سنافي
23-10-2013, 01:01 PM
. -
تتفاعل الدول والشعوب فيما بينها بوسائل وأساليب عديدة، تتأثر في كثير من الأحيان بطبيعة علاقة القوة التي تربط بينها من ناحية، وطبيعة أسلوب التفاعل ومدى قدرته على الوصول إلى الآخر واستمالة تفكيره من ناحية ثانية.
وفي هذا الإطار حمل التاريخ، عبر مراحله المختلفة، العديد من نماذج التفاعل الإنساني والحضاري.
وإذا كانت الإمبراطوريات القديمة، وآخرها الإمبراطورية البريطانية قد اهتمت، في مجملها، بعلاقة القوة مع الشعوب الأخرى، خاصة أن المنهزم أو الضعيف عادة ما يتبنى النمط الذي يقدمه القوي أو المنتصر، باعتباره مثلا ونموذجا، إلا أن هذا النموذج تتضاءل تأثيراته سريعا مع انتهاء علاقة القوة بشكلها التقليدي بين المنتصر والمهزوم، وتأخذ العلاقة في العادة وقتا غير قليل قبل أن تستقر على أسس جديدة ومرضية لإطرافها. وإلى جانب ذلك كان هناك نمط آخر للتفاعل بين القوى الإمبراطورية والشعوب الأخرى، وهو النمط الذي قدمته الإمبراطورية الفرنسية، وهو نمط يقوم على الاهتمام بشكل اكبر بالجوانب الثقافية والفكرية للشعوب الأخرى ومحاولة اجتذاب عقولها، أو عقل مثقفيها لبناء علاقة ارتباط اكثر ديمومة مع النموذج الفرنسي. ومع أن هناك امبراطوريات نقلت ثقافة الشعوب التابعة لها، وحتى صناعها وحرفييها إلى عواصمها، وهو ما حدث على سبيل المثال بالنسبة للإمبراطورية العثمانية في علاقتها مع مصر على سبيل المثال، فإن العالم الآن وفي تطوره وتقارب دوله وشعوبه، وبعد تجاوز التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي للحدود بمعناها التقليدي، وحتى القانوني في أحيان كثيرة، فإن نمط التفاعل الأول يفسح المجال أمام النمط الثاني، ولم يكن مصادفة أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما تقدم نفسها كنموذج حضاري في إطار العولمة، فإنها تقدم ما يسمى بالنمط الأمريكي في الحياة ـــ الستايل الأمريكي ـــ وهي تحرص بوعي على أن تمزج مظاهر القوة المتفوقة بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في خطابها مع الآخر، بغض النظر عن متطلبات الواقع السياسي في علاقاتها مع طرف أو أطراف محددة في ظروف معينة. كما أنه لم يكن مصادفة أيضا أن تكون هزيمة وتفكك الاتحاد السوفييتي الأسبق قد بدأت ثقافيا وفكريا بمجرد انهيار جدران الستار الحديدي التي استمرت منذ اكثر من سبعين عاما، حتى انهيار جدار برلين عام 1989.
ولكن ما علاقة ذلك بفعاليات التواصل العماني، التراثية والثقافية والفكرية والفنية، مع الدول والشعوب الأخرى؟ وآخرها معرض (عمان والبحر) الذي بدأت فعالياته في عاصمة النور باريس يوم الخميس الماضي برعاية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والذي افتتحه معالي السيد بدر بن سعود البوسعيدي الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع. من المؤكد أن هناك علاقة وثيقة، ليس فقط لأن عمان كانت دولة امبراطورية في القرن التاسع عشر، وكانت بحريتها في المحيط الهندي ذات مكانة كبيرة إلى جانب البحريتين البريطانية والفرنسية فيه على امتداد النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهو ما تحكيه وقائع ووثائق تلك الفترة، ولكن أيضا لأن عمان قدمت في الواقع نموذجا في التفاعل الحضاري مع الدول والشعوب الأخرى، انحاز منذ البداية، إلى مخاطبة افضل ما في الشعوب الأخرى وهي ثقافتها وفكرها وحضارتها عبر قيم الاعتراف بالآخر واحترامه والتعاون الإيجابي معه، وكذلك التسامح والحوار، من أجل بناء حياة أفضل للإنسان على كلا الجانبين. ولعل هذا هو أعمق الخطوط وأكثرها وضوحا، واتصالا أيضا في علاقات عمان، ليس فقط مع الصين وسنغافورة والهند وجنوب آسيا عموما، ولكن أيضا مع أوروبا والولايات المتحدة وإفريقيا، وعلى امتداد حقب التاريخ المتتالية.
ومن هنا تحديدا، فإنه يمكن القول وبدون تجاوز، انه يحسب للقيادة العمانية إيمانها العميق بهذا البعد في علاقات عمان مع العالم من حولها، بل وحرصها العميق على استمراره وتعميقه ودعمه ليكون أساسا للعلاقات مع مختلف الدول والشعوب، خاصة أنه الأبقي والأكثر ديمومة، والأكثر قدرة أيضا على تحقيق الفهم المتبادل، وعلى نحو افضل مع الشعوب الأخرى. وما يؤكد ذلك أن العمل للاستفادة من البعد الحضاري للعلاقات والتاريخ العماني لم يظهرا حديثا، أي في السنوات الأخيرة، ولكنه ظهر وبشكل متزايد منذ البداية، سواء فيما يتصل بالعناية بالتراث العماني والحفاظ عليه، أو في عدد من الاهتمامات والمشروعات الثقافية، غير التقليدية، والتي عمّقت وتعمق الصلات وجهود البحث العلمي من خلال عدد من ابرز الجامعات العربية والأجنبية، وفي مجالات فكرية وثقافية واجتماعية وتراثية كذلك، وعلى نحو يتجاوز الإطار العماني المباشر، ليتسع لإلقاء مزيد من الضوء على جوانب عديدة فكرية وثقافية للحضارة العربية والإسلامية. ومما له دلالة عميقة أن هذا الاهتمام من جانب جلالة السلطان المعظم قد امتد، ومنذ سنوات عديدة، إلى ما يتصل بالفنون والموسيقى العمانية التقليدية، بدءا من إنشاء ودعم مركز عمان للموسيقى التقليدية وتوسيع دائرة علاقاته من عدد من الجامعات الأوروبية التي تقوم بتدريس الموسيقى العمانية التقليدية، وحتى الأوبرا السلطانية مسقط، وفعالياتها ذات الإشعاعات الواسعة فنيا وثقافيا. كما امتد هذا الاهتمام والرعاية السامية إلى ما يتصل بالحفاظ على البيئة العمانية، ومن المعروف أن هذا الاهتمام امتد واتسع ليشمل البيئة على المستويين الخليجي والدولي، حيث تمثل جائزة السلطان قابوس الدولية لصون البيئة ابرز الجوائز العالمية، التي يتم منحها من خلال منظمة اليونسكو كل عامين منذ إنشائها عام 1989 في هذا المجال.
جدير بالذكر انه من غير الممكن فهم واستيعاب هذه الجهود والفعاليات، التي اتسمت بالتنوع والتعدد والاستمرار، وبالطبع التراكم، سوى في إطار النظرة الأوسع لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – ورؤية جلالته لعمان، ولعلاقتها بالعالم، ولإسهامها الحضاري أيضا. ولأن هذا يحتاج في الواقع إلى حيز أوسع بكثير، فإنه يمكن القول ببساطة إن ذلك لا ينفصل أبدا عن السياسة والمواقف العمانية حيال مختلف القضايا، وعلى كل المستويات، ولا عن الإسهام العماني الإيجابي والنشط في العمل من اجل دعم وزيادة فرص السلام في المنطقة، وفي علاقة دولها مع العالم من حولها، كما انه يتماهى مع الموقف العماني المعتدل والرافض للتطرف بكل أشكاله، وأيا كانت أسبابه.
وإذا كانت هناك العديد من الفعاليات والمعارض العمانية، ثقافية ودينية وفنية وتراثية وغيرها، إلى جانب الفعاليات ذات الطابع العلمي والبحثي الأخرى، وهو ما لا يتسع المقام لتعدادها، فإن ما اشار اليه جلالة السلطان في كلمته السامية التي تصدرت الكتاب التعريفي المصاحب لمعرض (عمان والبحر) في باريس تنطوي على دلالة بالغة، لأنها تعبر بعمق عن جوهر الرؤية العمانية في هذا المجال، إذ أن (أبراز قيم التسامح والتواصل الحضاري والحوار والاحترام المتبادل والتعاون الإيجابي التي تقوم عليها العلاقات العمانية الخارجية على مر العصور هي الهدف الأبرز في تنظيم معرض (عمان والبحر)، وأن احد أهداف المعرض أيضا إبراز علاقات الصداقة التاريخية بين عمان وفرنسا.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى نقطتين أساسيتين، وباختصار شديد: أولهما أن هذا الفهم العميق للبعد الثقافي والحضاري الشامل للعلاقات بين عمان والعالم، وضرورة تفعيله وتعميقه، قد تحول الآن إلى واحد من مرتكزات العمل الدبلوماسي العماني، داخل المنظمات الإقليمية والدولية، وعلى مستوى العلاقات الثنائية أيضا بين العالم والدول الأخرى، وهذا أمر يعبّر عن نفسه بوضوح في جوانب عديدة. والنقطة الثانية هي أن عمان في تركيزها على هذا البعد لا تختلق تاريخا من عدم، ولا تبني صورة تفتقد إلى الجذور، ولا تبحث عن مساحة اهتمام على هذا المستوى، أو ذاك، لأنها ببساطة دولة قديمة وثرية حضاريا وذات تاريخ وتقاليد راسخة، وتعود علاقاتها بالقوى العالمية إلى قرون سابقة، فإنها فقط بعض من تراث وتاريخ، قدره واحترمه العالم في الماضي، كما يقدره ويحترمه الآن، خاصة أن كل الأطراف ترحب بالإسهام العماني الجاد والمخلص، والمنزه عن الغرض أيضا، من اجل السلام والاستقرار لكل دول وشعوب المنطقة، وهذه ثمرة لنجاحها ـــ عمان ـــ في مخاطبة أرقى ما في الشعوب الأخرى.
د عبدالحميد الموافي/ جريدة عمان 23/10/2013
تتفاعل الدول والشعوب فيما بينها بوسائل وأساليب عديدة، تتأثر في كثير من الأحيان بطبيعة علاقة القوة التي تربط بينها من ناحية، وطبيعة أسلوب التفاعل ومدى قدرته على الوصول إلى الآخر واستمالة تفكيره من ناحية ثانية.
وفي هذا الإطار حمل التاريخ، عبر مراحله المختلفة، العديد من نماذج التفاعل الإنساني والحضاري.
وإذا كانت الإمبراطوريات القديمة، وآخرها الإمبراطورية البريطانية قد اهتمت، في مجملها، بعلاقة القوة مع الشعوب الأخرى، خاصة أن المنهزم أو الضعيف عادة ما يتبنى النمط الذي يقدمه القوي أو المنتصر، باعتباره مثلا ونموذجا، إلا أن هذا النموذج تتضاءل تأثيراته سريعا مع انتهاء علاقة القوة بشكلها التقليدي بين المنتصر والمهزوم، وتأخذ العلاقة في العادة وقتا غير قليل قبل أن تستقر على أسس جديدة ومرضية لإطرافها. وإلى جانب ذلك كان هناك نمط آخر للتفاعل بين القوى الإمبراطورية والشعوب الأخرى، وهو النمط الذي قدمته الإمبراطورية الفرنسية، وهو نمط يقوم على الاهتمام بشكل اكبر بالجوانب الثقافية والفكرية للشعوب الأخرى ومحاولة اجتذاب عقولها، أو عقل مثقفيها لبناء علاقة ارتباط اكثر ديمومة مع النموذج الفرنسي. ومع أن هناك امبراطوريات نقلت ثقافة الشعوب التابعة لها، وحتى صناعها وحرفييها إلى عواصمها، وهو ما حدث على سبيل المثال بالنسبة للإمبراطورية العثمانية في علاقتها مع مصر على سبيل المثال، فإن العالم الآن وفي تطوره وتقارب دوله وشعوبه، وبعد تجاوز التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي للحدود بمعناها التقليدي، وحتى القانوني في أحيان كثيرة، فإن نمط التفاعل الأول يفسح المجال أمام النمط الثاني، ولم يكن مصادفة أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما تقدم نفسها كنموذج حضاري في إطار العولمة، فإنها تقدم ما يسمى بالنمط الأمريكي في الحياة ـــ الستايل الأمريكي ـــ وهي تحرص بوعي على أن تمزج مظاهر القوة المتفوقة بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في خطابها مع الآخر، بغض النظر عن متطلبات الواقع السياسي في علاقاتها مع طرف أو أطراف محددة في ظروف معينة. كما أنه لم يكن مصادفة أيضا أن تكون هزيمة وتفكك الاتحاد السوفييتي الأسبق قد بدأت ثقافيا وفكريا بمجرد انهيار جدران الستار الحديدي التي استمرت منذ اكثر من سبعين عاما، حتى انهيار جدار برلين عام 1989.
ولكن ما علاقة ذلك بفعاليات التواصل العماني، التراثية والثقافية والفكرية والفنية، مع الدول والشعوب الأخرى؟ وآخرها معرض (عمان والبحر) الذي بدأت فعالياته في عاصمة النور باريس يوم الخميس الماضي برعاية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والذي افتتحه معالي السيد بدر بن سعود البوسعيدي الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع. من المؤكد أن هناك علاقة وثيقة، ليس فقط لأن عمان كانت دولة امبراطورية في القرن التاسع عشر، وكانت بحريتها في المحيط الهندي ذات مكانة كبيرة إلى جانب البحريتين البريطانية والفرنسية فيه على امتداد النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهو ما تحكيه وقائع ووثائق تلك الفترة، ولكن أيضا لأن عمان قدمت في الواقع نموذجا في التفاعل الحضاري مع الدول والشعوب الأخرى، انحاز منذ البداية، إلى مخاطبة افضل ما في الشعوب الأخرى وهي ثقافتها وفكرها وحضارتها عبر قيم الاعتراف بالآخر واحترامه والتعاون الإيجابي معه، وكذلك التسامح والحوار، من أجل بناء حياة أفضل للإنسان على كلا الجانبين. ولعل هذا هو أعمق الخطوط وأكثرها وضوحا، واتصالا أيضا في علاقات عمان، ليس فقط مع الصين وسنغافورة والهند وجنوب آسيا عموما، ولكن أيضا مع أوروبا والولايات المتحدة وإفريقيا، وعلى امتداد حقب التاريخ المتتالية.
ومن هنا تحديدا، فإنه يمكن القول وبدون تجاوز، انه يحسب للقيادة العمانية إيمانها العميق بهذا البعد في علاقات عمان مع العالم من حولها، بل وحرصها العميق على استمراره وتعميقه ودعمه ليكون أساسا للعلاقات مع مختلف الدول والشعوب، خاصة أنه الأبقي والأكثر ديمومة، والأكثر قدرة أيضا على تحقيق الفهم المتبادل، وعلى نحو افضل مع الشعوب الأخرى. وما يؤكد ذلك أن العمل للاستفادة من البعد الحضاري للعلاقات والتاريخ العماني لم يظهرا حديثا، أي في السنوات الأخيرة، ولكنه ظهر وبشكل متزايد منذ البداية، سواء فيما يتصل بالعناية بالتراث العماني والحفاظ عليه، أو في عدد من الاهتمامات والمشروعات الثقافية، غير التقليدية، والتي عمّقت وتعمق الصلات وجهود البحث العلمي من خلال عدد من ابرز الجامعات العربية والأجنبية، وفي مجالات فكرية وثقافية واجتماعية وتراثية كذلك، وعلى نحو يتجاوز الإطار العماني المباشر، ليتسع لإلقاء مزيد من الضوء على جوانب عديدة فكرية وثقافية للحضارة العربية والإسلامية. ومما له دلالة عميقة أن هذا الاهتمام من جانب جلالة السلطان المعظم قد امتد، ومنذ سنوات عديدة، إلى ما يتصل بالفنون والموسيقى العمانية التقليدية، بدءا من إنشاء ودعم مركز عمان للموسيقى التقليدية وتوسيع دائرة علاقاته من عدد من الجامعات الأوروبية التي تقوم بتدريس الموسيقى العمانية التقليدية، وحتى الأوبرا السلطانية مسقط، وفعالياتها ذات الإشعاعات الواسعة فنيا وثقافيا. كما امتد هذا الاهتمام والرعاية السامية إلى ما يتصل بالحفاظ على البيئة العمانية، ومن المعروف أن هذا الاهتمام امتد واتسع ليشمل البيئة على المستويين الخليجي والدولي، حيث تمثل جائزة السلطان قابوس الدولية لصون البيئة ابرز الجوائز العالمية، التي يتم منحها من خلال منظمة اليونسكو كل عامين منذ إنشائها عام 1989 في هذا المجال.
جدير بالذكر انه من غير الممكن فهم واستيعاب هذه الجهود والفعاليات، التي اتسمت بالتنوع والتعدد والاستمرار، وبالطبع التراكم، سوى في إطار النظرة الأوسع لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – ورؤية جلالته لعمان، ولعلاقتها بالعالم، ولإسهامها الحضاري أيضا. ولأن هذا يحتاج في الواقع إلى حيز أوسع بكثير، فإنه يمكن القول ببساطة إن ذلك لا ينفصل أبدا عن السياسة والمواقف العمانية حيال مختلف القضايا، وعلى كل المستويات، ولا عن الإسهام العماني الإيجابي والنشط في العمل من اجل دعم وزيادة فرص السلام في المنطقة، وفي علاقة دولها مع العالم من حولها، كما انه يتماهى مع الموقف العماني المعتدل والرافض للتطرف بكل أشكاله، وأيا كانت أسبابه.
وإذا كانت هناك العديد من الفعاليات والمعارض العمانية، ثقافية ودينية وفنية وتراثية وغيرها، إلى جانب الفعاليات ذات الطابع العلمي والبحثي الأخرى، وهو ما لا يتسع المقام لتعدادها، فإن ما اشار اليه جلالة السلطان في كلمته السامية التي تصدرت الكتاب التعريفي المصاحب لمعرض (عمان والبحر) في باريس تنطوي على دلالة بالغة، لأنها تعبر بعمق عن جوهر الرؤية العمانية في هذا المجال، إذ أن (أبراز قيم التسامح والتواصل الحضاري والحوار والاحترام المتبادل والتعاون الإيجابي التي تقوم عليها العلاقات العمانية الخارجية على مر العصور هي الهدف الأبرز في تنظيم معرض (عمان والبحر)، وأن احد أهداف المعرض أيضا إبراز علاقات الصداقة التاريخية بين عمان وفرنسا.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى نقطتين أساسيتين، وباختصار شديد: أولهما أن هذا الفهم العميق للبعد الثقافي والحضاري الشامل للعلاقات بين عمان والعالم، وضرورة تفعيله وتعميقه، قد تحول الآن إلى واحد من مرتكزات العمل الدبلوماسي العماني، داخل المنظمات الإقليمية والدولية، وعلى مستوى العلاقات الثنائية أيضا بين العالم والدول الأخرى، وهذا أمر يعبّر عن نفسه بوضوح في جوانب عديدة. والنقطة الثانية هي أن عمان في تركيزها على هذا البعد لا تختلق تاريخا من عدم، ولا تبني صورة تفتقد إلى الجذور، ولا تبحث عن مساحة اهتمام على هذا المستوى، أو ذاك، لأنها ببساطة دولة قديمة وثرية حضاريا وذات تاريخ وتقاليد راسخة، وتعود علاقاتها بالقوى العالمية إلى قرون سابقة، فإنها فقط بعض من تراث وتاريخ، قدره واحترمه العالم في الماضي، كما يقدره ويحترمه الآن، خاصة أن كل الأطراف ترحب بالإسهام العماني الجاد والمخلص، والمنزه عن الغرض أيضا، من اجل السلام والاستقرار لكل دول وشعوب المنطقة، وهذه ثمرة لنجاحها ـــ عمان ـــ في مخاطبة أرقى ما في الشعوب الأخرى.
د عبدالحميد الموافي/ جريدة عمان 23/10/2013