هل هناك عشق ... تساوي ... عشق الوطن ؟؟!!
في ذلك المساء ... وأنا ذاهب لكي أبحث عن مصدر رزق (البحر) ... وما أن وصلت إلى المرفأ ... ونزلت الى قاربي البسيط ... وفجأة ... وبدون مقدمات ... طرأ تغيير في حالة الجو ... اذا برياح أتيه ... ترتفع معه أمواج البحر ... فرجعت أندب حظي ... وبعدها قررت بأن لا ينتهي يومي ... كعادتي ... بقراءة رواية ... أو ... ببحث في عالم التقنية ... فقررت أن أركب تلك المركبة ... التي اقتنيتها من الوكالة قبل عشرات السنين ... المركبة الخفيفة ... والبسيطة ... التي تليق بالبسطاء ... والفقراء من أمثالي ... فهي ما زالت تعمل ...وتؤدي ... فلديها الرغبة ... والقوة ... والإرادة ... كي تصول ... وتجول ... وتتنفس من خيرات الوطن ... كصاحبها ...!!
وبعد أن توجهت الى الطريق العام ... فإذا بي أشاهد ذلك الصديق ... واقفاً ... على جانب الرصيف ... وكأنه يغار مني ... فقد رجع من مرفئ القوارب ... لنفس الأسباب ... وأبى أن لا ينتهي يومه إلا أن يتنفس من خيرات الوطن ... فوقفت بجانبه ... وبعد السلام ركبنا تارة أخرى ... فإذا بنا نصول ونجول في شوارع الوطن ... ونتحدث عن شجونها ... وهمومها ... وقد بحثنا عن الجانب المشرق ... والمضيء ...في هذا الوطن ... لم نجده !! ... لم نجده ... الا مع المرصعين بالخناجر ... والعمائم ... فتلك الأراضي المسورة ... والمباني المطلة على المضيق ... في المثلثات ... وما حولها من المربعات التي تبنى ...هي من أعمالهم ... فلا يجوز الاقتراب منه ...لأنها خطوط حمراء ... يعاقب من تسول له نفسه بالتحدث ... أو الاقتراب منه ... بعقوبة ... السجن المطلق ... أو الصمت المطلق !!
وفجأة ... يطبق الصمت ... فمن الطبيعي عند الحديث عن هؤلاء ... تتشرد الذهن ... الى أحلام عجيبة ... وغريبة ... مع البرودة الرائعة في (سيارتي ) الجميلة ... باختلاف جو الوطن ... الجو المغبر ... مع الرياح النشطة ... وحرارتها التي تكاد أن تصل الى 50 درجة مأوية ... وبعد مرورنا بلحظات ... أمام بعض أبناء الوطن ... يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة ... مع عطفنا ... وحزننا ... على شباب الوطن ... ومهنتهم ... وما نسمع من خيرات الوطن ... التي تذهب ... وتوزع على البعض ... من خزائن الوطن ...!!
فإذا بسؤال الصديق ... تحطم الصمت ... يقول ... أتعلم لمن ذلك المنزل التي أمامنا ؟ ... فقلت .. لا ... فقال ... لفلان .. فتذكرت فلان ... ورجع بي أسم فلان الى زمن الطفولة ... وتذكرت تلك المرحلة ... بكل تفاصيلها ... من شقاوتها ... وشيطنتها ... مرحلة اللطف .. والحب ... مرحلة اللعب ... والمرح ... مرحلة العنف ... والضرب ... !!
فلان ؟!! ... نعم فلان ... ذلك الشخص الذي يكره الدراسة ويلعنها !! ... لم يكن من المتفوقين ... ولم يكن من المثابرين ... بل كان شيطاناً في هيئة انسان ... كان زعيماً للعصابة ... يعشق الضرب ... والتكسير ... والتخريب ... وعدد مرات فصله لا تحصى ... فلم يكمل دراسته ... فتخرج من الإعدادية بتقدير أربع مواد ... ولكنه أتجه إلى مهنة الاباء ... وتعلم تلك المهنة ... تعلمها بكل جهد ... وتعب ... حتى بنى له ذلك المنزل البسيط ... كي تحميه من شر (الشتاء والصيف) ...!!
فسألني صديقي ... لماذا لا تبني لك منزلاً ؟! ... فلديك وظيفة حكومية ... المنزل مطلب مهم ... ومن ضروريات الحياة ... فقلت له ... لا أملك من الذكاء ... والفطنة ... كفلان ... لأننا ضيعنا سنوات عمرنا ... بعد أن أكملنا دراستنا ... بالشقاء ... والتعب ... أتجهنا الى العمل الحكومي ... العمل المكتبي ... وبمرتب لا تكاد أن تفي باحتياجات الحياة البسيطة ... فالأراضي المعروضة للبيع ... أسعارها خيالية تحتاج الى مئات السنين ... وتحتاج الى ركض الوحوش ... لكي تجمع لها مبلغاً من المال ... لشراء قطعة ... تساوي ...غرفتين ... فكيف ببناء منزل ؟؟!!
فقال ... أترى ذلك المنزل ؟؟ ... فقلت نعم ... ولا أعتقد بأنك تعرف صاحبه ؟... أنه منزل جميل ... وبها من الزخارف والتشكيلات التي تؤكد بانها ليست للبسطاء ... والفقراء ... فقال أعرفه ...انه فلان ... وقد تم تأجيرها للوزارة الفلانية ... بمبلغ خيالي ... وهو مسؤول في نفس الوزارة (منصب والده) ... بعد أن أنتقل والده الى رحمة الله ...(الله يرحمه)... فقلت له ... حتى الوظائف بالوراثة ؟؟!! ... ومنزله مؤجر إلى جهة عمله ... هكذا وطننا ... فكل شبر بها ... بالوراثة ... ما أن يولد حتى تكتب الوظيفة باسمه ... وتكتب تلك القطعة باسمه ... تلك واقعنا ... لا مفر منه ... وما أن تتحدث ... أو تنتطق بكلمة ... أو بجرة قلم ... حتى تكون عدواً للوطن !!!
أقول لصاحبي وبابتسامة باردة ... وحزن في القلب ... هون عليك يا سيدي ... إنها الوطن !!!
الوطن ... بحلوها ... ومرها ... ولطفها ... ودفئ حضنها ... التي تشبه حضن الأم ... لا يمكن أن نفارقها ... لا يمكن ... لا ... ومليون لا ... لن نترك الوطن ... فهي عشق أبدي ... عشناها ... وتعايشناها ... والأرزاق مقسمة من عند رب العباد ... وكل يأخذ قسمته ... ولن تموت نفس ... حتى تستوفى رزقها ... لكي نرتقي !!
خيال الظل .
المفضلات