك اللبس الذي يصاحب المتعلم في سيرورة تعلمه و يمنعه من التقدم.
لا تقتصر استراتيجية المعالجة على تقديم وضعية تعليمية أقل صعوبة من سابقتها، أو إعادة الشرح بنفس الطريقة التي كانت سببا في عدم فهم التلميذ؛ إنما تتطلب أيضا توظيفا لمصطلحات جديدة تكون أكثر دلالة بالنسبة للتلميذ قريبة من تمثلاته و منسجمة مع معجمه اللغوي.
يمكن التواصل المدرس من تحديد حاجيات التلاميذ و معرفة الفوارق التي تفصل بينهم، من أجل تحليل ديداكتيكي أكثر نجاعة، و تقديم وضعيات تعليمية ملائمة لمستوى المتعلمين؛ و تبني البيداغوجيا الفارقية التي تفرض على المدرس جمع عدد هائل من البيانات و إحصاء لمختلف الأخطاء و ترتيب الأسباب التي أدت إلى وقوعها.
لذا نعتبر عملية التواصل البيداغوجي الصفي من المهارات و الكفايات الأساسية، التي يجب أن يجيد المدرس استعمالها، كي يشخص الصعوبات التي تعترض التلاميذ في سيرورة تعلمهم، و يحدد الأسباب التي جعلتهم يتعثرون في تكوينهم.
لعل من أبرز كفايات المدرس، قدرته على تنويع طرق تدريسه و تدخلاته المتمركزة حول المتعلم و سيرورة تعلمه من أجل تقويم الأخطاء، و تعديل العمليات الذهنية ،و اختيار المعارف الأنسب للوضعية و السياق اللذين يتطلبان نوعية محددة من الكفايات التي يجب أن يتوفر عليها المتعلم . لن يتأتى للمدرس أن ينجح في تقديم استراتيجية المعالجة المناسبة للتلميذ إن لم يكن في تواصل دائم معه مبني على الاحترام المتبادل و إعطاء الفرصة للتلميذ كي يعبر عن الأسباب التي جعلت سيرورة تعلمه لا تبلغه الهدف المنشود؛ لأن أهم شيء في العملية التكوينية للتلميذ، هو أن يكتشف الأخطاء التي حالت دون تعلمه أو معرفة أين يكمن النقص الذي جعله لا يصل بامتياز إلى تقديم الحلول المناسبة للمشكلات التي يواجهها في الوضعيات التكوينية (نقص في المعارف- توظيف عشوائي لهذه المعارف-عمليات ذهنية غير منطقية ...إلخ).
يبقى التواصل البيداغوجي، إذن، هو البوصلة الأساسية و الأداة الداعمة لكل من التلميذ و المدرس، كي يبلغا و يحققا مشروعهما التكويني المشترك؛ لأننا، كما أشرنا إلى ذلك، فإن "وضعية المجابهة التكوينية" تجعل كلا الطرفين متساويين، همهما هو التعلم الذاتي و مساعدة الآخر على التكوين.
و نظرا لما تكتسيه عملية التواصل الصفي المتمركزة حول المتعلم، من أهمية في تجويد المناخ التربوي و الرفع من جودة التعليم، فإنه لا بد من إيجاد الحلول من أجل مساعدة التلميذ على اكتساب استقلاليته في تعلمه :
"ولعله من المفيد التذكير في هذا السياق بأن تحسين الجودة و الرفع من أداء التلاميذ و مشاركتهم يتطلب فهما عميقا لشروط و أسلوب تعلم كل تلميذ. و ذلك من شأنه أن يجعل الأساتذة قادرين على مساعدة التلاميذ على تحسين نتائجهم الدراسية، مما يتطلب إيجاد الوسائل البيداغوجية المناسبة لمقاربات متمركزة حول التلميذ و حاجياته الأساسية و قابلياته المتنوعة"11
نرى، أنه لا بد من اعتماد التواصل البيداغوجي الديموقراطي، من أجل تبني مقاربات متمركزة حول التلميذ؛ إذ لا يمكن أن نساعد المتعلم و نتفهم مواقفه و حاجاته و نحن بعيدين عنه ، و إن كنا نتواجد معه في نفس الفصل الدراسي. لا بد من إجراء تعديلات على طرق التدريس المعتمدة، وتطوير علاقتنا مع المتعلم من أجل تحفيزه على التعلم، وتقدمه في مساره الدراسي.
هوامش العرض
1. خالد الميرو مجموعة من الباحثين سلسلة التكوين التربوي 2 " نظريات التعلم المتعلم في جماعة الفصل " الدار البيضاء مطبعة النجاح الجديدة 1995، ص : 65.
2. - المرجع السابق ص :56-66.
3. - محمد آيت موحى و جماعة من الباحثين، سلسلة علوم التربية 5 " درسنا اليوم ...! (من بيداغوجيا الأهداف إلى بيداغوجيا حل المشكلات) مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية نونبر 1991 ص : 141.
4. - فيليب جونير ترجمة الحسين سحبان ، الكفايات و السوسيوبنائية– إطار نظري – الدار البيضاء مطبعة النجاح الجديدة 2005، ص :89.
5. - جامع جغايمي، سيكوسوسيولوجيا التربية، أگادير، مطبعة شروق، 2003 ، ص 52-53.
6. - جماعة من الباحثين، أوردهم العربي اسليماني في : التواصل التربوي مدخل لجودة التربية و التعليم، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة 2005، ص :19.
7. - فاطمة حسيني، كفايات التدريس و تدريس الكفايات، آليات التحصيل و معايير التقويم، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة 2005،
ص : 128.
Lasswell ; cité par Galina Andréeva dans « psychologie sociale » ; éditions du progrés,1986, p : 103 -8
9 - محمد مكسي، الإستراتيجيات التعليمية- التعلمية و الكفايات، الدار البيضاء مطبعة النجاح الجديدة 2005، ص :62
10ـ El ghordafabdelaziz : la dynamique des groupes : op-cit p : 51.
11ـ العربي الوافي : أي تعليم لمغرب الغد؟ الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة 2005 ص 59.
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (http://forum.moe.gov.om/showthread.php?t=656305&goto=newpost)
فالتواصل البيداغوجي الصفي عنصر أساسي، و مكون لا غنى عنه في العملية التعليمية-التعلمية؛ إذ كيف يمكن للمدرس أن يحدد مكامن الضعف والقوة لدى التلميذ إذا لم يتواصل معه، وكيف له أن يساعد المتعلم و يقدم له استراتيجية معالجة و/أو تغذية راجعة إذا لم يرافقه في سيرورة تعلمه وينصت إليه و يحترم رأيه.
فالاختلاف في الرأي هو الذي يولد الحوار، و الحوار هو أساس التواصل اللغوي (اللفظي) المتداول داخل الفصل الدراسي. و إذا ألغينا عنصر التواصل فلن تكون لدينا جماعة الفصل، بل أفراد متفرقون(مشتتون و إن كانوا في حجرة واحدة) لا يربط بينهم أي رابط و لا يجمعهم أي مشروع.
I. جماعة الفصل و التواصل :
تتميز جماعة الفصل بالتفاعلات والعلاقات التي تربط المدرس بالتلاميذ، والتلاميذ فيما بينهم.ولا يمكن أن نتجاهل دينامية هذه الجماعة و ما تحمله من معنى، و ما يمكن أن تلعبه من أدوار متكاملة من أجل بلوغ هدف معين. يبقى الهدف الأساسي و الأسمى الذي يتطلع إليه التلاميذ في جماعة الفصل هو التعلم و التكوين و اكتساب الكفايات، و التحكم في سيرورات التعلم من طرف كل واحد منهم . فما هي خصائص جماعة الفصل؟
نقترح التحديدين التاليين :
الأوليرى "إن لجماعة الفصل وجهين متفاعلين يرتبط الأول بحياة هذه الجماعة المؤسسية وما يحددها من قوانين وتنظيمات مدرسية وتوزيع على الصفوف وأعراف سلوكية ترسمها التعليمات، ويرتبط الثاني بتلك العلاقات والتفاعلات التي تربط بشكل تلقائي و حر التلاميذ فيما بينهم، وفيما بين التلاميذ والمدرس و بين المدرس و جماعة الفصل ككل، بعيدا عن قوانين المؤسسة و تنظيماتها"1
والثانييرى أن"جماعة الفصل تعد من فصيلة جماعات العمل التي تتميز عموما بالخصائص التالية:
- الإنتاج كهدف مركزي للجماعة(إنتاج مادي أو فكري)؛
- ظهور مشاكل وصعوبات مرتبطة بعمليات التماسك والتكامل الجماعيين؛
- ظهور أو وجود العلاقات السلطوية"2.
يمكن أن نلخص خصائص جماعة الفصل فيما يلي:
§ أفراد تحكمهم قوانين خارجية؛
§ لهم أدوار متكاملة ؛
§ يجمعهم مشروع مشترك (التعلم و التكوين)؛
§ التفاعل و التواصل ملازمان لجماعة الفصل؛
§ قائد يساعد التلاميذ على بلوغ أهدافهم؛ ... إلخ
تلعب جماعة الفصل دورا هاما في تعلم التلميذ إذ بفضل الاحتكاك مع الآخرين، و تبادل الآراء و المنافسة من أجل إثبات الذات، يقوم المتعلم باكتشاف حقائق جديدة و يطور سيرورة تكوينه و يكتسب كفايات و مهارات و قدرات؛ قد تكون كامنة داخل ذاته و تفجرها التفاعلات مع أفراد جماعة الفصل. يبدو ،إذن، جليا أن تقاسم المهام بين التلاميذ و إنجاز مهام متكاملة؛ كلها عوامل تؤثر إيجابا على عملية تعلم التلميذ.
1. جماعة الفصل و التعلم :
تتطلب عملية التعلم، تفاعل الفرد مع موضوع التعلم داخل وضعية تكوينية، لا يكون فيها بمعزل عن الآخرين، و تبادل التأثير فيما بينهم، كي يتم تحقيق الهدف المرتقب، و حصول التعلم الذي يتجلى في اكتساب طرق جديدة لتحليل المشاكل المطروحة في المهمات المطلوب إنجازها. إن أهم شيء في عملية التعلم /التكوين هي كيفية الوصول إلى النتيجة وتحكم التلميذ في سيرورة تعلمه، و ليست النتيجة في حد ذاتها.
تحدث كثير من الباحثين عن دور الجماعة في عملية التعلم، و نذكر بما قاله بعضهم في الموضوع :
"إن عملية التعلم ليست في الواقع عملية فردية خالصة تحدث في معزل عن أي تأثير من طرف الآخر. إنها نشاط يعتمد في كثير من جوانبه على التواصل مع الآخر و التفاعل معه على مستويات مختلفة معرفيا و وجدانيا.
فلقد دافع العديد من البيداغوجيين على هذه الحقيقة في نظرياتهم المختلفة، حيث وضعوا مفهوم النشاط الجماعي في مركز العملية التعلمية، و اعتبروا التعلم بدوره كفعالية إنسانية لا تتحقق في مدلولها العام (كتربية) في علاقة وثيقة مع الآخرين"3
وقال فيليب جونير في نفس الفكرة ما يلي :
"يرى البنائيون أن المعارف تبنى من قبل الذات نفسها، عبر التجارب التي تعيشها في محيطها، و انطلاقا مما سبقت لها أن عاشته في هذا المحيط، ومن التفاعلات مع الآخرين. فالمعرفة في رأيهم، بما فيها المعرفة العلمية المرموزة في البرامج الدراسية، لا تقبل النقل [التلقين] لأن المتعلم يبني بنفسه معارفه حول المعارف العلمية المدرسية"4
هكذا نستنتج أن عملية التعلم تتطلب عملا جماعيا واحتكاكا مع الآخر من أجل المنافسة والتحفيز على إبداء الرأي والانخراط في جماعة الفصل لتحقيق مشروع مشترك أو إنجاز مهام مشتركة . كما أن ذات المتعلم قادرة على فهم ما يدور حولها، فهي تحتاج فقط لمن ُيَنور لها الطريق من أجل اكتساب المعرفة بنفسها.
يحتاج المتعلم إلى وسط مدرسي ( تكويني ) يبرز فيه أداءه ويمكنه من الاحتكاك مع الآخر و مقارنة مكتسباته مع باقي أفراد جماعة الفصل. فلا يمكن أن يحدد مستواه الدراسي إلا إذا قارنه مع الآخرين و تموقع داخل جماعة الفصل كي يضبط نواقصه وينمي قدراته الحجاجية ويبرهن عن كفاياته التواصلية فيوظف مصطلحات وصيغ بلاغية تجمع بين تمثلاته وتمثلات أقرانه تجعله يحس بانتمائه إلى جماعة الفصل وأنه غير مقصى، وهذا يشجعه على المنافسة وتوظيف قدراته المعرفية والوجدانية من أجل الحصول على الصدارة .ولعل أهمية المنافسة بين التلاميذ ظاهرة تربوية يمكن أن يلجأ إليها المدرس لتحفيزهم وتشجيعهم على تجويد أدائهم داخل الفصل الدراسي، وحثهم على العمل المشترك الذي يقربهم من بعضهم البعض، ويزيل الحواجز الطبقية بينهم؛ وييسر لهم الاندماج في مشروع تكويني مشترك .
يبقى نجاح المتعلم في إنجاز المهمة المنوطة به، رهينا بدينامية جماعة الفصل التي تتيح له باب المنافسة مع أقرانه داخل جو تربوي تسوده علاقات مودة واحترام.
2. تعريف التواصل :
لاحظنا من خلال تحليلنا لجماعة الفصل، أن التواصل و التفاعل بين مختلف الأفراد ملازم لهذه الجماعة التي تحيا بهاتين الخاصيتين و تموت من دونهما، ولا يبقى لها وجود مع غيابهما.
لا بد أن نذكر هنا، بأن كلتا العمليتين الديداكتيكية والبيداغوجية لا يمكن لهما أن تنجحا و تحققا رغبات و حاجيات المتعلمين، إذا لم يكن التواصل ذو نوعية جيدة.
تشمل عملية التواصل البيداغوجي عدة عناصر، و قد حددها أحد الباحثين في ستة هي كالتالي:
1- الأطراف الفاعلة في التواصل البيداغوجي، و نعني بها المدرس و المتعلمين؛
2- الهدف من التواصل البيداغوجي، و يكون عادة على شكل نوايا يرغب المدرس في تحقيقها من وراء الوضعية التواصلية، أو تأثير على سلوك المتلقي؛
3- البلاغ أو الرسالة، أو المحتوى المراد تبليغه للمتلقين؛
4- القنوات، والوسائط التي توظف في التواصل البيداغوجي، مثل الأدوات، والحركات، و اللغة، و غيرها من الرموز التي تستعمل عادة للتعبير عن البلاغ أو المحتوى، بغية تسهيل اكتسابه على المتعلم؛
5- سيرورة التفاعلات بين المدرس و المتعلم، أو بين المتعلمين بعضهم ببعض؛
6- السياق الذي يحدث فيه التواصل البيداغوجي."5
نقترح تعريفا آخر للتواصل البيداغوجي، كما يقدمه أحد الباحثين :
"يسمى تواصلا بيداغوجيا كل أشكال و سيرورات و مظاهر العلاقات التواصلية بين مدرس( أو من يقوم مقامه) والتلاميذ أو بين التلاميذ أنفسهم . كما يتضمن الوسائل التواصلية و المجال و الزمان؛ و هو يهدف إلى تبادل أو نقل الخبرات والمعارف والتجارب والمواقف، مثلما يهدف إلى التأثير على سلوك المتلقي. وقد خلص الباحث من هذا التعريف إلى تحديد ثلاثة مكونات أساسية لفعل التواصل البيداغوجي هي :
- التفاعلات و العلاقات المتبادلة بين المدرس و التلاميذ، أو بين التلاميذ أنفسهم؛
- سياق التواصل البيداغوجي في الزمان و المكان، و وسائله اللفظية و غير اللفظية؛
- وظيفة التواصل التي قد تكون للتبادل أو التبليغ أو التأثير."6
نحن نرى أن وظيفة التواصل تتجاوز بكثير عملية تبادل التأثير و التأثر بين المرسل والمتلقي من أجل تبليغ رسالة معينة، بل إن من أولوياتها خلق جو من الثقة، وربط علاقات إنسانية بين الأفراد مبنية على الحب و الاحترام ؛ أما إذا أغفلنا هذه التفاعلات الإنسانية التي تؤثر بصفة مباشرة على شخصية المتعلم، فإن استعداده و قابليته للتحاور مع المدرس و مع أقرانه ستتضاءل إن لم نقل ستنعدم؛ و بالتالي سيصعب تجاوز الخلافات التي تظهر أثناء العملية التعليمية- التعلمية والتي تحول دون تحكم التلميذ في سيرورة تكوينه الذاتي، و التي تنقص من أداء المدرس الذي لا يجد تجاوبا من طرف المتعلم.
لذا نقترح العناصر المكونة لعملية التواصل كالتالي׃
1. الشعور بالارتياح و الطمأنينة عند المرسل و المتلقي؛
2. الاستعداد للتواصل ؛
3. الاحترام المتبادل؛
4. الرسالة ׃مضمونها وكيفية تقديمها؛
5. المرسل ؛
6. قناة الإرسال׃اللغة، المعينات الديداكتيكية ... الخ؛
7. المستقبل؛
8. التغذية الراجعة ׃تقويم وتصحيح مسار الحوار؛
9. إلغاء التشويش׃إرساء التفاهم وتقليص التباين الحاصل بين المرسل والمتلقي؛
10. بلوغ الهدف المنشود من عملية التواصل.
تعتبر عملية التواصل البيداغوجي من المهارات و الكفايات الواجب توفرها لدى المدرس بصفة خاصة، كي ينجح في خلق جو مناسب، مؤسس على التعاون و التفاهم و الاحترام المتبادل، كي يركز الجميع على الرسالة، مع محاولة فك رموزها، و إقصاء التشويش الذي قد يؤثر سلبا على عمليتي التعليم/التكوين.
فمعلوم أن كفايات التدريس "ترتبط بقدرة المدرس على الاتصال و التواصل، و قدرته على اتخاذ القرارات بشكل علمي و موضوعي، و قدرته على إعداد الدروس. و على تنويع أساليب و طرق التدريس، و أدوات التقويم و أساليبه، و تحليل و تفسير نتائج الاختبارات و استثمارها للتصحيح و التصويب لتحقيق التطوير المنشود لدى المتعلمين"7
تبقى عملية التواصل، في نظرنا، المرحلة الحاسمة، التي تحدد كل العمليات التي يمكن أن يقوم بها المدرس لإنجاح استراتيجية تعليمه و طرق تدريسه، و تحليله الديداكتيكي....إلخ . إذ بدون تواصل فإن العملية التعليمية/التكوينية ستبوء لا محال بالفشل.
ولكي تنجح هذه العملية، لا بد أن تتوفر عدة عناصر؛ و قد قدم لنا لازويل(Lasswell) نموذجا لسيرورة التواصل تحتوي على خمسة عناصر هي:
"1 - من؟ (يرسل الرسالة) –المرسل؛
2- ماذا؟ (موضوع الرسالة) الرسالة (النص)؛
3 - كيف؟ ( تحقق الإرسال) القناة؛
4 - نحو من؟ (توجه الرسالة) المستمعون؛
5 - بأي تأثير؟ الفعالية. "8
نتوهم، في بعض الأحيان، أننا نتواصل مع الآخرين، خاصة في المؤسسات التعليمية، و داخل الفصل الدراسي تحديدا، حيث نلاحظ احتكار المدرس للكلمة( فهو يتحدث من بداية الحصة إلى آخرها)؛ ففي هذه الحالة يسود إيصال المعلومات و الأجوبة الجاهزة دون أسئلة من طرف التلاميذ أو تفاعلهم مع موضوع التعلم . في هذه الحالة فإن الاتصال من أجل التبليغ هو السائد.
تعتمد، عملية التواصل، على الاتصال بالطرف الآخر، و أن تكون هناك علاقة مباشرة بين شخصين أو أكثر لتبادل المعلومات و فك رموز الرسالة و إعادة بنائها و مناقشتها. تتطلب عملية التواصل خلق تفاعلات بين ـ شخصية تبقى رهينة بحضور هؤلاء الأشخاص في نفس الزمكان(الفصل الدراسي) مع إمكانية اختلاف الأمكنة (عبر الأقمار الاصطناعية و الأنترنيت).
ونقترح تعريفا للاتصال كالتالي :
"الاتصال هو الطريقة التي تنتقل المعرفة و الأفكار بواسطتها من شخص إلى شخص آخر بقصد التفاعل و التأثير المعرفي أو الوجداني في هذا الشخص، أو بإخباره بشيء، أو تبادل المعلومات و الأفكار معه أو إقناعه بوجهة نظر أو رأي، أو الارتقاء بمستواه الجمالي و القيمي، أو الترفيه عنه.
تنتقل المعرفة، و الأخبار بين الناس، عن طريق اللغة. وتبقى اللغة هي وسيلة التواصل الأساسية داخل الفصل الدراسي، بين المدرس و التلاميذ، و التلاميذ فيما بينهم، و إن توفرت المعينات الديداكتيكية، و وسائل الإيضاح التعليمية فإنه لا يكفي أن يقدم المدرس وضعية-مشكلة للمتعلم و يتركه يتخبط في تعلمه؛ إذا لم يوضح له الهدف، و يحدد له معايير النجاح، و يتدخل لمعالجة بعض الصعوبات البيداغوجية (خاصة)؛ فإنه لن يطرأ أي تغيير على تصرف المتعلم ولن يقع أي تقدم في حصيلته المعرفية أو اكتسابه لكفايات جديدة.
اللغة أداة التواصل الرئيسية داخل الفصل الدراسي :
نلجأ إلى اللغة لطلب الحاجة، و نستعملها للاستنجاد، و نستخدمها عندما نتهاتف....إلخ. فاستعمالات اللغة و وظائفها كثيرة، و لا يمكن أن نتصور فصلا دراسيا أو حصة تعليمية دون توظيف اللغة.
يستحسن أن يحاول كل من المرسل و المتلقي، عند تفاعلهما و تبادل الآراء و الخبرات بينهما، معرفة كيفية تفكير كل واحد منهما، و ما هي الطريقة الأنسب لفهم بعضهما البعض ؛ ذلك و كما قال بول ريكورRicœur«إن فهم الإنسان لذاته ولعالمه يرتكز ويتحقق داخل اللغة.»Paul ricoeur ;Philosophie du langage,article in Encyclopédie Universalis, Vol 9,Paris E.U,1985
1- الوظيفة التواصلية للغة :
يشرح المدرس، و يوجه التلميذ في عمله مستعملا اللغة المتعارف عليها مؤسساتيا و المتداولة بينهما. وبواسطة اللغة تنجلي الإشكالات المرتبطة بسوء فهم الرسالة أو الخطاب البيداغوجي، و لا يمكن أن ننكر أن سوء التفاهم ينجم في غالب الأحيان عن عدم فهم فكرة المرسل أو تأويل كلامه بطريقة سلبية تؤثر على عملية التواصل؛ لأن لكل من المرسل و المخاطب تمثلاته الخاصة بالآخر و التي تؤثر على ايجابية التواصل و التفاهم أو تغلق الأبواب و المنافذ في وجه كل محاولة للتواصل و التفاعل.
و قد قال أحد الباحثين في هذا الصدد :
" لا أحد يمكن أن ينفي أهمية التواصل داخل القسم. الطريقة التعليمية- التعلمية ليست إلا مجموعة من الرسائل المتبادلة بين عناصر جماعة القسم، لا سيما بين المعلم و التلاميذ و هؤلاء فيما بينهم، زيادة على التواصل الحسي الذي له أهمية كبرى"10
وتؤكد هذه الفكرة رأي آخر إذ يفصح على " إن أي إنتاج لغوي هو في الجوهر إنتاج لغوي لوضعية تواصلية ذاتية و متفردة و ليس مقطعا من مقاطع اللغة الطبيعية التي يتداولها الإنسان. إن التداول الحقيقي لمقطع من مقاطع اللغة يتطلب توفر أربعة عناصر هي :
1- متلفظ؛
2- وضعية تواصلية؛
3- زمان و مكان؛
4- ملتقط لعملية التلفظ"11
ولكي يستفيد المدرس و التلميذ من الوضعيات التعليمية المقترحة، و العلاقة البيداغوجية التي تربطهما ؛ لا بد من توظيف اللغة الكلامية و انتقاء الملفوظات التي لها دلالة ولها علاقة بموضوع التعلم؛ مع الأخذ بعين الاعتبار القاموس اللغوي للتلميذ.
لا يكفي تقديم وضعية تكوينية/تعليمية، و معينات ديداكتيكية للمتعلم و تركه يبحث وحده على المهمة المطلوبة منه. فاللغة هي أداة التواصل التي يستعملها المدرس لتبليغ المحتوى الدراسي، و التعبير عن أفكاره؛ هذه اللغة هي التي يلجأ إليها المتعلم لفك رموز الرسالة التربوية و قراءتها و تأويلها بطريقته الخاصة وفق معارفه السابقة و مهاراته اللغوية التركيبية و اللفظية؛ دون أن ننسى تمثلات كل من التلميذ و المدرس عن موضوع التعلم أو أحد عناصره. لذا وجب التأكد من أن كلا الطرفين يتحدثان نفس اللغة عن نفس الشيء و ليس عن شيء غيره.
ويقول الفيلسوف هايدجرHeidegger׃« فالتفاهم حول شيء ما معناه التفكير بشكل متماثل حوله وحينما يحدث اختلاف في طرق التفكير وفي الآراء،،وجب تحديد وجهات النظر التي تنبثق عنها الاتفاقات كماالاختلافات.»يورغنهابرماس׃"هايدجر والنازية، التأويل الفلسفي والالتزام السياسي"،ترجمة :عزالدين الخطابي، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة،2005،ص83.
نعتبر تدخلات المدرس عبر التواصل اللفظي، و اختيار اللغة المناسبة للوضعية التعليمية/التعلمية أو ما نسميه " وضعية المجابهة التكوينية العامل الرئيسي الذي يمكن التلميذ من اكتساب الكفايات و بلوغ الأهداف المسطرة.
لذا وجب الاهتمام باللغة كقوة فاعلة و أساسية لإنجاح العملية التعليمية- التكوينية و تيسير العلاقة البيداغوجية داخل الفصل الدراسي التي تعتمد بالدرجة الأولى على التواصل بين التلميذ و المدرس. و لبلوغ أهداف التواصل اللغوي، وتبادل التأثير والتأثر بينهما؛ نقترح الأسئلة التالية التي يجب أن يأخذها المدرس بعين الاعتبار عند تواصله مع التلميذ ׃
v مع من أتكلم ؟
v لماذا أتكلم؟
v كيف أتكلم ؟
يبقى التواصل البوصلة التي ستقود المدرس في اختيار استراتيجية المعالجة الأنسب للوضعية أو السياق الذي يتطلب تدخلا و توجيها لفك اللبس الذي يصاحب المتعلم في سيرورة تعلمه و يمنعه من التقدم.
لا تقتصر استراتيجية المعالجة على تقديم وضعية تعليمية أقل صعوبة من سابقتها، أو إعادة الشرح بنفس الطريقة التي كانت سببا في عدم فهم التلميذ؛ إنما تتطلب أيضا توظيفا لمصطلحات جديدة تكون أكثر دلالة بالنسبة للتلميذ قريبة من تمثلاته و منسجمة مع معجمه اللغوي.
يمكن التواصل المدرس من تحديد حاجيات التلاميذ و معرفة الفوارق التي تفصل بينهم، من أجل تحليل ديداكتيكي أكثر نجاعة، و تقديم وضعيات تعليمية ملائمة لمستوى المتعلمين؛ و تبني البيداغوجيا الفارقية التي تفرض على المدرس جمع عدد هائل من البيانات و إحصاء لمختلف الأخطاء و ترتيب الأسباب التي أدت إلى وقوعها.
لذا نعتبر عملية التواصل البيداغوجي الصفي من المهارات و الكفايات الأساسية، التي يجب أن يجيد المدرس استعمالها، كي يشخص الصعوبات التي تعترض التلاميذ في سيرورة تعلمهم، و يحدد الأسباب التي جعلتهم يتعثرون في تكوينهم.
لعل من أبرز كفايات المدرس، قدرته على تنويع طرق تدريسه و تدخلاته المتمركزة حول المتعلم و سيرورة تعلمه من أجل تقويم الأخطاء، و تعديل العمليات الذهنية ،و اختيار المعارف الأنسب للوضعية و السياق اللذين يتطلبان نوعية محددة من الكفايات التي يجب أن يتوفر عليها المتعلم . لن يتأتى للمدرس أن ينجح في تقديم استراتيجية المعالجة المناسبة للتلميذ إن لم يكن في تواصل دائم معه مبني على الاحترام المتبادل و إعطاء الفرصة للتلميذ كي يعبر عن الأسباب التي جعلت سيرورة تعلمه لا تبلغه الهدف المنشود؛ لأن أهم شيء في العملية التكوينية للتلميذ، هو أن يكتشف الأخطاء التي حالت دون تعلمه أو معرفة أين يكمن النقص الذي جعله لا يصل بامتياز إلى تقديم الحلول المناسبة للمشكلات التي يواجهها في الوضعيات التكوينية (نقص في المعارف- توظيف عشوائي لهذه المعارف-عمليات ذهنية غير منطقية ...إلخ).
يبقى التواصل البيداغوجي، إذن، هو البوصلة الأساسية و الأداة الداعمة لكل من التلميذ و المدرس، كي يبلغا و يحققا مشروعهما التكويني المشترك؛ لأننا، كما أشرنا إلى ذلك، فإن "وضعية المجابهة التكوينية" تجعل كلا الطرفين متساويين، همهما هو التعلم الذاتي و مساعدة الآخر على التكوين.
و نظرا لما تكتسيه عملية التواصل الصفي المتمركزة حول المتعلم، من أهمية في تجويد المناخ التربوي و الرفع من جودة التعليم، فإنه لا بد من إيجاد الحلول من أجل مساعدة التلميذ على اكتساب استقلاليته في تعلمه :
"ولعله من المفيد التذكير في هذا السياق بأن تحسين الجودة و الرفع من أداء التلاميذ و مشاركتهم يتطلب فهما عميقا لشروط و أسلوب تعلم كل تلميذ. و ذلك من شأنه أن يجعل الأساتذة قادرين على مساعدة التلاميذ على تحسين نتائجهم الدراسية، مما يتطلب إيجاد الوسائل البيداغوجية المناسبة لمقاربات متمركزة حول التلميذ و حاجياته الأساسية و قابلياته المتنوعة"11
نرى، أنه لا بد من اعتماد التواصل البيداغوجي الديموقراطي، من أجل تبني مقاربات متمركزة حول التلميذ؛ إذ لا يمكن أن نساعد المتعلم و نتفهم مواقفه و حاجاته و نحن بعيدين عنه ، و إن كنا نتواجد معه في نفس الفصل الدراسي. لا بد من إجراء تعديلات على طرق التدريس المعتمدة، وتطوير علاقتنا مع المتعلم من أجل تحفيزه على التعلم، وتقدمه في مساره الدراسي.
هوامش العرض
1. خالد الميرو مجموعة من الباحثين سلسلة التكوين التربوي 2 " نظريات التعلم المتعلم في جماعة الفصل " الدار البيضاء مطبعة النجاح الجديدة 1995، ص : 65.
2. - المرجع السابق ص :56-66.
3. - محمد آيت موحى و جماعة من الباحثين، سلسلة علوم التربية 5 " درسنا اليوم ...! (من بيداغوجيا الأهداف إلى بيداغوجيا حل المشكلات) مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية نونبر 1991 ص : 141.
4. - فيليب جونير ترجمة الحسين سحبان ، الكفايات و السوسيوبنائية– إطار نظري – الدار البيضاء مطبعة النجاح الجديدة 2005، ص :89.
5. - جامع جغايمي، سيكوسوسيولوجيا التربية، أگادير، مطبعة شروق، 2003 ، ص 52-53.
6. - جماعة من الباحثين، أوردهم العربي اسليماني في : التواصل التربوي مدخل لجودة التربية و التعليم، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة 2005، ص :19.
7. - فاطمة حسيني، كفايات التدريس و تدريس الكفايات، آليات التحصيل و معايير التقويم، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة 2005،
ص : 128.
Lasswell ; cité par Galina Andréeva dans « psychologie sociale » ; éditions du progrés,1986, p : 103 -8
9 - محمد مكسي، الإستراتيجيات التعليمية- التعلمية و الكفايات، الدار البيضاء مطبعة النجاح الجديدة 2005، ص :62
10ـ El ghordafabdelaziz : la dynamique des groupes : op-cit p : 51.
11ـ العربي الوافي : أي تعليم لمغرب الغد؟ الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة 2005 ص 59.
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (http://forum.moe.gov.om/showthread.php?t=656305&goto=newpost)