تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قواعد حفظ القرآن الكريم



حواليكم
17-07-2013, 04:30 PM
قواعد حفظ القرآن الكريم

لفضيلة الشيخ:
عبدالله بن سعيد القنوبي حفظه الله تعالى

المحاضرة تم إلقاؤها بجامع البطحـــاء جنوب بولايــة الســــويق مساء الـ 16 من شعبان 1422هــ

بسم الله الرحمن الرحيم

(( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا )) ، (( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكرالله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم )).
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل القرآن رحمة للعالمين وهداية للمتقين ونورا للمستبصرين ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدالله ورسوله من كان خلقه القرآن رتله آناء الليل وأطراف النهار ترتيلا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبة البررة الكرام وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فيا أيها الإخوة الكرام نحيكم بتحية الإسلام المباركة فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ونحمد الله سبحانه وتعالى أن يسر لنا هذا الاجتماع المبارك حول مائدة القرآن الكريم وما تحويه من فوائد جمة وخيرات عظيمة وآيات كريمة .
هذا الكتاب الذي جعله الله نبراسا وهداية لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه من قال به صدق ومن عمل به أُجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ، جعله الله عزوجل شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين وقد سماه الله سبحانه تعالى فى كتابه روحا: (( وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وأنك لتهدي الى صراط مستقيم )) ، فسماه الله روحا لأن الأرواح تنتعش بهداه وتحيا به ، وأي روح لا تحيا بالقرآن فهي ميتة وصدق الله وهو أصدق القائلين: (( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها )).
فإن القرآن الكريم قد بدد الظلمات وألان القلوب القاسيات وجعل المؤمنين أخوة متحابين متعاونين ، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعتنق أحدهم صحيفة القرآن كأنما يعتنق محبوبه ويقول ما الذي أبعدنى عنك كل هذا الوقت ،وهكذا فإن القرآن الكريم هو سر الله عزوجل ومعجزته الخالدة التي ستبقى ما بقي الدهر نبراسا وضياء للمؤمنين .
والله سبحانه وتعالى قد جعل فى هذا الكتاب من آيات العظمة وجلال القدرة ما إن الجبال الراسيات لتتخشع عند نزوله وعند سماعه: (( لوأنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله )) ، (( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى )) ، قال العلماء لكان هذا القرآن ، لأن هذا القرآن له أثره الفاعل فى هذه الجمادات المتحجرة بحيث تلين لذكر الله وتنزل من خشية الله وتسبح بحمد الله ، فما بالكم بالقلب الرقيق والإيمان الدفيق والرحمة الواسعة لبني آدم الذي أتاه الله المدارك من سمع وبصر وفؤاد وحواس ، فإنه لا شك ينبغي أن يكون أرق الكائنات من ناحية التأثر بالقرآن وأن يكون اقربهم إلى الله سبحانه وتعالى وأن يكون أشد تأثرا من غيره من الموجودات بهذا الكتاب العزيز.
ولذلك فإن الذي لا يتأثر بهذا القرآن الكريم ولا يعمل عمله فى نفسه فذلك أشد من الجمادات قسوة وأعظمه غلظة فالله تعالى يقول: (( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله )) ، إذن (( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله )) ، توعدهم الله بالويل ، والويل هو واد فى جهنم لو وضعت فيه جبال الدنيا لسالت من شدة حره ، إذ لا يعرض عن القرآن إلا محروم ولا ينتقصه إلا كل آثم (( ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى )) ، والحديث عن القرآن طويل ولكن نحن بصدد الكلام على نبذة من ذلك حتى يكون لنا حافزا ومشجعا للاقدام على حفظ كتاب الله وترتيله وفهم معانيه والعمل بأحكامه .
فمن ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( علموا أولادكم القرآن فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو) ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أيضا: ( يقال لقارىء القرآن إقرأ ورقَ ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا فإن درجتك عند آخر آية تقرأها ) ، هكذا يكون نصيب قارىء القرآن ومرتله وحافظه أنه يعلو درجات الجنة درجة درجة على حسب ما أفاء الله عليه من حفظ كتاب الله وفهم معانيه والعمل به .
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم بيان أن كل حرف يقرأه من كتاب الله له به عشر حسنات ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) فكم عدد الحروف التي يقرأها القارئ؟ فإذن الدرجات مضاعفة والعمل والأجر عظيم والثواب جزيل لمن أخلص لكتاب الله عزوجل .
وجاء أيضا عنه صلى الله عليه وسلم البشارة العظيمة بأن الماهر بالقرآن الكريم مع ملائكة الله ، ليس هو مع أصحاب الأموال أو الجاه أو المناصب هو مع السفرة الكرام البررة مع الملائكة ،والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق ويتعتع فيه له أجران ،هكذا يجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذخر وهذا الكنز كله لقارىء القرآن ولطالب حفظه ولطالب فهمه والعمل به .
إخوة الإيمان:
وإذا كان الواحد منا تشتاق نفسه إلى كتاب الله عزوجل فيحتضنه بين جنبيه فإن هذا الكتاب لا يكون واقعا في حياة أحدنا إلا إذا ترسم خطاه وما أسهل أن يحفظ الإنسان آي القرآن وسوره ويضيع معناه ولكن ما أشده عليه لو أنه توجه إلى العمل به ، فإن تطبيق القرآن فى واقع حياة المسلمين هو الإصلاح الأكبر وهو الجهاد الأعظم وهو الخير الأعم الواسع، وإن العمل بكتاب الله عزوجل لما يعين على حفظ كتاب الله تبارك وتعالى ، فإن القرآن الكريم كغيره بل هو أفضل وأشرف العلوم على الاطلاق إذا طلبه الإنسان لله تأتى إليه بسهولة ويسر، ولم يجد فى سبيل حفظه أياً من الصعوبات ، وإنما تلك الصعوبات التي فى نظره معوقات هي لذائذ و متع يتلذذ بها بمناجاة الله تبارك وتعالى .
فإن الذي يقرأ القرآن إنما يناجى ربه فهنيئا له على هذا الاتصال العظيم بخالقه ومولاه يرتل آياته ويقرأ كتابه ، وقد بين الله سبحانه وتعالى أجر أولئك فأبان بأنهم هم أصحاب الصفقة الرابحة والتجارة الناجحة والأجر المضاعف والخير المستمر: (( إن الذين يتلون كتاب الله واقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله غنه غفور شكور )) ، وبين سبحانه وتعالى بأن الذين أورثهم علم الكتاب هم أهله وخاصته وأولياؤه وأحباؤه: (( الذين اتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ، أولئك يؤمنون به )) ، أولئك هم صفوة الخلق وأقربهم إلى الحق وهم أحسن الناس عملا واصفاهم قولا واصدقهم سيرة وسريرة وإخلاصا .
وفى هذه الدقائق المعدودة إخوة الإيمان نحاول أن نعرض بعض القواعد التي تعيننا على حفظ كتاب الله تبارك وتعالى من خلال التجربة العملية التي قامت عليها دراسات مكثفة ممن سبقنا إلى هذا المجال وممن حدثنا بمسيرته مع كتاب الله عزوجل حتى نصل أو يصل الواحد منا إلى ما يصبو إليه من الزاد الوافر والحظ العظيم من حفظ كتاب الله تبارك وتعالى .


وهذه القواعد الذهبية التي تعين على حفظ كتاب الله يتصدرها:

**أولا: الاخلاص لله تبارك وتعالى ، والاخلاص كما تعلمون هو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه ملك مقرب فيكتبه ولا شيطان فيفسده وإنما هو وشيجة بين العباد وخالقهم فإذا رأى الخالق جل وعلا من عباده إخلاصا ونقاء وطهرا صب فى قلوبهم هذا النور الذي يكون معينا وموردا وموئلا لكتابه تبارك وتعالى ، والله تعالى قد بين أهمية الاخلاص عندما قال: (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء )) ، ويقول سبحانه وتعالى: (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) ، فليس هنا مجال للرياء أو للسمعة أو للتعالي أو للترفع بحفظ كتاب الله وإنما يقصد به وجه الله ،وما أسهل أن يأتي الإنسان لحفظ كتاب الله من هذا الطريق وما أشده لو أتاه من أى طريق آخر ، لأن ما كان لغير الله فهو لغير الله وما كان لله فهو لله :
فيا طالب الله ائته من طريقه *** وإلا فبالحرمان أنت جدير
فما أسهل أن يأتي الإنسان هذا العلم وغيره من العلوم من هذا الطريق وهو طريق الاخلاص هو الذي يفجر في الإنسان الكوامن التي تحتويها نفسه وتفجر فيه الطاقات الإيمانية وتغذى فيه الروافد التي أفاءها الله عزوجل عليه ، فلا يسألن أحدنا عن سوء حفظه وعن مشقة حفظه فى ذلك وعن العقبات ، كل تلك العقبات تزول بإذن الله مع الاخلاص لأن الله تعالى قد وعد من اتقاه بأن يجعل له مخرجا وأن يجعل له من أمره يسرا وأن يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا .
فإذن على الإنسان أن يخلص لله سبحانه وتعالى وإذا تفرد بالاخلاص ونقى قلبه من غير الله عزوجل حيث أنه لا يقرأ آية أو يحفظ سورة أو جزء من كتاب الله وهو يقصد مخافة الله ويقصد العمل بكتاب الله ويقصد أن يكون واقعا فى حياته ، ساعتها سيكون إيماني النزعة قرآني السلوك يفيض النور من قلبه .
ومما يتعلق بالاخلاص هو اختيار المأكل الحلال فإن الحلال هو الذي يغذى الأجساد وان الجسم الحلال هو الذي يتغلب على جميع عقباته وهو الذي يستطيع أن يصل إلى ما يطمح إليه من درجات علية رفيعة بكل سهولة ويسر، أما الذي يتغذى بالحرام فيكون هذا الحرام فاصلا وعائقا أن يصل به إلى ما يصبو إليه من حفظ كتاب الله ، بل إنه محروم وأي محروم، وقد جاء فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومأكله حرام وملبسه حرام وقد غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ، فكيف يستجاب له وكيف يلبى سؤله وهو يتغذى بما حرم الله .
**القاعدة الذهبية الثانية التي تعين على حفظ كتاب الله تطهير القلب!! وتطهير القلب هي تنقيته من جميع الأدران والذنوب والمعاصي ولا يوجد أحد منا إلا وهو مخطىء ويخطي ويذنب ويعصي كما بين النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل ابن آدم خطأ وخير الخطائين التوابون ) ، ولكن استصحاب التوبة التي تكون تجلية لقلبه وصبا لمعالي الأمور فى نفسه هو الذي يجعل قلبه طاهرا نقيا صافيا بحيث أن هذا القرآن إذا نزل فى القلب النوراني الطاهر هو الذي يشع فيه ويستقر فيه ولا يمكن أن يخرج منه .
أما إذا صادف قلب مظلما فهيهات أن يكون له محل لأن هذا العلم وفى مقدمته حفظ لكتاب الله عزوجل سر من أسرار الله وكنز من كنوزه لا يضعه فى قلوب العصاة والمذنبين، وقد أحسن العلامة الحكيم الترمذي فى كتابه " نوادر الاصول " عندما قال فى تفسير قوله تعالى : (( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ، يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور بأذنه ويهديهم الى صراط مستقيم )) ، قال: " إن لكل حرف من كتاب الله نورا شعرنا به أو لم نشعر إذا صادف هذا الحرف قلبا طاهرا صافيا نقيا من الذنوب والمعاصى فإنه إذا لاك اللسان هذا الحرف دخل النور فى القلب فانصب وتمكن ثم يأتى الحرف الذي بعده وهكذا حتى يمتلىء القلب نورا فيشع على كيانه ووجدانه ثم ينتشر بعد ذلك فى مجتمعه وأمته وعلى الناس جميعا ، أما إذا صادف قلبا مظلما مليئا بالمعاصي والذنوب فإنه وإن قرأ القرآن ولاك الحرف بلسانه فإن النور يأتي إلى القلب فيجده مظلما فيرجع القهقرى ولا يتقدم خطوة واحدة فليس له من حظه أي من تلاوته وحفظه إلا ما لاكه لسانه وتذكرته حافظته وأما النور الذي جاء مع هذا الكتاب فهو محروم منه، لذلك لا تتغير سلوكياته وأخلاقه ولا يجد تلك السعادة وذلك النقاء الذي يحس به صاحب القلب الطاهر النقي ".
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدنى إلى ترك المعاصي
وأخبرنى بأن العلم نـــــــــــور*** ونور الله لا يهدى لعاصـــي

**القاعدة الذهبية الثالثة التي تعين على حفظ كتاب الله تحديد مقدار الحفظ!! فإن التحديد أمر مهم جدا وذلك يتأتى بالنظر إلى خصائص الإنسان وخصائله ومقدار حفظه وفهمه واستيعابه للآيات ، وكل أدرى بنفسه فإنه ليس من المعقول أن يكون الذي يستطيع أن يحفظ فىالساعة خمس آيات أن يرهق نفسه أن يحفظ ثلاثين آية وإلا خرج بدون جدوى أو خرج بدون الفائدة التي يطمح إليها ،وكذلك من الحيف والظلم أن يكون قادرا على حفظ خمس من الآيات الكريمة وهو يقتصر على آيتين ، على الإنسان أن يكون وسطا بين الافراط والتفريط فلا يضيع مواهبه سدى ولا يضغط على نفسه لأن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ، فمراعاة ذلك على حسب ما يعرف الإنسان من حفظه ، ولا يستعجلن فى ذلك فإن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع ، وإنما يأتي الحفظ المتين القوي بمقدار ما تحدد من حفظ الآيات التي يستوعبها عقله .
** القاعدة الرابعة : القراءة الصحيحة قبل الحفظ!! فإن القراءة الصحيحة هي التي تعين الإنسان على الحفظ الصحيح وذلك يتأتى بعدة أمور :
- من ذلك أنه لا بد أن يكون مركزا على الآيات التي يقرأها تركيزا واضحا أو تركيزا قويا بحيث يجعل الآيات أمام عينيه بعد اختيار المصحف الذي سنتكلم عليه بعد قليل- وأن يستمع إلى القرأة مرتلة مجودة إما من قارىء متقن مرتل أو من أحد إخوانه الذين أفاء الله عليهم بشىء من القراءة الجيدة .
والاشرطة متنوعة متعددة الآن فى الأسواق ولكن الذي يحض عليه أن يختار الإنسان له التلاوات المجودة المرتلة وليجتنب الآن القراءات التي تـُـتـلا فى الصلاة كصلوات التراويح فإنها كثيرا ما تكون فيها الكثير من الأخطاء التجويدية وغيرها .
وكذلك فى هذه القاعدة أن يصحح النطق بالحرف أو بالآية الكريمة فان بعض الكلمات ربما لم يسمع عنها لأول مرة أو أنها ثقيلة على لسانه كقوله تعالى: (( أنلزمُـكـُـمـوها وأنتم لها كارهون )) ، فإنها كلمة طويلة وفيها من الحركات ما تستدعي من الإنسان أن يضبط لسانه وشفتيه حتى يجيد نطق هذه الكلمة .
وكذلك أن يطلب علم التجويد الذي يصحح هذه المبادىء ويقوم اعوجاج لسانه ويعتني أول ما يعتنى بتصحيح مخارج الحروف وهو العلم الذي ينبغي أن يتجه إليه كل من أراد أن يتلو كتاب الله أو أن يحفظه فى آن واحد وهو الذي أشار إليه الإمام ابن الجزري .
وهذه القراءة الصحيحة لا بد فيها من التأني ولا بد فيها من التروي والتمهل فلا يمكن للإنسان أن يقرأ سريعا عندما يريد أن يحفظ ، لكن لا بد أن يقرأ الآيات آية آية وكلمة كلمة ، والأحاديث فى ذلك واضحة عن النبي صلى الله عليه، فقد وصفت أم سلمة رضي الله عنها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يقطع قراءته آية آية ، وأبانت بأن الإنسان لو أراد أن يعد حرو ف الكلمات لاستطاع .
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم فى عرضه جبريل عليه عندما كان يراجعه للقرآن فى كل عام فى رمضان راجعه فى العام الذي قبض فيه مرتين وفي هذه العرضه كان جبريل عليه السلام يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع إليه ويستوعب ما حفظ حتى لا يزيد ولا ينقص وهو معصوم بعصمة الله من الزلل فى ذلك .
وعندما حاول النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعجل فى الحفظ حتى لا يفوته - عندما جاءه جبريل أول الأمر في الغار - أنزل الله عليه قوله تعالى: (( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقراءنه )) ، فإذن تحريك اللسان والعجلة بسرعة يؤدي إلى ارتباك الحفظ ويؤدي إلى شرود الآيات من الذهن.
ومما يعين على اتقان القراءة الصحيحة أن يختار له مصحفا واضحا، والذي نختاره ونشجع عليه المصحف المنتشر الآن المجود الذي يساعد على بيان أحكام التجويد كأحكام الميم وأحكام النون والمدود وما شاكل ذلك من تسهيل الهمزة وتحقيقها وغير ذلك من الأحكام المتعددة .
وينبغي له أن يستعين بالشريط وبالمصحف وبمن يُسمّـع له أو يقرأ عليه أو يصوب له أخطأه ولو كان عالما فى اللغة العربية، لأن القرآن الكريم يأتى أحيانا على عدة لغات من لغات العرب ويجمع بين دفتيه كلمات ربما فى ظاهرها لا تتسق مع قواعد اللغة العربية فيستغربها فيقرأها على حسب ما عرف من أحكام اللغة العربية أو من قواعد اللغة العربية كقوله تبارك وتعالى فى قصة موسى مع صاحبه: (( ذلك ما كنا نبغ )) ، فإن الوقوف هنا بالتسكين وقفا خطأ واضح بل لابد من كسر العين، ولكنه عندما حفظها حفظها بالتسكين ، فهذا ربما لا يدركه ولو كان عارفا بقواعد اللغة العربية وإنما القراءة سنة متبعة .
وكقول الله تبارك وتعالى فى سورة النور: (( ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )) ، ( يتقه ) والأصل أن تكون يتقه بكسر القاف لأنه فعل معتل مجزوم بحذف حرف علته ولكن جاء باسكان القاف على لغة من لغات العرب ، فهذه الأشياء لا يمكن للإنسان اعتمادا على نفسه أن يدركها إلا بالسماع وإلا بالمعرفة من القراءة المجودة التي يستمع إليها فالقراءة سنة متبعة .
** القاعدة الخامسة التي تعين على حفظ كتاب الله ،، عندما يريد أن يبدأ فى حفظ كتاب الله تبارك وتعالى لا بد أن يختار الزمان المناسب الذي لا تكون فيه شىء من القواطع أو المشاغل ، هذا الزمان يفرغه لحفظ كتاب الله تبارك وتعالى، وكما أشار أحد الذين جربوا حفظ كتاب الله في مذكرة كتبها بأنه كان يترك محادثة زملائه ويترك كثيرا من أعماله حتى لا يضيع ذلك الوقت الذي خصصه لكتاب الله وكان بعض زملائه يشده من ثوبه حتى يمسك به وهو يفر منهم حتى حفظ كتاب الله فى الوقت والزمن الذي حدده .
ومن أهم الأوقات التي تعين على الحفظ المناسب وقوة الذهن وإدراك المواهب هو سحر الليل الأخير والله سبحانه وتعالى يقول : (( ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا ،إن ناشئة الليل هي أشد وطئا واقوم قيلا ، إن لك فى النهار سبحا طويلا )) ، فالنهار فيه كثير المشاغل وكثير من الأعمال أما الليل فيه الصفاء وفيه النقاء وفيه الاتصال بالله مع التفرغ من المشاغل، وكما يقول الأطباء أيضا استفراغ المعدة لهضم الطعام وتخليها من الأغذية الزائدة فيكون ذهنه صافيا ومعدته غير مشغولة، لأن الطعام يجعل الدم ينزل إلى المعدة حتى تهضم الطعام فيبقى العقل خاملا يميل إلى النوم، أما مع صفاء الذهن وخلو المعدة من الطعام فذلك مما يعين على حفظ كتاب الله ،والسحر له سر من الأسرار العظيمة لا يدركه إلا من جرب ذلك ،وقد أخبرني بعضهم بأنه حفظ القرآن الكريم أو كاد أن يحفظ القرآ ن الكريم ولم يبق إلا القليل فى خلال سنة واحدة لأنه يخصص ساعتين فقط قبل طلوع الفجر لحفظ كتاب الله تبارك وتعالى .
الوقت الثاني بعد صلاة الفجر وهو وقت تشهده الملائكة يقول الله تعالى: (( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا )) ، وإن كان هناك تنازع بين المفسرين فى بيان هذه القراءة هل هي قراءة الصلاة وهو قول كثير من المفسرين أو القراءة بعد الصلاة ،ولكن هذا الوقت هو وقت شريف فاضل وعليه كان السلف الصالح يولونه عناية فائقة، وقد كان الامام السالمي رحمه الله يجمع تلاميذه بعد صلاة الفجر في حلقة قراءنية ويطلب منهم أن يدققوا أثناء القراءة فى الآيات وأن ينتقي كل طالب من الطلبة آية يرجع بعد إنتهاء الحلقة ليبحث عن تفسيرها فى كتب التفسير فيستفيد تفسير آية في كل يوم .
الوقت الثالث بعد الظهر وهو بعد أن يأخذ قسطا من الراحة وينهضم الطعام أيضا فيكون أيضا أدعى إلى الحفظ .
الوقت الرابع ما بين العشائين المغرب والعشاء وقد جرب بعضهم ذلك أي بين المغرب وبين العشاء فحصر نفسه فى هذا الوقت فقط لا غير للحفظ وقد أنهى حفظ كتاب الله بكل سهولة ويسر، والأفضل لمن يريد أن يستخدم هذه الطريقة أن يقضيها فى بيت من بيوت الله تبارك وتعالى.
وكذلك مما يعين على الحفظ أنه يستغل جميع الأوقات ، طبعا فى المذاكرة سنأتى إن شاء الله لنبين بأن المذاكرة لا ينبغي للإنسان أن يتعلل ويقول لا يوجد وقت للمذاكرة بل ينبغي له أن يختار وقتين وقتا للحفظ والأفضل أن يكون فى الوقت الباكر لأن الله بارك لهذه الأمة فى بكورها ،ووقتاً فى المساء للمراجعة على أقل تقدير لا بد له من هذين الوقتين .
ثم أهل الهمة العاليه لا يضيعون وقتا فى ركوب سيارة أو حافلة أو رحلة إلا والمصحف فى جيبهم يقرأون ويراجعون ما حفظوا ،أو حتى فى قاعات الإنتظار وصالات الإنتظار فى المتشفيات أو ما شاكلها من الأماكن فيستغلون هذه الأوقات، وذلك امر مجرب ويعين كثيرا كثيرا على حفظ كتاب الله تبارك وتعالى .
كذلك يفضل أن يكون غير شبعان فإن الشبع كما ذكرنا يثقل على الإنسان الحفظ ويؤدي إلى شرود الذهن ويؤدي إلى الارهاق والميل إلى الدعة والكسل والنوم اما مع الجوع أو مع قلة الطعام فى ذلك الوقت يؤدي إلى صفاء الذهن ونقائه وزيادة الحفظ وانقطاع البلغم الذي اذا كثر يزيد فى النسيان ومع قلة الطعام فى ذلك الوقت يؤدي إلى إنقطاعه أو قلته . :
كذلك أن يختار المكان المناسب وهو المكان الذي يبعد فيه عن الملهيات كأن يختار غرفة نظيفة تشتمل على جميع الوسائل الصحية التي تعين الإنسان على التنفس الصحيح وعلى الاضاءة الصحيحة وعلى القراءة الصحيحة وعلى خلو الذهن بدون شى ء من الضجيج أوالازعاج أو القواطع، فلا يستحسن للإنسان أن يحفظ فى قوارع الطرق أو بين متردد الناس بل شدد بعضهم حتى أن يحفظ فى أماكن تكثر فيها المناظر الطبيعية ، بمعنى أنه ربما يشتغل بها كالماء و الخضرة و ما شاكل ذلك.
و كأن اختيار ذلك المكان مما يعين على الحفظ عند بعض الناس لكن ذلك يأتى إلى نية الإنسان وإلى تفرغ ذهنه بالإنقطاع إلى ما يريد من حفظ لا بالاشتغال في ما حوله من هذه المناظر، وقد حدثني أحد الأساتذة ممن جربوا أيضا هذا الحفظ بأنهم يستعينون على ذلك بغرفة مغلقة يقفل على نفسه ولا يخرج إلا بعد تمام محفوظه، ومما ذكر أحد الحفاظ وهو صاحب المذكرة بأنه إذا انقطع التيار الكهربائي لا يمكن أن يؤجل ذلك الحفظ حتى يستعين بسراج يضعه احتياطا لو انقطع التيار الكهربائي يضيئه حتى يتم محفوظه وإلا لضاع عليه الوقت .
ومن أهم الاماكن بيوت الله تبارك وتعالى وهي المساجد فإن المساجد هي أطهر البقاع على الأرض وأنقاها وفيها ذكر الله وفيها الخير العظيم وفضائلها جمة ويكون الإنسان فى عباده كما فى حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما يزال أحدكم فى صلاته ما انتظر الصلاة والملائكة تدعو له اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث ) ، ففي ذلك خير عظيم جليل .
ولكن لا يستحسن للذي يريد أن يحفظ بصوت عال لأن بعضهم يحفظ سرا أو صامتا لا يستحسن لمن يريد أن يرفع صوته أن يكون فى مكان مزدحم بالناس حتى لا يزعج المصلين أو لا يزعج أيضا اخوانه الأخرين الذين يريدون أن يحفظوا .
** كذلك من القواعد وهي القاعدة السادسة التي تعين على الحفظ استغلال العمر الزمني وهي فترة الصغر وفترة الشباب فإنها المرحلة الذهبية فى حياة الإنسان والإنسان يستطيع أن يحفظ فى صباه ما لا يستطيع أن يحفظ عندما يكبر :
أراني أنسى ما تعلمت فى الكبر *** ولست بناسٍ ما تعلمت فى الصغر
ومما يذكر عن الشيخ الشاعر ابن شيخان أن أباه سلمه إلى معلم يعلمه القرآن عندما كان صبيا ولم يكن عند ابن شيخان مصحف فذهب أبوه ليبحث له عن مصحف يشتريه له فتأخر لمدة أسبوع فأتى إلى ولده ابن شيخان فوجده قد حفظ القرآن الكريم كاملا ،فإذن هذه مواهب ،ولكن الإنسان في سن الصغر له من الطاقة ما لا توجد عند كبر الإنسان وعند ازدياد شواغل حياته وعند كثرة اعماله وعند ضعف ذاكرته وحفظه .
** كذلك مما يعين على الحفظ أن لا يستقل أحدنا ما يحفظ ولو آية واحدة أو يحفظ آيتين فإن ذلك خير عظيم ما دام يستمر عليه، لا يستقل أحدنا حفظ آيه لواحدة لأنه لم يتعود عى ذلك، وأي واحد منا يحاول أن يصعد فلا بد أن يجد صعوبة فى الدرجات الدنيا ولكنه كلما صعد نشط وتقوى حتى يصل إلى المرتبة العالية وهو فى راحة ونشاط تام، والذي يحاول القمة لا بد أن يتعب أولاً فلا يستقلن حفظه فإن الله تعالى يزيد فى حفظه باستعانته وتوكله على خالقه وبارئه .
وكذلك لا ينبغي أن يضع فى قاموسه بأنه بليد الذهن وأنه غبي وأنه لا يحفظ وأن الله تعالى لم يوفقه، كل ذلك من دواعي الشيطان ووسائله للدخول فى نفس الإنسان وتضيعه على العبد هذا الكنز الثمين الذي سبق اليه المتسابقون .
** القاعدة السابعة ،،، أن يبدأ بعد أن يختار المكان المناسب والزمن المناسب ويستجمع ما استجمع من وسائل كالمصحف والشريط وغيره أن يبدا بحفظ الآيات ولا يبدـ في حفظ الآيات إلا بعد أن يستمع إليها كثيرا وأن يقرأها كثيرا، فإنه لو بدأ فى حفظ آيات لم يسمعها أو لم يتعود على قرآتها إلا فى القليل فإن الحفظ عليه صعب، لكن ارأيتم لو كان أحدنا فى سيارته يستمع إلى الشريط ويحدد له بجدول زمنى ماذا سيحفظ اليوم ويستمع اليه ويكرره ،ولا بأس بالاستعانة ببعض الاشرطة الموجودة فى السوق ،ومنها قراءة الشيخ المنشاوى المكررة يكرر الآية مرتين وثلاث في نفس الشريط أو نفس المقطع مرة بعد مرة هذا يعينه على الحفظ ، وكذلك يقرأ كثيرا جدا تلك الآيات قبل أن يشرع فى حفظها ،فاذا اتى إلى الحفظ وجده سهلا جدا لأنه قد استوعب معانى الآيات أو استوعب مجمل كلمات الآيات التي يريد أن يحفظها.
وكذلك مما يعينه على الحفظ هو بالخيار ينبغي أن يختار له إحدى طريقتين :والأولى هي الافضل والاسهل وهي أن يحفظ تفصيلا ،إما الحفظ التفصيلي أن يبدأ بحفظ الآية ثم الآية التي تليها،فيبدا بالآية يقرأها قرأة صحيحه ويجعل تركيزه فى المصحف ثم يكررها مرة أو مرتين أو عشرا حتى تثبت فى الذهن ،فإن اللسان عندما يكرر الكلمات يختزنها العقل ثم تثبت فيه ، يكررها حتى إذا ثبتت في ذاكرته وتأكد من حفظها حفظا جيدا تاما انتقل إلى الآية الثانية فيكررها على حسب حفظه ، بعضهم يحتاج خمس مرات فى التكرير وبعضهم إلى عشر وبعضهم إلى عشرين وبعضهم لا يكفيه إلا ثلاثين أو ربعين مره، لا يمل ولا يكل حتى يستديم هذا الحفظ .
فإذا حفظ الآية الثانية بنفس الطريقه عاد إلى الآية الأولى فربطها بالثانية ثم ينتقل إلى الثالثة ويربطها بالأولى والثانية ثم إلى الرابعة ويربطها بالأولى والثانية والثالثة وهكذا حتى يكمل حفظه اليومي، فإذا انتهى سمع الجميع تسميعا جيدا متقنا ، فإذا وجد هناك خللا فى حفظه لآية معينة عاد إليها أو إلى ذلك الموضع فكرره عدة مرات حتى يكون كنظرائه من الحفظ الجيد .
كذلك يجتهد في أن تكون قرآته مجودة بقدر الاستطاعه لأن التجويد مما يعين على الحفظ السليم، فإن الفصاحة وذلاقة اللسان وحسن المنطق وعذوبة الصوت مما يعين على الحفظ الجيد، ويشجعه أكثر فأكثر على الحفظ الذي يطمح اليه .
** القاعدة الثامنة : لا ينبغي له أن ينتقل إلى محفوظ جديد حتى يتقن ما حفظ من ذي قبل ، فإنه إن حفظ اليوم خمس آيات أو عشر آيات واتقنها اتقانا جيد عاد إليها فى المساء فكررها ، ثم في اليوم الثانى قبل أن يبدأ فى حفظه يكرر الآيات السابقه يعيد تسميعها، فاذا وجد خللا فى حفظه للآيات السابقه بدأ فى السابق فحفظه حفظا جيدا ، ولو أجل محفوظ اليوم إلى الغد حتى لا ينتقل من محفوظ مضطرب إلى محفوظ ربما أيضا يكون كسابقه وإنما يتقن ذلك الحفظ ثم يتبعه بما أراد من حفظ جديد .
ينبغي له كذلك فى هذا الإطار أن يخصص وقتين كما أشرنا وقتا للحفظ ووقتا للمراجعه ، هذه المراجعة هي التي تكمن فيها الصعوبة فإن الحفظ يسهل على الإنسان: (( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )) ، ولكن استرجاع الآيات هو الذي يصعب على الإنسان يكون الإنسان فرحا حفظ اليوم عشر ايآت ما شاء الله أو عشرين آيه، فيأتى فى المساء فلا يجد إلا آية واحدة أو آيتين والباقى ذهب أدراج الرياح ، النبى صلى الله عليه وسلم أشار إلى ذلك حيث بين بأن مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الابل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن تركها ذهبت ، كأنه بنى قصرا و هدمه فى لحظة واحدة .
وكذلك على الإنسان مع هذه المراجعة اليومية أن تكون هناك مراجعة اسبوعية وحبذا لو تكون فى آخر الاسبوع كيوم الجمعة أو ليلة الجمعة وهي ليلة مباركة وقد كان الشيخ اسماعيل الجيطالي رحمه الله يخصص لمحفوظاته أياما فكان يبدأها من بداية الاسبوع ويختمها باسترجاع ما حفظ من كتاب الله الكريم في ليلة الجمعة، إذن عليه أن يكون ذلك الوقت أيضا وقت يتسم بالنشاط والحيوية ويكرر ويعيد حتى يثبت ذلك الحفظ ، وينام على بركة الله ، لا بأس أن يستعين بصلاة النوافل فيقرأ فيها محفوظه فى كل ركعة ثلاث آيات على أقل تقدير أو خمس آيات و يوزعهاعلى اليوم ، ولا بأس أن يستغل الأوقات التي أشرنا إليها : فى الحافلات وفى قاعات الانتظار وفي أي مكان يستطيع أن يكرر فيه محفوظه .
ثم يعرض حفظه على غيره حتى يتأكد من أن حفظه جيد، وعرض هذا الحفظ إما أن يسجل قرآته فى شريط من محفوظه ويعرضه على المصحف فيتضح له أماكن الخلل أو الضعف في حفظه، ساعتها يرجع إليها فى المصحف لكي يكررها فيستديم الحفظ .
أو أنه يعرض حفظه على شخص يسمع اليه وهو يرد عليه ويبين له مواضع الضعف في حفظه، أو أنه يكتبها فى ورقه ، وإن كان الكتابة ليست كالقرآة ولكنها من وسائل استرجاع الحفظ ،فاذا أخطا فى آية يتين المحل الذي يكون فيه ضعف الحفظ .
**القاعدة التاسعة: لا بأس أن يتخذ له تفسيرا للقرآن الكريم ،الكلمة ومعناها على أقل تقدير ، ومنها هذا التفسير المطبوع لحسنين مخلوف ، فالكلمات الصعبة عندما يفهمها يسهل حفظها أو عندما يدرك بعض اسباب النزول يستطيع أن يربط بين الآيات بعضها ببعض وبين الأحكام بعضها ببعض وبين السور مع بعضها البعض .
** القاعدة العاشرة: ينبغي أن يختار له مصحفا واحدا هذا المصحف يكون برسم واحد، ومما يشتت الذهن فى الحفظ أن يحفظ اليوم من مصحف ثم الذي بعده من مصحف آخر، ولا نعنى بتعدد المصاحف أن تكون المصاحف متفقة في الطبعة ، لا وإنما نعنى تعددها اختلاف طباعتها أو اختلاف كتابتها مثل مصحف المدينة النبوية ،طبع عشرات النسخ هو مصحف برسم واحد وتقسيم واحد، وهو ما يسمى بالمصحف الموجه ، أن يبدأ بآية كاملة وينتهي بآية كاملة .
ويجتنب بقدر جهده أن يستعين بالمصاحف الأخرى التي ربما لا تنتهي بآية كاملة،ذلك مما يعين الإنسان أن يحفظ وجه الصفحة كاملة بسهولة ويسر، ويتم الحفظ آية آية وهكذا ،فيختار له مصحفا واحدا، ولا بأس بأن يختار له مصحفا يصاحبه في حضره وسفره .
والمصحف الذي نشير اليه يعين على رسم هذه الآيات فى ذهن الإنسان ويصورها تصويرا تاما، فإن الذي جرب الحفظ يكاد عندما يقرأ الآيات لو قيل له فى أي صفحة يقول الصفحة التي على اليمين فى أعلى الصحفة أو الآية الثانية من أعلى الصفحة أو الآية الثانية قبل الاخيرة من اسفل الصفحة ،يستطيع أن يحددها حتى في وضعها، فاذا نسي شيئا من محفوظة تذكر موضع الآية فأعانه ذلك على سهولة الاستذكار واعانه على سهولة الحفظ بمشيئة الله تبارك وتعالى ، وكذلك رسم الكلمات ، ربما تكون الكلمة كبيرة أو الكاف طويلة أو ما شاكل ذلك ، هذا مما يعينه على تذكر تلك الآيات الشريفة.
** القاعدة الحادية عشرة : أن يربط الآيات بعضها ببعض والسور كذلك، فإن الآيات لها معان ومقاصد ، فآيات الأحكام تختلف عن آيات القصص ،وانتهاء القصص والانتقال إلى آيات اخرى أيضا له عوامله ،فإن القرآن نزل عى فترات متعددة من اطوار الدعوة الإسلامية ،ولكن يوجد بين الآيات روابط لو امعنا ودققنا فى ذلك ، فعلى الإنسان أن يحاول أن يربط بين مناسبات الآيات، مثلا عندما تنتهي مثلا قصة شعيب تأتى قصة موسى مع فرعون كسورة الاعراف وهود، أو عندما تنتهي السور الفلانية تأتى السورة الأخرى ، أو تنتهي السورة المكية تأتى بعدها سورة مكية أو سورة مدنية، يجعل بينهما رابطا ورباطا ،ولا بأس إن استعان ببعض كتب علوم القرأن التي تتكلم عن تناسق الآيات والسور وترابطها مع بعضها البعض.
** القاعدة الثانية عشرة : معرفة المتشابهات من الآيات، كثيرا ما تتشابه الآيات(( إنما الحياة الدينا لهو ولعب )) أو (( الحياة الدنيا لعب ولهو )) بتقديم اللهو على اللعب، أو اللعب على اللهو كما في سورة الاعراف والعنكبوت ،لا بد أن يحدد ذلك بشىء معين ، أن يربط مثلا العنكبوت والاعراف قدم اللهو على اللعب ، وغيرها قدم اللعب على اللهو وهكذا ، ففى ضبط أمثال هذه الأشياء مما يعينه على جودة الحفظ .
كذلك على الإنسان أن يحاول أن يلتزم كما أشرنا بأحكام التجويد ،وأحكام الوقوف فى المصحف، فقد وضعت علامات للوقف ( ج ، صلى ، قلى ، الميم ، رأس الآية ) ، ( لا ) علامة الوقف القبيح، ينبغي أن يلتزم بذلك ، وإن كانت هذه جهود علماء لكنه يختار أنسب وأليق المعاني التي يصلح أن يأول بها كتاب الله ، فوضعوا فيها علامات ، وذلك اجتهاد منهم، والالتزام بها هو الاصلح والأنفع ، خاصة أن المبتدئ لا يدرك تلك الوقوفات، ربما يقف فى مكان لا يعرف أتم معناها ام لا .
ومما نلاحظ ملاحظة واضحة كبيرة جدا أن الواحد منا يقطع الآيات تقطيعا غريبا ، فيفصل مثلا المستثنى عن المستثى منه والمعطوف عن معطوفة والصفة عن موصوفها والفاعل عن فعله والخبر عن مبتدئه ... وهكذا ، ذلك يشتت القراءة ،ويؤدي إلى تغيير المعنى وتبديلها.
هناك أمثلة كثيرة على ذلك، منها الوقف القبيح الذي يحرم أن يقفه الإنسان بسبب أنه يبدل المعنى ، ونجد بأن بعض الناس لا يلتزمون بذلك ، ومن ضمن ذلك وإن كانت لا تصل إلى شناعة كبيرة ما شاع عند كثير من الناس عندما يقرأون سورة النبأ يقرأون : (( رب السماوات والارض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا ، يوم يقوم الروح والملائكة صفا )) ، هنا وقف حسن (( لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا )) جملة جديدة وإن كانت متعلقة بما قبلها إلا أن هذا التعلق لا يكون تعلقا ضروريا يقبح أن يقف على (( صفا )) ، كثيرا ما نلاحظ بأنهم لا يقفون على (( صفا )) بل يقفون على قوله (( لا يتكلمون )) رغم أن الوقف هنا قبيح جدا، لو وقف على (( صفا )) لكان حسنا ، ثم عاد فوصلها بما بعدها: (( صفا لايتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا )) أو قبلها بكلمة أو كلمتين لكان ذلك اليق وأحسن بكتاب الله .
وكذلك فى سورة النازعات: (( أأنتم أشد خلقا أم السماء )) ، لا بد أن يقف هنا فإذا وصل أفسد المعنى ، وهذا الذي أشار إليه سماحة الشيخ حفظه الله فى تنبيه له على ذلك ،فيقف إذن على قوله: (( أأنتم أشد خلقا أم السماء )) ، استفهام استنكاري ثم يأتى الجواب (( بناها )) أو يأتى على ما يأتى من تفسير، فالاليق أن يقف فى هذا المحل ولا ينبغي له أن يصله .
وغير ذلك من الاماكن التي هي اشد وأخطر من ذلك كالاماكن القبيحه جدا أن يقف عليها، فينبغي مراعاة رسم المصحف فى هذه الوقوفات وأن يستعين بها فى حفظه ذلك ،فإنه يحفظ حفظا جيدأ بمشيئة الله .
ومن نافلة القول أن ننبه على أن "لا" اذا وضعت فى المصحف فإنها تدل على معنيين : معنى لا تقف ،ومعنى لا تبتدئ ،واكثر رسام المصاحف يضعون "لا" ، للنهي عن البدأ، اى أنه يجوز لك أن تقف على ( لا ) لأنه وقف حسن، لكن لا تبدأ بما بعدها، هكذا في اكثر المواضع عدا بعض المواضع اليسيرة التي تفهم من سياق الآيات الكريمة، وذلك لأن المصحف رسم على قاعدة الوصل ، أي وصل الآيات بعضها ببعض ، حتى فى رؤوس الآيات ،فهم ينهون عن الابتداء لأن الاصل أن تصل فاذا وقفت جاز لك ذلك ولكن ينبغي أن لا تبتدأ به .
ومن ضمن الاخطاء أيضا عدم التنبه للضبط الاعرابى التي لا ينتبه إليه إلا الذي يدقق في تلاوته، كقول الله تعالى فى آخر الحجر: (( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن الجاهلين )) (( تؤمر )) فعل مضارع تجرد من الناصب والجازم فهو مرفوع ،لكن من الملاحظ أن البعض يسكنون الفعل " تؤمر" هذا خطأ ينبغي التنبه له ،إذا لم يدقق الإنسان أثناء حفظه سيحفظ حفظا خاطئا .
وكذلك قوله تعالى: (( يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين )) ، فى سورة الصافات كذلك الفعل (( تؤمر)) هو مرفوع ، ومن الخطأ تسكينه .
القاعدة الثالثة عشرة وهي القاعدة الاخيرة: الاستعانة بالدعاء فإن الدعاء سلاح المؤمن وهو مفرج الكربات ولا يقعدن أحدنا يشكو سوء حفظه وبلادة ذهنه وإنما عليه أن يدعو ومما استحبه كثير من العلماء أن يدعو قبل حفظه بهذا الدعاء : (( سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله اكبر ولله الحمد عدد كل حرف يكتب ابد اللآبدين ودهر الداهرين اللهم افتح علي أبواب حكمتك وانشر علي رحمتك وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم )) يقول هذا الدعاء قبل شروعه فى الحفظ .
هذه بعض القواعد التي تعين على الحفظ وإن شاء الله تبارك وتعالى ستكون هناك بعض التلخيصات أو المذكرات أو الأوراق التي ستوزع على كل من يريد أن يشترك فى هذا المشروع مشروع حفظ القرآن العظيم ، إن شاء الله تبارك وتعالى .
وصلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* (( انتهت المحاضرة )) *

منقول


*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (/~moeoman/vb/showthread.php?t=516510&goto=newpost)