المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المتنبي الجديد ( د.حسن مدن )



الرسمي
29-09-2013, 12:00 PM
المتنبي الجديد

د.حسن مدن

* دار الخليج






لم يكن جان بول سارتر، وهو الفيلسوف والمثقف الكبير والأب الروحي للشبيبة الثورية في الستينات قد قرأ نيتشه الفيلسوف الألماني الشهير الذي تطبق شهرته الآن الآفاق، كما أن سارتر لم يقرأ من مؤلفات فرويد سوى مؤلفين فحسب، ولم يعرف من مؤلفات هيغل إلا ما وضعه هذا الأخير عندما كان شاباً . هذه معلومات تنقلها رفيقة سارتر سيمون دو بوفوار . لكن هذا لا يرد أبداً في نطاق النقد لسارتر .

حياة الإنسان، حتى لو كان فيلسوفاً لامعاً مثل سارتر، لا تتسع لقراءة كل شيء والاطلاع على كل شيء . لكن هذه المعلومات وردت في سياق آخر، هو سياق الترجمة . كان على نيتشه وهيغل وفرويد أن يكونوا مترجمين إلى الفرنسية، وهم كانوا كذلك فعلاً، ولكن ليس بصورة تامة وإنما انتقائية، وحتى حين تمت ترجمة أعمالهم كاملة، هم وسواهم من عمالقة الفلسفة الألمان، فإن ذلك لم يعد نهائياً . هناك اليوم في فرنسا محاولات جديدة لترجمة فرويد ونيتشه وكذلك هيغل .

وهذا بدوره يطرح سؤالاً: هل الترجمات السابقة كانت سيئة أم أن اللغة من حيث كونها كائناً حياً تتطور وتتسع وتتغذى بمصطلحات وأفكار جديدة تجعلها أكثر مقدرة على تقديم الأفكار في اللغات الأخرى بصورة أفضل؟ ولأننا في اللغة، هل يبدو المتنبي مثلاً أقرب إلى قرائه العرب اليوم أكثر من قرائه في عصره وفي العصور اللاحقة .

المؤكد أنه اليوم مقروء أكثر لسبب مهم هو أن دواوينه تطبع في آلاف النسخ، وهذا كان متعذراً في السابق، وبالتالي فإنه يعرف بصورة أوسع مما كان عليها في زمنه وفي ما تلاه من أزمنة، ولكن هذه المعرفة الأوسع له تيسر كذلك اكتشافه من جديد مرة ومرات .

قارئ اليوم المزود بأدوات معرفة جديدة وبذائقة جديدة يرى في المتنبي أشياء جديدة لم يكن بوسع مجايليه أن يروها، وهذه آية النص العظيم، الذي هو كالحجر الكريم الذي يزداد تألقاً مع الزمن، ولا يبلى .

هذه الأفكار ربما تقود إلى سؤال: أليست هناك حاجة لترجمات عربية جديدة لأعمال فلسفية أو فكرية أو إبداعية أجنبية سبقت ترجمتها، أليست العدة الفلسفية والفكرية وحتى الإبداعية في فضائنا اللغوي العربي اليوم أكثر مرونة وأوسع أفقاً وثراء مما كانت عليه، وإنها بالتالي أكثر قابلية لاكتشاف مكامن بريق جديدة في الأحجار الكريمة؟



*** منقول ***