جميعــــهم من الأرض .. هـــو كوكــب آخـــــر

جميعهم من الأرض .. هو من كوكب آخر



إنه اليوم المنتظر .. بداية عام جديد في حياتي العملية بعد دراسة استمرت 5 سنوات وسنة قضيتها في البحث عن أي وظيفة بإستثناء أن أكون معلما رتيبا في يومه .. ولكن صوت القدر أبى إلا أن أنصاع له ..


إنه يومي الأول أو لنقل أسبوعي الأول الذي أرى فيه مجموعة من الطلاب من مختلف الفئات العمرية ينتشرون في أرجاء الممرات وصوتهم يتعالى بالحديث مع بعضهم البعض مع بعض الحركات الطفولية التي أثارت غضبي وحنقي للوضع الذي كنت أعيشه , وكم كنت أتمنى حينها أن أغمض عيني ويختفي هذا المنظر تماما ..


أسبوعا كاملا كنت حينها آمل بإتصال من أحدى الشركات أو الهيئات الحكومية تنتشلني من هذا الوضع الذي – بقرار مني – لا يطاق .


أيام روتينية قضيتها : الدخول للمدرسة – الطابور – غرفة المعلمين – الفصل – الفسحة – المناوبة – الخروج ..
جميعهم كــانوا كذلك بدون مؤشر حيوي يدل على التغيير أو التجديد سوى ذلك الدفتر الذي يعج بتحضيرات جديدة وتعاميم من قبل إدارة المدرسة التي تحمل في أسطرها : افعل كذا ولا تفعل كذا !!



أسابيع أولى لم تستقر المدرسة بسبب حركة التنقلات المستمرة كأنها نقطة عبور ( ترانزيت ) للقادمين من الوسطى أو من أماكن جبلية بعيدة تمهيدا لإنتقالهم بالقرب من موطن سكناهم , وآخر التنقلات مدير المدرسة الذي ذهب في إجازة لإستكمال دراسته وجاؤا بمدير آخر , ويبقى التساؤل نفسه : هل من جديد ؟



الإجتماع الأول للمدير الجديد كان مختلفا جدا عن إجتماع المدير السابق , نبرة صوته مختلفة , نظراته مختلفة , ابتسامته في الحديث أيضا مختلفة , رؤيته , رسالته .. وأيضا طرح طموحه وبالرغم من أنه لم يكشف هدفه الذي يسعى لتحقيقه آخر العام الدراسي إلا أن حديثه كان يوحي بالكثير ..



من خلال حديثه شحت بصري للمعلمين الحاضرين ولأول مرة أرى فيها أنهم لم يكونوا يعبثون بهواتفهم النقالة ..



هي البداية الحقيقية التي أحسست فيها أنني أحمل في يدي قلم ودفتر , هي البداية التي أحسست فيها بلمعان السبورة
وكل هذا بفضل حديث رجل أجبر الجميع على الإنصات لما يقوله بعبارات أعلى فيها من شأن الحاضرين ونظر إليهم جميعا بأنهم صانعي أمة وليس فقط معلمين , رؤيته كانت تقوم على أن إنماء المعلم مهنيا من أولوياته ليكون قادرا بعدها في صنع جيل يتكيف مع الأبعاد الحقيقية المعاصرة للمجتمع الحديث ..



هذا ما كان ينقصني شخصيا الحافز في اخراج الطاقة الكامنة في داخلي , كان دائما يوصيني بأنه لابد أن يكون يومي الدراسي مختلف عن سابقه وإذا لم يتحقق ذلك فلا فائدة من قدومي للمدرسة .



ارتقى بفكري بعد أن كنت أتحدث فقط عن أغلفة الكتب وصفحات دفتر التحضير والأقلام الباهتة على السبورة .. علمني حينها أن على المعلم أن ينمي ذاته ليس بالقراءة فقط بل بالعمل والمداومة على هذا العمل ..



" الإنجاز " كلمة خطت من ذهب علمني إياها فلا قيمة للمرء بدون إنجاز يذكر , كل المعلمين يؤدون نفس العمل ولكن قلة منهم يتميز بأنشطته وإنمائه المهني ذاتيا أو من خلال المجموعة .



بتحفيزه ودعمه المعنوي استطعت أن أغير نظرتي للعالم الواقعي الذي أعيشه حينها فقط اقتنعت بالحكمة القائلة : من الجيد أن نفعل ما نحب ولكن الأفضل أن نحب ما نفعله "



كان يرحب بأي فكرة ولو كانت في نظر البعض سخيفة أو من الصعب تحقيقها في مدرسة تحدها الجبال من كل صوب والبحر من جهة الشرق , حيث أنها بعيدة عن محط الأنظار ومتابعة المهتمين ولكني لم أكن اهتم بهذه المظاهر , كنت أفعل الصواب لأجلي فقط وللمدرسة .



التنسيق الإعلامي .. كنت رافضا شغل هذه المهمة بسبب ضعف الشبكة وعدم مقدرتي على إدراج كافة المواضيع , حينها قال لي : الإعلام واجهة أي مؤسسة , لك أن تعلي من قدر مؤسستك بالإعلام , عرف الجميع بما تقوم به مدرستنا للجميع , اصنع التغيير وكن متميزا "


الحديث يطول عن هذا الإنسان , ربما أهضم حقه في وصفه فهو خلال سنة دراسية واحدة صنع ما عجز عنه أبناء المنطقة أنفسهم أن يصنعوه , شكل لجانا من المجتمع المحلي على غرار مجلس الآباء هدفه التواصل مع المدرسة بصورة مستمرة .. كون لجانا ثقافية وإجتماعية ورياضية .. فرد من المجتمع في كل لجنة يقابله معلما من المدرسة ليكون حلقة متينة تشارك في عبء التربية ..



نظم أسبوعا كاملا من الإنماء المهني للمعلمين .. حضره ولأول مرة مجموعة من موظفي المديرية العامة و رئيس مجلس الآباء والفرق الأهلية الرياضية .. كان أسبوعا منظما بمعنى الكلمة بما احتواه من لجان المتابعة والتنظيم ولجنة للتقييم وكتابة التوصيات ..



تفاعل مع مؤسسات المجتمع الخاصة حيث قام بتوفير 500 مقعد للرحلة البحرية بالتعاون مع شركة موريا للتنمية السياحية – منتج جبل سيفة والتي استطاع من خلال هذا الإتفاق أن يكسب ود المنتجع والمجتمع المحلي ..


نقل فعاليات المدرسة لقلب العاصمة حيث نظم معرضا للفنون التشكيلية في قلب مبنى المديرية العامة للتربية والتعليم
واستطاع بتوجيهاته أن يصمم أول تطبيق ذكي تم تنزبله في سوق الجوجل بلاي لأجهزة الأندرويد وبذلك تكون أول مدرسة تصمم تطبيقا خاصا لها على مستوى مدارس السلطنة .



والإنجاز الأهم الذي أفتخر به أنه دائما كان لي الأخ الموجه , والأب الناصح , والمدير القائد , والأستاذ الراشد , والمدرب المحفز الذي استطعت من خلال تحفيزه أن نستمر بإصدار مجلة خاصة للمدرسة تعنى بنقل مناشطنا وفعالياتنا ومواهب طلابنا .. له الفضل الكبير في إخراجها بالصورة التي رأيتموها .. كان يقف من خلفنا يمدنا بكل ما نحتاجه من نصائح وإرشادات ..



إنه " سليمان " الذي نجح في في تحقيق ما عجز عنه الكثيرون بإصراره وخطة عمل واضحه .
إنه " سليمان " الذي حول الأنظار للمدرسة القابعة خلف الجبال بما يمارسه من قناعة في مجال التميز .
إنه " سليمان " الذي حقق التضامن بين الفرق الرياضية الأهلية لخدمة مصالح المدرسة والطالب .
إنه " سليمان " الذي أسس مدرسة حديثة قائمة على التجديد وكسر الروتين في كل يوم دراسي .
إنه " سليمان " المناضل في رسالته وفي تحقيق رؤيته رغم المصاعب التي واجهها في المدرسة والمجتمع .



كان يردد المقولة الشهيرة " إذا لم يكتشف الإنسان شيئا يموت من أجله فإنه لا يستحق العيش "


هو " الإنسان " الذي أعطانا مفهوما آخر لعالم التدريس .
هو " الإنسان " الذي أعطانا بعدا آخر للتميز والإنجاز .
هو " الإنسان " الذي غرس فينا حب العمل بروح الفريق الواحد .
هو سليمان وحده من أعطانا رؤية لعالم التربية من مفهوم آخر .



سليمان بن سعود رحل عن المدرسة بعد أن حولها لملتقى التميز والإبداع , رحل لتحدي آخر ومن نوع آخر .. افتقده الجميع .. افتقده المجتمع المحلي .. ولكن بالرغم من ذهابه إلا أن بصمته لا تزال شامخة بين جدران السيفة شاهدة أن معجزة في هذا العصر قد حدثت بالفعل هنــــا ..

http://forum.moe.gov.om/~moeoman/vb/...055495&thumb=1

ظ…ط¹ط±ط¶ ط§ظ„ظ…ط±ظپظ‚ط§طھ ظ„ظ„طµظˆط± http://forum.moe.gov.om/~moeoman/vb/...1&d=1390055495



*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..