الرواح..أبرز الفنون التقليدية في مسندم
الرواح..أبرز الفنون التقليدية في مسندم
http://www.musandam.net/up//uploads/...073fab1a63.jpg
الرواح..أبرز الفنون التقليدية في مسندم
تتعدد الفنون التقليدية العمانية وتتنوع من محافظة الى أخرى وأحياناً من ولاية إلى أخرى مرتكزة على الأصالة العمانية، ونظرا للطبيعة الفريدة التي حبا الله بها السلطنة فإن اثر ذلك التنوع الطبيعي انعكس على موروثاتها الثقافية المتعددة والمتداخلة.
وتعتبر محافظة مسندم التي تقع في اقصى شمال السلطنة والمطلة على مضيق هرمز ذات بيئة نادرة يتناغم فيها البحر مع الجبل لتنتج انماطا من الفنون التقليدية ذات المذاق الفني الخاص ومنها الندبة والرزيف والدان والرماسية والعازي والسحبة والرواح وغيرها من الفنون التي يحافظ عليها أهل المناطق الجبلية والساحلية ويمارسونها في العديد من المناسبات الوطنية والاجتماعية والدينية.
ويعتبر فن الرواح من الفنون التقليدية الأصيلة النابعة من محافظة مسندم وهو الفن الاهم والاكثر شهرة وحيوية وشعبية عند اهل الجبل الذين حافظوا على موروثاتهم منذ القدم وحتى يومنا هذا، كما انه من الفنون ذات البساطة في الاداء وعدم التكلف وفصاحة كلماته ومسمياته ويطلق عليه العديد من التسميات من بينها/ النحل/ و/ الهوى/ وتعود تسميته فن الرواح لاعتباره فنا من فنون الترويح عن النفس.
والمؤدون لفن الرواح جميعهم ايقاعيون يقومون بالاداء الايقاعي (ضرب الطبول) وهم انفسهم المؤدون والمغنون، وبهذه الكيفية في الاداء والادوات الايقاعية ينفرد فن الرواح عن بقية الانماط الموسيقية العمانية الاخرى.
ويبدأ اداء فن الرواح بعد اكتمال حضور جميع المشاركين في ادائه، وفي الأعراس مثلا بعد ان تتجمع القبائل المدعوة ويتجمع الرجال قارعي الطبول وهم من شخصين الى مجموعة من الاشخاص ويصل عددهم في بعض الاحيان الى ثلاثين شخصا يصفون صفا واحدا فيبدأ من بالمقدمة بالقرعة الاولى ويطلق عليها (النقشة) ويتبعه الثاني بقرعة ذات نبرة مختلفة وتسمى (الخلفة) ثم بعد ذلك يتبعه الطبالون الاخرون وهكذا الى ان يكتمل العدد ويستمر الاداء الايقاعي للطبالين بعمليتي (النقشة والخلفة) وكل شخصين يكونان قريبان من بعضهما البعض في عملية يطلق عليها (مجاملة) وتكون حركاتهم متناسقة في دورانهم وتقدمهم للأمام وتأخرهم للخلف ويستمروا على ذلك نحو نصف ساعة.
وفي حالة عدم مسايرة الترتيب في الايقاع (نقشة خلفة) يحدث تضارب في قرع الطبول حينها يتدخل احد المستمعين ممن يجيد الفن بتصحيح الوضع ولربما يطلب من احد المطبلين بالتوقف قليلا الى ان يتعدل الايقاع، وقبل توقف الدور يطلق من بالمقدمة واحيانا الاكبر سنا صيحة بعبارة (واهو هوي) ويردد الاخرون مثله ايذانا بقرب توقف (الفر) كما يسمى محليا أو الدور.
ويأخذ المؤدون بعدها راحة يسيرة للعودة مرة اخرى او يبدأ من بالانتظار من الرجال بالدخول لتكملة الاداء ومن ليس لديه طبل يأخذ طبل قريبه او شخص يعرفه معرفة قوية ويحاذر بعض الاشخاص من تسليم طبله لشخص معرفته به سطحية خوفا من عدم المحافظة عليه وقرعه بطريقة غير صحيحة.
وتشارك النساء في اداء فن الرواح اذا كان يؤدى على نطاق يسير في العائلة وتكون مشاركتهن على ايقاع ونغمة طبل الرواح ويسمى (لعبة الكف) حيث يأخذن ناحية من المكان بعيدة قليلا عن الرجال لتأدية لعبة الكف والتي تتمثل في مد اليدين الى الامام قليلا مع ضم بسيط وفتح لراحة اليد وانحناء بسيط للجسم الى الركبة يرافقه ميلان لحركة الرأس الى جهة اليمين مرة والشمال مرة اخرى.
ويتكون فن الرواح من أربعة أجزاء وفقا للوقت الذي يتم فيه تأديته، ويعد/ السيرحي/ اول الاجزاء حيث يدل على موعد تسريح الاغنام صباحا الى السرح (المرعى) وهو الوقت الممتد قبل طلوع الشمس الى ما بين الساعة التاسعة او العاشرة تقريبا، ويقوم الرجال بتأديته بعد تناول قهوة الصباح مباشرة ويطلق عليه ايضا السارح او السيرحة حيث يتم ترديد عبارة (هو هو سيرحا) مع امتداد في كلمة سيرحا وترديد المقطع على وتيرة واحدة لدى جميع المؤدين مع تناغم موحد في قرع الطبول.
ويدل الجزء الثاني من فن الرواح/الصودري/ على انتصاف النهار وصدور الاغنام الى موارد المياه في الفترة الممتدة ما بين الساعة العاشرة الى ما قبل اذان الظهر قليلا، لذلك سمي الصادر او الصودري، ويردد المؤدون في توقيت واحد (هو هو صيدرا) والبعض الاخر يقول (هو هو صودرا) ويتم ترديدها على وتيرة واحدة لدى جميع المؤدين مع تناغم موحد ايضا في قرع الطبول.
وهناك ايضا/ الرواح/ وهو الجزء الثالث ويدل على فترة رواح او زوال الشمس عن كبد السماء او فترة الرواح وهي الفترة الممتدة ما بعد صلاة الظهر الى ما قبل المغرب وتسمى/ الرواح/ ويردد المشاركون هذا الجزء (هو هو الرواح..هو هو الرواح) مما يعني قرب ذهاب المدعوين والعودة الى اماكنهم، فاذا كان الفن يؤدى في مناسبة اجتماعية كالاعراس لمدة يوم واحد في ولاية خصب مثلا ترى المدعوين والمشاركين في الفرح من جميع ولايات محافظة مسندم فهذه الفترة وهذا الجزء يعني موعد العودة الى ولاياتهم وتعتبر فترة تأدية جزء الرواح من اكثر الاجزاء حماسية في تأدية فن الرواح.
والجزء الرابع من فن الرواح هو/ السيريي/ ويدل على السري/ المشي/ والسير في فترة الليل وهي الفترة الممتدة من بعد صلاة المغرب الى قبيل طلوع الفجر، ويردد المشاركون في اداء هذا الجزء (هو هو سير ياه) بتكرارها عدة مرات مع تناغم موحد في قرع الطبول، وتطلق كذلك عبارة السري في الاشعار الحماسية بالقول..نسري على ضح القمر مثل السيوف اللامعة ويعد هذا الجزء وهذه الفترة فرصة للمبتدئين في اداء فن الرواح من صغار السن في التعلم والمشاركة برفقة ابائهم واخوانهم.
ونظرا لأن الطبل الآلة الايقاعية المميزة في فن الرواح فقد كان الاهتمام به وبصناعته كبيرا، ويعد الطبل الرحماني هو الاكثر شيوعا واستخداما في الفنون التقليدية في محافظة مسندم حيث يتميز بصوته العميق وكبر حجم قطره ومحيطه.
وتمر صناعة الطبل بعدة مراحل اهمها اختيار الخشب حيث يتم قطع خشب الطبل من اشجار الشريش او السدر او القرط او المانجو وغيرها من الاشجار المعروفة بجودتها العالية وسهولة التشكيل ومقاومتها للتشقق والتصدع بفعل الرطوبة ومتانة الخشب وقوته، ثم تؤخذ القياسات المناسبة للطبل حسب الحاجة ويتم تجويف وتفريق القطعة الخشبية من باطنها وفتحها من الجانبين حتى يتبقى منها الطبقة الخارجية بسمك محدد بحيث تكون خفيفة تسهل حمل الطبل عند الاستخدام، ويزين الطبل بعدة نقوش وزخارف جميلة من وسطه واطرافه.
ويفضل استخدام جلد الماعز الذي لا يتعدى عمره السنتين بعد دباغته لتغطية فوهتي الاسطوانة الخشبية الا اذا كان الطبل كبيرا فمن الممكن استخدام جلد الماعز الذي يتجاوز عمره السنتين، ويوضع جلد الماعز الانثى في فوهة مقدمة الطبل لانه اكثر صوتا ورنة وجلد الماعز الذكر في الفوهة الاخرى، ويتم وضع حلقتين متقابلتين من معدن الحديد ليثبت فيهما الحبل الذي يعلق منه الطبل ويدهن باللونين الاسود والاحمر مما يكسبه لونا مميزا ويزده متانة.
ويطلق الايقاعيون والمؤدون لفن الرواح مسميات على طبولهم للتعريف بها وتعود اغلب المسميات الى اسماء الاودية التي جلبت منها الاخشاب او انواع الاشجار التي التي صنعت منها تلك الطبول ومن تلك المسميات/القريطي/ نسبة الى شجرة القرط و/الهويتي/ نسبة لوادي الهوت في ولاية دبا و/العماني/ نسبة الى وادي العماني في ولاية شناص بمحافظة شمال الباطنة و/الرعد/ لقوة ايقاعه ورنته المميزة و/الغبيني/ نسبة الى وادي الغبيني في ولاية دبا و/السقيم/ لصغر حجمه ولكنه قوي الايقاع و/الحريزي/ نسبة الى اسرة حريز في نيابة ليما وغيرها من الاسماء.
وتمثل الموسيقى التقليدية جزءا من التراث العماني فتلك الرقصات والإيقاعات والأشعار والأغاني الشجية لا تمارس هكذا بدون دوافع أو حافز بل ترتكز على الأصالة العمانية العريقة، فكل شلة غنائية تمثل قصة الإنسان العماني واعتزازه بأرضه مدفوعا بعاداته وتقاليده العريقة وهي توضح التفاعل المستمر بين الإنسان وبيئته وارتباطه الوثيق بتاريخه.
