الرسمي
18-08-2013, 10:40 PM
أشجار ناظم حكمت
يوسف أبو لوز
* دار الخليج
فيما كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في شبابه يقرأ قصيدة ذات إشارات دينية، كان باب السجن ليس موارباً للشاب الذي تتحدّر ثقافته من مرجعيات حزبية عقائدية لا تتواءم وروح الشعر الذي يكتبه عادة العشاق ونبلاء الحرية، ومن هؤلاء الشاعر التركي ناظم حكمت الذي يبدو أنه لا يقع في دائرة قراءات أردوغان الشغوف بالمقامات العثمانية .
أين شعر ناظم حكمت من القصيدة التي أدخلت أردوغان السجن؟ لابد أن فاصلاً زمنياً طويلاً بين قصيدة وقصيدة، وبين رجل ورجل، الأول شاعر والثاني سياسي . الأول له وجه طليعي واحد، والثاني تلوّن وجهه ضرورات السياسة التي مثلما هي فن الممكن، هي أيضاً فن صناعة الأقنعة وسقوطها سريعاً عن الوجوه، وعن الأفكار أيضاً، فالأفكار أيضاً والأيديولوجيات والعقائد السياسية والدينية هي الأخرى مثل الوجوه لها أقنعة من شمع سرعان ما تذوب في المناخات الحارة .
ولكن، ما لنا وللأقنعة التي أجملها في الشعر وفي تلك المنحوتات الإفريقية من خشب تفوح منه رائحة الكاكاو . ما لنا في المقام التركي، إذاً، إلا ناظم حكمت في قصيدته الرائعة ذائعة الصيت “أجمل البحار” . . يقول حكمت:
“ . . أجمل البحار، هو البحر الذي لم نذهب إليه بعد
وأجمل الأطفال، هم الذين لم يكبروا بعد
وأجمل الأيام، هي تلك التي في انتظارنا
وأجمل القصائد، هي تلك التي لم أكتبها إليك بعد . .”
عندما قرأ العالم قصيدة ناظم حكمت هذه قبل حوالي خمسة عقود من الزمان، لم يدخل أحد السجن من هؤلاء القراء . حكمت يكتب للحياة . يقول في كتاب له: “الحياة جميلة يا صاحبي”، ظلّت أشعاره دائماً واقفة على الحدود التركية مع العالم، ومع ذلك دخلت بلا رقابة وبلا هراوة شرطي إلى بلاده، قصائده أشجار خضراء . قصائد، مرة ثانية، بلا أقنعة . قصائد على مقام الحرية وعلى مقاس الإنسان الحالم أبداً بالكرامة والجمال .
هل يقرأ السياسيون الشعر جيداً . أم أنهم يضعون كتب الشعر تحت الوسادة أو على المنضدة القريبة من سرير النوم؟
الأهم من هذا السؤال: عمّ يبحث السياسي في قصيدة الشاعر؟، وكم من قصيدة أرسلت كاتبها وقارئها أيضاً خلف الشمس .
*** منقول ***
يوسف أبو لوز
* دار الخليج
فيما كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في شبابه يقرأ قصيدة ذات إشارات دينية، كان باب السجن ليس موارباً للشاب الذي تتحدّر ثقافته من مرجعيات حزبية عقائدية لا تتواءم وروح الشعر الذي يكتبه عادة العشاق ونبلاء الحرية، ومن هؤلاء الشاعر التركي ناظم حكمت الذي يبدو أنه لا يقع في دائرة قراءات أردوغان الشغوف بالمقامات العثمانية .
أين شعر ناظم حكمت من القصيدة التي أدخلت أردوغان السجن؟ لابد أن فاصلاً زمنياً طويلاً بين قصيدة وقصيدة، وبين رجل ورجل، الأول شاعر والثاني سياسي . الأول له وجه طليعي واحد، والثاني تلوّن وجهه ضرورات السياسة التي مثلما هي فن الممكن، هي أيضاً فن صناعة الأقنعة وسقوطها سريعاً عن الوجوه، وعن الأفكار أيضاً، فالأفكار أيضاً والأيديولوجيات والعقائد السياسية والدينية هي الأخرى مثل الوجوه لها أقنعة من شمع سرعان ما تذوب في المناخات الحارة .
ولكن، ما لنا وللأقنعة التي أجملها في الشعر وفي تلك المنحوتات الإفريقية من خشب تفوح منه رائحة الكاكاو . ما لنا في المقام التركي، إذاً، إلا ناظم حكمت في قصيدته الرائعة ذائعة الصيت “أجمل البحار” . . يقول حكمت:
“ . . أجمل البحار، هو البحر الذي لم نذهب إليه بعد
وأجمل الأطفال، هم الذين لم يكبروا بعد
وأجمل الأيام، هي تلك التي في انتظارنا
وأجمل القصائد، هي تلك التي لم أكتبها إليك بعد . .”
عندما قرأ العالم قصيدة ناظم حكمت هذه قبل حوالي خمسة عقود من الزمان، لم يدخل أحد السجن من هؤلاء القراء . حكمت يكتب للحياة . يقول في كتاب له: “الحياة جميلة يا صاحبي”، ظلّت أشعاره دائماً واقفة على الحدود التركية مع العالم، ومع ذلك دخلت بلا رقابة وبلا هراوة شرطي إلى بلاده، قصائده أشجار خضراء . قصائد، مرة ثانية، بلا أقنعة . قصائد على مقام الحرية وعلى مقاس الإنسان الحالم أبداً بالكرامة والجمال .
هل يقرأ السياسيون الشعر جيداً . أم أنهم يضعون كتب الشعر تحت الوسادة أو على المنضدة القريبة من سرير النوم؟
الأهم من هذا السؤال: عمّ يبحث السياسي في قصيدة الشاعر؟، وكم من قصيدة أرسلت كاتبها وقارئها أيضاً خلف الشمس .
*** منقول ***