الرسمي
22-08-2013, 11:40 AM
شجاعة ألا تكتب باللون الرمادي
يوسف أبو لوز
* دار الخليج
كان الكاتب التركي خفيف الظل عزيز ياسينين يسخر من الإقطاعي والمختار والجاهل والسياسي المحشور في حزب أو في فكر أضيق من خرم الإبرة . ياسينين أحبّه الأتراك نظراً لقصصه المستوحاة من الشارع والحديقة والبرلمان، كان يضحك من الغبي وعلى الغبي، والغباء مادة ذلك الكاتب المبني على ذكاء ثقافي مبني هو الآخر على معاينة استبطانية دقيقة للمجتمع الذي يعيش فيه من نواحٍ عدة . . اجتماعية وسياسية وثقافية وأخلاقية .
وكما يعرف القارئ العزيز، فالأدب الساخر له ضحايا عندما يتجاوز الخط الأحمر، والخط الأحمر معروف تماماً بالنسبة إلى الكاتب وإلى القارئ لأنه ببساطة ليس خطاً رمادياً مزيجاً من الأسود والأبيض، وفي العموم، فإن الكتّاب الذين يكتبون باللون الرمادي في العالم كله لا يصيبهم الجوع، ولا يقع عليهم غضب، خصوصاً غضب السلطة وغضب السياسة، فالرمادي لا موقف له، ولا له شخصية نقدية .
في الثقافة الأدبية التركية يرفع الساخر التركي الكبير عزيز ياسينين رأسه بلا طربوش، وبلا حزب، والأهم بلا خوف . رجل يكتب ويضحك .
لا ندري إذا كان يبدأ الكتابة بالضحك، أم أنه يكتب ثم يضحك . . وعلى مَنْ يضحك .
ابن بلده الروائي الحائز جائزة نوبل في الأدب قبل سنوات قليلة “أورهان باموك” ذهب إلى اسمه الأحمر بالرسم . رسم المنمنمات اللغوية الموسيقية . كاتب يبدو أنه صانع سجّادات في اسطنبول، وبالطبع لا يضحك ولكنه يتأمل ويستعيد تاريخه الشخصي والثقافي في السرد الروائي الموسيقي، من دون حاجته إلى السخرية من الحزب والمؤسسة السياسية وحتى المؤسسة الثقافية الاجتماعية التي اختصرها في الكتابة .
يشار كمال، منطقة روائية مختلفة تماماً عن ياسينين وباموك . هناك في أنقرة يكتب ويعيش . ستة شهور للكتابة، وستة شهور للحياة، عاش مع “ميميد النّاحل” الجبلي زمناً روائياً أطول بكثير من زمنه السياسي . زمن مغامرة وشجاعة .
شجاعة الإنسان فقط هي كينونته .
. . كم بقي من الساخرين والرسّامين والجبليين لكي يعيدوا تركيا إلى عقلها الطيب . .؟
من باب الاسترجاع الحنيني فقط لنسأل المنفي الجميل والشجاع ناظم حكمت .
*** منقول ***
يوسف أبو لوز
* دار الخليج
كان الكاتب التركي خفيف الظل عزيز ياسينين يسخر من الإقطاعي والمختار والجاهل والسياسي المحشور في حزب أو في فكر أضيق من خرم الإبرة . ياسينين أحبّه الأتراك نظراً لقصصه المستوحاة من الشارع والحديقة والبرلمان، كان يضحك من الغبي وعلى الغبي، والغباء مادة ذلك الكاتب المبني على ذكاء ثقافي مبني هو الآخر على معاينة استبطانية دقيقة للمجتمع الذي يعيش فيه من نواحٍ عدة . . اجتماعية وسياسية وثقافية وأخلاقية .
وكما يعرف القارئ العزيز، فالأدب الساخر له ضحايا عندما يتجاوز الخط الأحمر، والخط الأحمر معروف تماماً بالنسبة إلى الكاتب وإلى القارئ لأنه ببساطة ليس خطاً رمادياً مزيجاً من الأسود والأبيض، وفي العموم، فإن الكتّاب الذين يكتبون باللون الرمادي في العالم كله لا يصيبهم الجوع، ولا يقع عليهم غضب، خصوصاً غضب السلطة وغضب السياسة، فالرمادي لا موقف له، ولا له شخصية نقدية .
في الثقافة الأدبية التركية يرفع الساخر التركي الكبير عزيز ياسينين رأسه بلا طربوش، وبلا حزب، والأهم بلا خوف . رجل يكتب ويضحك .
لا ندري إذا كان يبدأ الكتابة بالضحك، أم أنه يكتب ثم يضحك . . وعلى مَنْ يضحك .
ابن بلده الروائي الحائز جائزة نوبل في الأدب قبل سنوات قليلة “أورهان باموك” ذهب إلى اسمه الأحمر بالرسم . رسم المنمنمات اللغوية الموسيقية . كاتب يبدو أنه صانع سجّادات في اسطنبول، وبالطبع لا يضحك ولكنه يتأمل ويستعيد تاريخه الشخصي والثقافي في السرد الروائي الموسيقي، من دون حاجته إلى السخرية من الحزب والمؤسسة السياسية وحتى المؤسسة الثقافية الاجتماعية التي اختصرها في الكتابة .
يشار كمال، منطقة روائية مختلفة تماماً عن ياسينين وباموك . هناك في أنقرة يكتب ويعيش . ستة شهور للكتابة، وستة شهور للحياة، عاش مع “ميميد النّاحل” الجبلي زمناً روائياً أطول بكثير من زمنه السياسي . زمن مغامرة وشجاعة .
شجاعة الإنسان فقط هي كينونته .
. . كم بقي من الساخرين والرسّامين والجبليين لكي يعيدوا تركيا إلى عقلها الطيب . .؟
من باب الاسترجاع الحنيني فقط لنسأل المنفي الجميل والشجاع ناظم حكمت .
*** منقول ***