المواصفات الفنية لتقويم التعلم: بين مطرقة التطوير وسندان التقويم الموضوعي
المواصفات الفنية لتقويم التعلم:
بين مطرقة التطوير وسندان التقويم الموضوعي
-------------------------------------------------------------------------
والأسئلة التي أستهل بها هذا الموضوع هي:
- هل الوثائق المطوّرة لتقويم التعلم هي التي تركز على الدور التعليمي للمعلم أم على الإنجاز التعلمي للطالب؟
- هل الوثائق المطوّرة لتقويم التعلم هي التي توجه المعلم إلى استخدام أداة التقويم أم إلى صناعتها؟
- هل الوثائق المطوّرة لتقويم التعلم هي التي توجه التقويم لتشخيص التعلم أم من أجل التعلم؟
قبل الوصول إلى السياق الذي قد يجيب في مضمونه على التساؤلات أعلاه فإنه من المهم أولا أن نؤمن بأهمية تحديد الأدوار والصلاحيات عند التخطيط للتطوير لأي مجال وقبل البدء في العمل الفعلي بل كذلك علينا أن نستحضر دائما المثل القائل "أعطي الخبز لخبازه ولو أكل نصفه" فذلك بالتأكيد يقودنا إلى أهمية الإستفادة من أصحاب الإختصاص والذين مهما كان حجم ونوعية تطويرهم فإن أخطائهم حتما لن تكون كارثية مما لو بدر الخطأ في مجال معين من غير أهله لكون قراراتهم أقرب إلى التغيير من التطوير.
لقد جرت العادة أن يرافق مشروع ترميم أي بناء التركيز على تحسين الملامح التي تشوهه فقط ولكن من غير المألوف ان يستدعي ذلك إلى هدم البناء من الأساس. وإن نجاح ذلك يتطلب عدم تجاهل صاحب البناء وذوقه وكذلك عدم تهميش الرأي الفني للإستشاري المختص لتحديد أولويات التعديل المقبولة هندسيا لضمان تحمل ما يلحق به عند عملية التحسين وكل ذلك يفترض أن يؤطر بقوانين واضحة يُتحاكم من خلالها عند الضرورة. إن أي نزاع في ذلك ناتجا عن تجاهل صلاحيات وإختصاصات الآخر سوف يؤثر سلبا على المشروع وبالتالي تتوه أسباب المشكلة وقد تتوه معها المواد القانونية مما يؤدي إلى أن يلقي كل طرف اللوم على الآخر لينتصر في النهاية صاحب السلطة أو الأكثر فصاحة وبيانا. إن مضمون هذه العبارة تقودنا إلى ضرورة تقدير دور المعنيين بالتقويم التربوي في صناعة آليات التقويم التي تضمن مصداقية ودقة الأحكام للوصول إلى الحقائق المرتبطة بالتحصيل الدراسي المدرسي للطلاب مع عدم تجاهل الحقائق من التجارب الدولية والدراسات التربوية وخبرات الممارسين لها على المستوى المحلي. كما يجب أن يدرك أصحاب القرارات التعليمية الحاسمة وراسمو السياسات التربوية لمعطيات العلاقة الشبكية بين جميع عناصر العملية التعليمية التي تضمن تفعيل صلاحيات المختصين في وضع التفاصيل الجزئية الفنية فبدونها لا يمكن أن يحقق الإطار العام دوره مهما لُمّـِعَ بريقه. إن تحقق ذلك هو بمثابة صمام الأمان من أجل مصداقية النتائج التحصيلية ومؤشراتها الإحصائية والتي يحدد دقة قياسها نوعية جهاز الرصد المعتمد في جميع الأنظمة التعليمية ألا وهو "التقويم التربوي".
وبعد هذه المقدمة دعونا نطرح السؤال التالي:
ما هي منهجية التقويم التربوي لضبط المواصفات الفنية لعمليتي التعليم والتعلم؟
إن الممارسات التعليمية المدرسية وما أشارت إليه البحوث التربوية في مجال التعليم والتعلم تؤكد أهمية ربط التدريس بالتقويم لتحقيق التوازن في جميع مراحل التدريس الصفي. فالمعلم يتطلب أن يمتلك مهارة التخطيط للدرس وتنفيذ الحصة بما يحقق التفاعل النشط والإيجابي مع طلبته والموقف التعليمي التعلمي مع توظيف التقويم القبلي والبيني والبعدي بشكل يحقق الترابط بين التقويم التكويني والتقويم الختامي واللذان يشكلان الأساس الذي يقوم عليه التقويم المستمر لتطوير خبرة المعلم على التجريب والتطوير المستمر لإستراتيجيات التدريس التي يتبعها وفي نفس الوقت التشخيص والمتابعة والعلاج المستمر للمستوى التحصيلي لطلبته. وبالتالي ضمان توفير مؤشرات موضوعية حول الإنجاز الدراسي للطالب نفسه وولي أمره ولجهات المتابعه وهذا في حد ذاته لا يمكن توفيره فقط من خلال التوجهات المركزية للتقويم التربوي. إن هذا المبدأ هو الذي يجب أن تصمم على أساسه البرامج الأكاديمية في المؤسسات التعليمية المعنية بتخريج المعلمين المجازين للخدمة وكذلك تلك التي تعنى بتأهيلهم وتدريبهم أثناء العمل وإلا سوف تهدر جميع تلك الجهود في مسارات بعيدة عن المؤهل الحقيقي للمعلم مما تعيق عملية تراكم الخبرات والتطوير الذاتي لكون المعلم سوف يصبح مجرد مستقبلا لتلك الخبرات النظرية ولا يسهم في صناعتها عملياً.
ومن جانب آخر، إذا لم نثق في أسلوب التقويم الذي يصنعه المعلم مع طلبته إذاً في الحقيقة لا نثق في طريقة التدريس التي أتبعها معهم مع العلم أن تقويم أداء الطالب يهدف إلى تشخيص ما تعلمه نتيجة عملية التعليم التي يقوم بها المعلم. وبالتالي من الأجدر نحن أولياء الأمور أن لا نسمح للمعلم الذي تشكك في مصداقية تقديراته التحصيلية وزارة التربية والتعليم - وهي المؤسسة التي ينتمي إليها - أن يقوم بتدريس أبناءنا لأن التقويم في حقيقته هو المحصلة الأخيرة التي تعكس مسار وجودة العملية التعليمية. ولكن في المقابل:
هل هناك ضمانات بأن أدوات التقويم التي تندرج تحت صلاحيات المعلم وخاصة التحريرية منها كأسئلة الواجبات والاختبارات القصيرة ذات مصداقية عالية من حيث إعدادها الفني وظروف تطبيقها؟
بالتأكيد يظل هناك شك لدى أولياء الأمور والمجتمع حول مصداقية الدرجات التي يغلب عليها الجانب التقديري الممنوحة للطلبة عن طريق معلميهم وخاصة عندما تطفو إلى السطح تلك التباينات الكبيرة في كفاءات المعلمين بالإضافة إلى إختلاف ظروف ضبط التقويم الداخلي (المدرسي) وخاصة في ظل غياب المعايير الوطنية التي تنظم ممارسة مهنة التدريس. وهنا قد ترمى الكرة في ملعب المركزية لكي تخرج الجهات المعنية بأسهل ما يمكن من تبعيتها إزاء هذه المحاذير. إن ذلك يذكرني بالنظام المروري حيث غياب الرادع والقوانين والثقافة العامة التي تلزم السائقين احترام القواعد المرورية جعل الجهات المختصة في الكثير من الأحيان تلجأ إلى التخلص من مسئوليتها في مواجهة المشكلة في هذا الجانب وذلك بزيادة عدد أجهزة ضبط السرعة والتي عقوبتها الغرامات المالية بالإضافة إلى زيادة عدد كاسرات السرعة. إن وجه التشابه بين المثالين أعلاه (التعليمية والشرطية) في إن النتيجة النهائية واحدة حيث الإجراءات في كليهما لا تضمن التشجيع على الشعور بالمشكلة والمحاسبة الذاتية لدى الأفراد وبالتالي قد لا تؤدي إلى زيادة الدافعية الشخصية لتطوير الخبرة لتحقيق المهارات المطلوبة وربما لا ينتج عنها المزيد من الحرص على تطبيق النظم وبالتالي عدم الإكتراث للعواقب.
ومن جهة أخرى، إن توفير تلك الضمانات يعتمد على ما يقدم من أنشطة تعليمية وتقويمية بحيث تعكس مستويات التعلم المطلوبة في كل مادة دراسية والتي بدورها توفر المهارات الأساسية عند جميع طلبة السلطنة مما يؤهلهم على التعامل مع المفردات الامتحانية المعدة مركزيا. كما إن مبدأ الصرامة في إعطاء كل ذي حقٍ حقه يتطلب كذلك الإهتمام به وذلك بتهيئة الظروف التي تضمن رصد الجهود الفردية لتحصيل كل طالب من خلال أداة التقويم مع غرس صفة المراقبة الذاتية لدى الطلبة والتي يشترك في تنميتها المدرسة والبيت. إن الضمانات اللازمة لتحقيق الثقة والمصداقية للعملية التعليمية يجب أن تشمل الجانب الوقائي المتمثل في إعداد الكوادر التربوية المختصة والجانب التشخيصي المتمثل في جودة أدوات القياس والجانب العلاجي المتمثل في نوعية البرامج المصممة لتطوير الأداء وإثرائه. وبالتالي من حق أولياء الأمور إطلاعهم على جميع هذه الإجراءات ونتائجها وبما يخلق الإطمئنان لديهم من أن طرق تدريس المعلم وأساليب تقويمه لأبنائهم محل متابعة واهتمام وتؤدي إلى التحسن المستمر في مستوى التعلم وبالتالي يزداد تقديرهم لجهود المدرسة.
إن برمجة المعلم على تنفيذ ما يصممه الآخرون فقط من أدوات تقويم تحصيل طلبته سوف يقوده ذلك إلى إستساغة هذه المركزية بشكل لا إرادي لما لها من أثر في تقليل الجهد المبذول التي عادة ما يتطلبه إعداد أداة التقويم ومن ثم يتكون لديه الشعور بأن خبراته لا تؤهلة لتصميم أدوات نوعية تترجم مستويات التعلم المختلفة وبعد ذلك سوف يتقبل دوره المحصور في مجال التصحيح ورصد الدرجات وإعلانها. ولا نستبعد أن نجد بعد ذلك أن المعلم سوف يبدأ المطالبة بضرورة إعداد الاختبارات القصيرة بشكل مركزي وقد تتوسع مطالباته في هذا الجانب إلى الواجبات المنزلية... ولكن:
كيف يمكن أن تنمو خبرات وقدرات المعلم لتصبح مهارات نوعية توظّف في تقويم طلبته بشكل مستمر تشخيصا وعلاجا لتحقيق النمو التحصيلي، ونحن كل يوم نتغنى بضرورة توئمة موضوعية التقويم بمركزية أدواته؟
لقد أطّلعت على تجارب إحدى الدول المتقدمة مع تيقني بأن التعليم هو أساس تقدمها وهذا لا يختلف عليه اثنان، ولكن صدقوني أيها الأخوة والأخوات التربويون إن بعض الجامعات في تلك الدولة تعتمد بشكل أساسي على الدرجة التي يرصدها المعلم من التقويم الداخلي بالأدوات التي صممها وطبقها بنفسه مع طلبة فصله وذلك لقبولهم في التخصصات المختلفة أكثر من إعتمادها على درجة الامتحان التحريري المركزي وهذا ليس في صفوف النقل - بالمفهوم العماني - وإنما في الدبلوم العام … لماذا؟ (أترك لكم الإجابة).
إن رفع درجة مصداقية التقويم التحصيلي لا تكون بهذه الطريقة حيث الخوف من مصداقية أداة التقويم التي يصممها المعلم وموقف تقييمه وتقديراته التحصيلية للفئة المستهدفة وإنما من خلال الوقاية من الوصول إلى هذه الدرجة من عدم الثقة مع ضرورة تحميل الجهات المعنية لدورها بالمشاركة في تعزيز هذه الوقاية ...لماذا؟....لأنه:
1-أليس بعدم الثقة في المعلم نبعد المسئولية عن المؤسسات المعنية بالتعليم العالي بتحمل مسئوليتها في الإعداد النوعي للمعلمين على التعامل مع إستراتيجيات وطرق التدريس الحديثة وأساليب التقويم الموضوعي للتعلم, وما يرتبط بالتحصيل الدراسي من مهارات مهنية متعلقة بالإدارة المدرسية وأساليب التعامل مع الجوانب السلوكية والنفسية للطالب (قبل الخدمة)؟
2-أليس بعدم الثقة في المعلم نبعد المسئولية عن القائمين على تأهيل وتدريب الكوادر التربوية قي وزارة التربية والتعليم من تنفيذ برامج نوعية في جوانب التقويم التربوي (أثناء الخدمة)؟
3-أليس بعدم الثقة في المعلم نجعل المعلم نفسه يتراجع عن تطوير قدراته في تصميم أدوات التقويم وبناء المفردات الامتحانية في مستويات التعلم المختلفة وخاصة تلك التي تقيس القدرات العليا من التعلم ويصبح همه إلقاء اللوم على الآخرين؟
4-أليس بإعفاء المعلم من إعداد أدوات التقويم يؤدي ذلك إلى تراجع دور المشرف التربوي كمطور لخبرات المعلم فيما يتعلق بهذا الجانب ويصبح تركيزه على مراجعة سجلات الدرجات وهي مرحلة متأخرة في سلسلة التقويم الناجح؟ وخاصة إذا علمنا إن جلسات الحوار والمناقشة بين المشرف والمعلم حول أداة التقويم تعتبر من أفضل الطرق المباشرة في تنمية قدرات الطرفين على التخطيط لعملية التقويم وبناء المفردات الامتحانية وتصميم أدوات تشخيص عمليتي التعليم والتعلم بصفة عامة والوقوف على التجارب النوعية ونقلها للآخرين.
إن عدم وضع المعلم في مواقف حقيقية من العمل الإجرائي كإعداد أدوات التقويم سوف يجعله يفقد أحد أهم وسائل تطوير الخبرات التعليمية من خلال الممارسة المباشرة وهذا بدوره سوف ينعكس كذلك على عملية تدريسه ولكون هذه العملية لا يمكن أن تنجح إلا بتوفر مهارات التقويم المستمر لدى المعلم والتي من خلالها يستطيع أن يشخص ويعالج لتطوير العمليتين معا أي التعليم والتعلم. إن الممارسة الحقيقية للمعلم لجميع مراحل التقويم هي المدخل الفعّال الذي يساعده على إتقان مهارة تكييف أدوات التقويم وفق قدرات طلبته واختيار ما يناسبها من مواقف تقويمية وخاصة في مرحلة التقويم التكويني حيث تكوين الصورة الأولية لإحتياجات كل منهم من المعارف والمهارات وتنميتها بطرائق التدريس المناسبة وقياس مدى التقدم فيها قبل إخضاع الطالب للتقويم التحصيلي الختامي. بل هي المفاتيح الحقيقية لتطبيق إستراتيجيات تدريس ناجحة حيث أن الأسئلة السابرة الدقيقة المستمرة تشكل حجر الأساس للمعلم للانتقال المنظم من موضوع إلى آخر وفي نفس الوقت مدخل للعصف الذهني الفعّال للطالب لتحقيق الربط المعرفي في عملية التعلم. بالإضافة إلى ذلك فإن مؤشراتها تشكل إحدى رسائل التواصل بين المدرسة والبيت فيما يتعلق بالتحصيل الدراسي للأبناء قبل الإنتقال إلى التقويم التجميعي ورصد مستوى التعلم. والأمر سيان بالنسبة للمشرف التربوي حيث يجب أن يوضع في مواقف حقيقية لتنمية مهاراته في تصميم الأسئلة الامتحانية ولا يكتفى بالأشراف على مراجعة مفردات الأسئلة التي يضعها المعلمون. لذلك فمشاركة المشرفون في إعداد الاختبارات العامة المركزية سواء على مستوى المحافظة أو الوزارة تعتبر من الطرق المهمة في تنمية خبراتهم المهنية في هذا الجانب وقد يتم تكليفهم كذلك بإعداد بعض الاختبارات التدريبية. إن إعداد الامتحانات لا تنمي فقط المهارات الفنية في بناء المفردات وإنما كذلك تعتبر أحد المصادر المهمة في توسيع المعارف والمفاهيم النظرية وتطبيقاتها العملية والحياتية لمحتوى المقرر الدراسي التي يجب أن تتوفر لدى معد الامتحان حتى يتمكن من توظيفها في صياغة الأسئلة في مستويات التعلم المختلفة وهذا بدوره سوف يدعم الجانب اللغوي والعلمي والفني لمفردات الأسئلة وتصميم الورقة الامتحانية بصفة عامة.
وفي ظل الظروف المبالغ فيها من المركزية في مجال التقويم التربوي يصبح المعلم هو المتهم الأول عن أي إخفاق يحققه طلبته لأي موقف تقويمي أكان ذلك تشخيصيا أو تحصيليا ، داخليا أو خارجيا ، وطنيا أو أقليميا أو دوليا وبالتالي قد يصبح شركاء القضية متفرجون أو مجرد منتقدون فتتوه المشكلة بين الجميع وتتضاعف عواقبها وتغيب الحلول العملية ويتعاظم نقد التشفي ويزاد الإنفاق على البرامج المستعجلة الغير مخطط لها وتتحقق الجودة في الإهدار التربوي. وهذا لا يعني أن تترك الممارسات التقويمية للمعلم بدون ضبط أو رقابة ولكن علينا أن نفكر في الحلول المنطقية والتي تنطلق من القاعدة المعروفة " الوقاية خير من العلاج". وبالتالي علينا أن نتتبع المشكلة في حالة وجودها، فإذا تيقنا على سبيل المثال من تمركز الخلل في مصداقية التقويم الداخلي للمدرسة والذي تم بواسطة المعلم فإن من البديهي وحسب مبدأ إقتصاديات التعليم عدم اللجوء إلى نسف النظام بأكمله وإنما تشخيص أسس بناء الكفايات المهنية والعلمية والشخصية للمعلم ولجميع العناصر في الوظائف المساندة. إن ذلك يقودنا إلى أهمية تقييم برامج إعداد وتأهيل المعلمين قبل وأثناء الخدمة ومدى قدرتها على صناعة المعلم المتمكن تدريسا وتقويما مع أهمية إمتلاكة المهارات اللازمة لإدارة الموقف التعليمي التعلمي. كما يجب إستثمار أسلوب المراقبة الخارجية لأداء المدرسة في مجال التحصيل الدراسي وذلك من خلال الاختبارات الوطنية أو الدولية إلا أنه يجب قبل ذلك أن نغرس القناعات لدى المعلمين وإدارات المدارس وأولياء الأمور والطلبة أنفسهم بأهمية مثل هذه الأدوات في الكشف عن الحقيقة لواقع التعليم من أجل التطوير النوعي لعملية التعلم. وتزداد هذه القناعات عندما تجد جميع هذه العناصر بأن نتائج ما يبذل من الجهود التقييمة وما ينفق من موارد لها مردود إيجابي على أرض الواقع وتلامس جميع مكونات العملية التعليمية وتترجم إلى منتج له خاصية الإستمرارية في التحسن.
كما أننا لا يجب أن نصب جُل الإخفاقات أو حتى الإنجازات في التحصيل الدراسي على المعلم فقط أو المشرف التربوي أو ولي الأمر بل إن الإدارة المدرسية شريك أساسي في ذلك. فكم من معلم قد أبدع وطالب قد تفوق وولي أمر قد شكر إلا ولمدير المدرسة دورا في ذلك على الرغم من أنه قد لا يكون أحيانا لولي الأمر دورا واضحا في ما حققه أبنه أو أبنته من تفوق دراسي. إن الإدارة المدرسية الناجحة هي من تصنع البيئة المحفّزة للتعليم والتعلم ولنا في واقع الحياة والعمل في المؤسسة التعليمية تجارب لا تعد ولا تحصى وهنا يسرني أن أسرد لكم القصة الواقعية التي أطلعت عليها خلال زيارتي لإحدى المدارس المختلطة البعيدة في محافظة ظفار والتي تتلخص في الآتي:
لقد كانت في تلك المدرسة طالبة لا تجيد أبسط العمليات الحسابية وقد تفاقمت هذه الصعوبات مع تقدمها في الصفوف الدراسية وقد شاء قدر الله أن ينقل لهذه المدرسة أحد مدراء المدارس الذي كان في الأساس معلم رياضيات. لقد طلب هذا المدير دراسة حالة هذه الطالبة على المستوى الأسري وذلك فيما يتعلق بظروف المذاكرة والحياة العامة لتلك الأسرة. ملخص الإجابة التي وردت بأن هذه الطالبه كانت تأتي للمدرسة صباحا بعد أن تسرّح المواشي ثم في نهاية اليوم الدراسي ترجع لحرفتها في مجال الرعي حتى وقت متأخر من النهار لتعود بمواشيها إلى البيت. طبعا سوف أجعلكم تتخيلون كيف تكون الحالة الذهنية والجسمية لأي إنسان بعد قضاءه ليوم شاق بظروف هذه الطالبة! وهنا أصبح مدير المدرسة أمام أمرين:
الأول: إنكار هذه المهنة وتوجيه الأسرة إلى عدم تكليف ابنتهم للرعي.
الثاني: تقبل الوضع كما هو واعتبار الموضوع طبيعي وإن الأسرة هي من تتسبب في عدم إهتمام هذه الطالبة بمراجعة دروسها وليس المدرسة.
طبعا بالنسبة للأمر الأول فإنه من الصعب السيطرة عليه في مثل هذه المجتمعات حيث تشكل مهنة الرعي مظهر إجتماعي ومصدر إقتصادي وبالتالي لا يجب أن يتصرف برأي أو بفعل يقلل من قيمة هذه المهنة التي تربت عليها ونشأ أهلها عليها بالإضافة إلى قيمتها المهنية في تاريخ أمتنا العربية وقد أمتهنها بعض الرسل وكان آخرهم سيدنا محمد عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام. والأمر الثاني يدرك مدير مدرسة بأن المستوى التعليمي للأسرة قد لا يؤهلها للإهتمام بتفعيل ما تقدمه المدرسة من توجيهات تربوية حول نظام المذاكرة لابنتهم من خلال المساعدة البيتية.
وهنا تقدم مدير المدرسة بمشروع بسيط في ظاهره ولكن في الحقيقة عظيم في مضمونه بل قد يكون تجربة رائدة يمكن أن يسترشد بها في مثل هذه الحالات. حيث أتفق مع معلم مادة الرياضيات إلى تصميم أنشطة صفية مبسطة توظف من خلالها السياقات التدريسية والأمثلة التقويمية التي تعكس ما يتداول في تلك المنطقة من مفردات بيئية مرتبطة بالحيوانات والنباتات وربما حتى الأدوات المستخدمة المألوفة في الحياة الاجتماعية التي تتعامل معها الطالبة بشكل يومي في البيت وفي المرعى.
ما نتيجة هذا الجهد وتلك الخطة؟
ذكر لي معلم المادة بأن الطالبة بعد فترة من تعليمه لها وتعلمها بهذه الطريقة المبتكرة أصبحت من أفضل الطالبات في صفها! بل أوجدت تلك التجربة الحل الحقيقي لمعالجة التأخر الدراسي لدى عددا من الطلبة في تلك المدرسة.
وهنا لا يسعني إلا أن أقول "نِعمَ الإدارة الناجحة التي تصنع الحلول المحفّـِزة للعمل والإنجاز قبل أن تعتمد الإنذارات والعقوبات"
طبعا كل ذلك لا يتأتى إلا في إطار الجودة الشاملة للعمل التربوي والتي من أسسها تمهين وظيفة التدريس والإدارة المدرسية والتي تأطرها كفايات ومعايير لا يمكن المساومة عليها بأي حال من الأحوال كما يحدث أحيانا بهدف حل مشكلة الباحثين عن العمل وما يرافق ذلك من التنازل عن المعايير المهنية والعلمية وربما حتى تلك المعايير المتعلقة بجوانب شخصية المعلم اللازمة للعمل المدرسي يتم أحياناً بترها وتقليصها! إن المحافظة على المعايير الأساسية لضمان جودة التعليم يتطلب تحقيق أقصى قدر من التقارب في قدرات المعلمين وكذلك قدرات مدراء المدارس في جميع المراحل التعليمية منذ اليوم الأول من العمل المدرسي إلى جانب توحيد البنية الأساسية لبيئة التعليم والتعلم المادية التي تتكون منها المدرسة الحديثة. إن هذا يقودنا إلى تقليص التباين في جودة المدخلات وبالتالي زيادة الدقة في تحديد أسباب أي إخفاق قد يؤثر على التحصيل الدراسي للطلاب وهذا يؤدي إلى زيادة فرصة وضع الحلول العملية القابلة للتطبيق نتيجة عدم تمييع المشكلة. لقد جرت العادة عند الحديث عن الفروق الفردية في القطاع التعليمي أن يكون محور مناقشات هذا الموضوع يدور حول الطالب من ناحية الفروق التحصيلية على مستوى المادة والفصل والمدرسة والمحافظة التعليمية ونسينا أن المشكلة أساسها فروقات أكثر خطورة لكونها تتمثل في البنية الأساسية للتعليم والتي بمثابة المدخلات في العملية التعليمية. ففي الحقيقة هناك فروقات شاسعة في كفاءة الإدارة المدرسية وفروقات ربما أكبر في كفاءة المعلمين ليس فحسب في الخبرة العملية ولكن كذلك في جودة المؤهلات التربوية والعلمية على مستوى البرامج الأكاديمية لمؤسسات التعليم العالي التي تخرج هذه الكوادر التربوية. كما أن هناك فروقات مؤثرة على مستوى البيئة المدرسية من حيث الكثافة الطلابية والمرافق والأدوات المساعدة على التعليم والتعلم، ناهيك عن الفروقات الأخرى المرتبطة بالتغذية المدرسية ونظام نقل الطلبة ومستوى الوعي لدى الأسر التي يرفد منها طلاب المدرسة بالإضافة إلى المستوى الأقتصادي لهذه الأسر ومدى توفر المصادر التعليمية المجتمعية التي تدعم عملية تعلم الأبناء كرياض الأطفال ومدارس القرآن الكريم والأندية الثقافية والمتاحف والحدائق العلمية والتعلم المسائي والصيفي.
إن الإهتمام بتقليص تلك الفروقات وخاصة المدرسية منها يجب أن تأتي في المقام الأول قبل الفروقات التحصيلية للطلاب بل بتقليص تلك الفروقات (إيجابا) سوف ندعم بشكل تلقائي معدلات التحسن في نتائج الطلبة والتي يظهر أثرها في عملية التدريس قبل عملية التقويم نتيجة لما تحدثه من تطور نوعي في عملية التعليم نظرا للبيئة الدراسية المثالية التي تتوفر للمعلم بما تمكنه من التعامل بكل يسر مع المستويات التحصيلية المتقاربة أو المتجانسة عند التخطيط للدرس وتصميم الأنشطة وتنفيذ الحصة ومن ثم تقييم أداء طلبته وما يتطلبه من إعداد أدوات التقويم التكوينية التشخيصية وتلك المتعلقة بالحكم على الإنجاز الختامي لمستوى تعلم كل طالب حسب قدراته الفعلية.
والسؤال الأكبر الذي ربما يلخص سياق هذا الموضوع:
من المتسبب في الدعوة إلى التوسع في مركزية التقويم الختامي، هل هو الطالب وولي أمره أم المعلم نفسه والذي يمثل الجهة التنفيذية أم المختصون في التقويم التربوي أم أصحاب القرار الإداري والذين يمثلون الجهة التشريعية في المؤسسة التعليمية أم المجتمع بصفة عامة؟ وما هي مبررات هذه الدعوة؟
الإجابة ربما تحتاج إلى دراسة مستفيضة والتي بدورها قد تفتح آفاقاً من الحلول الجذرية لضبط مصداقية التقويم التربوي لتحقيق جودة التعليم والتعلم.
والله ولي التوفيق،،،
...تحياتي/ أبو المهند
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..