جريدة عمان تلتقى بـ إبراهيم الظهوري : رحلة تفوح بعبق التاريخ مع بيت القفل !
رمز الاستيطان البشري القديم على مرتفعات محافظة مسندم
جريدة عمان تنشر : رحلة تفوح بعبق التاريخ مع بيت القفل !
http://www.musandam.net/up//uploads/...6e276635d6.jpg
بخاء - حوار وتصوير - أحمد خليفة محمد الشحي :--
فبراير 2012
يتميز الطراز العمراني القديم للمساكن بمحافظة مسندم بنظام فريد من العمارة يدل على مدى براعة الإنسان العُماني القديم في التأقلم مع ظروف الطقس والحياة، وكيف طوع الطبيعة من حوله لتناسب احتياجاته واحتياجات أسرته.
وقد ظل هذا الطراز شاهدا على قدم الاستيطان البشري في المنطقة ويسمى هذا النوع من العمارة بيت القفل وتنتشر مثل هذه البيوت أكثر ما تنتشر في المناطق الجبلية المرتفعة والتي كانت موطنا لكثير من بدو المنطقة الذين تركوا هذه المناطق الجبلية ولكن ظل معظمهم يحتفظ بهذه البيوت ويأتي إليها بين حين وآخر خاصة في فصل الشتاء.
كما أصبحت هذه البيوت من عوامل الجذب السياحي في المنطقة ولمزيد من التفاصيل حول هذا النوع من الطرز المعمارية التقينا إبراهيم بن سعيد بن إبراهيم الظهوري ليأخذنا معا في رحلة تاريخية تفوح بعبق التاريخ ويروي قصة بيت القفل الذي تتميز به النظم المعمارية القديمة في محافظة مسندم.
دقة وإحكام
يقول إبراهيم الظهوري يسمى هذا الطراز المعماري بيت القفل، وذلك نظراً لدقة بنائه وقوة إحكامه وكان الأجداد والآباء يحرصون في القرون الماضية على بناء مساكنهم في الأماكن المرتفعة وذلك تجنباً لمخاطر سقوط الأمطار التي كانت تهدد البيت في المناطق المنحدرة والبيت عبارة عن غرفة واحدة مبنية من الصخر الأحمر الجبلي أو غيره من الصخور المتوفرة في المنطقة والذي كانت تبنى به أيضا آنذاك القلاع التاريخية القائمة في المنطقة ومناطق أخرى بمحافظة مسندم حتى الآن.
وتدل مواد البناء المستخدمة في بنائه على عبقرية الأجداد الفطرية فالجدران مبنية من الطين الذي يجعل حرارة البيت معتدلة في الصيف ودافئة في الشتاء أما السقف فمن خشب السدر و السمر وتوضع فوقه طبقة من الطين وبينهما ورق شجر صغير يعرف بالسخبر وذلك لمنع سقوط الطين عند هطول الأمطار.
http://www.musandam.net/up//uploads/...259a72fcf0.jpgصورة لبيوت الفقل على سفح أحد الجبال في خصب
تأقلم مع الطبيعة
حول ما يميز بيت القفل عن غيره من النظم المعمارية القديم يقول إبراهيم الظهوري يمثل بيت القفل نوعاً خاصاً من العمارة يدل على مدى براعة الإنسان العُماني القديم في التأقلم مع ظروف الطقس والحياة وكيف طوع الطبيعة من حوله لتناسب احتياجاته واحتياجات أسرته، ويعود سبب تسمية هذا النوع من البيوت لوجود نظام قفل خاص به فهو يحوي قفلان يمكنان صاحب البيت من التحكم فيه بشكل أكبر ولحفظ البضائع بالداخل عند مغادرة صاحب البيت في فصل الصيف إلى السواحل ويتميز بيت (القفل) بأمرين: الأول أن حجارة وصخور و جدران (القفل) تكون مرصوفة بشكل متلاصق يربطها و يلحمها بعضها بالبعض الآخر( الجص) أو( الطين) و ما يسمونه (طين المقطع ) الذي يقوم مقام الإسمنت في البناء الحديث في سد الثغرات الموجودة بين الحجارة أما الأمر الثاني فهو أن غرفة النوم في بيت (القفل) و هي عادة غرفة واحدة رئيسية تنام فيها العائلة كلها فإنها محفورة داخل الأرض بعمق متر تقريبا، كي تساعد على حماية النائمين من البرد الشديد و عواصف الجبال و هوائه البارد أيام الشتاء.
مراحل البناء
وتمر عملية بناء بيت القفل بمراحل متعددة تتميز كل مرحلة بدقتها وتفاصيلها التي يرويها إبراهيم الظهوري حيث يقول إذا تم القرار على بناء هذا البيت ( القفل) و هو في الغالب ينوي الرجل أن يكون عشا زوجيا له ولأبنائه فيقوم كل من صاحب البيت ووالده و الأخوة و العائلة وتقع على عاتقهم مهمة البناء و قد يطلبون (فزعة) أي نجدة و مساعدة من أبناء الحي فإذا اجتمع هؤلاء للمساعدة سمي هذا التجمع (حشيد) أي الحشد من الأصدقاء الذين يساعدون في البناء.
البدايات
وتكون أول عمليات البناء حفر حفرة بيت القفل على شكل مربع أو حسب رغبة مالك البيت في شكلها أو عمقها وعادة تكون شكل مستطيل بعمق متر فإذا تم هذا باشروا بحفر أساس البيت وهو الأساس الذي ستقوم عليه جدران البيت الأربعة فالقفل عامة مربع الشكل و توجد في داخله دكتين تفصل بينهما مكان الجلوس وتحضير الطعام أي أن تصميم البيت مكون من دكتين مرتفعتين تتوسطهما مساحة الجلوس _أي استقبال الضيوف وصنع الطعام _ فإذا تم تكديس الصخور التي ستبنى بها الحيطان، فحينذاك يقومون بتهيئة (الجص) الذي يصنعونه في محارق خاصة، و هو المادة التي تمسك وتشد الحجارة بعضها إلى البعض الآخر، أو أن يستعملوا بدلا عنه (الطين) و هو مادة طينية حمراء شديدة التماسك تصلح للبناء، و أحسنه ما يسمى (طين المقطع). فإذا وضعوا حجر الأساس ارتفعوا بالبناء بأن يضعوا حجرا جنب حجر بشكل هندسي يملئون الثغرات بينهما بالجص أو بطين المقطع فيتماسك الحجر و يرتفع الحائط محافظين على استقامته و عدم بروز أحجار منه لئلا يميل و يسقط.
http://www.musandam.net/up//uploads/...99eba80515.jpg
ابراهيم الظهوري : يمثل بيت القفل نوعاً خاصاً من العمارة يدل على التأقلم مع ظروف الطقس والحياة وكيف طوع الطبيعة
إدخال الأواني
فإذا ارتفعت الجدران ووصلت إلى أعلى من قامة الإنسان بدءوا بإدخال الأواني الفخارية (الخرس)الذي تحفظ به الحبوب والتمر والعسل وغيرها، ثم يعمدون إلى السقف ويباشرون بتهيئة المواد التي يصنع منها ليقوموا بالتسقيف. و تتكون مواد التسقيف عادة من أخشاب شجر السدر القوي و يسمونه (علبة) و اللفظ فصيح فالعلب في اللغة هو ما ينبت عليه الشيء الصلب و يلفظونه (ألبه) و الجمع (ألب)، فيقال: (ألب) البيت، وتوضع أخشاب السدر بشكل متراص على حيطان البيت لتكون المرحلة الأولى من عمل التسقيف.
فإذا تم هذا رصوا فيما بينها وشدوها بعضها بالآخر ثم جهزوا أحجارا صخرية صغيرة اسمها (الصفي) تصف ما بين (العلب) أي خشب السدر المتراص. و بعد ذلك يهيئون (الغيلة) و هي خلطة تصنع من الطين الأحمر والتبن وعيدان ورق شجر السخبر تخلط بالماء جيدا فتصبح كثيفة ومتماسكة وتفرش جيدا على خشب السدر والحصى الصغير الموجود بينهما حتى تسد كافة الثغرات و التشققات فإذا انتهوا من هذا العمل فرشوا ترابا بارتفاع قدم إلى قدمين فوق الغيلة فيصير السقف قويا يتحمل زخات المطر الكثيف فلا يترشح منه الماء إلى داخل البيت كما أنه يتحمل ثقل أهل البيت إن هم رغبوا بالمنام فوق سطح المنزل صيفا.
السقوف
ويكون السقف مائلا قليلا إلى الخلف كي يتخلصوا من ماء المطر إذا تجمع فوقه وذلك ببناء (التسنيفه) و اللفظ فصيح فالنسف في اللغة حاشية البساط ويسمى عند البعض قيسي و هو الحاجز الذي يحصر ماء المطر ويؤدي به إلى المرزاب لينسكب الماء إلى الخارج و تصنع التسنيفه من صف الحجارة واحدة جنب الأخرى فوق السقف و على مداره و يخرج جزء منها إلى الخارج و يثبت في أجزائها حجر عريض هو المرزاب الذي (ينسف) الماء أي يقذف به إلى الخارج ويسمى أقشوع القفل . فإذا تم بناء السقف انصرفوا إلى سد شقوق حيطان القفل من الداخل بالطين الأحمر المخلوط بالتبن و شعر الماعز فيسدون به الفتحات الصغيرة التي قد تظهر و يطلون به ما بين الأحجار لضمان عدم تسرب الهواء البارد أو مياه الأمطار منها.
القفل
وإذا صادف أن وجد رجال البناء حجرا واحدا كبيرا له سطح مسطح، أو وجدوا حجرين كبيرين بهذا الشكل، وكان البيت صغير الحجم، تعاونوا على رفع الحجر الضخم أو الحجرين وثبتوهما على الجدران.
فإذا تم كل هذا وضعوا باب الدار واسمه باب (القفل) ويصنع من خشب السدر المربوط بالمسامير الحديدية القوية، و الباب مكون من صفيحتين و أحيانا من صفيحة واحدة و لكل باب مفتاحين واحد اسمه ( العلق) ويفتح المعلقة (القفل الداخلي للبيت ) والثاني اسمه (لمفريه) وتكون أسفل الباب وتفتح بطريقة خاصة ومعقدة لا يعرفها إلا صاحب البيت .
http://www.musandam.net/up//uploads/...956d4ffa77.jpg
الفاضل ابراهيم الظهوري مع مدخل لأحد من بيوت القفل
النوافذ
أما شبابيك الدار، ففيه فقط فتحة في سقف المنزل للتهوية تقع في زاوية المطبخ من غرفة الجلوس و يسمى (مصباح) أو (الفغل) يسمح بدخول النور ومنه يخرج دخان المطبخ أيضا و يسدونه عادة بأغصان نبات العنزروت ذي الأشواك التي تمنع دخول الثعابين و الجرذان و الحشرات إلى الداخل.
هذا هو بيت القفل رمز الاستيطان البشري القديم على مرتفعات محافظة مسندم يبقى شامخا بشموخ قمم جبالها وشاهدا على تحدي الإنسان للصخر وتطويعه ليتلاءم مع طبيعة الحياة في هذه المناطق ذات التضاريس الصعبة.
المقال كما نشرته جريدة عمان تلقونه على هذا الرابط :
http://www.musandam.net/up//uploads/images/musandam930e4a9d91.jpg
http://www.musandam.net/up//uploads/...930e4a9d91.jpg