تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شدا بحنجرة غير مستعارة ( محمد ولد محمد سالم )



الرسمي
20-09-2013, 11:41 AM
شدا بحنجرة غير مستعارة

محمد ولد محمد سالم

* دار الخليج






رحل الذي كان يشدو ب “حنجرة غير مستعارة”، رحل الإنسان الودود والمبدع المهموم بقضايا الإبداع، والمثقف الحاضر في أغلب الأنشطة الثقافية المحلية، رحل الشاعر عاطف الفراية وهو لما يقضِ وطره من الإبداع الذي سكن نفسه التواقة إلى الجديد .

لفت الفراية الانتباه إليه من خلال عدد القصائد التي أعلن فيها تميز صوته مثل قصيدة “سيرة القميص” التي كتبها سنة 2000 ويبدؤها على النحو التالي:

“تكونت من وبر الغيم . ./ حين أفقت على جسد نافر يرتدي . . قامتي / أفقت على أول العابرين إلى جسدي / حين كانت خطوطي . . تعاود ألوانها/والسماء تغير قمصانها . . قبل كل غروب تمزقني” .

ففي هذه السيرة الملحمية للقميص نجدنا بالفعل أمام حنجرة غير مستعارة، وشاعر يبحث عن صوته الخاص، ويمتلك أدوات تحقيق ذلك الصوت، فمنذ الأسطر الأولى يشد مسامعك بالصورة غير التقليدية وغير المستنسخة من آخرين، وبالإيقاع المتدفق الذي يبعث النشوة في النفس في زمن قل فيه الشعراء الذين يعرفون كيف يأسرون أنفاس مستمعيهم بإيقاعات مؤثرة، وهذه القصيدة منشورة في كتابه “حالات الراعي” الذي صدر سنة 2010 وتضمن قصائد أخرى على المنوال نفسه الذي يلتقط سيرة الأشياء غير المهمة والناس الهامشيين فيحولها إلى شعر بديع على نحو ما فعل في قصيدة “حنجرة غير مستعارة” التي منها: (أنا يا صديقة من طلح هذي الصحاري/ ومن ملح هذي البلاد/ ومن صمت كل الجياع) .

أثبت الفراية خصوصية صوته الإبداعي من خلال الجوائز التي حصل عليها، ابتداء من جائزة الشارقة للإبداع عن نصه المسرحي “كوكب الوهم”، ثم جائزة جمعية المسرحيين الإماراتيين عن مسرحية “أشباه وطاولة” وجائزة ناجي نعمان الأدبية في الأردن، وأخيراً جائزة التأليف في مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، وكان له حضور خاص في مجال الكتابة المسرحية، ورغم استفادته من اتجاهات الحداثة في مجال المسرح، إلا أنه ظل وفياً للمفهوم الدرامي في المسرحية، معتبراً أنها لا يمكن أن تقوم دون صراع درامي، وكانت الرؤية الدرامية في كتاباته محكمة متماسكة العناصر، وأثبت قدراته الإبداعية في هذا المجال .

لم يكن الفراية ذلك الكاتب العابر في سماء الإمارات، بل كان مهموماً بقضايا المجتمع، مساهماً فيها ككاتب عربي معني بكل قضايا الوطن العربي، وكناشط ثقافي حاضر في المنابر، وقد عالج في كتاباته المسرحية خاصة بعض الجوانب المتعلقة بالمجتمع الإماراتي، مثل مسرحية “عندما بكت الجمال” .

يعتبر الفراية من أكثر الشعراء حضوراً وفاعلية على مواقع التواصل الاجتماعي، فكان يذكر أن صفحته على الفيس بوك تضم آلاف الأصدقاء، والغريب أن خاتمة كتاباته على تلك الصفحة كان بيت قيس بن الملوح:(فاصبحت من ليلى الغداة كقابض على الماء خانته فروج الأصابع)، وهو بيت يلخص مأساة الروح أمام تَخَرق المادة (الجسد)، ولا شك في أن هذه الصفحة ستفقد نشاطه وإبداعه، كما فقدته منابر أخرى كثيرة .




*** منقول ***