حينما تُحتقَرُ المِهن!

بسم الله الرّحمن الرّحيم

اخترتُها من بين كل الوظائف؛ لقربها من سكني، ولملائمتها لنوعي، ولا تتطلب تحضير دروسٍ وتصحيح دفاترٍ وأوراقٍ كمهنةِ المعلم، رغم أنها بالدبلوم وأنا أحمل البكالوريوس ، ولمّا دخلتها رأيتُ ما أثار استغرابي، فصلٌ أوشك على التمام من بدء تعييني ولمّا يأت خبرٌ عن دورة تدريبية لمنسقي الشؤون المدرسية الجدد، بينما مساعدو المديرين الجدد قد بدءوا دورتهم، سألت أحد المشرفين حينها: أليست لنا دورة تدريبية؟ أرسل بعد أيام قليلة بوجود دورة للمنسقين الجدد، وجدت معي في الدورة زميلات مضى على تعيينهن خمس سنوات من محافظة أخرى، قلت لها : هل هذه الدورة الأولى لكم ؟ قالت: نعم، لأول مرة تقام لنا دورة تدريبية! بينما غيرنا من شاغلي الوظائف الأخرى بين الفينة والأخرى يحضرون ورش عمل!

رأيت أخصائي قواعد البيانات والأخصائي الاجتماعي وهم حملة بكالوريوس .. ما الفرق بينهم وبين المنسق في الأهمية والمهام؟! لا أراه أقل عنهم أهمية ومهاما .. بل ربما يفوقهم! سؤال محيرٌ لم يجد جوابا!

نزلت زيادة العلاوات .. المنسق وأخصائي قواعد بيانات أقل الجميع .. هل دورهما أقل من دور أخصائي الأنشطة والأخصائي الاجتماعي؟! عبرة تخنق صاحبها، لا أسفا على حفنةِ مال .. إنما على الاعتبار الذي تحظى به مهنة التنسيق المدرسي!

صدر مرسوم سلطاني بمنح لدراسة الماجستير .. اتصلت في أحد الأصياف بالمسئول عنها حينئذ، وقد بدى مهذبا مؤدبا في حديثه، سألني عن مهنتي .. قلت له منسقة، قال: منسقة هنا في المديرية ، قلت : لا ، بالمدرسة، حينها ضحك ضحكة سخرية لا تزال رنّتها في القلب قابعة حتى اليوم! وقال: منسقة مدرسة، وتريدي تكملي الماجستير؟ قلت له : ما الغريب في الأمر؟ قال: أنتم لا يُسمح لكم، قلت له: أليس حقنا؟ قال: أنا معلم عشر سنوات وما حصلت على منحة لأكمل دراستي إلا عندما انتقلت إلى العمل بالمديرية !! ودار الحديث شائكا إلى آخره .. وفي نفسي أنّة ألم بلا قياس!

نزل إعلان جامعة السلطان قابوس في المنتدى وقبله على صفحة الجامعة في موقعها وفي الصحف، اتصلت بمركز التدريب أستفسر عن الآلية، ولمّا علم الموظف المسئول بأني منسقة قال: أعتقد أن ليس للمنسق فرصة لإكمال البكالوريوس في إدارة الأعمال، قلت له: ولِمَ لا يكون لي الحق وقد تم تعييني بشهادة إدارة الأعمال؟! قال: سأتأكد وأرد عليك، لم تمض ساعة حتى اتصل مبشراً إياي بأن لي الحق في التقدم لهذا المؤهل بهذا التخصص، جهزت كل أوراقي وذهبت إلى مركز التدريب لآخذ الموافقة، فأتمها ولم يقصر – بارك الله فيه – وقال: نرسل الأسماء إلى الوزارة وتأتينا منها الموافقة ثم يأتيكم الرد بالذهاب إلى الجامعة لإتمام باقي الإجراءات، ذهبت أختي إلى الجامعة لتسجل، وكنت معها، ولمّا أنهت الموظفة تسجيلها لأختي، قالت لي: وأنت ألا تريديني أن تسجلي ؟ قلت لها: قد سجلت في مركز التدريب التابع لمحافظتي، وبعد أن تأتينا الموافقة نأتي إليكم لِنُتِم التسجيل، قالت: بعض موظفي التربية حصلوا على موافقة وأتوا وسجلوا، قلت لها: كيف ذلك؟ قالت: لا أدري،
بعد أسابيع وصلتني الموافقة برسالة هاتفية، ذهبت إلى الجامعة لأُتِمّ التسجيل، في قاعة التسجيل قائمة قد عُلقت عليها أسماء جميع المتقدمين، اسمي من بين تلك الأسماء، القاعة مزحومة بالمتقدمين والمتقدمات، والموظفون يسرعون في عملهم فلم يبقَ إلا ساعتين وينتهي التسجيل، ويرجع الكثيرون لأنهم لم يحضروا كما هو مشار في الإعلان، وبعضهم لم يدفع رسوم التسجيل، وبعضهم دفع ولم يختم إنما أحضر الفاتورة، ولمّا جاء دوري .. قالت باندهاش: school secretary ؟ قلت لها : نعم، قالت ( وكأنها لم تستوعب التخصص) : منسقة في أي مكان؟ منسقة شؤون مدرسية، قالت: وجاية تقدمي لماجستير إدارة أعمال؟ قلت لها: نعم، قالت: هل حصلت على موافقة؟ قلت: نعم، وصلتني هاتفيا، قالت: هل اسمك موجود هنا في القائمة؟ قلت لها : نعم، قلت: لماذا أنت مستغربة؟ قالت: أول مرة تأتينا منسقة مدرسة تقدم لماجستير، وبتخصص إدارة أعمال أيضا، وحاصلة على موافقة من وزارة التربية!! خنقتني عبرة وقلت في نفسي حتى في الجامعة المنسق المدرسي قليل الشأن؟!؟!
كانت تسرع في تسيير الطلبات .. ولمّا جاء طلبي جاءت الدقة وظهر التأني في النظر إلى المستندات، وفي مقارنة نسخة المستندات بأصلها، ومن حولي من المتقدمات مندهشات من الوضع، يرمقنني بأبصارهن المتعجبات!! رغم أن أوراقي مرتبة بطريقة مريحة لها وقد أتممت كامل المستندات كما هو مطلوب!

حينها .. تأكد لي أني في الوظيفة الخطأ !!!

ذهبت بعد ذلك إلى عمادة الدراسات العُليا لأُسلم شهادة الآيلس، التقيت بالمنسقة هناك، ولما علمت باسمي قالت باندهاش: أنت بدرية الغافرية؟ قلت لها: نعم، كأنّ في الأمر شيئا؟! قالت: كنت متشوقة للقياك، قلتُ : لماذا؟! قالت: كنتُ ومديري نفرز الأوراق ووجدنا طلبك فاستغربه المدير وقال يبدو أن هذا الطلب قد وصل بالخطأ؛ الطلب لموظفة من وزارة التربية وطلبها في كلية الاقتصاد! تواصل حديثها قائلة: ولكن بعد متابعة سير الطلب تبين أنه صحيح، لأول مرة يتم قبول منسقة مدرسة، قلت لها: حتى في الجامعة وسمعة المنسق دونية؟! لوما رأتني قد بدت عليّ علامات الأسى قالت: بالعكس أنا أفتخر بك !!!!
مضيت وفي نفسي من تساؤلاتٌ ومشاعرُ لم تجد أجوبة حتى الساعة، لم ألتفت إلى مؤهلي الذي لم يُعادل، لم ألتفت إلى مكثي لتسع سنوات حتى أحصل على بدل هاتف كغيري وعندي بكالوريوس، وعلى الفارق بين الدرجتين، لم التفت إلى العلاوة الممنوحة، أنظر إلى إيجابيات الوظيفة وقد غطت سلبياتها، نحن في التربية نفهم بعضنا، أما أن تطال النظرة الدونية للمنسق المدرسي حتى في خارج التربية فهذا ما لا طاقة لمثلي به أبدا! وخاصة بعد أن أكرمتنا التربية ( كمنسقات بالأخص) بمتابعة الحافلات وما يتعلق بها، وما أدراكم ما يتعلق بها؛ متابعة نقلاتها، حل مشاكل سائقيها وأولياء أمور الطالبات كل صباح وخلال اليوم الدراسي، ومناوبتهم وغيره الكثير، وبإكرامها لنا بمتابعة نظافة المبنى بمتابعة شركات النظافة وفيه ما فيه من مماطلة الشركات في إحضار أدوات النظافة وبجودة رديئة وتأخيره دفع رواتب العاملات!!!!

العام المنصر جاءني موظف إلى المدرسة من إحدى الوزارات يطلب مني الانتقال معهم؛ لما يعانونه من صعوبة في كتابة منسقيهم للمراسلات، وهنالك الوظيفة مريحة قلت له: المدرسة جوٌّ نسائيٌّ مريح لذا أفضل البقاء في المدرسة. ( حتى هذا الموظف يعرف معاناة منسق الشؤون المدرسية)!!

وزارتنا الموقرة .. هذه حكايتي .. حكاية كلُّ منسقٍ ومنسقةٍ لم تُكرمه وزارته .. لم يلتفت إلى مؤهله الذي لم يُعادل، لم يلتفت إلى انتظاره تسع سنوات حتى يحصل على بدل هاتف كغيره ( كما كان حال البدلات سابقا) لمن يحملون بكالوريوس، وعلى الفارق بين الدرجتين، لم يلتفت إلى العلاوة الممنوحة، ينظر إلى إيجابيات الوظيفة وقد غطت سلبياتها، نحن في التربية نفهم بعضنا، أما أن تطال النظرة الدونية للمنسق المدرسي حتى في خارج التربية فهذا ما لا طاقة لنا به أبدا!


فهل إلى سبيلٍ من إكرامٍ له بتغيير هذا المسمّى الوظيفيّ ؟! ومراجعة التوصيف الأخير ؟!؟!؟

نَبْصُ قلبٍ يحملُ فألاً حسناً :
بدرية بنت خليفة الغافرية،
منسقة شؤون مدرسية





*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..