سلسلة معاركة وحروب فاصلة في التاريخ العماني (14) الإمام ناصر بن مرشدوالبرتغاليين

14) معارك الإمام ناصر بن مرشد^([1]) ضد البرتغاليين^([2]):

بعدما بويع الإمام ناصر بن مرشد بالإمامة وتولى حكم اليعاربة سنة 1034هـ/ 1624م، فإنه قام أولاً بتوحيد عمان، وكان الوجود البرتغالي يسيطر على المناطق الساحلية من عمان، فرأى الإمام ناصر بن مرشد أن توحيد عمان قبل حرب البرتغاليين أهم من كل شي وذلك حتى تبقى عمان يداً واحدة قادرة على مواجهة العدو البرتغالي، فوحد قبائل عمان تحت طاعته وذلك من خلال قواده الذين بعثهم إلى تلك المناطق فتمكن من فتح بهلا ونزوى وسمائل وغيرها من قبائل عمان والتي كانت تحت حكم شيوخ بعض القبائل^([3]). وبعد توحيد عمات تحت حكم الإمام ناصر بن مرشد قام بتوجيه الحملات ضد العدو البرتغالي الذي يسيطر على مسقط ومطرح وصحار وجلفار، وسنتعرف على أهم المعارك التي خاضها الإمام لتحرير هذه البلدان.أ-حملة الشيخ مسعود بن رمضان إلى البرتغاليين في مسقط ومطرح: وبعد توحيد البلاد بعث الإمام ناصر بن مرشد الشيخ مسعود بن رمضان^([4]) وذلك لمحاربة البرتغاليين الذين كانوا يسيطرون على مسقط ومطرح وطردهم منها، وكان البرتغاليون قد بنوا قلعتي الجلالي والميراني بمسقط سنة 1588م، بالإضافة إلى قلعة مطرح على الساحل العماني وذلك للتحصن فيها، وعندما قدم الشيخ مسعود بن رمضان عسكر في موضع يقال لـه طوي الرولة^([5]) في مطرح، وعندما علم به البرتغاليون خرجوا إليه لمحاربته، فالتحم الفريقان واشتد القتال بينهما فنصر الله المسلمين وهزم القوم الكافرين^([6])، فقتل من البرتغاليين خلق كثير، وتحصنوا بالحصون التي بنوها، وقد هدم أصحاب الشيخ مسعود بروجاً عديدة للبرتغاليين التي كانوا يتحصنون فيها، إلى أن طلب البرتغاليون الصلح في النهاية، وكانت شروط الصلح كلـها في صالح العمانيين^([7]). وكان من شروط الصلح ما يلي^([8]):1- يتنازل البرتغاليون عن كل الأراضي والمباني في المناطق التابعة لـهم في منطقة صحار.2- إن يعطي البرتغاليون جزية سنوية للإمام.3- يقوم البرتغاليون بمعاملة المسلمين من أهل عمان معاملة حسنه في مسقط ومطرح. وعندما وافق البرتغاليون على هذه الشروط وأخذ منهم الشيخ مسعود بن رمضان العهود والمواثيق بتطبيقها وأعطاهم الأمان، أخذ منهم الجزية ورجع إلى الإمام ناصر بن مرشد^([9]). ونستنتج من هذه العملية أن البرتغاليين أصبحوا في موقف الدفاع عن أنفسهم في عمان وأنهم غير قادرين على مواجهة القوة العمانية الحديثة بقيادة اليعاربة، وذلك أنهم قبلوا دفع الجزية للإمام بعد أن كانوا يأخذونها من أهل عمان، كذلك كان لانتصار العمانيين في هذه المعركة على البرتغاليين قد شجع العمانيين على مواصلة الجهاد ضد البرتغاليين وتحرير بلادهم وأراضيهم من هذا العدو الغاشم^([10]). ب- حملة على بن أحمد إلى جلفار : بعد الانتهاء من حملة الشيخ مسعود بن رمضان إلى مسقط رأى الإمام ناصر ابن مرشد أن يوجه جيشاً إلى جلفار التي كان فيها العجم وبعض البرتغاليين، وذلك لأن جلفار كانت بوابة عمان الغربي الشمالي حسب قول الشيخ السيابي^([11]). وقد كان يحكم جلفار آنذاك ناصر الدين العجمي الذي كان يقيم في حصن الصير، وكان لـهذا الحصن برج منعزل عن الحصن ولكن لـه جدار متصل بالحصن، وفي هذا البرج جند تقاتل ليلاً ونهاراً، وقد كان البرتغاليون في البحر يدافعون عن الحصن ويحاربون العمانيين من هناك^([12]). وفي الليل أغارت قوات علي بن أحمد على البرج ويساعده بني عمه من آل يعرب، واقتتلوا قتالاً شديداً كان النصر حليف علي بن أحمد، ثم بعد ذلك مال الجنود على الحصن وتمكنوا من فتحه وهزموا من فيه، وجعل فيه قائد الجيش والياً^([13]). وكان للبرتغاليين حصناً على ساحل البحر، فتوجه إليه بعض الرجال من الدهامش من جيش أحمد بن علي ورجل يقال لـه خميس بن مخزوم^([14])، فتمكنوا من دخولـه نهاراً وأخذوا ما فيه من عتاد وسلاح^([15]). وبعد ذلك بنى القائد علي بن أحمد حصناً مجاوراً لحصن البرتغاليين والذي قد تحصنوا فيه، مما أدى هذا العمل إلى إذلال البرتغاليين وأعوانهم وعلموا أنهم غير قادريين على المقاومة، فطلبوا الصلح على الـهبوط من الحصن، فصالحهم وهبطوا، وجعل القائد علي بن أحمد فيه والياً، ثم رجع مع بقية الجيش إلى نزوى، فاستبشر الإمام ناصر بن مرشد خيراً بهذا العمل، فكافأ علي بن أحمد باًن جعلـه والياً على جلفار وما والاها^([16]). وهكذا انتهت الحملة الثانية والتي تمكن فيها الإمام ناصر بن مرشد من تأمين حدود عمان من ناحية جلفار، وهذا يدلنا على أن الوجود البرتغالي في طريقة للنهاية من عمان، وأن أعوانهم من أهل عمان لا شك سيرجعون إلى طريق الصواب ويندرجون تحت راية الإمام.ج- حملة الشيخ حافظ بن سيف إلى صحار ( معركة البدعة) : بعد الانتهاء من تحرير جلفار، رأى الإمام ناصر بن مرشد أن يوجه حملة إلى صحار، فأمر الإمام واليه على لوى حافظ بن سيف^([17]) بأن يهاجم صحار ويطرد البرتغاليين منها. ولما وصلت رسالة الإمام ناصر إلى واليه حافظ بن سيف، سارع الأخير بتنفيذ الأمر، فأرسل يطلب من القرى المجاورة لـه من بني خالد وبني لام والعمور يحرضهم للقتال، وأن يذهبوا معه إلى صحار، فاجتمع لحافظ عسكر كثير بالإضافة إلى إن رجال من صحار كانوا يدعونه إلى ملكها^([18]). فخرج الوالي حافظ بن سيف بجيوشه الغفيرة يريد صحار، فبات في (عمق) ^([19]) ولم يعلم عنه أهل صحار شيئا، فدخل الوالي صحار ضحى آخر يوم من أيام شهر محرم سنة 1043هـ/1633م، فنزل بمكان يقال لـه ( البدعة ) بصحار^([20]). ومن البدعة زحف جيش المسلمين على البرتغاليين حتى وصلوا حصن ابن الأحمر والذي كان تحت سيطرة البرتغاليين، فاشتد بين الطرفين القتال وحمى وطيس الحرب، وكان البرتغاليون يرمون بنيران مدافعهم من الحصن، وانتقل الوالي من مكانه إلى مكان آخر لعلـه يكون أقرب إلى العدو، وهناك خرجت ضربة مدفع من جيش العدو اخترقت صفوف جند الوالي حتى وصلت إلى مجلس الوالي فأصابت رجلاً يدعى راشد بن عباد، فاستشهد فوراً -رحمه الله-^([21]). ثم قام الوالي فأخذ ببناء حصن هناك كما أمره الإمام، فجمع الرجال لـهذا العمل، فاكتمل بناءه ونزل به الوالي ثم توالت المناوشات بين الطرفيين ليل نهار دون انقطاع^([22]).د) حملة الشيخ خميس بن سعيد الشقصي إلى البرتغاليين في مسقط ومطرح:وعندما رأى الإمام ناصر بن مرشد جنده في صحار على هذه الحال، أراد مشاغلة البرتغاليين في مسقط حتى لا يساعدوا إخوانهم في صحار ويكونوا عوناً لـهم هناك، فأخرج الإمام القاضي خميس بن سعيد الشقصي^([23]) في حملة إلى مسقط وذلك لتأديب البرتغاليين هناك بسبب غدرهم ونقضهم للصلح الذي أبرموه مع الشيخ مسعود بن رمضان، فقد امتنع البرتغاليون عن دفع الجزية المفروضة عليهم، كذلك سوء معاملتهم للعمانيين في مسقط ومطرح^([24])، كل هذه الأمور جعلت الإمام ناصر بن مرشد يوجه إليهم حملة تأديبية ويحاربهم في نفس الوقت من جهتين من مسقط ومن صحار، وحتى لا يساعد جانب منهم الجانب الآخر. فتقدم الشيخ خميس بن سعيد الشقصي بقواته حتى وصل إلى منطقه بوشر^([25])، ولما علم به البرتغاليون بمسقط خافوا على أنفسهم وعلموا أنهم قد خانوا العهد والصلح الذي كان بينهم وبين السيخ مسعود بن رمضان في طوى الرولة، فأرسلوا إليه طالبين الصلح، فلم يصغ إليهم الشيخ خميس بن سعيد بداية الأمر، وواصل تقدمه حتى وصل إلى مطرح^([26])، وهناك جاءه أكابر البرتغاليين وطلبوا الصلح من الشيخ خميس بن سعيد، فأجابهم الشيخ خميس على ذلك^([27]).ومما جاء في شروط الصلح الذي وقع بين كل من الشيخ خميس بن سعيد الشقصي وبين البرتغاليين من جهة أخرى ما يلي^([28]):1- يجب على البرتغاليين الالتزام بدفع الجزية سنوياً.2- أن يسلم البرتغاليين جميع المناطق المحصنة التي يحتلونها في مطرح للعمانيين.3- يضمن البرتغاليون حرية التجارة في المناطق التي يسيطرون عليها من ساحل عمان، وعدم تعرضهم لتجارة المسلمين.وهكذا تمكن الشيخ خميس بن سعيد الشقصي من عقد صلح مع البرتغاليين وكفاه الله شر القتال، وقبول البرتغاليين لشروط الصلح والتي كانت في صالح العمانيين لدلالة واضحة على أن النفوذ العماني هو المسيطر وأن البرتغاليين في طريقهم للزوال والانهيار بالرغم من عددهم وعدتهم ولكنهم واجهوا قوة جديدة من قبل اليعاربة والتي لم يروها منذ أن قدموا إلى عمان منذ حوالي سنة 1508م. وعندما علم الإمام ناصر بن مرشد بخبر القاضي خميس بن سعيد الشقصي مع البرتغاليين شكر الله على ذلك وحمد القاضي خميس، ثم بعد ذلك قام الإمام ناصر بن مرشد بتوجيه بعض الحملات ضد البرتغاليين في كل من قريات وصور، وكانت بقيادة ابن عمه سلطان بن سيف الذي تمكن من استردادهما ووضعهما تحت حكم الإمام ناصر بن مرشد، ولم يبق للبرتغاليين بعد ذلك مكاناً يتحصنون فيه سوى مسقط ومطرح، ولم يتمكن الإمام من استردادهما بسبب المنية التي عاجلته قبل تنفيذ خطته، وسيكون ذلك في عهد ابن عمه الإمام سلطان بن سيف. ونلاحظ من خلال حملات الإمام ناصر بن مرشد ضد البرتغاليين في كل من صحار ومسقط وصور وقلـهات وجلفار كلـها كانت في صالح العمانيين الذين يزدادون قوة يوماً بعد يوم وذلك من خلال الانتصارات العظيمة التي حققوها على البرتغاليين بعد ما عانوا الذل والـهوان طيلة فترة احتلال البرتغاليين لعمان.

---

⁽[1]⁾ الإمام ناصر بن مرشد هو أول أئمة اليعاربة عقد لـه بالإمامة سنة 1034ه‍/1624م، واستمر في الحكم لمدة خمس وعشرين سنة، ودفن في نزوى. أنظر: عبدالله بن خلفان بن قيصر، سيرة الإمام ناصر بن مرشد، ص‍14، وزارة التراث، 1984م.
⁽[2]⁾ البرتغاليون قوم جاءوا من دولة البرتغال بأوروبا، واحتلوا الـهند في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، ثم قدموا عمان سنة 1507م، بقيادة البوكيرك، واستمروا فيها حتى طردهم الإمام سلطان بن سيف سنة1649م.
⁽[3]⁾ أنظر: السالمي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍3، ابن رزيق، مرجع سابق، ص‍232.
⁽[4]⁾ الشيخ مسعود بن رمضان الـهنائي من أهالي ولاية نزوى. أنظر: نزوى عبر الأيام، ناصر الفارسي، ص‍154.
⁽[5]⁾ طوي الرولة هي مزرعة شجر الرولة. أنظر: ابن رزيق، مرجع سابق، ص‍239.
⁽[6]⁾ ابن قيصر، مرجع سابق، ص‍55. الأزكوي، مرجع سابق، ص‍409.
⁽[7]⁾ علي قشر علي السيار، دولة اليعاربة في عمان وشرق أفريقيا، ص‍70.
⁽[8]⁾ أنظر: السيار، مرجع سابق، ص‍70. ابن رزيق، مرجع سابق، ص‍239.
⁽[9]⁾ السالمي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍10. مؤلف مجهول، مرجع سابق، ص‍134.
⁽[10]⁾ السيار، مرجع سابق، ص‍71.
⁽[11]⁾ السيابي، مرجع سابق، ج‍3، ص‍205.
⁽[12]⁾ مؤلف مجهول، مرجع سابق، ص‍132. ابن رزيق، مرجع سابق، ص‍240.
⁽[13]⁾ السالمي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍11. ابن قيصر، مرجع سابق، ص‍63.
⁽[14]⁾ المعولي، مرجع سابق، ص‍108. مؤلف مجهول، مرجع سابق، ص‍135.
⁽[15]⁾ السيابي، مرجع سابق، ص‍205. السالمي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍11.
⁽[16]⁾ ابن رزيق، مرجع سابق، ص‍240. السالمي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍11.
⁽[17]⁾ السالمي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍11. المعولي، مرجع سابق، ص‍108.
⁽[18]⁾ السيابي، مرجع سابق، ج‍3، ص‍20. السالمي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍11.
⁽[19]⁾ عمق إحدى قرى منطقة الباطنة ولعلـها قريبة من صحار.
⁽[20]⁾ السالمي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍12. ابن رزيق، مرجع سابق، ص‍241.
⁽[21]⁾ الأزكوي، مرجع سابق، ص‍410. مؤلف مجهول، مرجع سابق، ص‍136.
⁽[22]⁾ السيابي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍12. ابن قيصر، مرجع سابق، ص‍70.
⁽[23]⁾ خميس بن سعيد الشقصي هو الذي كان أحد العاقدين الإمامة لناصر بن مرشد، ولـه كتاب (منهج الطالبين) وقد تمكن من عقد صلح مع البرتغاليين. أنظر: السالمي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍12.
⁽[24]⁾ السيار، مرجع سابق، ص‍73. السيابي، مرجع سابق، ج‍3، ص‍207.
⁽[25]⁾ بوشر إحدى ولايات محافظة مسقط.
⁽[26]⁾ ابن رزيق، مرجع سابق، ص‍242. السالمي، مرجع سابق، ج‍2، ص‍12.
⁽[27]⁾ المعولي، مرجع سابق، ص‍109. مؤلف مجهول، مرجع سابق، ص‍137.
⁽[28]⁾ أنظر: السيار، مرجع سابق، ص‍73. ابن رزيق، مرجع سابق، ص‍242.


*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..