تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : (الخليج) سليمان الفليح يرحل ويترك الغناء في صحراء الألم



الرسمي
24-08-2013, 10:51 PM
سليمان الفليح يرحل ويترك الغناء في صحراء الألم




http://im34.gulfup.com/fIIMc.jpg (http://www.gulfup.com/?yfwA3V)




يشكل غياب الشاعر سليمان الفليح (1950-2013) خسارة كبيرة، ليس للشعر المعاصر في بلديه: السعودية والكويت فحسب، بل وللمشهد الشعري العربي، بشكل عام، حيث قدم للمكتبة الإبداعية مجموعة من الدواوين الشعرية، منها: “ديوان الغناء في صحراء الألم” ،1979 “أحزان البدو الرحل”،1980 “ذئاب الليالي” ،1993 “الرعاة على مشارف الفجر” ، “رسوم متحركة” ،1996” البرق فوق البردويل” ،2009 وهو آخر دواوينه، ولدى الفليح أيضاً مجموعة من المخطوطات الشعرية والنقدية، إضافة إلى الكثير مما كتبه في عالم السرد، لاسيما أنه كان من كتاب الأعمدة الصحفية التي تابعها قراؤه، خلال فترة طويلة، عندما كان يكتب زاوية “هذولوجيا” .

يعد الفليح أحد رواد الحداثة الشعرية في الخليج العربي، عامة، حيث كان صاحب رؤية شعرية خاصة، وقد كان ممن تبنوا هذا المشروع، وترجمه على امتداد عقود، وجاءت أعماله الشعرية التي كتبها، في مجال قصيدة التفعيلة، ضمن هذا الإطار .

البيئة الأولى

تشيرالدراسات التي تناولت سيرة الشاعر إلى الفليح أنه ولد في بيئة بدوية، فقد فتح كلتا عينيه في منطقة الحماد في المملكة العربية السعودية، وكان أبوه فليح بن لافي العنزي شاعراً معروفاً، ولكنه فجع برحيله، وهو ابن الأربع سنوات، ما ترك أثراً عميقاً في نفسه، فوجد نفسه، أمام قطعان صور الشعر الهائلة التي كانت ترتسم في مخيلته، وتحتاج إلى التقاطها، وكتابتها في القصيدة التي ستشبهه، وقد أوتي بالكثير من العوامل التي ستساعده على ارتكاب فعل الشعر: قوة الموهبة، الثقافة الواسعة التي سيكتسبها أثناء تعليمه، علاقاته بالأدباء والمبدعين وتعلقه الكبير بسير الكتاب والشعراء وتعمقه في قراءة إبداعاتهم واستظهار الشعر، أضف إلى كل ذلك، الشعور المرير باليتم، هذا الشعور الذي كان يدفع به نحو الإبداع .

وإذا كان الفليح يميل بروحه إلى الحداثة التي أبهره بعض نماذجها التي قرأها لعدد من الشعراء المبدعين، في عدد من عواصم الشعر العربية، لاسيما: بغداد، دمشق، القاهرة، بيروت، إضافة إلى عدد من الشعراء الخليجيين السابقين عليه، أو الذين واكبوا تجربته الزمنية، فإن تشربه بالبيئة البدوية الأولى، التي ظل تحت سطوتها، طوال حياته، مثلت معيناً روحياً ثقافياً لا ينضب كان له في المقابل أثره الكبير على تشكيل ملامح تجربته، ما جعله يقرأ الشعراء القدامى، لاسيما الصعاليك منهم- إلى جانب الشعراء المحدثين، ما يدفع لوسمه ب”آخر الشعراء الصعاليك” لاسيما أنه، وفي آخر ندوة له، ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافي التاسع عشر في الكويت، وأشار إلى مفهوم الشاعر الصعلوك، وجذر الكلمة “صعلك” .

إشكال المكان

توفي الفليح في المملكة الأردنية الهاشمية- قبل أربعة أيام- بعد أن زارها مؤخراً، ليمضي فيها إجازته الخاصة، كي يوارى الثرى في تراب المقبرة الهاشمية في عمان، وخاض غمار الشعر، وامتطى لججه في الكويت، التي عاش فيها إلى وقت طويل، يكتب في صحافتها، ويشارك في الأمسيات والندوات الشعرية والأدبية والنقدية فيها، إلى الدرجة التي قد اعتبر بنظر بعضهم مبدعاً كويتياً، وهو هنا ابن أكثر من مكان، وكان من الطراز الذي يتم التفاعل مع حصيده الإبداعي، على نطاق واسع، حيث عرف قصيدته جمهور كبير واسع، على امتداد خريطة قراء ومتلقي العربية، ما يجعلنا هنا، أمام شاعر ينتمي إلى أمكنة كثيرة حقاً . وقد تبدو صورة -الرجل- على نحو أبرز إذا عرفنا، أنه شارك أثناء حرب الاستنزاف في سبعينات القرن الماضي ضد العدو “الصهيوني”، وكي يكون جندياً في حرب الخليج عام 1990 .

ثنائية البادية والمدينة

وغير بعيد عن إشكال المكان، نجد أن حياة الفليح، تتوزع بين فضائين: فضاء البادية، التي كانت مهاده الأول، وفضاء المدينة التي كانت مهاد قصيدته، وقلمه، ولهذا فإن شساعة الفضاء الذي عايشه، وتفاعل معه الشاعر، منذ الطفولة، ومروراً باليفاعة والصبا والكهولة، جعلته يستخلص لذاته معجماً فريداً يشبهه: حيث قساوة الصحراء، ورخاء المدينة، المدى اللامتناهي في البادية، مقابل الأسر الذي تمارسه المدينة، وضجيجها على ابنها، وذلك على نحو أكثر حدة، عندما يكون هذا الابن: مبدعاً، شاعراً، أو فناناً، أو تشكيلياً، أو موسيقياً، أو روائياً، أو قاصاً .

إن دارس قصيدة الفليح يستطيع أن يعثر على كل مفردات هذين العالمين في قصيدته، وكي يصلح أن يكون بدوياً في المدينة، ومدنياً في البادية، وإن كانت قصيدته ستحتل له مقعده في مركبة الحداثة، بلا منازع، يقول: “توفي أبي وأنا ابن الأربع سنوات، وأصبحت يتيماً، ولم يكن لي أخوة، فقلت حينما أتزوج سأنجب قبيلة من الأبناء تعوضني مأساة اليتم، لكي لا يتذوقوا ماذقت من مرارة اليتم والوحدة دون إخوة، وضعتني أمي تحت شجيرة في الصحراء، ولفتني بطرف عباءتها، ثم سارت تغني في ركب القبيلة الظاعنة حدود الغيم” .

الانتماء الجيلي

ثمة إشكال، يتم عند تناول العديد من التجارب الإبداعية، وذلك عندما يتم التدقيق في البيلوغرافيا الإبداعية لهم، حيث يتم اعتبارهم أبناء جيل محدد، قياساً إلى موعد إصدار العمل الإبداعي الأول، وهو خطأ قد يقع فيه من لم يتابع تجربة الفليح، حيث إنه أحد شعراء سبعينات القرن الماضي، إذ بدأت أولى محاولاته في كتابة الشعر، في سن مبكرة، ونضجت تجربته خلال هذا العقد، وإن كانت مجموعته الأولى ستنتمي إلى أواخر هذا العقد، وهي بحق مشكلة كبيرة، إذ إن هناك مبدعين تتأخر طباعة إبداعاتهم عن الفضاء الزماني لحراكهم الثقافي، وتنتمي تجربة الفليح إلى هذا الأنموذج تحديداً، حيث إن المجلات والصحف احتضنت بواكير إبداعاته الأولى في وقت سابق على العام 1979 الذي صدرت فيه باكورته الشعرية الأولى .

ترجم الشاعر الفليح إلى عدد من لغات العالم: الإنجليزية، الفرنسية، الروسية، الصربية، ترك وراءه عدداً من الكتب مثل: “دراسة عن حياة الصعاليك العرب”، “السيرة الذاتية لطائر الشمال”، “دراسات وترجمات”، “الدراسات النقدية والأنتربولوجيا”، و”الأعراف والعادات - البدو”، كما كتب عدد من النقاد والدارسين حول تجربته، والضروري طباعة أعماله ومخطوطاته التي لم تر النور خلال حياته، إضافة إلى طباعة ما كتب عن تجربته، كما أن إصدار جائزة باسم الرجل، يعد ضرباً من الوفاء لمبدع حقيقي، يمكن الاحتكام إلى تجربته -الحياتية- وحدها، لمعرفة ما فيها من مواجهة كبرى للظروف، تشبثاً بالحياة، وهياماً بالإبداع والعطاء، وإذا كان الفليح قد نال في حياته عدداً من الأوسمة والدروع، فإنه من الضروري أن يحمل المبدع الجديد الذي يحث الخطا على طريقه جائزة تحمل اسمه .

من أغنية الولد البدوي

الليل يرخي حجابه

ونحن سنسهر حتى الصباح،

نعيد حديث الصعاليك، نأرق

أن نام كل خلي وأوصد بابه

ونقاسم تمرتنا

وناقسم كل شقي بهذا الزمان عذابه

ونختط ما أختط بالسيف أسلافنا بالكتابة

***

غن لي أيها الولد البدوي

فثلج تراكم في الروح منذ سنين يريد الإذابة

فاشعل روحي لهيباً فحادي القوافي تغرب عني

طويلاً إلى أن خمدت فطال اغترابه .



*** منقول ***