تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أحياناً لا يجب أن نستجيب لعقولنا



الرسمي
06-06-2016, 12:54 AM
-


أحياناً لا يجب أن نستجيب لعقولنا

*جريدة الخليج

شيماء المرزوقي

دائماً ما ننادي بدحض الخرافات والأكاذيب والمعلومات المغلوطة عن طريق اتباع المنهج العلمي، وتحكيم العقل، فهذه هي الطريقة الوحيدة لجعل العالم نيّراً بالعلم والمعرفة، التي من شأنها جعله مكاناً أفضل وأجمل. وبتحكيم المنطق والعقل يمكننا التنبؤ بحال المستقبل وكيف ستكون الحياة، يمكننا تجنب الكثير من المآسي والمشاكل التي تتعس الإنسان وتشقيه، فبتحكيم العقل نصل إلى نتائج عادلة وصحيحة وقرارات سليمة. ما يؤكد ذلك هو أن الشاعر التراجيدي في القرن الخامس قبل الميلاد، سوفوكليس يؤكد حتمية العقل والمنطق لفهم الإنسان لنفسه وعالمه، وكذلك أفلاطون يقول: «رياضة العقل هي أسمى مراتب الرقي الإنساني». وأرسطو يؤيده فيؤكد أن العقل يمثل جوهر الإنسان.

نرى من خلال هذه المقولات أن الفلاسفة العِظام يتفقون على أن العقل أساس لصنع حياة كريمة للإنسان، لكن هل يصلح ليكون منهج حياة قويمة؟ هذه المعضلة هي ما يتناقشون حولها ويختلفون.

يؤمن الفيلسوف والاقتصادي والمؤرخ الأسكتلندي، ديفيد هيوم، بأن العقل ضروري لفهم عواقب الأمور، وللتخطيط لإنجاز الأهداف الإنسانية وتكوين الآراء، ولكنه يعتقد اعتقاداً جازماً أنه بمجرد ما نرد هذا الرأي الجاف إلى صدورنا فستختلط به العواطف والمشاعر، وينشأ إحساس داخلي بالاستنكار والنفور لو كان هذا الرأي يضمر شراً أو فساداً. يرى هيوم أن الإنسان مجبول على اتباع ما يسمى بالحس الخلقي أو الوجدان ولا علاقة للعقل بهما.

يمكن للعقل أن يبرر فعل السرقة والكذب ويشرّعهما قانونياً، ولكن بالمقابل هذا القانون العقلي يتنافى كلياً مع أحاسيس الإنسان الدفينة والأخلاقية.

إن اتباع المنطق وتحكيمه هو أمر عظيم لحماية أنفسنا من الغرق وسط المغالطات والخرافات، ولكن المهم هو ألا نُضعِف دور الضمير والحس الأخلاقي، فعندما يتعلق الموضوع بالخطأ والصواب من المهم أن نضيّق أُطُر العقلانية فدورها ثانوي جداً في تحديد المسائل الأخلاقية.

يقول غاندي: «من شأن العقلانية أن تتحوّل إلى وحش بشع إذا ما ادعت لنفسها القدرة المُطلقة، وهذا لا يقل قبحاً عن عبادة الأوثان والسجود لقطعة من الحجر أو الخشب باعتبارها إلهاً». إنني لا أدعو إلى فرض قيود على العقل، وإنما إلى اليقظة لرغبتنا الدفينة في تقديس العقل.


*** منقول ***