من البديهيات لأي باحث تاريخي يتصدى لكتابة اي حدث تاريخي, ان يتحلى بأكبر قدر من الانصاف والموضوعية والعدالة, وان يضع اتهام الشخصيات التاريخية بالاتهامات الرخيصة جانبا, ولابد له ان يكون منصفا في أحكامه و الابتعاد عن التعصب المقيت والأهواء الذاتية.
وإن المطّلع اليوم على ما كُتِب وما يُكتَب من مقالات ومواضيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من طمس للهوية التاريخية للمنطقة وتحريف للحقائق وتزييفها ونسبتها الى غير أهلها وتغليف الباطل وتزيينه بأغلفة برّاقة تخدع أعين الدهماء من الناس حتى يروا الحسن قبيحا والقبيح حسنامن قبل بعض الجهّال الغير الملمّين بتاريخ المنطقة، ومن بعض المثقفين بدافع الحقد والكراهية، وبعض ضعفاء النفوس كل ذلك لمن المعضلات والمدلهمّات التي تشوّه التاريخ، وانه من الضروري تبصير الغافلين بنور الحقيقة التي استئصلت من العقول، وأن لا نترك الأيادي تعبث به كما تشاء لأنّ التّاريخ شرف البلدان ومجدها.
| أمسى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا |
|
وابن الفريعة أمسى بيضة البلد |
|
|
|
وبعيدا عن الإطالة، نعرّج على موضوعنا الذي نحن في صدد التطرق اليه، ألا وهو ذكر بعض زعماء الشحوح الحقيقيين الذين كان لهم الدور البارز في صناعة تاريخ المنطقة من خلال تصدرهم لأهم الوقائع والأحداث السياسية والتاريخية التي جرت في المنطقة:
أولا: الشيخ /زيد بن صالح بن علي الكمزاري الشحي الملقب ب "زيد الهلالي" - " كبير الشحيين" قائد معركة البثنة حاكم دبا (1902م)، حروبه مع القواسم في كل من رأس الخيمة ودبا، ومعاونته للفجيرة لنيل استقلالهم،وهذه رسالة من حاكم الفجيرة الى الشيخ زيد بعد حرب البثنة: من حمد بن عبدالله الشرقي......الى جناب الاكرم المكرم الافحم الاخ العزيز الشيخ زيد بن صالح سلمه الله تعالى سلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام اخبارنا ساكنة من فضل الله بوجودكم ونشكركم ونشكر رجال الشحيين الذين فزعوا لنا وبذلوا جهدهم وأزالوا الضيق الذي نحن فيه من قبل أعدائنا حيث انهم اجتمعوا لنا وأعوانهم من كل منطقة تجمعهم وصار عددهم كثير وأحاطوا في البثنة وقبضوها واستلموا حصنها ومع هجوم الشحيين المزعج وعزمهم الحار المفيد دارت المعركة بين الشحيين وأعدائنا فأخذت المعركة يوم واحد فولوا أعدائنا هاربين واستولوا شحيين البثنة وحصنها وذبح الذي ذبح وجرح الذي جرح واستلموا رجال الشحيين سبع رايات من رايات العدو ونحمد الله على هذا النصر الذي انتصرناه ومن تاريخ هذا اليوم جعلنا البثنة وملحقاتها خاصة الى الشحيين وقد رفعنا هذه البشارة الى السلطان فيصل بن تركي وإلى الشيخ زايد بن خليفة وكما نرجوا منكم البيان لهم والسلام . حرر يوم الاثنين 25 شوال سنة 1321 هجرية
ثانيا: الشيخ / عبدالله بن سنان الكمزاري الشحي حاكم دبا وتزعمه لقبائل الشحوح في حرب بدبد بجانب السلطان فيصل بن تركي ضد التمرد الذي حصل من قبائل المنطقة الداخلية سنة 1913م ،بمعاونة كل من الشيخ/رحمة بن مهدي الكمزاري الشحي، والشيخ/عبدالله بن سلطان الكمزاري الشحي،والشيخ/علي بن حسن الكمزاري الشحي حاملين راية الشحوح،كذلك معاونته لثورة الشحوح في شعم عام 1914م ورأس الخيمة.
ثالثا:الشيخ / صالح بن محمد الكمزاري الشحي .
يبلغ الشيخ صالح من العمر 42 عاما، ولقد اختير ليكون حاكما على البيعة وهو من كمزار،وجهه شاحب جدا، و سريع الغضب لأي سبب، انه ماكر وذكي ومـــوّحد للجماعة – وهو من أكثر الشخصيات أهمية من بين الشحوح – "ويظهر أن بقدرته أن يجعل خصب من بين سلطته"،وتربطه علاقات متينه مع الشيخ حمد شيخ الفجيرة، وهم في تحالف متعاون سواء كان دفاعيا أو حتى هجوميا،ومتعاون مع مشايخ كمزار حيث تربط بينهم علاقات قوية. تتبع ليما للشيخ صالح و كذلك شحوح شعم بالقرب من رأس الخيمة،ولقد بنى مؤخرا سوق يتكون من 14 محلا بالقرب من الشاطئ في دبا، وهو يملك أيضا مركبا .
حكم دبا وبذكائه وحنكته أستطاع بأن يمد جسور التعاون مع جيرانه السكان من إماراتي الشارقة والفجيرة ، وأصبح سكان مناطق هاتين الامارتين القاطنين في دبا يترددون للبت لهم في مشاكلهم ، بل وتدخل في حل الخلافات بين الحكومتين ، وفي عهده استدان له وادي مدحاء وحجر بني حميد وطوي خالد والجرادية ، وصارت من ضمن مناطقه ، وبعض العشائر الشحية قبل حكمه يقضون فترة صيفهم فيها وفي الشتاء يرحلون الى مناطقهم في رؤوس الجبال ، وفي عهده أستقروا يقضون وقتهم فيها طوال العام وخاصة في منطقتي طوي خالد ومنطقة الجرادية. وقد وصفته المصادر الإنجليزية بحاذق الذكاء ، والموقف الثابت الذي بدأ به في الفترة التي كانوا الشحوح منقسمين ، كشف نوايا المخطط البريطاني من احتلال خصب وأبدا استعداده للوقوف بجانب الشيخ حسن بن محمد ، وقد وجه بهذا الخصوص رسالة ضد التدخل البريطاني يخاطب فيها الوزير العماني ابراهيم بن محمد والسيد ناصر بن خلفان ممثل حكومة عمان في خصب يقول فيها :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتابكم الكريم قد وصلنا وفهمنا ما تتضمنه وبالأخص وصول البارجة الى خصب . ليكن لديكم أيها الاخ الكريم أننا لن نسلم مناطقنا لأي شخص اطلاقا، أما بخصوصكم فإنكم لستم ملوكا علينا حتى تبحثوا في أحوالنا، ولهذا نرجوا أن يؤجلوا العملية, أما إذا وصل السلطان السيد تيمور إلى مسقط فإننا سوف نقابله ونرى ماذا سيفعل وزراؤه حول الموضوع . هذا ما لزم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 28 / 1 / 1930م.
رابعا: الشيخ / حسن بن رحمة بن حسن بن مهدي الكمزاري الشحي، وحربه المشهورة ضد القواسم سنة 1941م،دامت رحاها سبع سنوات لفترات متفرقة، والتي عرفت بحادثة بناء المربعة، ينسب إليه بعض البطولات، وفي إحدى المعارك رهن بيته عند تاجر لشراءالاسلحة دفاعا عندبا، تم اختياره لمشيخة دبا بعد موت الشيخ/ محمد بن علي بن مهدي الكمزاري الشحي،قام بترميم قلعة دبا وسكن فيها فترة حكمه،أظهر عداوة شديدة للقواسم على غرار جده الأول الشيخ / حسن بن رحمة الذي كانيعتبر رأس الخيمة منطقة تابعة للشحيين ويجب استردادها،وخاض مع القواسم حروبا عدة.
هذا غيض من فيض، ولضيق المقام لم يسع ذكر مجمل الأحداث التاريخية بتفاصيلها الدقيقة مكتفين في ذلك وعلى عجالة بذكر أبرز الشخصيات الهامة، حتى تسنح الفرصة في قادم الأيام للتطرق إلى ذكر سير بقية المشايخ والذين يصل عددهم الى حوالي 75 شيخا، منهم حوالي 20 حاكما لدبا، والبقية كانوا شيوخا في خصب وكمزار.
المراجع:
1.موسوعة عمان الوثائق السرية.
2.العز في القناعة.
3.مخاطر الاستكشاف في الجزيرة العربية.
4.سجلات المقيم البريطاني.
5.دليل الخليج لوريمر.
