فضل ليلة القدر والحث على الاجتهاد فيهاالحمد لله فضّل شهر رمضان على غيره من الشهور، وخصه بليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد:قال الله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان 3، 4]، وقال تعالى {إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر} [القدر 1ـ5].وهي في شهر رمضان المبارك لقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة 185] وترجى في العشر الأواخر منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه [أخرجه البخاري رقم 2020، ومسلم رقم 1169]، فينبغي الاجتهاد في كل ليالي العشر طلبا لهذه الليلة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، وأخبر تعالى أنها خير من ألف شهر وسميت ليلة القدر لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة لقوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان 4] وهو التقدير السنوي، وهو التقدير الخاص، أما التقدير العام فهو متقدم على خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما صحت بذلك الأحاديث، وقيل سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها
ومعنى قوله تعالى: {خير من ألف شهر} [القدر3] أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها، وطلبها في أوتار العشر آكد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث يبقين أو سبع يبقين أو تسع يبقين" [أخرجه البخاري رقم 2021، 2022 بلفظ قريب]،
وليلة سبع وعشرين أرجاها لقول كثير من الصحابة: إنها ليلة سبع وعشرين، منهم ابن عباس وأبي بن كعب وغيرهما، وحكمة إخفائها ليجتهد المسلمون في العبادةفي جميع ليالي العشر، كما أخفيت ساعة الجمعة من يوم الجمعة ليجتهد المسلم في جميع اليوم، ويستحب للمسلم أن أن يكثر فيها من الدعاء، لأن الدعاء فيها مستجاب، ويدعو بما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن وافقتها فبم أدعو؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" رواه أحمد وابن ماجة [أخرجه الترمذي رقم 3513، وابن ماجة رقم 3850، والحاكم 1 / 530 وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي].فيا أيها المسلمون: اجتهدوا في هذه الليلة المباركة بالصلاة والدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة فإنها فرصة العمر، والفرص لا تدوم فإن الله سبحانه أخبر أنها خير من ألف شهر، وألف شهر تزيد على ثمانين عاما، وهي عمر طويل لو قضاه الإنسان كله في طاعة الله، فليلة واحدة وهي ليلة القدر خير منه، وهذا فضل عظيم، وهذه الليلة في رمضان قطعا وفي العشر الأخير منه آكد، وإذا اجتهد المسلم في كل ليالي رمضان فقد صادف ليلة القدر قطعا ورُجي له الحصول على خيرها.فأي فضل أعظم من هذا الفضل لمن وفقه الله، فاحرصوا رحمكم الله على طلب هذه الليلة، واجتهدوا بالأعمال الصالحة لتفوزوا بثوابها، فإن المحروم من حُرم الثواب، ومن تمر عليه مواسم المغفرة ويبقى محملا بذنوبه بسبب غفلته وإعراضه وعدم مبالاته فإنه محروم.والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.أيها العاصي تب إلى ربك واسأله المغفرة فقد فتح لك باب التوبة، ودعاك إليها وجعل لك مواسم للخير تُضاعف فيها الحسنات وتُمحى فيها السيئات فخُذ لنفسك بأسباب النجاة.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضى الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :حديث اليوم
" مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ " . رواه مسلم
قطوفقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :فإن فضل الله لا يرده إلا المانع الذي في العبد، فلو زال المانع لسارع إليه الفضل من كل صـــوب"."ولو فرغ العبد المحل (أي القلب) وهيأه وأصلحه لرأى العجائب،
ذكرىجاء رسول الناصر مرة إلى منذر بن سعيد يدعوه للاستسقاء فقال للرسول : ها أنا سائر ، فليت شعري ما الذي يصنعه الخليفة في يومنا هذا ؟فقال : ما رأيته قط أخشع منه في يومه هذا ، إنه منفرد بنفسه ، لا بس أخشن الثياب ، مفترش التراب ، قد علا نحيبه واعترافه بذنوبه ، يقول : رب هذه ناصيتي بيدك ، أتراك تعذب الرعية ، وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم ، أن يفوتك مني شيء .فتهلل منذر بن سعيد وقال : يا غلام احمل الممطرة معك ، إذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء .خاطرةوَتُوْبُوا إِلَى اللهِ جَمِيْعَاً
كَفَــى يَـانَفْــسُ مَـاكَانَـا كَفَــاكِ هَــوَىً وَ عِصْــيَانَاكَفَـاكِ فَفِـي الحَشَـى صَـوْتٌ مِــنْ الإشْــفَاقِ نَادَانَــاأَمَـا آنَ الَمــآبُ ؟ بَلَـــى بَلَــى يَــانَفْـس قَـدْ آنـاسِـيَاطُ التَّـوْبِ تَزْجُرُنِــي فَـأَحْنِي الــرَّأْسَ إِذْعَانَـاوَأَطْــرُقُ وَالَحشَــا يَغْلِـي بمــَا أسْــرَفْتُ نِيْرَانَــاأصِـيْحُ بِتَـوْبَتِي نَـدَمَاً كَفَـى يَـانَفْـسُ مَـاكَانَـاإلى متى الهرب من مولاك ؟ إلى متى الفرار ممن مردك إليه ؟ فضيفك قد قارب على الرحيل ، ولم تحدث بعد توبة ؟(( فشهر رمضان ما يزال فيه متسع ، وفيه بقيته للعابدين مستمتع ، وهذا كتاب الله يتلى ويسمع ، فلا قلب يخشع ،ولا عين تدمع ، تراكمت عليك الذنوب ؛ فلم تعد تسمع ؟ أقلبك كالحجارة ، أم أشد قسوة ؟ كم مر عليك رمضان ،وحالك حال أهل القسوة ؟ )) أما تتوب ، أما آن الرجوع ؟ أما تذل ، ألا تخضع ؟أتى رمضان ، ومعه مفاتيح الغفران ، فإن أخذت بها ؛ فزت ونجوت ، وإن أعرضت خبت وخسرت .(( رَغِمَ أَنْفُ مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضانُ ؛ فَلَمْ يُغْفَرُ لَهُ )) تب عما مضى ، وأصلح ما بقي بالتوبة والاستغفار ،ودونك ليلة خير من ألف شهر ؛ أعد العدة لها ، وتأهب للظفر بها ؛(( فَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيْمَانَاً وَاحْتِسَابَاً ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) فارقبها في أوتار العشر ؛(( اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌ تُحِبُّ العَفْوَ ؛ فَاعْفُ عَنِّي )) .فوالله لئن حرمتها ؛ فقد حرمت خيراً كثيراً ؛ فقم وألهج بالثناء ، والدعاء ، ونادي :
منقول