الرسمي
28-09-2013, 01:00 AM
محمد بن صالح النقبي: كنا نسكن الخيام ونعتمد على الزراعة وصيد الأسماك .. عاش في منطقة الزبارة وعمل في مهن مختلفة
http://www.alittihad.ae/assets/images/Dunia/2013/07/22/320x240/4a-na-119750.jpgمنطقة الزبارة التابعة لإمارة الشارقة وإحدى مناطقها في المنطقة الشرقية، تسترخي مستقبلة ضفاف البحر، وتواجه سلسلة من الجبال في الجهة الأخرى المقابلة لها، وكانت خضراء بالمزارع التي طالما كانت من أجمل البساتين، وهي مشهورة بوجود قبيلة النقبيين، ويعد محمد بن صالح بن محمد بن علي النقبي أحد وجهاء المنطقة، وهو من مواليد المنطقة حيث ولد عام 1950، ويعد جد والده أميرا أو واليا على المنطقة، ولذلك وجدنا صورة للفرقاطة الحربية البريطانية فوكس تم التقاطها عام 1917 إبان الحرب العالمية الأولى، وتبدو فيها سفينة تحمل الجد الأكبر مع شيوخ من خورفكان ومنهم زعيمر بن عبود أحد الوجهاء، متوجهين للسفينة الحربية تلبية لدعوة من القبطان لتناول الغداء، ويعد علي بن صالح النقبي في ذلك الزمان شيخ دين تقيا ورعا وهو إمام وخطيب وشاعر أيضا، وقد توفي عام 1942.
موزة خميس (الزبارة) – في تلك الفترة، عرفت الزبارة بأنها قرية صغيرة عند الكثيرين، ولكنها منطقة ضمت الأسر وكأنها بيت واحد، وقام رجالها ببناء المنازل حجرا فوق حجر وتشارك الأهالي في تلك العملية، وربطت المحبة والقربى بين الجيران والأقارب من خلال علاقات نسب ومصاهرة، واعتمدت الحياة فيها على كد الرجال، ومثل بقية الرجال في مناطق الدولة المختلفة، كان الكثيرون يعملون في صيد الأسماك، وهناك عدد يذهب في سفن الغوص لصيد اللؤلؤ، كما عمل البعض في بيع المنتجات المحلية، وبقي الكثيرون أيضا ليعملوا في البيع والشراء والزراعة البسيطة.
مشاهد تراثية
محمد بن صالح بن محمد النقبي محب للتراث، ولا يزال حتى اليوم يعمل بنفسه لإنتاج بعض الأدوات التي تستخدم قديما، ويعتز بذلك ولذلك وجدنا أنه أوجد من حوله في مجلسه تلك المشاهد التراثية، التي تشعره بالراحة النفسية، وكانت بداية حديثه عن منطقته عن كرم أهل منطقة الزبارة، حيث قال: قبل أن ينشغل الرجال بالوظائف المرتبطة بأوقات الدوام كان كل إنسان له مهنته أو حرفته، ولذلك لم يكن أي ضيف يقدم على المنطقة إلا ويجد رجال الزبارة كلهم في استقباله، وتكون أول ضيافة في منزل أمير المنطقة، وهو الذي يوفر له المكان للمبيت إن لم يكن زائراً لأحد من أهالي المنطقة، وكل يوم يشهد دعوة لذلك الضيف، إما على الفطور أو الغداء أو العشاء، وهناك أوقات أخرى يتلاقى فيها الأهالي ومن يأتي إليهم، مثل بعد الخروج من صلاة العصر وبعد العشاء.
ويقول محمد النقبي: أخبرني والدي صالح رحمة الله عليه إنهم كانوا متكاتفين، حتى خلال العمل كمثال في المزارع، هناك مساندة وهناك من يعمل في مزرعة آخر في مقابل أن يمنحه حصة من الإنتاج، خاصة بالنسبة للغلال مثل القمح، وقد اشتهرت الزبارة بأن بها آبارا عذبة المياه وبها مزارع للقمح، حتى قرب البحر هناك آبار مياهها حلوة، ولأن كل الأهالي بنو عم فإنهم يتفاهمون بين بعضهم، وإن وجد نزاع على شيء له علاقة بأرض أو حلال، فإن الأمر ينتهي خلال جلسة.
سكن الخيام
بيوت أجدادنا، على حد قول محمد النقبي، كانت عبارة عن خيمة وكرين ومخزن ومكان للوضوء والاستحمام، وتلك الخيمة كانت لكل شيء فهي مكان للنوم وللجلوس ولتناول الطعام، وكل الأسرة تجتمع فيها، والمرأة لا يشغلها أي أمر عن أي تفاصيل صغيرة في حياتها أو حياة زوجها وأبنائها، وفي ذات الوقت تقدم خدمات جليلة لأسرة الزوج وتعمل مع زوجها في مهنته أو تساعده في بعض الأمور التي تقدر عليها في تلك المهنة، فكانت تعمل في الحقل أو في تصنيع الأسماك، وتصنع المغبرة وهي وجبة غنية تقدم للأبقار عبارة عن حشائش وتمر وجاشع وهو نوع من الأسماك، حيث تضع تلك المواد في جرة فخارية كبيرة على النار لتطبخ المغبرة.
بل أن بعض النساء حتى في زمن طفولتنا كن يذهبن للسيح تحت سفح الجبل أو المزرعة وهي حامل وتعود وهي تحمل طفلها، حيث تلد وتقطع الحبل السري، وتعود لمنزلها إما مع بعض النساء أو بمفردها حسب الحالة، وقد أخبرني والدي أن عمل المرأة يتجاوز أن تكون فقط ربة بيت، فهي قائد منذ أن تبلغ وتربيها الأم كيف تكون معينة لها ولأسرتها، ولكن في ذات الوقت تتكبر على الحياء والخجل وتكون متأدبة بأخلاق الإسلام، وتحافظ على العادات والتقاليد وتورثها، كما كانت الكثير من الأسر تعتمد على المطوعة التي تعلم وتحفظ الأطفال القرآن، فهي تراقب وتؤدب أيضا.
مساكن أسفل الجبل
كما أخبرني والدي، حسبما أشار محمد النقبي، أن جدي كان يتنقل في زيارات رسمية ما بين كلباء وخورفكان، كما كان يذهب لمنطقة الوليّة، وكان يخرج في حشد من رجال شجعان يسيرون بمحاذاة الساحل، وربما يصلون إلى رأس الخيمة أيضا، وكانت الوسيلة البغال والحمير والإبل، وكل رجل يخرج متمنطق بحزام مليء بالرصاص وبندقية، فلا أحد يعلم ماذا يمكن أن يجد في الطريق، حيث كان هناك قطاع طرق ولصوص، ومن أسباب تلك الزيارات توطيد أواصر الصداقة ولزيارة المرضى، وربما للسلام ولقضاء بعض الحاجات. أما منازل الأجداد فكانت تعتمد على العمل اليدوي، وتبدأ بعملية كسر الصخور، ثم تحويلها لقطع مناسبة حسب المكان المناسب لموضع الحجر، أما العنصر الثاني في البناء فقد كان الخشب وهو اليدوع أو الجذع ويكون إما من جذوع النخل، أو جنادل من أخشاب أشجار أخرى كانت تستورد عبر السفن التجارية، ولم يكن الأهالي يرغبون في مساكن تجعل بينهم حواجز، ولذلك كانت تلك البيوت متقاربة جدا، وبينها دروب صغيرة وضيقة تصل بعضها ببعض، أما الأسرة الواحدة الكبيرة فكانت تفضل أن يكون بين البيت والآخر فتحة صغيرة، تكون للتزاور بين البيت والآخر للأسرة الواحدة.
وكانت غالبية المساكن تحت جبل يطلق عليه «الحاضن»، وكل بيت كان يمتلك على الأقل بقرة واحدة يعتمد عليها في تصنيع منتجات مختلفة، ولا زلت أذكر أني ساعدت والدي في السقاية بواسطة «اليازرة» التي تعمل بواسطة ثور، كما عملت في السقاية بواسطة «المنزفة»، وقمت بفسل النخل وزراعة الغلات التي تعد من المواد الغذائية المهمة، وكان عمل رجال أسرتنا في الزراعة أكثر من أي عمل آخر، وكذلك حال أهل منطقة الزبارة، وكان يأتي للزبارة أناس من مدينة الشارقة لشراء المنتجات المنزلية وثمار الأشجار.
صيد الأسماك واللؤلؤ
ويضيف محمد النقبي: عملت كل ما أراده والدي ووالدتي ولم أكد لهم خاطر في أي يوم، حتى الحطب حملته على رأسي إرضاء لخاطرهم، ومساعدة مني لهم وحتى لا تعمل والدتي في جمع الحطب للمنزل، ولا زلت أذكر أن الأهالي من المنطقة كانوا يدخلون للمزرعة ويقطفون ما يشاؤون، ولم يكن أحد يصدهم عن ذلك فذلك هو رزق لنا ولهم، حتى الحطب الذي نتعب كي نجمعه كثيرا ما شاهدت بعضهم يأتي ويأخذ منه دون أن يطلب الأذن، وكان الأهل يقولون لا بأس أتركوهم فهم بحاجة له.
وقد كانت الحياة حلوة رغم صعوبة الأعمال بحثا عن الرزق، ولكن المحبة كانت تعمر القلوب، وتخفف من صعوبة وقسوة الحياة، فلم تكن هناك أعمال سهلة وكل مهنة فيها من المخاطر الكثير، خاصة أهلنا الذين عملوا في صيد الأسماك وصيد اللؤلؤ، ولكن عند عودة الرجال الى بيوتهم تعم الفرحة وتكون هناك بشارة لوصولهم، وبعد عودتهم يلتقون يوميا ببقية الرجال خلال الصلوات الخمس في المساجد، وتكون أماكن التلاقي في أوقات أخرى خلال العمل، حيث يتجمع الرجال الذين يصنعون السفن، فينشغلون بالحديث دون أن يهملوا عملهم، فمهنة «الجلاف» تجمع عدة رجال كل منهم له دور، حسب نوع السفن من شواحيف ومحامل وهناك الماشوه وغيرها.
وأهالي المنطقة ربوا أبناءهم على الأخلاق والأدب مع الله ثم مع الغير، ولذلك يعمل البعض على أن يستمر أبناؤهم في تلقي القرآن وحفظه، وأي طفل أو شاب عندما كان يتعلم القرآن كان أيضا يتعلم العمل، ومن أهم الأعمال الذهاب للزراعة والحرث وإعادة صيانة الضواحي أو المزارع، لذلك كانت لدى الأجداد منتجات مثل النخيل والليمون واللوز أو البيذام والتين، وحتى البرتقال كان يزرع منذ القدم ولكن له نكهة وطعم مختلف عما دخل للبلاد فيما بعد، ومنه ما يسمى الحامض الحلو، ومن أجمل العادات التي لا تزال باقية الى اليوم، أن كل الأهالي باختلاف أسماء القبائل يؤمنون أنهم أهل، ولذلك يتعاون الرجال في كل شيء حتى عندما يتزوج بعضهم، فإن الأهالي يقدمون خدمات جليلة، ويقدم رجال الأسرة مبالغ نقدية كمساهمة منهم له.
سنوات الدراسة
ويوضح محمد النقبي: بالنسبة لي دخلت المدرسة عام 1960 وكانت المهلب ابن أبي صفرة وموقعها في خورفكان، وحتى عام 1967 كان طلبة الزبارة يذهبون يوميا إلى خورفكان في مركبة «بيدفورد» وهي شاحنة، لم تكن متوافرة فيها المقاعد كي نجلس خلال الرحلة الشاقة، ونقضي في الطريق ثلاث ساعات حتى نصل، وإن كان السائق يريد أن يصل بسرعة نصل بعد ساعتين ونصف، وكان يركب مع طلبة الزبارة طلاب من منطقة الوليّة، ولا زلت أذكر من الطلبة الذين عانوا من تلك الرحلات التي تستغرق 6 ساعات في الذهاب والإياب، علي بن عبيد الغيل ومحمد بشير وحسن سالم، وكنا نعاني من الإرهاق لأننا نقوم من الفجر، ولم تكن تلك الساعات الست فقط سبب الإرهاق، وإنما أيضا يوم دراسي في أجواء لم يكن هناك تكييف أو ماء بارد، وباردة في الشتاء أيضا.
وفي عام 1967 تركت الدراسة حيث قررت السفر، ومشيت سيرا على الأقدام من الزبارة حتى منطقة دبا الحصن، فكان خروجي من الساعة السادسة صباحا ووصلت دبا الحصن عند الرابعة عصرا، وبقيت في دبا الحصن مدة يومين أنتظر من ينقلني إلى مدينة الشارقة قلب الحكم، حتى أطلب لنفسي جواز سفر، وعندما تسنى لي ذلك وبلغت الشارقة، استطعت أن التقي الشيخ خالد بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة رحمه الله، وقد منحني ورقة وذهبت بها إلى أحمد المدفع، وسلمتها له، وهو بدوره سألني هل لديك عكس؟ أي صورة فوتوغرافية، فقلت له لا وهنا طلب مني أن أذهب للعكاس قرب شجرة الرولة.
بعد أن حصلت على الجواز سافرت عبر سفينة بالبحر بتكلفة 15 روبية، متوجها إلى دولة الكويت حيث استغرقت الرحلة ثلاثة أيام، وكان معي عبدالله الأصم وهو أخ عزيز، وعندما وصلنا للكويت ذهبنا لمكان يطلق عليه دروازة عبدالرزاق، وهو مكان فيه بيوت يتم تأجيرها على كل من يرغب في العمل للقادمين للكويت، وكان غالبية الرجال يعملون في الشرطة أو الجيش الكويتي، وقد بقيت لمدة ثلاث سنوات كنت أعود خلالها للأهل بعد كل صيف، حين تعود بعثة المعارف الكويتية للإمارات التي تحمل المعلمين.
رجل أمن وسائق تاكسي
يضيف محمد النقبي: عملت في مهنة الاستقبال عند الشيخ أحمد العثمان الصباح، حيث أوكل لي مهمة استقبال الشيوخ والشخصيات التي تأتي لزيارته، ولكن في عام 1969 سمعت أن أبوظبي فتحت باب التوظيف لكل من يرغب في العمل في شرطة أبوظبي، فسافرت مباشرة من الكويت إلى أبوظبي، وكان حاكمها الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وكان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله حاكماً في العين، وبعد عملي لمدة ستة أشهر تم نقلي لمنطقة الطريف ثم عملت في حبشان والعديد وجبل الظنة، وبعد ذلك تم اختيار 50 فردا ليتم تسكينهم في أبوظبي نفسها، وقد عينت مع خليفة بن محمد النقبي كرجال أمن في الميناء.
وكنا نعمل بنظام المناوبات وبقيت في تلك المهنة لمدة ثلاث سنوات، وخلالها كنت قد تزوجت فتركت العمل شهرين، حيث قررت أن لا أعود من الزبارة إلى أبوظبي، ولكني تراجعت وعدت للعمل وبقيت لمدة خمس سنوات واستقلت برتبة عريف، ولما وصلت للزبارة اشتريت سيارة وعملت سائق تاكسي، حيث كنت آخذ الأهالي من الزبارة والمناطق المجاورة إلى مدينة الشارقة حيث تتوقف المركبات بالأجرة عند قهوة بيزات، حيث كان يتجمع هناك أصحاب التاكسيات، وكان الوقت من الزبارة للشارقة يستغرق 4 ساعات وأحيانا أكثر، في حال توقفنا على الطريق، عندما تمر المياه الناتجة عن الأمطار والقادمة من الأودية، وأحيانا نتوقف عند وادي حام لشرب المياه العذبة.
وفي عام 1978 تقدمت للعمل في إدارة الجوازات وبعد خمس سنوات تركتها لأعمل فـي مستشـفى خورفكان التابع لوزارة الصحة لمدة 15 عاما، وكان عملي سائقا لسيارة الإسعاف حتى تقاعدت في عام 1995.
المصدر: الاتحاد
مع تحيات
*** منقول ***
http://www.alittihad.ae/assets/images/Dunia/2013/07/22/320x240/4a-na-119750.jpgمنطقة الزبارة التابعة لإمارة الشارقة وإحدى مناطقها في المنطقة الشرقية، تسترخي مستقبلة ضفاف البحر، وتواجه سلسلة من الجبال في الجهة الأخرى المقابلة لها، وكانت خضراء بالمزارع التي طالما كانت من أجمل البساتين، وهي مشهورة بوجود قبيلة النقبيين، ويعد محمد بن صالح بن محمد بن علي النقبي أحد وجهاء المنطقة، وهو من مواليد المنطقة حيث ولد عام 1950، ويعد جد والده أميرا أو واليا على المنطقة، ولذلك وجدنا صورة للفرقاطة الحربية البريطانية فوكس تم التقاطها عام 1917 إبان الحرب العالمية الأولى، وتبدو فيها سفينة تحمل الجد الأكبر مع شيوخ من خورفكان ومنهم زعيمر بن عبود أحد الوجهاء، متوجهين للسفينة الحربية تلبية لدعوة من القبطان لتناول الغداء، ويعد علي بن صالح النقبي في ذلك الزمان شيخ دين تقيا ورعا وهو إمام وخطيب وشاعر أيضا، وقد توفي عام 1942.
موزة خميس (الزبارة) – في تلك الفترة، عرفت الزبارة بأنها قرية صغيرة عند الكثيرين، ولكنها منطقة ضمت الأسر وكأنها بيت واحد، وقام رجالها ببناء المنازل حجرا فوق حجر وتشارك الأهالي في تلك العملية، وربطت المحبة والقربى بين الجيران والأقارب من خلال علاقات نسب ومصاهرة، واعتمدت الحياة فيها على كد الرجال، ومثل بقية الرجال في مناطق الدولة المختلفة، كان الكثيرون يعملون في صيد الأسماك، وهناك عدد يذهب في سفن الغوص لصيد اللؤلؤ، كما عمل البعض في بيع المنتجات المحلية، وبقي الكثيرون أيضا ليعملوا في البيع والشراء والزراعة البسيطة.
مشاهد تراثية
محمد بن صالح بن محمد النقبي محب للتراث، ولا يزال حتى اليوم يعمل بنفسه لإنتاج بعض الأدوات التي تستخدم قديما، ويعتز بذلك ولذلك وجدنا أنه أوجد من حوله في مجلسه تلك المشاهد التراثية، التي تشعره بالراحة النفسية، وكانت بداية حديثه عن منطقته عن كرم أهل منطقة الزبارة، حيث قال: قبل أن ينشغل الرجال بالوظائف المرتبطة بأوقات الدوام كان كل إنسان له مهنته أو حرفته، ولذلك لم يكن أي ضيف يقدم على المنطقة إلا ويجد رجال الزبارة كلهم في استقباله، وتكون أول ضيافة في منزل أمير المنطقة، وهو الذي يوفر له المكان للمبيت إن لم يكن زائراً لأحد من أهالي المنطقة، وكل يوم يشهد دعوة لذلك الضيف، إما على الفطور أو الغداء أو العشاء، وهناك أوقات أخرى يتلاقى فيها الأهالي ومن يأتي إليهم، مثل بعد الخروج من صلاة العصر وبعد العشاء.
ويقول محمد النقبي: أخبرني والدي صالح رحمة الله عليه إنهم كانوا متكاتفين، حتى خلال العمل كمثال في المزارع، هناك مساندة وهناك من يعمل في مزرعة آخر في مقابل أن يمنحه حصة من الإنتاج، خاصة بالنسبة للغلال مثل القمح، وقد اشتهرت الزبارة بأن بها آبارا عذبة المياه وبها مزارع للقمح، حتى قرب البحر هناك آبار مياهها حلوة، ولأن كل الأهالي بنو عم فإنهم يتفاهمون بين بعضهم، وإن وجد نزاع على شيء له علاقة بأرض أو حلال، فإن الأمر ينتهي خلال جلسة.
سكن الخيام
بيوت أجدادنا، على حد قول محمد النقبي، كانت عبارة عن خيمة وكرين ومخزن ومكان للوضوء والاستحمام، وتلك الخيمة كانت لكل شيء فهي مكان للنوم وللجلوس ولتناول الطعام، وكل الأسرة تجتمع فيها، والمرأة لا يشغلها أي أمر عن أي تفاصيل صغيرة في حياتها أو حياة زوجها وأبنائها، وفي ذات الوقت تقدم خدمات جليلة لأسرة الزوج وتعمل مع زوجها في مهنته أو تساعده في بعض الأمور التي تقدر عليها في تلك المهنة، فكانت تعمل في الحقل أو في تصنيع الأسماك، وتصنع المغبرة وهي وجبة غنية تقدم للأبقار عبارة عن حشائش وتمر وجاشع وهو نوع من الأسماك، حيث تضع تلك المواد في جرة فخارية كبيرة على النار لتطبخ المغبرة.
بل أن بعض النساء حتى في زمن طفولتنا كن يذهبن للسيح تحت سفح الجبل أو المزرعة وهي حامل وتعود وهي تحمل طفلها، حيث تلد وتقطع الحبل السري، وتعود لمنزلها إما مع بعض النساء أو بمفردها حسب الحالة، وقد أخبرني والدي أن عمل المرأة يتجاوز أن تكون فقط ربة بيت، فهي قائد منذ أن تبلغ وتربيها الأم كيف تكون معينة لها ولأسرتها، ولكن في ذات الوقت تتكبر على الحياء والخجل وتكون متأدبة بأخلاق الإسلام، وتحافظ على العادات والتقاليد وتورثها، كما كانت الكثير من الأسر تعتمد على المطوعة التي تعلم وتحفظ الأطفال القرآن، فهي تراقب وتؤدب أيضا.
مساكن أسفل الجبل
كما أخبرني والدي، حسبما أشار محمد النقبي، أن جدي كان يتنقل في زيارات رسمية ما بين كلباء وخورفكان، كما كان يذهب لمنطقة الوليّة، وكان يخرج في حشد من رجال شجعان يسيرون بمحاذاة الساحل، وربما يصلون إلى رأس الخيمة أيضا، وكانت الوسيلة البغال والحمير والإبل، وكل رجل يخرج متمنطق بحزام مليء بالرصاص وبندقية، فلا أحد يعلم ماذا يمكن أن يجد في الطريق، حيث كان هناك قطاع طرق ولصوص، ومن أسباب تلك الزيارات توطيد أواصر الصداقة ولزيارة المرضى، وربما للسلام ولقضاء بعض الحاجات. أما منازل الأجداد فكانت تعتمد على العمل اليدوي، وتبدأ بعملية كسر الصخور، ثم تحويلها لقطع مناسبة حسب المكان المناسب لموضع الحجر، أما العنصر الثاني في البناء فقد كان الخشب وهو اليدوع أو الجذع ويكون إما من جذوع النخل، أو جنادل من أخشاب أشجار أخرى كانت تستورد عبر السفن التجارية، ولم يكن الأهالي يرغبون في مساكن تجعل بينهم حواجز، ولذلك كانت تلك البيوت متقاربة جدا، وبينها دروب صغيرة وضيقة تصل بعضها ببعض، أما الأسرة الواحدة الكبيرة فكانت تفضل أن يكون بين البيت والآخر فتحة صغيرة، تكون للتزاور بين البيت والآخر للأسرة الواحدة.
وكانت غالبية المساكن تحت جبل يطلق عليه «الحاضن»، وكل بيت كان يمتلك على الأقل بقرة واحدة يعتمد عليها في تصنيع منتجات مختلفة، ولا زلت أذكر أني ساعدت والدي في السقاية بواسطة «اليازرة» التي تعمل بواسطة ثور، كما عملت في السقاية بواسطة «المنزفة»، وقمت بفسل النخل وزراعة الغلات التي تعد من المواد الغذائية المهمة، وكان عمل رجال أسرتنا في الزراعة أكثر من أي عمل آخر، وكذلك حال أهل منطقة الزبارة، وكان يأتي للزبارة أناس من مدينة الشارقة لشراء المنتجات المنزلية وثمار الأشجار.
صيد الأسماك واللؤلؤ
ويضيف محمد النقبي: عملت كل ما أراده والدي ووالدتي ولم أكد لهم خاطر في أي يوم، حتى الحطب حملته على رأسي إرضاء لخاطرهم، ومساعدة مني لهم وحتى لا تعمل والدتي في جمع الحطب للمنزل، ولا زلت أذكر أن الأهالي من المنطقة كانوا يدخلون للمزرعة ويقطفون ما يشاؤون، ولم يكن أحد يصدهم عن ذلك فذلك هو رزق لنا ولهم، حتى الحطب الذي نتعب كي نجمعه كثيرا ما شاهدت بعضهم يأتي ويأخذ منه دون أن يطلب الأذن، وكان الأهل يقولون لا بأس أتركوهم فهم بحاجة له.
وقد كانت الحياة حلوة رغم صعوبة الأعمال بحثا عن الرزق، ولكن المحبة كانت تعمر القلوب، وتخفف من صعوبة وقسوة الحياة، فلم تكن هناك أعمال سهلة وكل مهنة فيها من المخاطر الكثير، خاصة أهلنا الذين عملوا في صيد الأسماك وصيد اللؤلؤ، ولكن عند عودة الرجال الى بيوتهم تعم الفرحة وتكون هناك بشارة لوصولهم، وبعد عودتهم يلتقون يوميا ببقية الرجال خلال الصلوات الخمس في المساجد، وتكون أماكن التلاقي في أوقات أخرى خلال العمل، حيث يتجمع الرجال الذين يصنعون السفن، فينشغلون بالحديث دون أن يهملوا عملهم، فمهنة «الجلاف» تجمع عدة رجال كل منهم له دور، حسب نوع السفن من شواحيف ومحامل وهناك الماشوه وغيرها.
وأهالي المنطقة ربوا أبناءهم على الأخلاق والأدب مع الله ثم مع الغير، ولذلك يعمل البعض على أن يستمر أبناؤهم في تلقي القرآن وحفظه، وأي طفل أو شاب عندما كان يتعلم القرآن كان أيضا يتعلم العمل، ومن أهم الأعمال الذهاب للزراعة والحرث وإعادة صيانة الضواحي أو المزارع، لذلك كانت لدى الأجداد منتجات مثل النخيل والليمون واللوز أو البيذام والتين، وحتى البرتقال كان يزرع منذ القدم ولكن له نكهة وطعم مختلف عما دخل للبلاد فيما بعد، ومنه ما يسمى الحامض الحلو، ومن أجمل العادات التي لا تزال باقية الى اليوم، أن كل الأهالي باختلاف أسماء القبائل يؤمنون أنهم أهل، ولذلك يتعاون الرجال في كل شيء حتى عندما يتزوج بعضهم، فإن الأهالي يقدمون خدمات جليلة، ويقدم رجال الأسرة مبالغ نقدية كمساهمة منهم له.
سنوات الدراسة
ويوضح محمد النقبي: بالنسبة لي دخلت المدرسة عام 1960 وكانت المهلب ابن أبي صفرة وموقعها في خورفكان، وحتى عام 1967 كان طلبة الزبارة يذهبون يوميا إلى خورفكان في مركبة «بيدفورد» وهي شاحنة، لم تكن متوافرة فيها المقاعد كي نجلس خلال الرحلة الشاقة، ونقضي في الطريق ثلاث ساعات حتى نصل، وإن كان السائق يريد أن يصل بسرعة نصل بعد ساعتين ونصف، وكان يركب مع طلبة الزبارة طلاب من منطقة الوليّة، ولا زلت أذكر من الطلبة الذين عانوا من تلك الرحلات التي تستغرق 6 ساعات في الذهاب والإياب، علي بن عبيد الغيل ومحمد بشير وحسن سالم، وكنا نعاني من الإرهاق لأننا نقوم من الفجر، ولم تكن تلك الساعات الست فقط سبب الإرهاق، وإنما أيضا يوم دراسي في أجواء لم يكن هناك تكييف أو ماء بارد، وباردة في الشتاء أيضا.
وفي عام 1967 تركت الدراسة حيث قررت السفر، ومشيت سيرا على الأقدام من الزبارة حتى منطقة دبا الحصن، فكان خروجي من الساعة السادسة صباحا ووصلت دبا الحصن عند الرابعة عصرا، وبقيت في دبا الحصن مدة يومين أنتظر من ينقلني إلى مدينة الشارقة قلب الحكم، حتى أطلب لنفسي جواز سفر، وعندما تسنى لي ذلك وبلغت الشارقة، استطعت أن التقي الشيخ خالد بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة رحمه الله، وقد منحني ورقة وذهبت بها إلى أحمد المدفع، وسلمتها له، وهو بدوره سألني هل لديك عكس؟ أي صورة فوتوغرافية، فقلت له لا وهنا طلب مني أن أذهب للعكاس قرب شجرة الرولة.
بعد أن حصلت على الجواز سافرت عبر سفينة بالبحر بتكلفة 15 روبية، متوجها إلى دولة الكويت حيث استغرقت الرحلة ثلاثة أيام، وكان معي عبدالله الأصم وهو أخ عزيز، وعندما وصلنا للكويت ذهبنا لمكان يطلق عليه دروازة عبدالرزاق، وهو مكان فيه بيوت يتم تأجيرها على كل من يرغب في العمل للقادمين للكويت، وكان غالبية الرجال يعملون في الشرطة أو الجيش الكويتي، وقد بقيت لمدة ثلاث سنوات كنت أعود خلالها للأهل بعد كل صيف، حين تعود بعثة المعارف الكويتية للإمارات التي تحمل المعلمين.
رجل أمن وسائق تاكسي
يضيف محمد النقبي: عملت في مهنة الاستقبال عند الشيخ أحمد العثمان الصباح، حيث أوكل لي مهمة استقبال الشيوخ والشخصيات التي تأتي لزيارته، ولكن في عام 1969 سمعت أن أبوظبي فتحت باب التوظيف لكل من يرغب في العمل في شرطة أبوظبي، فسافرت مباشرة من الكويت إلى أبوظبي، وكان حاكمها الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وكان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله حاكماً في العين، وبعد عملي لمدة ستة أشهر تم نقلي لمنطقة الطريف ثم عملت في حبشان والعديد وجبل الظنة، وبعد ذلك تم اختيار 50 فردا ليتم تسكينهم في أبوظبي نفسها، وقد عينت مع خليفة بن محمد النقبي كرجال أمن في الميناء.
وكنا نعمل بنظام المناوبات وبقيت في تلك المهنة لمدة ثلاث سنوات، وخلالها كنت قد تزوجت فتركت العمل شهرين، حيث قررت أن لا أعود من الزبارة إلى أبوظبي، ولكني تراجعت وعدت للعمل وبقيت لمدة خمس سنوات واستقلت برتبة عريف، ولما وصلت للزبارة اشتريت سيارة وعملت سائق تاكسي، حيث كنت آخذ الأهالي من الزبارة والمناطق المجاورة إلى مدينة الشارقة حيث تتوقف المركبات بالأجرة عند قهوة بيزات، حيث كان يتجمع هناك أصحاب التاكسيات، وكان الوقت من الزبارة للشارقة يستغرق 4 ساعات وأحيانا أكثر، في حال توقفنا على الطريق، عندما تمر المياه الناتجة عن الأمطار والقادمة من الأودية، وأحيانا نتوقف عند وادي حام لشرب المياه العذبة.
وفي عام 1978 تقدمت للعمل في إدارة الجوازات وبعد خمس سنوات تركتها لأعمل فـي مستشـفى خورفكان التابع لوزارة الصحة لمدة 15 عاما، وكان عملي سائقا لسيارة الإسعاف حتى تقاعدت في عام 1995.
المصدر: الاتحاد
مع تحيات
*** منقول ***