حواليكم
11-10-2013, 01:14 AM
محاولة لفهم ما يدور الآن ..
#إضراب_المعلمين_العُمانيين
محاولة لكتابة مقاربة تحليلية ..
مرحبا أيّها الأصدقاء ..
حسنا من أين يمكن للمرء أن يبدأ في الكتابة عن موضوع شائك ومعقّد نعيشه هذه الأيّام في هذه الأرض المُشتركة التي نعيش فيها. بالطبع ليس بخافٍ عليكم كما هو ليس بخافٍ على أحدٍ أنّ إضرابا كبيراً في القطاع التعليمي قد بدأ منذ أكثر من أسبوع، نتج عن هذا الإضراب [انقطاع] آلافٌ من المدرّسين والمدرّسات العُمانيات عن العَمل كرسالة إلى وزارة التربية والتعليم من أجل الدفع بمطالبِهم المتعددة [سنأتي إلى الحديث عن هذه المطالب في قسم آخر من هذه التدوينة] .. على أية حال .. موضوع مثل هذا لا بدّ وأن يؤخذ من عدّة جوانب لكي يمكننا أن نأخذ صورة بانورامية أوسع عن تلك التي تُستخدم في لعبة الخطاب والخطاب المضاد الدائر حاليا سواء في الساحة الإعلاميّة أو في الساحة الإلكترونية أو في الساحة الاجتماعية المدعومة بوسائل الاتصال الحديث مثل برنامج [الواتسآب] الذي كان له دور كبير للغاية في نقل المعلومات [وكذلك الشائعات] وفي تأييد أو معارضة هذا الحراك الذي يقوم به المعلّمون في الوقت الحاليّ. فحسب علمي لا أحد يعرف العدد الحقيقي للمضربين وكم النسبة المئوية التي يشكلونها من مجمل القطاع؟ ولا أحد لديه عريضة مطالب واضحة محدد عامّة تتجاوز ما يطرح في الواتسآب بين المطالب العامّة والمطالب الفئوية.
حسناً دعونا نبدأ بوصف هذا الإضراب، ما هو؟ وما شكله؟ وما الحكاية الكامنة وراءه؟ ولماذا يشكّل أزمة في الوقت الحالي؟
من خلال ما توفّر لي من معلومات عبر القنوات الاجتماعيّة يتضحُ أن فكرة الإضراب ليست وليدة اللحظة، أي ليست شرارةً انطلقت ومن ثمّ شكلت دائرة أوسع واستفحلت وإنما هي فكرة موجودة منذ وقت سابق تحدّث عنها المعلمون، وحسبما تقول هذه المعلومات فإنّ المعلمين قد وضّحوا قبل فترةٍ من الزمن [لست أعرف بالضبط منذ متى] أنّهم سيقومون بهذا الإضراب في حال لم يتم تحقيق مطالبهم.
يتراءى لي وقد أكون مخطئاً أن هذا الإضراب لم يحمل صفة [عمودية هرميّة] أي لم يحمل الشكل الكلاسيكي التقليدي للإضرابات التي تحدث في دولٍ أخرى. في الشكل الكلاسيكي الهرمي [العمودي] فإنّ هُناك دائما في كل إضراب فئة صغيرة تقوم بدور الحديث عن الجَماعة، هذه الفئة الصغير تكون غالبا مجموعة من الأشخاص المنتمين إلى المجال نفسه، في هذه الحالة نتحدث عن المعلمين، في الإضراب الهرمي أو العمودي هُناك ما يشبه [القيادة] التي تتولى مخاطبة الطرفين، تتولى من جهة مخاطبة الحكومة لتحمل المطالبات العامّة التي يقودُها عدد كبير من البشر، ومن الجهة الأخرى تتولى مخاطبة المعلّمين كونَها فئة تحمل مصداقية ولها ثقة لدى شريحة كبيرة من المضربين وبالتالي يحدث الحوار [أو التفاوض] في مجملِه بين الطرفين [المعلمين في طرف والحكومة في طرف] عبر هذه الفئة المُمَثِّلة للعدد الأكبر، وبالطبع في حال حدوث ذلك كان ربما سيكون الوضع أسهل بكثير مما هو عليه الآن. أما ما يحدث حاليا فإن المطالب قد توزّع دمها بين مجموعات المضربين وحتى لو كانت هناك نيّة إيجابيّة في التعامل حيالَها كيف يمكن أن تكون عَمليّة وهي غير معروفة ومحددة؟
مرّة أخرى يتراءى لي [وقد أكون مخطئا] أنّ هذا الإضراب لم يحمل صفة عمودية وإنما حملَ صفة أفقيّة. أي لم يكن انتشاره بسبب وجود فئة تديره بشكل منظّم وإنما حدث بشكل فيروسي، بشكل انتشاريّ أفقيّ كفكرة ظهرت ربما من قبل فئة ما لتنتشر انتشار النار في الهشيم، ولذلك كان يمكننا أن نتتبع الإحصائيات التي تتوزع هُنا وهناك سواءً في الإعلام أو في الساحّات الإلكترونية أو في ساحة الواتسآب لنجد أنّ العدد قد تزايد بطريقة دراميّة خلال أيّام بسيطة ليخلق أزمة حقيقيّة، فالبلد فعلا قد تعيش حالة شلل في المنظومة التعليميّة وبينما يقف معارضو الإضراب وقفة حازمة تجاه هذا الأثر الفادح على هذه المنظومة يرفع المعلّم شعارا [نضرب عن التعليم من أجل التعليم] أي أن أي لقاء بين المعارضين وبين المؤيدين قد أصبح صعبا للغاية فالطرفان يحملان مبررات يريانها مقنعة لهما.
كأي حراك في العالم فإنّ من ضمن الأشياء التي تأتي معه مسألة [الخطاب والخطاب المضاد] فمن جهةٍ ما كان هناك دعمٌ محموم لقضية المعلّم سواء من قبل المشتركين في العملية التعليميّة أو من قبل نساء ورجال الشارع، ولا يخلو بيت ولا تخلو عائلة من وجودٍ معلّمٍ فيها، وبالطبع فإنّ إجماعا شبه ضمني [معلن في بعضه] أنّ للمدرس حقوقا ما يحق له الحصول عليها، البعض مختلف في الطريقة والبعض ينظر لها من زاوية [أنّ آخر الدواء الكي].
قام معارضو الإضراب [من مختلف الفئات المجتمعية أو الحكومية] باستخدام وسائل التواصل الإجتماعي لإقناع الناس بخطورة هذا الإضراب، البعض اتخذ من تعليم الطلّاب سببا رئيسيا ليعارض هذا الإضراب فبالنسبة له الأمر الحيوي في هذا الأمر هو [التعليم] أي يجب أن تستمر المسيرة التعليميّة دون إعاقة.
قامت فئة أخرى من معارضي الإضارب بشنّ حملة ضارية ضد المدرّس العُماني ووصفته بأشنع الصفات وأسقطت عليه أبشع الألقاب وانطلقت في معظمِها من خطاب تحقيريّ تنقيصيّ تُظهر في المدرس كموظف غير كفءٍ وكإنسان طمّاع يريد تحقيق مصلحته الخاصّة حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة الخاصّة بالطالب، بل وحتى ــ في بعض الطروحات ــ المصلحة الكُبرى التي لا تتعلق فقط بالحكومة وإنما تتعلق بالوطن الذي هو الأرض التي نشترك فيها جَميعا.
يتراءى لي ــ وقد أكون مخطئاً ــ أنّ الطريقة التي لجأ لها الطرفان [المؤيدون ــ المعارضون] للإضراب قد زادت من تأزّم الأمر، فبينما كان من الممكن أن ينشأ حوار اجتماعي يخفف من حنق المدرّسين [الحنق الذي دفعهم أصلا للإضراب] بدأت لعبة الخطاب والخطاب المضاد، ولعلنا نتفق أنّه في مثل هذه الحالات التي يُشحن فيها الطرفان ويتبادلان الاتهامات فإنّ حالة الشحن النفسي الجماعي تزيد، وبالفعل فإنّ هذا ما حدث ونتج عنه زيادة عدد المضربين آلافا أخرى.
من الصفات الأصيلة في أيّ إضراب حدوث ما يسمّى [بضغط الأقران]، وهذا الضغط هو أحد الأسباب التي تزيد من عدد المضربين، فحتى مع وجود طائفة من المدرّسين الذين يؤيدون مطالبات المعلّم ويؤمنون بها إلّا أنّهم لا يفضّلون التوقف عن العمل والحضور للمدرسة لأسباب كثيرة أخرى يؤمنون بها أيضا. واجَه هؤلاء عائقاً آخر في تنفيذهم لهذه الرؤى التي يؤمنون بها ألا وهو الضغط النفسيّ النابع من أقرانِهم الذين سيحاصرونَهم بتهم التخلّف عن الجَماعة بل وربما تصلُ إلى التخوينِ أو اتهامات أخرى، ولعل الخطاب المضاد للإضراب الذي حمل اتهامات مختلفة للمعلم زاد من الطين بلّة لأنّه جعل هذا الفريق الوسطي الذي يحاول أن يمسك العصا من المنتصف أمام خيارٍ صعب [إن لم تكن معي فأنت ضدّي] وبالتالي زادت الأزمة التي نعترف كلّنا أنّها أزمة والتي نرغبُ أن نرى لها حلّا منصفا للمعلم وللأطراف الأخرى.
أين يكمن المأزق؟
حاولت الحكومة بالطبع التعامل مع إضراب المعلّمين بمختلف الطرق، من الناحية الرسمية المُعلنة فإنّ لقاءً حدث مع وزيرة التربية والتعليم تحدثت فيه عن العملية التعليمية وعن الخطط .. ألخ ألخ ألخ .. لم يكن هذا اللقاء كافياً ولم يستطع أن يلامس المناطق الحسّاسة في المعلّم ولذلك كانت ردّة الفعل استمرار الإضراب.
زاد الإعلام العُماني ــ للأسف الشديد ــ الطين بلّة عندما أعلن في قنواتِه المختلفة أنّ هناك [عودة] سواء كانت تدريجية أو سريعة أو بطيئة للمعلّمين، ومن يعيش في الواقع العُماني يقع في لخبطةٍ كبيرة بين المعلومات الواردة في الإعلام العُماني وبين ما يعيشُه ويشاهده في المجتمع وبالتحديد عندما يكون على صلةٍ مع [أهل الكار] ألا وهم المعلمون أنفسهم. بشكل شخصيٍّ بحت وجدت أن هذه المقاربة من قبل الإعلام العُماني مُحبطةً للغاية ومثيرة للحزن لأسباب متعددة، وكنتُ ــ ضمن كثيرين ــ أتمنى ألّا نرى الإعلام العُماني في ثوبِه الجديد وبشخوصِه الجديد يقعُ في هذا الخطأ ولا سيما وأنّ نشر تلك المعلومات قد استفزّت المعلّمين أكثر وزادت من عدد المُضربين، هذا ما يقولُه الواقع الاجتماعي ولعل الإعلام لديه مصادر أخرى يحصل منها على معلوماتِه التي قد تكون أكثر دقّة، كما قلتُ لكم أعلاه ما أكتبه الآن ليس أكثر من مقاربةٍ فرديّة لذلك فإن الخطأ وارد في كلامي. بالطبع قد حفلت الجرائد والصحف بمقالات عديدة تتناول المسألة، بعضها معه جزئيا وبعضها ضده كليا [الإضراب أعني] وهُناك صوت وسطي جَميل يكتبُ في هذا الشأن ولعل بعض المقالات التي وردت مؤخرا سواء في الصحف أو في الإعلام البديل هي التشجيع الذي وجدته لأكتب هذه المحاولة التدوينية التي تروم إلى فهم ما يحدث أولا وأخيرا.
يضعنا إضراب المعلّمين في مازق حقيقيّ. من جهة تقول لنا العاطفة وتقول لنا العقول أنّ القطاع التعليميّ من أهم القطاعات الموجودة في أيّ بلادٍ في العالم، وبالطبع فإنّ أي إضراب يحدث فيه يؤثر بشدة على هذا القطاع الحيوية، كذلك تقول لنا العاطفة ويقول لنا العقل أن للمعلّم [وباقي المنتمين إلى قطاع التعليم بما فيهم سائقي الحافلات] حقّا في أن يُحسّن وضعُه وفي أن يوضع في بيئة تسمح له بالعمل بإبداع وإنتاج، بيئة يراها هوَ [مُرضية] لكي يواصل العمل اليومي الشاق الدؤوب ولكي يخرج لنا أجيالا تواصل مسيرة البناء والتنمية. من الواضح تَماما أن آلاف المعلمين [ولا أقول كلّهم] لا يشعرون أن هذه البيئة متوفّرة، وبالإضافة إلى هذا فإنّ الأمر لا يتعلّق فقط بالناحية الفنيّة [التعليم فقط] وإنما يحمل جوانب أخرى اقتصادية واجتماعية، وهذا في رأيي البسيط ما زادَ من تأزّم الوضع وما خلق فجوة أخرى بين المعلّم وبين الحكومة.
يتبع
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (/~moeoman/vb/showthread.php?t=530415&goto=newpost)
#إضراب_المعلمين_العُمانيين
محاولة لكتابة مقاربة تحليلية ..
مرحبا أيّها الأصدقاء ..
حسنا من أين يمكن للمرء أن يبدأ في الكتابة عن موضوع شائك ومعقّد نعيشه هذه الأيّام في هذه الأرض المُشتركة التي نعيش فيها. بالطبع ليس بخافٍ عليكم كما هو ليس بخافٍ على أحدٍ أنّ إضرابا كبيراً في القطاع التعليمي قد بدأ منذ أكثر من أسبوع، نتج عن هذا الإضراب [انقطاع] آلافٌ من المدرّسين والمدرّسات العُمانيات عن العَمل كرسالة إلى وزارة التربية والتعليم من أجل الدفع بمطالبِهم المتعددة [سنأتي إلى الحديث عن هذه المطالب في قسم آخر من هذه التدوينة] .. على أية حال .. موضوع مثل هذا لا بدّ وأن يؤخذ من عدّة جوانب لكي يمكننا أن نأخذ صورة بانورامية أوسع عن تلك التي تُستخدم في لعبة الخطاب والخطاب المضاد الدائر حاليا سواء في الساحة الإعلاميّة أو في الساحة الإلكترونية أو في الساحة الاجتماعية المدعومة بوسائل الاتصال الحديث مثل برنامج [الواتسآب] الذي كان له دور كبير للغاية في نقل المعلومات [وكذلك الشائعات] وفي تأييد أو معارضة هذا الحراك الذي يقوم به المعلّمون في الوقت الحاليّ. فحسب علمي لا أحد يعرف العدد الحقيقي للمضربين وكم النسبة المئوية التي يشكلونها من مجمل القطاع؟ ولا أحد لديه عريضة مطالب واضحة محدد عامّة تتجاوز ما يطرح في الواتسآب بين المطالب العامّة والمطالب الفئوية.
حسناً دعونا نبدأ بوصف هذا الإضراب، ما هو؟ وما شكله؟ وما الحكاية الكامنة وراءه؟ ولماذا يشكّل أزمة في الوقت الحالي؟
من خلال ما توفّر لي من معلومات عبر القنوات الاجتماعيّة يتضحُ أن فكرة الإضراب ليست وليدة اللحظة، أي ليست شرارةً انطلقت ومن ثمّ شكلت دائرة أوسع واستفحلت وإنما هي فكرة موجودة منذ وقت سابق تحدّث عنها المعلمون، وحسبما تقول هذه المعلومات فإنّ المعلمين قد وضّحوا قبل فترةٍ من الزمن [لست أعرف بالضبط منذ متى] أنّهم سيقومون بهذا الإضراب في حال لم يتم تحقيق مطالبهم.
يتراءى لي وقد أكون مخطئاً أن هذا الإضراب لم يحمل صفة [عمودية هرميّة] أي لم يحمل الشكل الكلاسيكي التقليدي للإضرابات التي تحدث في دولٍ أخرى. في الشكل الكلاسيكي الهرمي [العمودي] فإنّ هُناك دائما في كل إضراب فئة صغيرة تقوم بدور الحديث عن الجَماعة، هذه الفئة الصغير تكون غالبا مجموعة من الأشخاص المنتمين إلى المجال نفسه، في هذه الحالة نتحدث عن المعلمين، في الإضراب الهرمي أو العمودي هُناك ما يشبه [القيادة] التي تتولى مخاطبة الطرفين، تتولى من جهة مخاطبة الحكومة لتحمل المطالبات العامّة التي يقودُها عدد كبير من البشر، ومن الجهة الأخرى تتولى مخاطبة المعلّمين كونَها فئة تحمل مصداقية ولها ثقة لدى شريحة كبيرة من المضربين وبالتالي يحدث الحوار [أو التفاوض] في مجملِه بين الطرفين [المعلمين في طرف والحكومة في طرف] عبر هذه الفئة المُمَثِّلة للعدد الأكبر، وبالطبع في حال حدوث ذلك كان ربما سيكون الوضع أسهل بكثير مما هو عليه الآن. أما ما يحدث حاليا فإن المطالب قد توزّع دمها بين مجموعات المضربين وحتى لو كانت هناك نيّة إيجابيّة في التعامل حيالَها كيف يمكن أن تكون عَمليّة وهي غير معروفة ومحددة؟
مرّة أخرى يتراءى لي [وقد أكون مخطئا] أنّ هذا الإضراب لم يحمل صفة عمودية وإنما حملَ صفة أفقيّة. أي لم يكن انتشاره بسبب وجود فئة تديره بشكل منظّم وإنما حدث بشكل فيروسي، بشكل انتشاريّ أفقيّ كفكرة ظهرت ربما من قبل فئة ما لتنتشر انتشار النار في الهشيم، ولذلك كان يمكننا أن نتتبع الإحصائيات التي تتوزع هُنا وهناك سواءً في الإعلام أو في الساحّات الإلكترونية أو في ساحة الواتسآب لنجد أنّ العدد قد تزايد بطريقة دراميّة خلال أيّام بسيطة ليخلق أزمة حقيقيّة، فالبلد فعلا قد تعيش حالة شلل في المنظومة التعليميّة وبينما يقف معارضو الإضراب وقفة حازمة تجاه هذا الأثر الفادح على هذه المنظومة يرفع المعلّم شعارا [نضرب عن التعليم من أجل التعليم] أي أن أي لقاء بين المعارضين وبين المؤيدين قد أصبح صعبا للغاية فالطرفان يحملان مبررات يريانها مقنعة لهما.
كأي حراك في العالم فإنّ من ضمن الأشياء التي تأتي معه مسألة [الخطاب والخطاب المضاد] فمن جهةٍ ما كان هناك دعمٌ محموم لقضية المعلّم سواء من قبل المشتركين في العملية التعليميّة أو من قبل نساء ورجال الشارع، ولا يخلو بيت ولا تخلو عائلة من وجودٍ معلّمٍ فيها، وبالطبع فإنّ إجماعا شبه ضمني [معلن في بعضه] أنّ للمدرس حقوقا ما يحق له الحصول عليها، البعض مختلف في الطريقة والبعض ينظر لها من زاوية [أنّ آخر الدواء الكي].
قام معارضو الإضراب [من مختلف الفئات المجتمعية أو الحكومية] باستخدام وسائل التواصل الإجتماعي لإقناع الناس بخطورة هذا الإضراب، البعض اتخذ من تعليم الطلّاب سببا رئيسيا ليعارض هذا الإضراب فبالنسبة له الأمر الحيوي في هذا الأمر هو [التعليم] أي يجب أن تستمر المسيرة التعليميّة دون إعاقة.
قامت فئة أخرى من معارضي الإضارب بشنّ حملة ضارية ضد المدرّس العُماني ووصفته بأشنع الصفات وأسقطت عليه أبشع الألقاب وانطلقت في معظمِها من خطاب تحقيريّ تنقيصيّ تُظهر في المدرس كموظف غير كفءٍ وكإنسان طمّاع يريد تحقيق مصلحته الخاصّة حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة الخاصّة بالطالب، بل وحتى ــ في بعض الطروحات ــ المصلحة الكُبرى التي لا تتعلق فقط بالحكومة وإنما تتعلق بالوطن الذي هو الأرض التي نشترك فيها جَميعا.
يتراءى لي ــ وقد أكون مخطئاً ــ أنّ الطريقة التي لجأ لها الطرفان [المؤيدون ــ المعارضون] للإضراب قد زادت من تأزّم الأمر، فبينما كان من الممكن أن ينشأ حوار اجتماعي يخفف من حنق المدرّسين [الحنق الذي دفعهم أصلا للإضراب] بدأت لعبة الخطاب والخطاب المضاد، ولعلنا نتفق أنّه في مثل هذه الحالات التي يُشحن فيها الطرفان ويتبادلان الاتهامات فإنّ حالة الشحن النفسي الجماعي تزيد، وبالفعل فإنّ هذا ما حدث ونتج عنه زيادة عدد المضربين آلافا أخرى.
من الصفات الأصيلة في أيّ إضراب حدوث ما يسمّى [بضغط الأقران]، وهذا الضغط هو أحد الأسباب التي تزيد من عدد المضربين، فحتى مع وجود طائفة من المدرّسين الذين يؤيدون مطالبات المعلّم ويؤمنون بها إلّا أنّهم لا يفضّلون التوقف عن العمل والحضور للمدرسة لأسباب كثيرة أخرى يؤمنون بها أيضا. واجَه هؤلاء عائقاً آخر في تنفيذهم لهذه الرؤى التي يؤمنون بها ألا وهو الضغط النفسيّ النابع من أقرانِهم الذين سيحاصرونَهم بتهم التخلّف عن الجَماعة بل وربما تصلُ إلى التخوينِ أو اتهامات أخرى، ولعل الخطاب المضاد للإضراب الذي حمل اتهامات مختلفة للمعلم زاد من الطين بلّة لأنّه جعل هذا الفريق الوسطي الذي يحاول أن يمسك العصا من المنتصف أمام خيارٍ صعب [إن لم تكن معي فأنت ضدّي] وبالتالي زادت الأزمة التي نعترف كلّنا أنّها أزمة والتي نرغبُ أن نرى لها حلّا منصفا للمعلم وللأطراف الأخرى.
أين يكمن المأزق؟
حاولت الحكومة بالطبع التعامل مع إضراب المعلّمين بمختلف الطرق، من الناحية الرسمية المُعلنة فإنّ لقاءً حدث مع وزيرة التربية والتعليم تحدثت فيه عن العملية التعليمية وعن الخطط .. ألخ ألخ ألخ .. لم يكن هذا اللقاء كافياً ولم يستطع أن يلامس المناطق الحسّاسة في المعلّم ولذلك كانت ردّة الفعل استمرار الإضراب.
زاد الإعلام العُماني ــ للأسف الشديد ــ الطين بلّة عندما أعلن في قنواتِه المختلفة أنّ هناك [عودة] سواء كانت تدريجية أو سريعة أو بطيئة للمعلّمين، ومن يعيش في الواقع العُماني يقع في لخبطةٍ كبيرة بين المعلومات الواردة في الإعلام العُماني وبين ما يعيشُه ويشاهده في المجتمع وبالتحديد عندما يكون على صلةٍ مع [أهل الكار] ألا وهم المعلمون أنفسهم. بشكل شخصيٍّ بحت وجدت أن هذه المقاربة من قبل الإعلام العُماني مُحبطةً للغاية ومثيرة للحزن لأسباب متعددة، وكنتُ ــ ضمن كثيرين ــ أتمنى ألّا نرى الإعلام العُماني في ثوبِه الجديد وبشخوصِه الجديد يقعُ في هذا الخطأ ولا سيما وأنّ نشر تلك المعلومات قد استفزّت المعلّمين أكثر وزادت من عدد المُضربين، هذا ما يقولُه الواقع الاجتماعي ولعل الإعلام لديه مصادر أخرى يحصل منها على معلوماتِه التي قد تكون أكثر دقّة، كما قلتُ لكم أعلاه ما أكتبه الآن ليس أكثر من مقاربةٍ فرديّة لذلك فإن الخطأ وارد في كلامي. بالطبع قد حفلت الجرائد والصحف بمقالات عديدة تتناول المسألة، بعضها معه جزئيا وبعضها ضده كليا [الإضراب أعني] وهُناك صوت وسطي جَميل يكتبُ في هذا الشأن ولعل بعض المقالات التي وردت مؤخرا سواء في الصحف أو في الإعلام البديل هي التشجيع الذي وجدته لأكتب هذه المحاولة التدوينية التي تروم إلى فهم ما يحدث أولا وأخيرا.
يضعنا إضراب المعلّمين في مازق حقيقيّ. من جهة تقول لنا العاطفة وتقول لنا العقول أنّ القطاع التعليميّ من أهم القطاعات الموجودة في أيّ بلادٍ في العالم، وبالطبع فإنّ أي إضراب يحدث فيه يؤثر بشدة على هذا القطاع الحيوية، كذلك تقول لنا العاطفة ويقول لنا العقل أن للمعلّم [وباقي المنتمين إلى قطاع التعليم بما فيهم سائقي الحافلات] حقّا في أن يُحسّن وضعُه وفي أن يوضع في بيئة تسمح له بالعمل بإبداع وإنتاج، بيئة يراها هوَ [مُرضية] لكي يواصل العمل اليومي الشاق الدؤوب ولكي يخرج لنا أجيالا تواصل مسيرة البناء والتنمية. من الواضح تَماما أن آلاف المعلمين [ولا أقول كلّهم] لا يشعرون أن هذه البيئة متوفّرة، وبالإضافة إلى هذا فإنّ الأمر لا يتعلّق فقط بالناحية الفنيّة [التعليم فقط] وإنما يحمل جوانب أخرى اقتصادية واجتماعية، وهذا في رأيي البسيط ما زادَ من تأزّم الوضع وما خلق فجوة أخرى بين المعلّم وبين الحكومة.
يتبع
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) .. (/~moeoman/vb/showthread.php?t=530415&goto=newpost)