رينز بيانو ... معماري يزدري الرسم بالكمبيوتر

رينز بيانو ... معماري يزدري الرسم بالكمبيوتر


يمشي رينزو بيانو من معمله إلى مكتبه في منطقة ماريه الراقية في باريس، ويندفع إليه شاب من أذربيجان يدرس هندسة العمارة، ويقول: ''سيد بيانو، سيد بيانو. أنا معجب بك كثيراً. هل من الممكن أن أسألك بعض الأسئلة؟''. يرفض المهندس المعماري ويبتعد عن الشاب الذي يقف فقط على بعد سنتمترات من وجهه. لقد تأخر أصلاً على فترة الغداء مع زوجته وابنه البالغ من العمر 14 عاماً، في مسكنه في حي فوزج الراقي، الذي كان من سكانه في الماضي فيكتور هوجو والكاردينال ريشيليو.

بيانو شبيه بأحد كبار نجوم الفن، لكنه مؤدب وفي الـ 75 من العمر. وبعد ذهابه بفترة طويلة، كانت هناك مجموعة من الطلاب متحلقة في المكان، تسأل بأنفاس متقطعة إن كان بإمكانهم دفع مبلغ معين مقابل قضاء وقت معه.

الشهرة أمر إشكالي بالنسبة للمهندس المعماري القادم من جنوا، الذي كانت أحدث مبتكراته هي تصميم ناطحة السحاب ''شارد'' في لندن، أطول بناية في الاتحاد الأوروبي، بارتفاع يبلغ 309.6 متر. يقول بيانو: ''إن نظام المهندس المعماري المشهور كان سيئاً للغاية. فهو يدفع بالهندسة المعمارية ليُنظَر إليها على أنها نوع من الموضة. الموضة هي الاحتفال باللحظة''.

ويقول إن الهندسة المعمارية تحتاج إلى نظرة أطول. إن الحكم على قيمة بناية معينة يحتاج إلى وقت. ''العمارة أشبه بالنهر، أو الغابة، أو المدن. إنها أمر طويل'' على حد تعبيره.

هذه المجازات المنمقة معروفة عنه. فهو يضطجع إلى الخلف على كرسيه، ويغرق في تهويمات حالمة، ويستخدم في حديثه كلمات متكررة مثل ''الرغبة'' و''الحب'' وأحياناً ''غبي''.

يقول إن الشهرة لعبة صعبة بالنسبة للمهندس المعماري. صحيح أنها تفيد في حصوله على الأعمال، لكنها تعرضه كذلك لخطر فقدان الاتصال بالواقع. ويقول كذلك: ''حين تكون شاباً، يخبرك الجميع بالحقيقة. وحين تتقدم في العمر، هناك درجة معينة من النجاح. يأخذك الناس على محمل الجد، حتى لو كان من الممكن أنك لا تستحقها. قليل جداً من الناس من يخبرك بالحقيقة''. والاستثناء لهذه القاعدة هم ''أصحاب الفكر الحر''، وهي مجموعة تشتمل على زوجته وأطفاله وعدد قليل من الأصدقاء، وبعض النقاد المعماريين، وأحياناً هو نفسه. وهناك لحظات ينظر في المرآة ويقول: ''ما هذا الذي أفعله؟ هذا دلالة على الغباء''.

وسواء كان غباء أم غير ذلك، بيانو مشغول. ولا تزال الإيرادات التي تحققها شركته، وهي ''رينزو بيانو للمباني''، صامدة رغم الكساد الذي أدى بمهندسين معماريين مثل اللورد فوستر واللورد روجرز إلى تسريح أعداد من الموظفين لديهم. وكانت مبيعاتها السنة الماضية 36.5 مليون يورو، وأرباحها 760 ألف يورو، بعد أن كانت المبيعات في 2011 عند 41.2 مليون يورو. وهذه الأرقام متواضعة مقارنة بالآلة العالمية لشركة فوستر وشركاه، البالغة 159.3 مليون جنيه.

http://www.bonah.org/images/newspost..._the-shard.jpg
بارتفاع يتجاوز 309 أمتار يعد برج شارد في لندن أطول بناية في الاتحاد الأوروبي.

إنه يرى أن أكبر حجم مناسب لشركة الهندسة المعمارية هو في حدود 100 شخص. ويقول: ''هذه نظريتي''. والواقع أن العاملين لديه 150 شخصاً، وهو ما يعتبر عدداً قليلاً للغاية – لدى شركة فوستر ألف شخص تقريباً.

والحجم مهم لأنه يحب الجو الحميم في العمل. إنه يشير إلى الشركة على أنها ''عائلتي الواسعة''، والطلاب الأجانب الذين يتدربون لديه على أنهم ''أطفالي''. ويقول: ''إنهم شباب وهم يراقبونك بأعين مفتوحة تماماً''.

وأبناؤه من زوجته الأولى أكبر سناً (48 و45 و40 سنة). وزوجته الثانية مهندسة معمارية في الشركة، وهي وتنتظره بصبر ليتناولا طعام الغداء. وبسؤالها هل تفضل أن يتقاعد زوجها الذي يسافر كثيرا (مرة كل شهر يسافر إلى الخارج لمدة أسبوع، في العادة من تل أبيب إلى نيويورك إلى لوس أنجلوس إلى سيدني) ويبقى في البيت؟ تقول: ''العمل يمثل رغبة عارمة إلى درجة أن من الأفضل الاستمرار''.

وهو يتفق معها، ويقول: ''لن أتقاعد أبداً. كيف يمكن للشخص أن يتقاعد. أنا استمتع بالحياة. أنا سعيد. لا أستطيع أن أفعل أي شيء آخر''.

إنه ممتلئ بالحياة، وبالتالي هناك مسألة حساسة يستحيل إثارتها معه، وهي خطط التوريث. وعلى خلاف اللورد روجرز، الذي أضاف شريكين إلى اللافتة الموجودة على شركته، هما جراهام ستيرك وإيفان هاربر، لا يزال اسم بيانو بيانو هو الاسم الوحيد الموجود على لافتة شركته. وهناك شركاء وزملاء يعملون معه منذ 40 عاماً، لكنه لم يرشح أحداً منهم لتولي القيادة. ويقول بغموض: ''هناك أشخاص يتولون قدراً كبيراً من المسؤولية''.

وعلى الرغم من هذه الجولات من الغموض، يشتهر مكتبه بأنه ينفق ضمن الموازنة ويلتزم بالمواعيد. ويقول: ''لست مديراً لكن لدي إحساس سليم. أنا أتمتع بالفهم الفطري. وأشعر بنفسي حين أكون على خطأ''.

وهناك ميزة في صورة بيانو العملية، وهي أن بمقدوره الاعتذار عن تنفيذ أعمال معينة، حيث يوازن المشاريع الكبيرة المربحة بالمشاريع الأصغر. وهو يعمل على مستشفى للطوارئ في أوغندا (خاسر من الناحية المالية) ويعمل كذلك على القصر العدلي في باريس، بميزانية حجمها 600 مليون يورو.

ويمتلئ مكتبه بالأضواء، وبداخله شجرة تين ضخمة تتفرع جذورها خلال البلاط في الأرضية. ويتناول أنموذجاً لأكاديمية متحف الأفلام في لوس أنجلوس، وهو عبارة عن كرة شفافة، وينزع القسم العلوي ليعرض أجساماً مصغرة في الداخل. ويقوم حرفيون مهرة بنحت هذه النماذج الأولية – إنه يزدري اعتماد المهندسين المعماريين المفرط على الرسوم التي تتم فيها الاستعانة بالكمبيوتر.

هذا التفضيل للأجسام الملموسة يضرب بجذوره في مهنة العائلة، وهي البناء. كان جده وأبوه وأربعة من أعمامه بنائين، وعمل في مواقع البناء أثناء الدراسة في جامعة البولتكنيك في ميلانو. وأسأله لماذا لم يدخل مهنة العائلة؟ فيقول: ''التمرد. حين يكون عمرك 16 أو 17 أو 18 سنة، فإن أسهل طريقة للعثور على نفسك هي التمرد''.

وعمل بعد التخرج لدى المهندس المعماري الأمريكي، لويس كان، في الولايات المتحدة وكان مشهوراً بأسلوبه العصري الضخم، قبل أن ينتقل إلى لندن. وفي لندن التقى باللورد روجرز واشتركا في إنتاج مركز جورج بومبيدو، الذي يُرى من مقر بيانو في باريس. وتعتبر علاقتهما مهمة للغاية بالنسبة لبيانو من وجهة نظر مهنية وشخصية. فهو يقول: ''رتشارد روجرز مثل أخ لي. نحن نتحدث كل أسبوع. إننا نشترك في القيم نفسها، ونقضي الوقت معاً. إنه فرد من العائلة''. ويشترك بيانو، ابن جنوا، في أخلاقياته مع اللورد روجرز ذي الميول اليسارية، الذي يلزم بيانه المكتوب شركته بتنفيذ مشاريع مسؤولة اجتماعياً. هل لديه مانفستو أيضاً؟ يبتسم ويقول: ''لدينا بيان ضمني''.

وأصبح مركز بومبيدو جزءاً أساسياً من المشهد الثقافي لباريس إلى درجة أن من السهل أن ننسى مقدار الصدمة التي سببها التصميم في ذلك الحين. كاد اللورد روجرز أن يترك الهندسة المعمارية نتيجة لمشاعر العداء، لكن بيانو يقول إن مظهر المركز، الشبيه بالمعمل، والذي افتتح في 1977، كان محاولة متعمدة لإضفاء الطابع الديمقراطي على الثقافة. ويقول: ''كانت المتاحف مغبَّرة ومملة. أردنا أن نحقن الفضول بدلاً من مشاعر الرهبة. كنا صبياناً صغاراً أشقياء''. ويضيف إن دور المهندس المعماري ''ليس تغيير العالم، وإنما تحقيق التغيير الاجتماعي'' من خلال المباني. ولم يكن يسعى وراء المشاكل، لكن من خلال تمثيل التغيرات الثقافية في مبانيه انتهى به المطاف إلى أن ''يكون دائماً واقعاً في مشكلة أو أخرى''.

وتعرضت ناطحة السحاب اللندنية، التي افتتحت في مطلع العام الحالي، لانتقادات حادة. وقد تم تمويل هذا المبنى من أموال العائلة الحاكمة القطرية الآتية من ثروات الغاز، لكنه تعرض للازدراء باعتباره نصباً سوقياً يجسد الثروة والسلطة. ذات مرة تهكم بيانو على ناطحات السحاب ووصفها بأنها ''قلاع''، فما هو رأيه في ناطحة سحاب لندن؟

''إنها جيدة. سيحتاج الأمر إلى بعض الوقت حتى تصبح مقبولة لدى الناس. احتاج الأمر إلى عشر سنوات ليصبح مركز بومبيدو مقبولاً من قبل المدينة ويحبه الناس. أما ناطحة سحاب لندن فستحتاج إلى أقل من ذلك بكثير''.

وهو يختلف مع زهاء حديد، المهندس المعماري العراقي البريطاني، الذي يعتبر لندن محافِظة. ويقول بيانو إن جو باريس خانق أكثر من لندن بكثير، وإيطاليا أسوأ حتى من باريس، ثم يهز كتفيه.

يقول إن مبنى لندن ليس رمزاً للنخبوية، رغم حقيقة أن شقق المبنى من بين أغلى الشقق في لندن – من المتوقع أن يبلغ سعر القدم المربع للشقة أربعة آلاف جنيه (أي أن الشقة التي تبلغ مساحتها 200 متر مربع سيزيد سعرها على 8.5 مليون جنيه). ويقول: ''هذا المبنى عام بدرجة كبيرة. المطعم، والمعرض، والفندق، والمكاتب. إنه أشبه بمدينة عمودية''. وهو معجب كثيراً بعمدة لندن السابق، كين ليفينجستون، الذي كان متحمساً للضفة الجنوبية لتكون منطقة موازية في وجه طاقة الحي المالي في لندن.

ويقول بيانو إن العميل المثالي هو الذي ''لديه رؤية ورغبة واضحة. عليك أن تستمع إليه، لكن لا يتعين عليك أن تكون مطيعاً. العميل أساسي. في لعبة كرة التنس التي تتسم بها المناقشات، وأنت بحاجة إلى كرة التنس''.

السيرة الذاتية:
تاريخ الميلاد: أيلول (سبتمبر) 1937، مدينة جنوا

الدراسة: تخرج عام 1964 في جامعة البوليتكنيك في ميلانو

الحياة المهنية:
1971: أسس مكتب بيانو وروجرز بالاشتراك مع رتشارد روجرز
1977: أسس أتيليه بيانو ورايس مع المهندس البريطاني بيتر رايس
1981: أسس مشغل بيانو بيانو للمباني.

أهم الأعمال:
1977: مركز جورج بومبيدو، باريس
1986: مجموعة منيل هيوستن
2000: ميدان بوتسادامر، برلين
2003: مركز نيشر للنحت، دالاس
2008: مقر ''نيويورك تايمز''
2013: ناطحة السحاب شارد في لندن

الجوائز:
1989: ميدالية ريبا رويال الذهبية للهندسة المعمارية
1995: جائزة بريميوم إمبريال في طوكيو
1998: جائزة بْرِتزكر للهندسة المعمارية
2008: الميدالية الذهبية من المعهد الأمريكي للمهندسين المعماريين

العائلة: متزوج، وله أربعة أبناء

\\
المصدر





المصدر: منتديات معماري - من قسم: [قسم] الاخبار والتقارير المعمارية

*** منقول ***