تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أهمية اللغة العربية



حواليكم
02-07-2013, 10:40 PM
إنصافًا للَّغةِ العربية الماتعةِ، ومُساهِمةً في إلقاء نُثَارِ الضَّوء على المشهدِ النَّقدي في حضوُرهِ المرتبط بكِيانِ اللغة - فكرًا ومضمونًا - آثرْتُ أن أطرحَ أهمية اللغةِ في الخطاب النَّقديِّ؛ لِما لِلُغتِنا العربيةِ من روائع الدُّررِ.

اللُّغةُ العربية التي هي لسانُ القرآنِ الكريم، ومعجزةُ الرَّسولِ محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذيأُنزِلَ عليه القرآنُ: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]، ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2].

لقد اعتبر العربُ اللغةَ ظاهرةً كونيَّةً مقدَّسةً، وسمةَ انتماءٍ لعالَمِهم، بغرض تفسيرِ الظواهرِ الكونيَّة، وتأمُّلاتهم المعيشيةِ والحياتيةِ؛ لِمَا لها من جلالٍ، وإكبارٍ، وارتباطِها العضويِّ بالنص القرآنيِّ، صاحبِ القدسيَّةِ؛ لأنَّ اللغةَ مكونٌ جوهريٌّ من مكوناتِ الإنسان، ترتبط به ارتباطًا جَذْريًّا في الأصل والفرعِ، فالنظرة الفلسفيَّةُ الإسلاميَّةُ لتفسير مشكلاتِ الإنسان العربيِّ كانت تتبلور في الذِّهنيةِ العربية من خلالِ المنظورِ اللُّغويِّ، لمعرفة أسرارِها وكُنِهها وفكِّ شفراتِها، وربطِها بالنَّظرةِ الفلسفيَّةِ الكونيَّةِ، في الرُّؤيةِ والخِطاب العربيِّ، بدت المسألةُ اللُّغوية واضحةً في المُنجَزِ التراثيِّ العربيِّ الهائلِ؛ من كتاباتٍ تُعنَى باللُّغة وعلومِها المختلفة، لِمَا يميِّزُ العربيةَ من قدرةٍ لغويةٍ اتصاليةٍ بهذا التنوُّعِ والثَّراءِ والعبقريَّةِ السيكولوجية في تركيبِها وأدائِها.

تعريف اللغة:
عند العرب ملكةٌ يقتدِرُ بها الإنسانُ على النُّطقِ واللَّفظِ، تعبِّرُ بها كلُّ أمَّةٍ عن علومِها، ويبيِّنُ بها كلُّ شخصٍ عما يراود نفسَه, وعقَله.

مشتَّقة من الفعل "لغا" فيقال: لغا بالشيءِ أي: "لَهِجَ به"، لغوتُ أي: لفِظت أو أعربت عمَّا أردت بالكلام[1]، يقول ابن جني في كتابه "الخصائص"، باب القول على اللُّغة: "أما حدُّها فإنَّها أصواتٌ يعبِّرُ بها كلُّ قومٍ عن أغراضِهم"[2]، وإذا كانت هذه هي معانيَ اللّغةِ منطوقةً, فاللُّغةُ المكتوبة هي الإعرابُ عن هذه المعاني وبنائِها برموز "علامات تدلُّ عليها"، (الحروف المتجمعة في كلماتٍ أو مفردَاتٍ ثم عباراتٍ وجمل)[3].

هذه التَّعريفاتُ التي قدَّمها العربُ تشيرُ إلى أكثرِ الدَّلالاتِ الحديثةِ أهميَّةً، وهي الذِّهنيةُ والاتصاليَّةُ والوظيفيَّةُ؛ نظرًا لارتباطِ اللُّغةِ بعلوم النَّفسِ والفلسفةِ وغيرِها من العلوم، واستقلَّ علمُ اللُّغةِ بقوانينَ علميَّةٍ خاصةٍ به، بظهور علماءَ لِسانيِّينَ، أمثالَ: "دي سوسير وبلومفيلد وسابير وتشومسكي"[4] وغيرِهم، ظهرت معهم اللِّسانياتُ الحديثة، خاصة الأدبيَّةَ منها، التي تبحث بالعَلاقاتِ القائمة بين اللِّسانيَّاتِ والأدبِ والنَّقدِ والسِّيميائيات؛ لتساهمَ في بناءِ صيغةٍ علميَّةٍ دقيقةٍ للنَّقدِ الأدبيِّ‏‏، باستخدام الأسلوبِ العِلميِّ، "التجريب والاستقراء".

وعرَّفت اللغوياتُ الحديثةُ اللغةَ: بوصفِها ظاهرةً إنسانية طبيعيَّة، فاللغةُ لا يُعاد إبداعُها في كلِّ جيلٍ، وإنما يعادُ التَّعبيرُ من خلالِها، فالطِّفلُ يتعلَّمُ لغةَ الأمِّ كجزءٍ من عملية الإدراكِ الطبيعيِّ، الغريزيِّ.

اللسانيات الحديثة:
فقد عُنِيَت اللِّسانياتُ الحديثةُ[5] "البنيوية"[6] بتطبيقِ المنهجِ الوصفيِّ في دراسة اللُّغة, على أنَّها وِحداتٌ صوتيةٌ تتجمَّعُ لتكوِّنَ وحداتٍ لغويةً، عبارة عن تراكيبَ وجُمل، وما عُرِفَ بنظرية البِنيوية التَّحويلية والتوليدية عند تشومسكي، والنَّظرية السُّلوكيَّة في اللُّغة عند بلومفيلد، على فَهم اللغة أنها نظامٌ، ظاهرة اجتماعية تُعنى بالتَّواصلِ والتَّفاهم المتبادَل، وتقسيمها إلى:
• لسانيات نظرية لغوية:
تبحث عن الصَّوتياتِ "التركيب - القواعد - المعاني - بِنية الدلالة"، وهي ‏تتعلَّقُ بقدراتٍ خاصةٍ بالإنسان، كالنُّطقِ والتذكُّرِ والإبصار والتفكير، وتتوقَّفُ على العواملِ الفسيولوجيَّة.


• لسانيات تطبيقية: تبحث عن وظيفةِ اللُّغة وعَلاقاتِها العِلميَّةِ والتربويةِ تتعلَّقُ بما يمارسُه الإنسانُ من أعمالٍ، وما يحيطُه من بيئةٍ، وتتوقَّفُ على العواملِ البيئيَّةِ.

• لسانيَّات اجتماعيةٌ: تبحثُ في العَلاقةِ بين اللُّغةِ والمجتمع، وباحتياجاتِ الإنسانِ إلى التواصلِ مع من حوله, وبنوعِ ومستوى المعرفةِ المتاحِ، والسِّياق الذي تُستخدَم فيه، وتتوقَّفُ على العواملِ الاجتماعيَّةِ.

• لسانيات الأنثروبولوجية: تبحث الصِّلةَ التي تربط اللغةَ بالإنسانِ، تتعلَّقُ بنوع المنطقِ الذي يحكُمُ العلاقاتِ بين مكونات اللُّغةِ، من أصواتٍ أو علامات مرقومةٍ مكتوبة، وبالمعاني المطلوبِ توصيلُها, ونوع ومستوى الثَّقافةِ السَّائدة في المجتمعِ، وهي عواملُ ثقافيَّة فكريَّة.

إضافة لمفهوم التَّرابُطِ في المنظومةِ اللُّغوية، ووحدة المنطقِ النَّحويِّ الذي يحكُمُ هذه اللغة، باعتبارِها أصواتًا منطوقةً، تعبِّرُ عن الغرضِ المراد، ولكونِ اللُّغةِ هي الوظيفةَ الرَّمزيةَ العقليَّةَ التي يستطيعُ بها الإنسانُ شرحَ أفكارِه، فمِنْ غيرِ الممكنِ تصوُّرُ عمليَّةِ التفكيرِ، في غياب هذه الرُّموزِ المكونة من مفردَاتٍ، وأنَّ الكلماتِ التي تقوم بوظيفةِ وحداتِ الفكرِ البشريِّ، هي الوسيطُ الذي نشرحُ به أفكارَنا وآراءَنا، ونطرَحُ رُؤَانا المختلفةَ، وخطابنا المَعرفِيّ بيننا وبين الآخَرِ، نؤثِّرُ، أو نتأثَّرُ بحُكْمِ أنَّنا مخلوقاتٌ اجتماعيةٌ، فاللُّغةُ عاملٌ من عواملِ الانطلاقِ الثَّقافيِّ التي فتَحت الطَّريقَ نحو عمليَّاتِ الإدراكِ منذ نشأتِها، والتحمَتْ بالخطابِ الثقافيِّ وتجلِّياتِه المتنوعةِ.

تظلُّ الإشاراتُ، كإشاراتِ الصُّمِّ والبُكْمِ، تعبيرات الوجه، إشارات المرورِ وغيرها، مما تُعَدُّ علاماتٍ لغويةً، تستخدم الإشارة لغرضِ نقلِ المعلوماتِ، لكنَّها تستلزمُ وجودَ وسيطٍ لها، تختلفُ عن اللُّغةِ التي هي نظامٌ من العلاماتِ، يُعنَى بارتباطِ اللفظِ بالمعنَى أو ارتباطِ الدَّالِّ بالمدلولِ، منتميًا لصورةٍ ذهنيَّةٍ في الواقعِ، مثل كلمة: كتاب؛ أي: "الكتاب" كصورةٍ ذهنيَّةٍ.

وإن كان علمُ اللِّسانيات النَّفسيُّ يدرِّسُ العملياتِ العقليةَ للفهمِ والإدراك بأدواتٍ مستقاةٍ من اللِّسانياتِ، أوضح أنَّ استخدامَ اللُّغةِ يتأثَّر بعملياتٍ عقليةٍ غيرِ مباشرة، تطرح أسئلةً، يحاول الإجابةَ عنها، من بينِها: كيف يكتسبُ الإنسانُ اللغةَ، ويُنتِجُها، كيف تتأسَّس وتتطوَّرُ، ويتمُّ فهمُها باستخدامِ الدَّلائلِ؟

فلقد اهتمَّ علمُ اللغةِ الحديث بتفكيكِ الكلمةِ لاستنباطِ المعنى، وعلى دراسةِ اللغةِ في ذاتِها من أجلِ ذاتِها، مهتمًّا بالتَّحليلِ والتَّركيب اللغويِّ، والتعريفِ بمستوياتِ اللُّغةِ، وأنظمتِها الصوتيَّةِ والصرفيَّةِ والنَّحْويةِ والدَّلاليَّةِ.

وقد سبق فقهُ اللغةِ في التراث العربيِّ اللِّسانياتِ الحديثةَ من حيث اهتمامُه بالمقارنةِ بين اللُّغاتِ المختلفةِ، وهو يعني: العلمَ بالشيءِ والفهمَ له، "الفقه" بمعنى الفهمِ، فهم الكلمةِ، اصطلاحيًّا، وهو يُعنى بدراسةِ القضايا اللُّغويةِ، من حيث الأصواتُ والمفرَداتُ في خصائصِها الصوتيَّةِ والدلاليةِ، فالكلمة في اللغةِ العربيَّةِ هي الوحدة اللُّغويةُ الصغرى القابلةُ للإعرابِ، من خلالها تتكوَّنُ الجُمل، وجميع الكلماتِ في العربية هي كلِّيَّاتٌ بذاتِها، لكلٍّ منها دلالاتٌ عديدةٌ، بحسَب السياقِ الذي توجد فيه، بعددٍ محدودٍ من الكلماتِ ينتِجُ ما لا حصرَ له من الجُملِ المفيدة، من خلال تقلُّباتِها وتشكيلاتِها المختلفةِ، بينما تكون الوحدة الأساسيةُ في الكلامِ منطوقًا أو مكتوبًا هي الجملةَ، بصفتِها قولاً مفيدًا.

فالعربيَّةُ تنطوي على مجموعةٍ من المفاهيمِ والمقولاتِ تمكِّنُنا من بنائِها، وَفْقًا لمنظومتِها اللُّغويةِ الفائقة، لتميِّزَها بانفتاحِها، وروحها متعدِّدة التَّأويلِ، منطقيَّة المعني، وتألُّفها على نحوٍ متباينٍ لوضعِ ما يناسِبُ المعنى المرادَ نقلُه للمخاطَبِ، من خلال الاستبدالِ والمغايرةِ والتَّشابُهِ والتَّرابطِ، "ما قبلَ وما بعدَ اللَّفظِ، وما يشتركُ فيه" وفقًا لأغراضِ المتحدِّث، وحيث بلاغة الكلام لا ترجعُ إلى اللَّفظِ، إنما إلى ما بين الألفاظِ من روابطَ.

لقد كان السَّبقُ الأَولِيُّ في ذلك إلى لغةِ القرآن الكريم، لتميُّزِها ببِنيةٍ لغويةٍ، غاية في العذوبةِ والجمال، على نحوٍ يفوقُ التصوُّرَ، بمفرداتٍ يصعُب، بل يستحيل تقليدُها، أو حتى الاقتراب من ذلك؛ لِمَا تحملُه من دليلٍ ودلالةٍ كونيَّةٍ وواقعيَّةٍ في ذات الوقتِ، وما تحملُه من قِيمةٍ ذهنيَّةٍ اتصاليَّةٍ ونفسية، تفوق قدرةَ الإنسانِ وخبرتَه، بلغةٍ فصيحة، "كلمة - عربي التي تعني الجليَّ الواضحَ"، يقول - تعالى - في محكَمِ آياته:
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ [آل عمران: 7].

لقد كان من أبرزِ علماء العربيَّة الذين وضعوا مصنَّفاتٍ في علوم اللغة: الخليل بن أحمد الفَرَاهيدي - سِيبَوَيْهِ - الأصمعي - ابنُ جِني - السيوطي - ابن فارس - وغيرهم، قاموا بالتَّعاملِ مع لهجاتِ القبائلِ الحضرميَّةِ والنَّجديةِ؛ للبحث عن جذورِ الكلمةِ ومواضعِها، وعلى ما أراد لها من وظيفةٍ بِنائيَّةٍ في الجملةِ، مع تقديم ملاحظاتٍ نوعيَّةٍ، ترقى لمصافِّ البحثِ العلميِّ المتخصِّص، وإنما ذُكِرت على أنها مفاهيمُ واردةٌ في كتب علماءِ العربيَّةِ من نحاةٍ وبلاغيِّين، دون أن تأخذَ حقَّها في الضبطِ العِلميِّ، رغم اتِّصالِها النقديِّ بالنُّصوصِ الفنِّية والأدبيَّةِ، وأهميَّتِها العلميَّة[7]، حيث تَتْبَعُ أهميَّةَ المنجَزِ الثقافيِّ العربيِّ.

اللِّسانيات العربية:
لقد عرف العربُ اللِّسانيات عبر مؤلَّفاتِهم في:
اللغة المكتوبة: النُّحاة أمثالُ الخليل بن أحمد وسِيبَوَيْهِ وابن سينا‏، وما قالَه "ابن جني": إنَّ العربيَّ قد أبدع كلماتِه: "سوقًا للحروفِ على سَمْتِ المعنى المقصودِ والغرضِ المرادِ"، بمعنى أنه: "كان يضعُ الحرفَ الأوَّلَ بما يضاهي بدايةَ الحديث، والحرفَ الوسَط بما يضاهي وسَطه، والأخيرَ بما يضاهي نهايتَه"، فكان العربيُّ بذلك يصوِّرُ الأحداثَ والأشياء والحالاتِ بأصواتِ حروفِه[8].

وقد انتبهَ نجيب محفوظ في بداية كتابتِه السَّردية إلى أنَّ اللغةَ مقوِّمٌ فنيٌّ أساسيٌّ من مقوِّماتِ الخِطاب الرِّوائي، وأنَّ الرِّواية إبداعٌ تخييليٌّ يتوسل باللغةِ؛ ولأنَّ خبرةَ محفوظ بالنَّثرية العربيةِ التي تمكِّنُه من أنساقِها اللِّسانيةِ كانت عميقةً، فقد أتاحت له هذه الخبرةُ القدرةَ على الاشتغالِ باللُّغةِ بمستوياتِها المتعدِّدةِ، فكانت هذه الخاصيَّةُ الأسلوبيةُ عند محفوظ السِّمةَ الفنيةَ التي لازمت التطوُّرَ السرديَّ عنده[9].

• اللغة الشَّفوية "السَّمعية": علماء التجويدِ، أمثال: الشاطبيِّ، وعلماء الموسيقا، أمثال: الموصلي.


وقد عرف السَّرد الحديث هذه الطَّريقةَ في الأداءِ اللُّغويِّ عبر كتاباتٍ سرديَّةٍ، مثَّلت السَّردَ الشفويَّ التراثيَّ في أعمالِها الإبداعيَّةِ، نذكرُ منها الأعمالَ القصصيَّةَ ليحيى الطاهر عبدالله، وزكريا تامر، وطاهر لاشين، يقول الدكتور محمد عبيد (في قصص يحيى الطاهر) (حكايات للأمير) تُبدِعُ طريقتُها الخاصة عبر الاتِّكاءِ العميقِ على تِقنيَّاتِ السردِ الشَّفويِّ وأساليبِ الحكايةِ الشَّعبيةِ الشَّفويةِ، وهي تعيدُنا إلى نمطٍ بارزٍ من أنماط السَّردِ العربيِّ، يتمثَّلُ في أنه نشأ شفويًّا واكتسب معظمَ خصائصِه المبكِّرةِ)[10].

• تراكيب اللُّغة العربية: أمثال: الخليل بن أحمد وسِيبَوَيْهِ والكسائي، ولقد أشار "شكري عياد" إلى أنَّ الكاتبَ لن يكون أصيلاً - أي: ذاتيًّا في تعبيرِه - إذا لَم يعرفْ مداخلَ هذه اللغةِ ومخارجَها، ولطائفَها، ودقائقَها، ولن يستطيعَ تحقيقَ ذلك إلا إذا كان له حظٌّ من كِتاب العربيَّةِ الأوَّلِ "القرآن الكريم"، وحظٌّ من نصوصِ جهابذتِها الأوائلِ حفظًا ومعاشرةً، فما كان لغةً أشتاتًا يوحِّدُه القرآنُ الكريم في معجمٍ تركيبيٍّ مبدعٍ؛ لأنَّ اللغةَ مفرداتٌ أوجدها القرآنُ تراكيبَ خالدةً، وأنَّ لهذه اللغةِ معاجمَ كثيرةً تجمعُ مفرداتِها وأبنيتَها، ولكن ليس لها معجمٌ تركيبيٌّ غير القرآنِ، وإنما سمَّيْناه "معجمًا تركيبيًّا"؛ لأنَّه أصلُ فنونِ البلاغةِ كلِّها[11].

[COLOR="Re: معاني اللغةِ وعلوم فقهِ اللُّغةِ العربيةِ ودلالاتها في إطار البلاغةِ، أمثال: الجُرجاني والقزويني، فيُعَدُّ شرحُ وتفسير النُّصوصِ الأدبيَّةِ وفهمُ مفرداتِها، يندرج تحت مصطلحِ فقهِ اللُّغةِ باعتبارِها - اللغة - وسيلةً تصبو إلى غايةٍ، بما تشتملُ عليه إجمالاً من آدابٍ مختلفةٍ، وهو يدرس الأدبَ من خلال هذه المقارنةِ، وبالعودةِ لكتاب "فقه اللغة وأسرار العربية" للثعالبي، لفهمِ المفرداتِ والفروقِ الدَّقيقةِ في دَلالاتِها وإيحاءاتِها في كتابه الممتعِ "فقه اللغة وأسرار العربية"، يقولُ في "تقسيم خروج الماء وسيلانه من أماكنه" من السحابِ سحَّ - من الينبوع نبع - من الحجرِ انبجس - من النهر فاض - من السقف وكف - من القِربة سرب - من الإناء رشح - من العين انسكب - من المذاكير نطف - من الجرح ثع[12].

إنَّ تعدُّد التأويلِ بتعدُّدِ المعاني يقودنا إلى سبلِ تأويلٍ دلاليةٍ متنوِّعةٍ، تمتاز بها أغلبُ النُّصوصِ العربية، قديمًا وحديثًا.


• ارتباط اللُّغة بالإنسان والمجتمع: تظهر عند الجاحظِ في مؤلَّفاتِه، خاصة "البيان والتبيين" و"الحيوان"، وبعض الشُّعراءِ أمثال: أبي العلاء المعرِّي في "رسالة الغفران"، وقد تمثَّل هذا البعدُ في رواية "عرس الزين" للرِّوائيِّ السُّوداني الطيِّب صالح[13]، الذي استطاع أن يطرَح عالَم القريةِ في جزئيَّاتِه وتفاصيلها الثريَّة، يتداخل فيها "الواقعيُّ" واقعُ القريةِ السُّودانية مع "التراثيِّ" من خلال العديدِ من العناصر الدَّالَّةِ في شخصيَّةِ "الزين" بطل الرواية، يتمثَّل في اتصالِها بالواقعِ، وبالحياة الشَّعبيةِ في أعمقِ تجلِّياتِها، وصورِها التي تصِلُها بالتاريخِ وبالإنسانِ العربيِّ في انتمائِه الثقافيِّ والحضاريِّ.

• أصل اللغة: ابن جِني في كتاب "الخصائص"، وابن فارس في "المُجمَل" و"المقاييس"، وغيرهم من علماءِ العربيَّة، الذين أثرَوُا الذِّهنيةَ العربيَّةَ بالمتنوِّعِ من الدِّراساتِ اللُّغويةِ.




منقول للفائدة


*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (http://forum.moe.gov.om/~moeoman/vb/showthread.php?t=514895&goto=newpost)