تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : (الخليج) شعراء إماراتيون على خط الحداثة



الرسمي
25-08-2013, 12:13 PM
شعراء إماراتيون على خط الحداثة




http://im42.gulfup.com/JuBuJ.jpg (http://www.gulfup.com/?yGwLrd)




بدهي، أن القصيدة الإماراتية الحديثة -بمفهومها الجغرافي- استطاعت أن تتلمس طريقها، وهي في إطار البحث عن تكوين ملامحها الذاتية، منطلقة من مرجعيتها الأولى، وهي الفتوحات التي حققها الشعر الحديث-عالمياً ومن ثم عربياً- وقد استطاعت نماذجها التي وصلت عبر أقنومي: الترجمة، أو اللغة الأصل، أن تمارس سطوتها، لاسيما على الأجيال الشعرية، الفاعلة، المؤثرة، عبر تسلسلها، حيث كانت صدمة التأثير جد قوية، في بداياتها، ما جعل الأجيال المتتالية، تتوارث هذا التأثير، في بداياتها، وتتعامل معه من قبيل ما هو مسلم به، لدى أوساط واسعة، إلى الدرجة التي لم يعد فتح الأبواب على الشعرية حكراً على قصيدة، محددة، هي المتهمة بتبعيتها لهذا الوافد المحدث، وإنما باتت قصيدتا التفعيلة، والعمود، تتأثران بها، لأن صدمة الحداثة، كانت شاملة، وكان ضرورياً أن تقدم أية قصيدة جديدة أوراق اعتمادها من خلال التفاعل مع إنجازات الخط البياني الشعري .

إنه لمن الطبيعي -هنا- أن الترجمات، والدراسات النقدية، التي رافقت انتشار هذه القصيدة الحديثة، استطاعت -وإلى حدٍ بعيد- أن تنظر لهذه القصيدة، من خلال إعادة بث الروح في مفهوم الشعر، وتثبيت ركائزه، وتوسيع دائرة تلقيه، بل وإنتاجه وفق رؤية جديدة، وإن كنا سنجد هنا، أن هناك من يريد التعامل الميكانيكي مع جملة المفاهيم التي باتت تنتشر، بحيث تكون القصيدة -في أي بيئة مكانية صورة فوتوكوبية طبق الأصل- عن القصيدة الأنموذج، من دون أية مراعاة لخصوصية بيئة الشاعر، باعتبار العالم يتأسس على بيئات هائلة، متعددة، مختلفة، تشكل عامل ثراء وغنى لدورة الحياة، كما تفعل ذلك مع دورة الإبداع، في سائر مجالاته الروحية . بيد أن أصواتاً أخرى قد ظهرت، لتفكر عكس وجهة النظر، هذه، من خلال دعوتها إلى الانطلاق من بيئة المبدع، بل إن كل ما لا يمت بالتفاعل مع هذه البيئة، إنما يعد غريباً على الشعر، ومغامرة من قبل أصحاب هذه الرؤية، في إفراغ الشعر من علاماته الفارقة، وهي من مقومات أية خصوصية، كما أننا سنجد، بعكس أصحاب الرؤيتين المتضادتين، من سيوفق بينهما، من خلال الدعوة إلى “فتح النوافذ” أمام الجديد، والحرص على “ألا تقلع الرياح القادمة”، من بعيد، “النوافذ” ولا “ما بداخل البيت”، وهو ما بدا الخيار الأكثر استقطاباً للمبدعين الذين راحوا يزاوجون بين: التراث، والمعاصرة، حيث استطاعوا تحقيق المعادلة، مراعين متطلبات اللحظة الحداثية، ورغبة جمهور القصيدة، ورؤية الشاعر، في آن، معاً .

وحقيقة، تشكل الذائقة العامة، تحدياً كبيراً أمام أي مبدع، إذ إن لها دوراً كبيراً في توجيه دفة الإبداع، والتأثير في علاقة المبدع بأدواته الإبداعية، حيث يضطر عدد غير قليل من المبدعين لمراعاة أسئلة المتلقي، لاسيما أن دور اللعبة الإبداعية، يكمن في تطوير تذوق الجمال لدى المتلقي، وإن لهذا التلقي آلية تطورها، التدريجي، فإن مواجهة أسس هذه العلاقة، تتطلب جرأة من قبل الناص، لم تكن لتمر من دون استفزاز المرسل إليه، وهو الركن الأهم في العملية الإبداعية، كما أننا قد نجد مستويات من أساليب التفاعل من قبل الناصين مع المعنيين بخطابهم، وهو ما لا يفارق حسابات أي مبدع حريص على جمهوره - من جهة - وعلى قصيدته - من جهة أخرى، وإن كنا نجد من سيغامر بعلاقته مع متلقيه، من أجل قصيدته، أو العكس، وكل هذه الحالات موجودة منذ بداية نشأة ثلاثي التفاعل الشعري: المرسل - المرسل إليه- الرسالة أو الخطاب .

ويمكن اعتبار المكان الإماراتي، الذي وجد نفسه، حاضنة لمجموعة خصائص محددة، من العلاقة الناظمة بين الشاعر والمتلقي، استطاع، ومن خلال هيمنة نمط القصيدتين: الفصحى، والشعبية، أن يسهم وإلى حد بعيد في تأطير ذائقة ابن المكان، الذي سينظر إلى الشعر من خلال مراعاته، لجملة الشروط، وفي مقدمها: الموسيقى/الإيقاع- البناء- الصورة- الأغراض- المفردة، وهي محددات لا تفارق بال الشاعر، وهو ينتج قصيدته، سواء أكان مراعياً لكل هذه الشروط، أم خارجاً عليها، بهذه الدرجة، أو تلك .

إن من ينظر إلى القصيدة التي يكتبها الشاعر الإماراتي، منذ مطلع الثمانينات، كنقطة بدء أولى، ويمكن الإشارة هنا، إلى مجموعة “هنا بار بني عبس: الدعوة عامة”، للشاعر حبيب الصايغ، كنقطة بدء افتراضية، أو واقعية للشعرية الجديدة، إماراتياً، يجد أننا أمام رؤية أخرى، تحد من طبيعة اللحظة، من خلال التوق إلى فضاء شعري جديد، يشبه فيه الشاعر نفسه، وبيئته، ومجتمعه، في إطار التحول الحياتي الذي يبدأ للتو، وهو صورة عن الحراك الشعري لدى عدد من الأصوات المجايلة، أو اللاحقة: أحمد راشد ثاني، إبراهيم محمد إبراهيم، أحمد العسم، خلود المعلا، محمد البريكي “حيث نحن الآن أمام نماذج فحسب” لوجدنا أن النظرة إلى المفردة تتبدل لدى الشاعر الجديد، أية كانت رؤيته، حيث تيار الحداثة الجارف يترك أثره، في النص الجديد، يقول الشاعر أحمد راشد ثاني، في نص “الطائر الذي أكل”:

أنهض وأرحل

عن البيت في البيت

أكتب موجة

وعليها ظل غيمة

كان يظنها سمكة

الطائر الذي أكل

بينما يقول الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم:

“حلمٌ تجلى كالندى

في صحوة الورق

أواه من نوم العيون على القذى

أواه يا أرقي

لما تعثرت الخطى بتفرق الطرق”

“تعب التطام الموج

من بأسي ومن غرقي” .

وها هو الشاعر أحمد العسم يقول:

“الحنين الذي أثقلنا طويلاً

تكدس في الممرات واشتعل

الرجل الذي يبحث في العتمة عن منجم

حفر في ذاته

صورة المرآة على حائط غمره اللون

والطفل الذي أفاق متوتراً

حلم بالعملاق

الشعر الذي قرأناه قبل اليوم

رفرف بجناحيه، وطار

الليل الذي أشبه بمشوار

أخرج لسانه للعاطل” .

ويقول الشاعر محمد البريكي:

“زارني الصمت خلته مثل ذئب/ يملأ القلب رهبة وعويلاً/ لا أرى في الشبابيك إلا ثكالى/ غاب عنها الضياء وقتاً طويلاً/ انثروا القمح فوق رأسي فإني/ جئت كالطير لا أمل الهديلا/ آيل للسقوط بيت الأماني/ أنقذوا سقفه يعود جميلا” .

إن قراءة هذه النصوص الأربعة التي تم انتقاؤها، لأربعة شعراء، بشكل عشوائي، يمثل كل منها رؤية جمالية خاصة، وإن كنا نستطيع الجمع بين تجربتين، متقدمة زمنياً، ولاحقة بها، كما حال راشد ثاني والعسم - وهما يكتبان قصيدة النثر، وإبراهيم محمد إبراهيم والبريكي، حيث يمكن إيجاد الأرومة اللغوية الواحدة، والبيئة الواحدة، والحالة الشعرية الواحدة، إلا أن ضبط إيقاع القصيدة، وفق إيقاع اللحظة، ودرجة حضور العلاقة مع الإيقاع الخارجي- ذي الهيمنة الخاصة- وهي مشروع جمالي، على يدي الشاعر المتمكن، الذي يفتح عينيه على تحولات العالم، وهو ما يمكن وسمه بالإيقاع الداخلي نفسه، هذا الإيقاع الذي يمكن أن يحقق أعلى مستوياته، في ظل تذوق كيمياء المفردات، ومهارة العمارة . وقد استطاع النص التفعيلي-هنا- وعند كل صاحب تجربة حسب رؤيته الجمع بين الإيقاعين، في آن، بيد أن النصين النثريين انهمك كل منهما باستيلاد إيقاعه غير المسبوق بأنموذج، وإن كنا -هنا أيضاً- نجد واقع التباين بين كل تجربة وأخرى، لاسيما أن الفضاء أكثر شساعة لدى شاعر هذا الأنموذج، ما دام أنه قد تخفف من كل القيود التي تعلق بها روحه الشعرية .



*** منقول ***