فيليكس.. يتحدى الملل

كثيرٌ من الأشياء لا يجب أن نؤمن بها حتى نُثبت وجودها في حياتنا، ولا أحد ينتظر رأينا، فإنكارها أو الإيمان بها لن يُقدم كثيراً أو يؤخر!؟

فالأرض مثلاً كرويةٌ شئنا أم أبينا، والشمس والقمر بليلهما ونهارهما، باقيان على العهد منذ فجر التكوين إلى آخر لحظة في عمر الدنيا، والكواكب السيّارة ونجومها وأفلاكها بأمزجتها وألوانها وأشكالها التي تتلّون كما تشاء، تسير بقدر ونحن نتلصص عليها دون أن يشعر بنا أحد، من على بُعد ألف سنةٍ ضوئية

حاول إذا أن تُنكر جاذبية الأرض والقِ بنفسك من بنايةٍ ارتفاعها عشرة أمتار وستسقط على رأسك مُهشمّاً محطماً غير مأسوفٍ عليك، بعد أن ذهبت ضحية عِندك وجهلك! حاول أن تُكذّب برد الشتاء والا تعترف بوجود النيران والأمطار.. وأعاصير البحار وتسونامي الشرق الأقصى، وسيكون الرد قاسياً جداً ورادعاً جداً.. بلا رحمة

حرّك الإنسان عقله فبلغ حدود الشمس، وحرّك أصابعه فصنع الحضارة! ولازال بيننا بعد كل هذا من يُجادل أن قدم أرمسترونج الأمريكية الصنع لم تطأ يوماً سطح القمر ، وأنها كانت أكذوبة من صنع الغرب الماجن، وقد ولد صاحبها وعاش ومات وخُلدّت ذكراه كأول إنسان يصافح القمر منذ نصف قرن أو يزيد!! بالأمس تتكرر القصة بعد أن شاهدت أمة الأرض قاطبة النمساوي فيليكس باومجارتنر يسقط من على حافة الكون ويخترق سرعة الصوت بسرعة تزيد عن 800 كيلومتر في الساعة وينزل إلى الأرض من ارتفاع 38.5 كيلومتر ، ويقف على قدميه مبتسماً فخوراً بحلم تحقق أخيراً بعد طول صبر وعناء ومشقة

قدم ارمسترونغ لم تكن صناعية ولم يكن حدث فيليكس وملامح أمه التي بقيت صامتة تراقب فلذة كبدها وهو معلق بين السماء والأرض وابتسامتها التي لم تُفارق شفتيها وعينيها التي امتلأت بدموع الاعتزاز والخوفٍ والفخر، مؤامرة على الأمة حتى يُلهيها أعداؤها عن استثمار أوقاتهم الزاخرة بالعلم والمعرفة!! ولم نكن أمام مشهد سينمائي من إنتاج هوليود العامرة بالخزعبلات الغارقة في المجد الأمريكي

العالم لا ينتظر رأينا في حقائق واضحة جلية كالشمس. العالم أيها السادة مشغول بقضايا أبعد بكثير. يبحثون اليوم عن مجرّة أخرى وعن أرواح تعيش معنا في هذا الكون الفسيح، يحللون كل صغيرة وكبيرة ويسبحون في الفضاء و يُلقون بإنسان مجرد من كل شيء إلا من خوذة وبدلة فضائية وحلم في أرجاء فضاءٍ فسيح، في تجربة أرّقت نيوتن في منامه الطويل، وأزعجت الخاملين في بقعةٍ بعيدة لا يعترف سكانها بانهم من العجزة ومن المكفوفين!! هم يبحثون عن حلمٍ وليد، يعملون بتفانٍ حتى يُسافر الإنسان بسرعة الصوت ويعود للأرض دون أن تدمره جاذبيتها المطلقة ودون أن يسقط أسير حدودها المعتادة

هم يفنون أعمارهم لكتابة سطر جديد في تاريخ البشرية، ونفني أعمارنا ملوحين بتمزيق كل صفحة لا تروق لنا، ونصر أن يبقى سجل العمر خالٍ إلا من ضوضاء لا تثمن ولا تغني من حلم

فيليكس وارمسترونغ من مسلمات هذا العصر كالشمس والقمر، كالليل والنهار.. ومن نكون حتى ننكرها! الكثير من الحقائق في حياتنا لا تحتاج إلينا ولا تنتظر أن نؤمن بها حتى تثبت وجودها، ولا أن تقف في الطابور طالبةً الرضا والقبول من حضراتنا، تمضي في طريقها غير مكترثة بآرائنا التافهة، وكلها عِزّة وشموخ وإصرار . تلك اللقطات ولدت من رحم العِلم، لتكون بمثابة صفعة توقظنا من طول سبات

لذا لا تُضيّع وقتك فيما لا يُفيد، أشغِل نفسك بما كان خلف الإنجاز، وسيأتيك الإيمان طوعاً وسيكبر عقلك جداً وستضحك من نفسك كثيراً وعلى حالنا أكثر! ألف ساعةٍ عمل وجُهد وتعب كفيلة أن تصنع لحظة تاريخية يُصنفها البشر في خانة الإعجاز، إنكارنا لن يُقلل منها واعتراضنا لن يُفيد كثيراً ولن يُميزنا. سنبقى نُعاني من تأخرنا الذي أدمى قلوبنا سنوات ضوئية عن عالمٍ أصبحنا خارج حدوده البعيدة، ولن ترتاح ضمائرنا التي تغط في رقادٍ عجيب

فعلها فيليكس ورفع سقف طموح بني البشر كثيراً، بل خلعه من مكانه، فهل يا ترى أجمل من سقف ظاهره وباطنه السماء

العمل، والمعرفة دليلنا الوحيد في طريقٍ شاق، في زمنٍ لم يعد يقبل بأنصاف الحلول! عدونا الأول الجهل.. استعيذوا بالله من فقر المقدرة فلن يسمو وطنٌ يُعاني من عتمة العقول، تلك حقيقة لم يعد بوسع أحد أن يُنكرها.. فمتى نفعلها نحن ونطرد الجهل ونغلق باب الشك والظن، ونزرع الثقة في قلوبٍ شابة مشتاقة للحياة علّ نهارنا أشرق ذات فجر؟

حافظوا على أحلامكم بالعمل .. فلا احلام بلا أثمان




*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..