الرسمي
11-05-2016, 12:40 AM
-
القراءة.. نقد وإبداع
*جريدة الخليج
يوسف أبولوز:
عادت الذاكرة إلى استعادة مادة نُشرت في أحد الأعداد الأولى من مجلة «شؤون أدبية»، الصادرة عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في العام 1986 تحت عنوان لا يُنسى وهو «القراءة بوصفها عملاً إبداعياً»، أو إن لم تخن الذاكرة «القراءة بوصفها إبداعاً»، أي أن القراءة تتجاوز كونها عادة يومية أو وظيفة أو تصفح كتاب ومتابعة فصوله حتى نهايته، إلى كونها إنتاجاً أدبياً أو إنتاجاً ثقافياً، فالقارئ المبدع، أي القارئ الذي يعيد إنتاج قراءته في سياق جديد أو في مادة جديدة هو إذاً في هذه الحالة (مبدع) آخر، أو (كاتب) آخر، ولنقل إن هذا القارئ تحول إلى كاتب في الظل إن جازت العبارة، فهو كاتب لا يمارس آليات الكتابة المباشرة، ولكنه يتعاون مع الكاتب الأصلي في (إخراج) المادة المقروءة سينمائياً، وبصرياً، وجمالياً، وبمعنى آخر يقوم القارئ بجهد كبير عندما يستخدم خياله أو مخيلته في أثناء عملية القراءة.
للكاتب مخّيلة وهي وقود عملية الكتابة في الصميم، وللقارئ أيضاً مخيلة موازية، إنه قارئ منتج، وليس قارئاً مستهلكاً يفرغ من الكتاب ثم يُلقى به إلى سلة النسيان أو سلة الأرشيف، وأرجو أن أكون بهذا التعليق قد التقيت مع روح تلك المادة القديمة ذات الطابع الفكري الفلسفي في واقع الحال، فالقراءة إبداع، والقراءة فكر وفلسفة وسلوك وممارسة، وإعادة إنتاج.
بتصرف، وباختصارات يمكن أن تعود إلى الحوارات التي أجراها الروائي العراقي، شاكر نوري مع كتّاب فرانكفونيين تحت عنوان، «منفى اللغة»، فكيف يقرأ البعض من هؤلاء؟
ماذا يقول الروائي الجزائري سليم باشي.. «.. قرأت بعض الترجمات الفرنسية للأدب العربي، قرأت على سبيل المثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس، والأخير مترجم بشكل جيد إلى الفرنسية ويحتوي على عناصر القوة والتجديد، ولكن نجيب محفوظ تبسيطي، ولا أعرف ما هي قوته الأدبية في اللغة العربية، إنه روائي تنتهي كتاباته إلى السرد العادي الذي شاع في القرن التاسع عشر..».
ماذا نفهم من كلام سليم باشي؟.. نفهم أن القارئ يتحول أحياناً إلى ناقد، ولا يتحول القارئ إلى ناقد أدبي إلا ووراءه خزانة ضخمة من القراءات، وإذا حيّدنا باشي من كونه كاتباً، واعتبرناه قارئاً فقط، ندرك حينها كيف ولماذا أعطى رأياً في نجيب محفوظ (الكاتب التبسيطي من وجهة نظره).. وفي الحقيقة من وجهة نظر قراءته لنجيب محفوظ.
انظر، أيضاً ماذا يقول الكاتب الجزائري ياسمينة خضرة، من جهة اعتباره قارئاً.. أنه يمتلك في هذه الحال رؤية نقدية أو مقارنة.
يقول: «.. قرأت كثيراً من الكتّاب أمثال نجيب محفوظ، وطه حسين، وتوفيق الحكيم. أعتقد أن توفيق الحكيم لا يقل أهمية عن فرانسو مورياك..»، ومرة ثانية لو لم تكن وراء ياسمينة خضره (وهو اسم مستعار وهو ضابط جزائري اسمه الحقيقي - كما يقول نوري، محمد موليسهول..».. ترسانة من القراءات، لما أمكنه أن يعطي هذا الرأي في توفيق الحكيم.
هناك أكثر من مستوى للقراءة، لكن من المؤكد أن القارئ كاتب (مضمر)، أو كاتب (مقنع)، وهو ناقد، وبالضرورة لا يمتلك منهج ومصطلحات الناقد الحرفي أو المهني أو الوظيفي، ولكنه، قد يبدو هذا القارئ، أكثر حرفية ومهنية من الناقد (المنفوخ) بالمناهج والمصطلحات.
القراءة فعل تطهر أيضاً، والقراءة (بنية تحتية) فكرية ومعرفية ونفسية لأي كائن بشري لديه الثقة الجميلة بنفسه، بحيث يعرف في سره وسريرته أنه مبدع آخر، وقد لا يقل إبداعية عن هذا المبدع المحترف.
*** منقول ***
القراءة.. نقد وإبداع
*جريدة الخليج
يوسف أبولوز:
عادت الذاكرة إلى استعادة مادة نُشرت في أحد الأعداد الأولى من مجلة «شؤون أدبية»، الصادرة عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في العام 1986 تحت عنوان لا يُنسى وهو «القراءة بوصفها عملاً إبداعياً»، أو إن لم تخن الذاكرة «القراءة بوصفها إبداعاً»، أي أن القراءة تتجاوز كونها عادة يومية أو وظيفة أو تصفح كتاب ومتابعة فصوله حتى نهايته، إلى كونها إنتاجاً أدبياً أو إنتاجاً ثقافياً، فالقارئ المبدع، أي القارئ الذي يعيد إنتاج قراءته في سياق جديد أو في مادة جديدة هو إذاً في هذه الحالة (مبدع) آخر، أو (كاتب) آخر، ولنقل إن هذا القارئ تحول إلى كاتب في الظل إن جازت العبارة، فهو كاتب لا يمارس آليات الكتابة المباشرة، ولكنه يتعاون مع الكاتب الأصلي في (إخراج) المادة المقروءة سينمائياً، وبصرياً، وجمالياً، وبمعنى آخر يقوم القارئ بجهد كبير عندما يستخدم خياله أو مخيلته في أثناء عملية القراءة.
للكاتب مخّيلة وهي وقود عملية الكتابة في الصميم، وللقارئ أيضاً مخيلة موازية، إنه قارئ منتج، وليس قارئاً مستهلكاً يفرغ من الكتاب ثم يُلقى به إلى سلة النسيان أو سلة الأرشيف، وأرجو أن أكون بهذا التعليق قد التقيت مع روح تلك المادة القديمة ذات الطابع الفكري الفلسفي في واقع الحال، فالقراءة إبداع، والقراءة فكر وفلسفة وسلوك وممارسة، وإعادة إنتاج.
بتصرف، وباختصارات يمكن أن تعود إلى الحوارات التي أجراها الروائي العراقي، شاكر نوري مع كتّاب فرانكفونيين تحت عنوان، «منفى اللغة»، فكيف يقرأ البعض من هؤلاء؟
ماذا يقول الروائي الجزائري سليم باشي.. «.. قرأت بعض الترجمات الفرنسية للأدب العربي، قرأت على سبيل المثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس، والأخير مترجم بشكل جيد إلى الفرنسية ويحتوي على عناصر القوة والتجديد، ولكن نجيب محفوظ تبسيطي، ولا أعرف ما هي قوته الأدبية في اللغة العربية، إنه روائي تنتهي كتاباته إلى السرد العادي الذي شاع في القرن التاسع عشر..».
ماذا نفهم من كلام سليم باشي؟.. نفهم أن القارئ يتحول أحياناً إلى ناقد، ولا يتحول القارئ إلى ناقد أدبي إلا ووراءه خزانة ضخمة من القراءات، وإذا حيّدنا باشي من كونه كاتباً، واعتبرناه قارئاً فقط، ندرك حينها كيف ولماذا أعطى رأياً في نجيب محفوظ (الكاتب التبسيطي من وجهة نظره).. وفي الحقيقة من وجهة نظر قراءته لنجيب محفوظ.
انظر، أيضاً ماذا يقول الكاتب الجزائري ياسمينة خضرة، من جهة اعتباره قارئاً.. أنه يمتلك في هذه الحال رؤية نقدية أو مقارنة.
يقول: «.. قرأت كثيراً من الكتّاب أمثال نجيب محفوظ، وطه حسين، وتوفيق الحكيم. أعتقد أن توفيق الحكيم لا يقل أهمية عن فرانسو مورياك..»، ومرة ثانية لو لم تكن وراء ياسمينة خضره (وهو اسم مستعار وهو ضابط جزائري اسمه الحقيقي - كما يقول نوري، محمد موليسهول..».. ترسانة من القراءات، لما أمكنه أن يعطي هذا الرأي في توفيق الحكيم.
هناك أكثر من مستوى للقراءة، لكن من المؤكد أن القارئ كاتب (مضمر)، أو كاتب (مقنع)، وهو ناقد، وبالضرورة لا يمتلك منهج ومصطلحات الناقد الحرفي أو المهني أو الوظيفي، ولكنه، قد يبدو هذا القارئ، أكثر حرفية ومهنية من الناقد (المنفوخ) بالمناهج والمصطلحات.
القراءة فعل تطهر أيضاً، والقراءة (بنية تحتية) فكرية ومعرفية ونفسية لأي كائن بشري لديه الثقة الجميلة بنفسه، بحيث يعرف في سره وسريرته أنه مبدع آخر، وقد لا يقل إبداعية عن هذا المبدع المحترف.
*** منقول ***