العصبية القبلية تأثر على الحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى [1]
العصبية القبلية: ما لها وما عليها في الحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى الجزء الأول
لعل من الظواهر التي تبرز على السطح هذه الأيام، والتي لها علاقة بالحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى"العصبية القبلية" وهي ظاهرة لها بعدها المعنوي، ومخطئ من يظن أن جذوتها خبت، مع ظهور مفهوم الدولة الحديثة في عالمنا العربي فهي ظاهرة لا تزال تخامر وجدان التراث العربي منذ أقدم العصور، وإلى اليوم حتى في ظل عصر التقنية وثورة الاتصالات. حتى الدين وهو المعول عليه، لم يقظ على هذه الظاهرة في المجتمعات العربية رغم عصرنتها، وإن كان هناك تشجيع للتقليل من قيمتها وحث المسلمين على تركها إذا ما تعارضت مع القيم والمثل العليا، التي دعا إليها الإسلام ومنها الأخوة والمساواة كما جاء ذلك في ميثاق الصحيفة بالمدينة المنورة، وقد روي عن الرسول(صلى الله عليه وسلم) قوله: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى..".
ويمكن أن نستحضر أيضا هنا، موقف الخليفة عمر بن الخطاب من عمرو بن العاص والي مصر وإبنه
عندما ضرب ابن القبطي، وقال قولته المشهورة:" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
وقبل أن أنتقل إلى صلب الموضوع أود التنبيه، بأنه لا ينبغي النظر إلى العصبية القبلية على أنها ظاهرة سلبية مطلقة
ولكن بقدر ما ينتج عنها، أو طريقة فهمنا لها يمكن أن يكون لها تأثيراً إيجابيا أو سلبيا
وبما أن الموضوع طويل ومتشعب ومعقد سأحاول مناقشته معكم بشكل مبسط قدر المستطاع
وقد ارتأيت تقسيمه إلى جزئين:
الجزء الأول:
مدخل عام أحاول من خلاله تقديم إطار نظري لمفهوم العصبية القبلية ، مازجاً بين المفهوم الاصطلاحي برؤية الفكر الإنساني كما يراه بعض الباحثين والدارسين وبالأخص إبراز رؤية أحد أبرز المنظرين لهذه الظاهرة، وهو ابن خلدون رائد علم الاجتماع، وإذا كنت في هذا الجزء سأحاول ملامسة الموضوع من منطلق فلسفة التنظير فإن في الجزء الثاني سأعني فيها بملامسة الواقع الحالي الذي نعايشه كمجتمع عماني هو جزء من منظومة العالم العربي الذي نعيش وسط محيطه.
إن العصبية بمفهومها العام:
"هي صلة رحم طبيعية في البشر، يحصل بها بين أبناء النسب القريب، والتناصر، والإتحاد، والالتحام" ويرى ابن خلدون أن العصبية قوة طبيعية متعددة الحدود والوظائف، فهي بنظره أداة لتأليف الأفراد وتجميعه وأداة التغلب على العصائب والجماعات، وأداة للمطالبة والمقاومة والمدافعة والحماية.
على هذا ينظر إليها ابن خلدون في المفهوم السالف الذكر باعتبارها عنصر إيجابي معنوي فاعل في المجتمع، ولكن ذلك المفهوم بتلك الطريقة قد يصدق على المستوى الفردي أما على مستوى النظام السياسي فقد يختلف الحال، خاصة إذا وظفت العصبية القبلية لتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، فعندها تصبح أداة سلبية ومعول هدم، لا وسيلة بناء، وإلا لما ابتليت مجتمعاتنا بداء اسمه"الواسطة"، بل حتى الموروث الثقافي يكرس ذلك فيقال في الأمثال: "القريب أولى من الغريب"، لكن ماذا لو أن ذلك القريب لا يصلح، ولا يملك مؤهلات ليكون أولى من الغريب؟ وما العيب أن يكون الغريب أولى، لو كان هو الأجدر والأفضل؟.
وعندما كان مجتمع الأمس أقرب في التأثّر بالدين من مجتمع اليوم كان هناك أشبه ما يمكن أن أسميه بالتدافع، ذلك أن الدين بتأثيره كان يساعد على تهذيب العصبية القبلية
وتوجيهها وجهة إيجابية، ولعل من هذا المنطلق كان يفكر ابن خلدون لدرجة أنه اعتبر فساد عصبية الدولة عامل من عوامل سقوط الدول في دورتها الحضارية.
ولفترة طويل ظل التراث السياسي في الإسلام قائما على المعادلة التالية: عصبية(رابطة عرقية، وولاء، أو انتماء + نبوة(الدين)= سلطة
لكن سرعان ما استبدلت هذه المعادلة حسب وجهت نظري على النحو التالي: مال + وجاهة= سلطة
ومن جهة أخرى قد تبدو الصورة أكثر تلميعا لدى بعض المجتمعات في العصر الحديث، مستفيدة من أطروحات عصر التنوير الأوربي فقد سعى بعض رواد الفكر، والثقافة والسياسة، إلى تأسيس الأحزاب بحيث تحل النزعة التحزبية محل العصبية القبلية غير أن واقع الحال يقول أن النزعة الحزبية لم تلغٍ النزعة العصبية، ولكن ألبستها لبوساً جديدا ، "فأصبحت الحزبية المعاصرة نسخة طبق الأصل من العصبية المؤسسة على الولاء والانتماء" باختصار أضحى الولاء للحزب بدل الولاء للقبيلة.
وهناك توجهات لدى البعض في الدعوة إلى الاستعاضة عن العصبية القائمة على صلة الدم أو الرحم بالعصبية القائمة على صلة الفكر في العصر الحديث. وهناك من يرى أن النزعات المعاصرة كالعرقية والإقليمية والحزبية إنما يندرج في نفس المعنى الخلدوني للعصبية بل أن البعض ذهب لأكثر من هذا، حين فسّروا- تجاوزا -العصبية بالقومية، معتبرين إياها مؤسسة الدولة والمجتمع المدني.
لا أخفي عليكم صعوبة فهم ما أرمي إليه، ولعل ذلك منشأه ذلك الكم المعقد والمتشابك لهذا الموضوع وعلى ذلك فالأمر يقتضي التأني في فهم ملابساته، والرجوع إلى جذوره.
وحتى لا أطيل عليكم هنا سأعود من جديد في الجزء الثاني المكمل لهذا الموضوع، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
- ما هو الواقع القبلي في معترك الحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى في الفترة القادمة؟.
- هل انتخابات مجلس الشورى شأن قبلي، أم هو شأن عام يخص كافة أطياف المجتمع؟.
- هل من صالح المجتمع توظيف العامل القبلي والتعويل عليه في اختيار المرشح الأنسب؟.
- لماذا يتخوف البعض من وصول مرشح له عصبية قبلية في ظل نظام مؤسساتي يحترم سيادة القانون؟.
- ألم تكن هناك تجارب ناجحة، ووصل مرشحون لم يكن لهم ثقل قبلي، بل كان نجاحهم نابع من ثقة الناس بهم
وإحساسهم بأن حسن التعامل، والمشاركة المجتمعية، والتفاعل مع هموم ممثليهم، ومحاولة تلبية احتياجاتهم معنويا وماديا.
- ألم يكن التاريخ العماني شاهداً على تجارب حية، على اختيار الأكفأ وليس الجاه القبلي لمن هو مؤهل لتولي المسؤولية، وحتى لا تستأثر القبيلة
وينقاد وينصاع لما تمليه عليه عصبيته القبلية، فينحاز لها، ولا يستمع إلا لها راضيا بذلك أم مجبرا.
- وأسئلة أخرى يمكن أن تطرح هنا بما يخدم هذا الموضوع.
منقول من قلم كاتب باارز لم يذكر أسمه ..
العصبية القبلية تأثر على الحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى [2]
العصبية القبلية: ما لها وما عليها في الحراك الانتخابي لعضوية مجلس الشورى الجزءالثاني
كنت قد طرحت موضوع العصبية القبلية في جزءه الأول،
وهذه المرة كما قلت في الجزء السابق، سأحاول قراءة المشهد القبلي في الولايات، ودورها في الحراك الانتخابي المرتقب.
لقد سمعت أكثر من مرة، من بعض كبار السن(الشيّاب)، يضربون مثلاً بالتعدد القبلي في الولايات بالقول"قفير حدادة"، ورغم ما يحمله هذا المثل من معنى سلبي في الظاهر، إلا انه من وجهة نظري يحتمل أيضاً معنى إيجابي، وليسمح لي القارئ بتفسير ذلك المثل بحيث يفهمه الجيل الحديث من أبنائنا، فقفير الحدادة يحتوي على أدوات كثيرة ومختلفة، وكذلك الحال بالنسبة للمشهد القبلي في الولايات، التي تضم قبائل مختلفة، بحيث من الصعب أن نقول أن قبيلة ما تمثل الأكثرية، وبالتالي يبقى الأمر مجرد تخمينات، وتوقعات لا تمت للمصداقية العلمية بصلة، طالما أنه لا يوجد هناك إحصائيات حقيقية.
ولا شك أن غياب هذه الإحصائيات، وعدم تضمينها نتائج التعداد السكاني، هو من الإيجابيات التي تشكر عليها الحكومة، وهو دليل على نظرة عقلانية ومتزنة، تصب في مصلحة هذا الوطن الغالي، الذي ناضل طويلاً من أجل التخلص من التبعات السلبية للعصبية القبلية، أو على الأقل الحد منها.
حتى ولو كان لدى بعض الأسر شعوراً بأن لهم ثقلاً أياً كان نوعه، إلا أن التجربة العملية أثبتت بأن من يتعالى عن عامة الناس، ويتفاخر بمكانة أسرته، أو بماله، أو بأجداده، سوف لن يجد له مكاناً في منبر يكون للجميع ممن بلغ السن القانوني أحقية الانتخاب بغض النظر عن قبيلة، أو جنس أو لون، ولم يعد المقياس أبن فلان أو علان، كافي للتسلق على ظهور الناس، ومن يتجاهل هذه الحقيقة سيكون واهماً، ولن يكون مصيره إلا التغني بما يحلو له والعيش في أبراجه العاجية الوهمية.
ورغم أننا قد تجاوزنا ذلك الزمن القديم، إلا أن لدى البعض هواجس وتوجس، من أن هناك تحايل والتفاف من خلال الزج بمترشح قد يملك مؤهلات علمية، وخلقية، ولديه القدرة على الإقناع تقوده لقبة المجلس، ومن خلاله ستستعيد تلك القبيلة ما كانت عليه من حظوة ومكانة سابقة، وبالتالي سيصبح ذلك العضو مصخراً لخدمة قبيلته، وليس مجتمعه. وأنا هنا لست بصدد التعليق بقدر ما أنقل واقعا، وحديثاً متداولاً، الأمر الذي قد يؤثر على المترشح نفسه، وإن كان فعلاً يستحق حمل تلك الأمانة، إلا أن عليه بذل جهد لإقناع المتوجسين، من أنه سيسعى لمصلحة وطنه، أولاً ومجتمعه ثانياً، بعيداً أن أي تحيز قبلي أو مذهبي أو طائفي.
وشخصياً قد لا أجد حرجاً في أن تقف قبيلة ما مع مترشح من نفس القبيلة، إذا كان فعلاً هو الأفضل والأجدر، لكن سيكون من المؤسف حقاً أن يكون الدافع تعصبا قبليا مقيتا فحسب، مع أن الرسول الكريم يحثنا على نبذ التعصب القبلي في قوله عليه الصلاة والسلام: "دعوها فإنها منتنة".
نعم من الجيد أن نجد القبيلة تعين أفرادها في السراء والضراء بما يرضي الله ورسوله، حتى أنه تسمى العصبة من الأرحام "العاقلة"، حيث كانت تقوم بدفع دية المقتول، وهذا يعني أن دورها هو دور تكافلي، وهي محبذة في دفع الضرر وجلب المنافع لما فيه الصالح العام، لكن إساءة فهم دورها، أو أستخدمها في الضرر بمصالح المجتمع، أو التعالي سوف لن يعود ذلك إلا بالشقاء على المجتمع في وقت نحتاج فيه إلا وقفة تعاون وتكاتف وتآزر لما فيه خير هذا البلد.
لكن ماذا لو وجدنا كمزارياً يرشح ظهوريا ، وفليتياً يرشح شحياً، وحضرمياً يرشح سعيدياً، وغيرها وغيرها وهكذا، فهذا معناه أن هناك تعاليا وتسامياً على التعصب القبلي، وأن القناعات هي الحكم والفيصل، وهي سيدة الموقف، وبالتالي فإن الأفضلية ستكون لمن يستحقها، فهل يمكن أن يتحقق ذلك؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لما لا !!!!!!!!!! متى ما كان هناك وعي حقيقي ومراعاةً للأمانة، يقول عز وجل في محكم كتابه العزيز: " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " .
وقبل أن أختم حديثي،أود التنبيه أن ما معظم ما جاء في هذا المقال، هو قراءة للمشهد، وتحليل له من وجهة نظر متواضعة، أما رأي الشخصي فسأحتفظ به لأسباب شخصية، غير أن ما أود أن أنبه عليه، هو أهمية أن يحكم الإنسان عقله، وأن يراعي ضميره في اختياراته.
وبطبيعة الحال جميع المترشحين فيهم الخير والبركة، ولديهم كل حسب طاقته وإمكانياته ما قد يفيد به مجتمعه، وهؤلاء المترشحين لو لم يرو الكفاءة في أنفسهم، لما ترشحوا، وإن اختلفت رؤاهم وتوجهاتهم إلا أن مصلحة الوطن ستبقى فوق كل اعتبار، وهذا حسن ظننا بهم، ففيهم من ذوي الخبرة الطويلة ممن خدم الوطن بإخلاص ولا يزال، وفيهم صاحب اليد البيضاء الكريمة، وفيهم المتواضع الذي يشعر الناس بأنه منهم، وإليهم، وفيهم الشباب المتعلم المثقف القادر على توصيل هموم المواطن، والإحاطة بمتطلبات المرحلة القادمة، وفيهم المتحمس والمندفع غير هياب للمطالبة باستحقاقات ما هو قادم. وعلى هذا سيكون التمايز صعباً، والاختيار أصعب، ويبقى الاقتناع، وتحكيم العقل قبل القلب سيد مثل هذه المواقف الموقف.
منقول من قلم كاتب باارز لم يذكر أسمه ..