مسندم من الماضي التليد إلى الحاضر المجيد
بقعة تشرق عليها الشمس في الوطن العربي، تلكم المحافظة بديعة الجمال الواقعة في أقصى الشمال من سلطنة عمان، في شمال سلسلة جبال الحجر الغربي حيث تصب جبالها الشاهقة في مضيق هرمز مكونة جرفا وشواطئ صخرية، تكثر بها الأخوار والأزقة البحرية والخلجان والجزر الصغيرة حتى أطلق عليها “نرويج الشرق الأوسط”.
محافظة مسندم، منطقة رؤوس الجبال، هي أول ولعلي هنا أنقل نصا بانوراميا من مقدمة تقرير مطول حول محافظة مسندم عرضته مجلة "العربي" الكويتية في عددها رقم (596) لشهر يوليو 2008م: "إن لم تكن هذه هي «الواقعية السحرية»، فماذا تكون؟! جبال شاهقة، تشكلها طبقات صخرية ملونة بألوان الأرض، تحرس المكان، في ثبات. تطل على وديان، بعضها ليس سوى قفار، بلا زرع أو ماء، ووديان أخرى تتزين بالأخضر، فإذا هي بساتين لا يمكن لخيال أن يتوقع وجودها في مثل هذا المكان. تصل إليها المياه عبر قنوات غير مرئية حفرت مساراتها في باطن الجبال، إذا أنصتَّ أمكنك أن تسمع رقرقة المياه من مكان خفي، فـ «تَرِقُّ» هيبة الصمت الرهيب. في وسط البحر، الشاسع، المطل على مضيق هرمز؛ تنبثق من أعماق المياه تكوينات جبلية ضخمة، كأنها حيتان عملاقة خرجت تتنشق الهواء، فتحجرت! وجزر جبلية تلوذ بالبحر وتسكن إليه، لا يلوثها صخب أو ضجيج، تعيش بين رحمة الصخر وسلام البحر، يقطنها سكان مسالمون...".
إضافة إلى ما تميزت به محافظة مسندم من جمال طبيعي أخاذ يخلب الألباب حتى غدت مقصدا هاما للسياح، فإنها كذلك تتميز بموقعها الإستراتيجي الهام والحيوي حيث يطل جزء منها يعرف باسم رأس مسندم على الممر المائي الدولي المهم المعروف باسم مضيق هرمز، الذي تطل عليه من الشمال محافظة بندر عباس التابعة لإيران، ومن الجنوب محافظة مسندم، لذلك فإن محافظة مسندم تعتبر منطقة هامة وحساسة بالنسبة لسلطنة عمان والخليج بل وللعالم أجمع وذلك للموقع الاستراتيجي الذي تميزت به حيث إنها تشرف على أهم ممر عالمي يعد بوابة الخليج للعالم.
ويرجع سبب تسمية هذا المضيق بمضيق هرمز كونه توسط مملكة هرمز القديمة، ويفصل هذا المضيق ما بين مياه الخليج من جهة ومياه بحر عُمَان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، ويطلق على نقطة الالتقاء هذه اسم "باب فك الأسد" سمي بذلك لتكونه من تشكيلات جبلية على شكل رأس أسد، ولوجود كتلتين صخريتين تبدوان وكأنهما فكي أسد مفتوح، وقديما كان التجار والبحارة يعتبرون اللجوء لهذه المنطقة والدخول من هذه البوابة أمانا لهم من العواصف والتيارات البحرية المتشكلة في نقطة التقاء بحر عُمَان بالخيلج والمحيط الهندي.
يبلغ عرض مضيق هرمز حوالي (55) كلم، وعند أضيق نقطة فيه يبلغ عرضه نحو (34) كلم، إلا أنه ليس بأكمله صالحا للملاحة، وإنما الجزء الصالح للملاحة في المضيق يقع ضمن المياه الإقليمية لسلطنة عمان، لذلك تتولى سلطنة عمان الإشراف على حركة الملاحة البحرية في هذا المضيق الاستراتيجي وإدارة حركة العبور وتنظيمها. وتنبع أهمية مضيق هرمز الاستراتيجية من كونه معبرا لنحو 35 إلى 40% من النفط المنقول بحرا على مستوى العالم، حيث تعبره يوميا ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط تحمل ما يصل إلى 18 مليون برميل من النفط، فيمر عبر هذا المضيق الحيوي 90% من نفط الخليج إلى بلدان العالم، وتعتمد اليابان على المضيق في وصول 85% من حاجتها من النفط، وكذلك تعتمد كل من كوريا الجنوبية والهند والصين على المضيق في وصول أكثر من 70% من حاجتها من النفط، بينما تعتمد عليه الولايات المتحدة في وصول 18% من احتياجاتها النفطية. ومن هنا يُعد مضيق هرمز أحد أهم المضائق والممرات المائية في العالم، حيث يربط بين الخليج العربي من جهة، وخليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، ولذلك يعتبر المنفذ البحري الوحيد للدول المطلة على الخليج العربي.
لقد أدرك العمانيون منذ قرون عديدة الأهمية الاستراتيجية لمضيق هرمز وأن التحكم به يعني التحكم بحركة التجارة والاقتصاد العالمي، فأسسوا هناك مملكة عرفت باسم مملكة هرمز (4هـ/10م- 11هـ/17م)، حيث يذكر ان حكام هرمز هم عرب من أزد عُمَان أصولهم من قلهات المدينة العمانية المعروفة، يعود نسبهم إلى ملك من ملوك عُمَان هاجر إلى هرمز ليؤسس مملكة جديدة هناك، وقد أكد ذلك أحد حكام هرمز في أشعاره ونثره، وهو الحاكم توران شاه بن قطب الدين تهتمن (ق: 10هـ/16م)، الذي كتب نثرا وشعرا بالفارسية حول حكام هرمز وحكوماتهم وأسرهم، جُمع في كتاب سُمي (شاهنامه)، وقد نقل المؤرخ البرتغالي غاسبار دا كروز –المعاصر للتوسع البرتغالي في منطقة الخليج - ما قاله توران شاه حول تأسيس مملكة هرمز، ويؤيد هذا الرأي المؤرخ الايراني عباس إقبال، ونجد الرحالة دوارته بربوسه الذى زار عددا من مدن الخليج في القرن 10هـ/16م وحدد الأماكن التابعة لمملكة هرمز ومن بينها قلهات وقريات، يؤكد أن اللغة العربية كانت هى السائدة بمملكة هرمز، وأن غالبية السكان من العرب وحكامها من سلالة الأزد.
ولقد تمكنت مملكة هرمز من التوسع لتشمل جزر الخليج العربي ومعظم شواطئه ولذلك ركز الهرمزيون سيطرتهم على ساحل عمان، وخاصة الموانئ المهمة كمسقط وصحار وخورفكان وقريات وقلهات وصور، وقد كانت قلهات تعتبر في فترة من الفترات عاصمة ومقرا للعائلة المالكة في هرمز، بالإضافة إلى كونها مركز جباية للخراج السنوي من الموانئ والمحطات التجارية في ساحل عمان لصالح خزينة هرمز، كما كانت مسقط السوق الرئيسية لمملكة هرمز، كما يصفها دلبوكيرك (ت: 921هـ/1515م).
لقد أخذت مملكة هرمز مركزها التجاري منذ القرن 5هـ/11م، حيث أصبحت أهم منطقة لتجميع السلع التجارية في الخليج، فاستطاعت أن تجذب إليها عناصر اقتصادية وفعاليات تجارية عديدة، فأضحت ذات شهرة عالمية كمحطة رئيسية لتجارة الهند والصين وأوروبا، وكان يقيم بهرمز عدد كبير من التجار والوكلاء يقول الرحالة الإيطالي لودفيكو دي فارتما الذي زارها في سنة 1503م: "وفي المدينة ما لا يقل عن أربعمائة تاجر ووكيل يقيمون فيها بصورة دائمة للاهتمام بالسلع المختلفة التي تنقل إليها". وظلت هرمز لمدة مائتي سنة تالية على تأسيسها المركز الرئيسي للصلات التجارية بين الشرق (الهند) والشرق الأقصى وأوروبا، وصارت لهرمز شهرة في أدبيات القرون الوسطى الأوروبية، حيث ذكرها الشاعر الإنجليزي جون ملتون في ديوانه "الفردوس المفقود"، في بيت شعري يصفها بقوله: "إذا كان العالم مجرد خاتم فإن هرمز هي جوهرته".
وقد تميزت هرمز بشوارعها وميادينها الكثيرة، كانت الشوارع مغطاة بالحصر وفى بعض الحالات بالبسط، كما أن الأغطية الكتانية المعلقة من السطوح كانت تقي الناس حر الشمس الشديد، ومنازل أهل هرمز من الداخل كانت أشبه ما تكون بالمتاحف لما تحويه من تحف وقطع أثاث مستورد من الهند والصين، فضلا عن السجاد الفارسي الفاخر، والقناديل المصرية ذات النقوش الشرقية البديعة، وفي الساحات العامة كان ماء الشرب متوفر لمن يحتاج، أما عن مساكنها ومبانيها فيذكر الإدريسي (ت: 559هـ/1166م) عندما زارها بأنها: "مدينة كبيرة، كثيرة العمارة"، وهذا ما أكده باربوسه الذي وصف مدينة هرمز حين زارها في القرن 10هـ/16م فقال: "... مدينة هرمز التي لا تبدو كبيرة بقدر ما هي جميلة، بمنازلها الشامخة المبنية بالحجر والبلاط، المسطحة السقوف، والكثيرة النوافذ"، ويصف فيغويرووا بيوت هرمز فيقول: "أما البيوت فليس لها فناء طيور، ولا حديقة، باستثناء بعضها الذي له صحن دار صغير. أما متاهات الأزقة الظليلة، المرتبطة رطوبتها بضيقها، فتتعرج بين المباني الشاهقة، التي يتراوح عدد طوابقها بين الإثنين والأربعة، وتنفتح فيها نوافذ ذات مشربيات". وكان يوجد بجزيرة هرمز عدد من القصور وفندق فخم يضاهي القصور السلطانية الأخرى، كما يوجد بها مدرسة مقابل قصر السلطان، وبها بازارات -أسواق- تعقد بها الصفقات التجارية العابرة للقارات وتمارس فيها مختلف أنواع الأنشطة التجارية، كما كان يوجد بها مستشفى خصص له مبنى ضخم يسميه الهرامزة "مدرسال"، كما كان يوجد بها عدة مساجد بالإضافة إلى المسجد الجامع الموجود وسط المدينة وقد ذكر المؤلفون الأوروبيون بأنه واسع وفخم. استمرت مملكة هرمز في ازدهارها حتى سقطت على يد قوى الاستعمار الطامعة في طرق التجارة العالمية، فسقطت تحت الاحتلال البرتغالي في عام 1507م، وفي عام 1622م تمكن الإنجليز من الإطاحة بالنفوذ البرتغالي في منطقة الخليج والسيطرة على تجارة الشرق وطرقها البحرية الهامة، مما أدى إلى اندثار مملكة هرمز بشكل نهائي
بقلم // مهنا بن راشد بن حمد..
رد: مسندم من الماضي التليد إلى الحاضر المجيد
وصف رآقي لمسندم و ((مملكة هرمز )),,..
أبدع فيهــآ الكآتب ..
ونشكركـ فتى مسندم على الاختيــآر الرآئع
رد: مسندم من الماضي التليد إلى الحاضر المجيد
تسلم على الطرح فتى مسندم
أنزين ليش حاط اسمك في توقيعك
رد: مسندم من الماضي التليد إلى الحاضر المجيد
ما شاء الله معلومات جميله : )
اول مره اعرفها
رد: مسندم من الماضي التليد إلى الحاضر المجيد
رد: مسندم من الماضي التليد إلى الحاضر المجيد
مشكورين على الموضوع الجميل وبصراحة ابدعت يا فتى مسندم مشكور والله ونحب ان يكون هناك اهتمام اكثر للماضي والتراث الاصيل للمحافظة
رد: مسندم من الماضي التليد إلى الحاضر المجيد
تسلم أخوي فتى مسندم على الطرح الرائع
رد: مسندم من الماضي التليد إلى الحاضر المجيد
مشكور اخوي فتى مسندم على الموضوع الجميل والرائع وبصراحة معلومات مرة مفيدة ورائعة
رد: مسندم من الماضي التليد إلى الحاضر المجيد
مسندم مسندم يا حلاة هالاسم
رد: مسندم من الماضي التليد إلى الحاضر المجيد
ياحلاتها مسندم
و يازين أبنائه