«الحمصي».. فلأنتِ يا حلب العُلا .. وطنٌ لأسرتهِ الصميمهْ
«الحمصي».. فلأنتِ يا حلب العُلا .. وطنٌ لأسرتهِ الصميمهْ
* الثورة السورية
شاعرٌ، بالرغمِ من أنه ولد وتوفي في مدينة «حلب» إلا أن لقب «الحمصي» كان قد التصق به، ولأن أصله من «حمص»..
المدينة السورية التي كان أجداده قد غادروها في القرن السادس عشر للميلاد، وباتجاه مدينة «حلب» التي درس في مدارس رهبانها وقساوستها، ممن تعلَّم على أيديهم اللغة العربية والنحو والعروض واللغة الفرنسية..
http://im31.gulfup.com/jAwRH.jpg
إذاً.. ليس غريباً أن يكون هذا الشاعر الذي تربى أيضاً في بيتِ علمٍ وأدب.. بيت جده لأمه «عبد الله بن جبرائيل الدلال».. ليس غريباً أن يكون أديباً وفيلسوفاً، وخصوصاً أنه ترعرع في مدينةٍ خرَّجت مبدعين ك «المتنبي» و»المعري» وسواهما ممن خُلِّدوا فيها بعد أن خلدوها.. تماماً كما خُلِّد هو أيضاً فيها، وبعد أن عانقها بقصائدٍ عديدة منها، تلك التي وقف فيها على أطلالها لينشد:
قفْ بالديارِ وحيِّها
واسألْ معاهِدَها الوسيمهْ
هلْ مالَ عنها للسِوى
مِن حُبِّها أضحى غريمهْ
يرضى العذاب بِقُربها
ويرى الشقا فيها نعيمهْ
فلأنتِ يا حلب العُلا
وطنٌ لأسرتهِ الصميمهْ
مضتْ القرونُ ولم تزل
بربوعها أبداً مقيمهْ
حلبٌ حماكِ اللهُ من
عينِ ابنِ فاجرةٍ أثيمهْ
إنه «قسطاكي الحمصي» الشاعر الذي اتَّجه ومنذ كان في السادسة عشرة من عمره، للعمل في التجارة.. لكن، وبالرغم من الثروة التي جمعها من هذا العمل، إلا أنه سرعان ما تركه، وبسبب شغفه ونهمه للعلم والمعرفة، وكذلك للترحال الذي أكسبه خبرات ووعياً ثقافياً وفكريً وسياسياً..
أيضاً، درس الفلسفة وعلم الأخلاق، وعلى يدِ الفيلسوف الفرنسي «جاكمان» ودون أن يتوقف عن القراءة وخصوصاً في كتبِ العرب.. تلك الكتب التي كان يرفض أن يقرأ ما لم يكن مكتوباً منها بالفصحى، وبما مكَّنه من اللغة وخصوصاً الخطابية، ليبدأ بعدها بكتابة الشعر ومن ثمَّ المقالات المتنوعة «الأدبية والاجتماعية واللغوية والنقدية والأخلاقية» ناهيك عن حبه للموسيقا والفنون، ولكلِّ ما جعله شديد الاعتزاز بعروبته.. ومسقط رأسه:
يا مسقطَ الرأسِ العزيز
ودرَّة الحسنِ اليتيمهْ
يا موطنَ الأدب الفصيح
ومجمعَ الشِّيم الكريمهْ
بيدَ أن عشقه للشعر، لم يمنعه من الخوض في مجالات عدة، ومن إصدار كتب ودراسات منها، السحر الحلال في شعر الدلال، ومجموعة خطب ورسائل ومقالات في أغراضٍ شتى. أيضاً، المنهل الوارد في علم الانتقاد، بالإضافة إلى ترجمته لتسعة وأربعين أديباً من أدباء حلب الذين تركوا أبلغ الأثر في القرن التاسع عشر.. وسوى ذلك مما كتبه بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وبعد اعتكافه في بيته لقرأ ويكتب ويناجي نفسه بأن:
إن كان بعضُ الشِّعرِ غير سديد
خُذْ من حديثِ النفسِ كل مفيدِ
فالنفسُ سرٌّ لم ينلْ إدراكهُ
مسترشدٌ إلا بفكِّ قيود
تتكشّفُ الدنيا له عن صورةٍ
معبودها طمعٌ بغيرِ حدودِ
هذا هو الشاعر السوري الذي كانت ولادته عام 1858 ووفاته عام 1941، وضمن منزله في شارع بغداد بحلب.. هذا هو الشاعر الذي ما أكثر ما خاطب نفسه في لحظاتِ عزلته وبعد أن شهد من الدنيا ما تأدَّب منه إلى أن ابتعد.. أيضاً، الذي خاطب دمشق- الشام عشقاً، من مفرداته:
يا جنانَ الشامِ يا ذات البها
ضمِّخي زهركِ أذكى عنبر
ثمَّ قفْ يا بلبل الحيّ بها
كخطيبٍ قدْ عَلا في منبر
واتلُ لحناً فيهِ طيبُ الأنفسِ
هذا هو «قسطاكي الحمصي» الشاعر والأديب الذي تغنى بحلب شعراً وإبداعاً وحباً إلى أن تمَّ إطلاق اسمهِ على أحد شوارعها، وتخليدهْ بتمثال نصفي من البرونز، أقيم له في إحدى ساحاتها..
*** منقول ***