بيان النوع الأول من مفسدات الصومالحمد لله رب العالمين، أمر بإصلاح العمل، ونهى عن إبطاله فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد 33]، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:اعلموا أنه يجب بيان مفسدات الصيام، ليعرفها المسلم فيبتعد عنها، ويكون على حذر منها.وهذه المفسدات على نوعين:النوع الأول: ما يبطل الصوم ويلزم معه القضاء.النوع الثاني: ما يفسد ثواب الصوم ولا يلزم معه القضاء.فالمفسدات التي تبطل الصوم وتوجب القضاء أنواع:النوع الأول: الجماع:فمتى جامع الصائم في نهار رمضان بطل صيامه، وعليه الإمساك بقية يومه، وعليه التوبة إلى الله والاستغفار، ويقضي هذا اليوم الذي جامع فيه، وعليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أن يصوم شهرين متتابعين، أطعم ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع من بر أو غيره مما يكون طعاما في عادة أهل البلد، والذي لا يستطيع الصيام هو الذي لا يقدر عليه لمانع صحيح، وليس معناه من يشق عليه الصيام، والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت وأهلكت، قال: "وما أهلكك؟" قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: "هل تجد ما تعتق به رقبة؟" قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال: لا، قال: "فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟" قال: لا، ثم جلس فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، قال: "تصدق بهذا"، فقال: أعلى أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا،فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، قال: "اذهب فأطعمه أهلك"" [أخرجه البخاري رقم 1936، ومسلم رقم 1111].وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الجماع في حق الصائم فيه شبه بالحيض والحجامة من ناحية أنه استفراغ، وفيه شبه بالأكل والشرب من ناحية الشهوة، فقال رحمه الله: وأما الجماع فباعتبار أنه سبب إنزال المني يجري مجرى الاستقاءة والحيض والاحتجام فإنه نوع من الاستفراغ ومن جهة أنه إحدى الشهوتين، فجرى مجرى الأكل والشرب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه أنه قال في الصائم: "يدع طعامه وشرابه من أجلي" [أخرجه البخاري رقم 1894، ومسلم رقم 1151]،فترك الإنسان ما يشتهيه لله هو عبادة مقصودة يثاب عليها.والجماع من أعظم نعيم البدن وسرور النفس وانبساطها، وهو يحرك الشهوة والدم والبدن أكثر من الأكل، فإذا كان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والغذاء يبسط الدم فتنبسط نفسه إلى الشهوات، فهذا المعنى في الجماع أبلغ، فإنه يبسط إرادة النفس للشهوات ويشغل إرادتها عن العبادة، بل الجماع هو غاية الشهوات وشهوته أعظم من شهوة الطعام والشراب، ولهذا أوجب على المجامع كفارة الظهار فوجب عليه العتق أو ما يقوم مقامه بالسنة والإجماع، لأن هذا أغلظ ودواعيه أقوى، والمفسدة به أشد: فهذا أعظم الحكمتين في تحريم الجماع، وأما كونه يضعف البدن كالاستفراغ، فهذه حكمة أخرى، فصار فيها كالاستقاءة والحيض، وهو في ذلك أبلغ منهما، فكان إفساده الصوم أبلغ من إفساد الأكل والحيض. انتهى كلامه رحمه الله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:حديث اليوم
(مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلا رِيحَ لَهَا)
رواه البخاري.
عن معاذ بن جبل قال:قطوف
"سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت, يقرؤونه لايجدون له لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم طمع لايخالطه خوف,إن قصروا قالوا سنبلغ وإن أساؤوا قالوا سيُغفر لنا إنا لانشرك بالله شيئا".
قال أبو نصر الرملي: أتانا الفضيل بن عياض بمكة فسألناه أن يملي علينا فقال: " ضيعتم كتاب الله وطلبتم كلام فضيل وابن عيينة ولو تفرغتم لكتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون" قلنا: قد تعلمنا القرآن.ذكرى
قال: " إن في تعلم القرآن شغلاً لأعماركم وأعمار أولادكم وأولاد أولادكم, قلنا: كيف؟
قال: لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمه ومتشابهه وحلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه, إذا عرفتم ذلك اشتغلتم عن كلام فضيل وغيره. ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم
" ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين" سورة يونس.
خاطرةأنيس الصائمقراءة القرآن كرامة، أكرم الله بها عباده، تمنتها الملائكة؛ فلم يعطها؛ فاشتاقت لسماعه من عبادالله المؤمنين، ولقد كان دأب السلف الصالح رضي الله عنهم مع القرآن عجباً؛ فشهر رمضان،شهر القرآن.وقد سئل الإمام الزهري رحمه الله، عن العمل في رمضان؟ فقال:إنما هو تلاوة القرآن.بل حتى مجالس العلم، يفرون منها، ويقبلون على كتاب الله؛ تلاوةً، وتدبراً، وتفكراً، وتفهماً،إيه يا أمة القرآن، ماأكرمك!كان للإمام الشافعي رحمه الله، في كل يوم ختمتان؛ ختمةٌ في الصباح، وأخرى في المساء،ترك مجلس الفقه، وانشغل بكلام موالاه؛ فبارك له في صباحه ومساه.وذا الحسين بن علي رضي الله عنهما، يصف كيف كان الجيل الأول يعتني بكلام الله؛فيقولإن من كان قبلكم، رأوا القرآن رسائل من ربهم؛ فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها بالنهار )
فأي روعةٍ للبيت المسلم، وصوت القرآن يرتل فيه في كل زاويةٍ.فاسمع إلى الأب، يقرأ :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )البقرة:218.والأم في مطبخها، لم تغفل عن وردها، وتقرأ من حفظها:( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )التوبة:100.فأي سعادةٍ تلقى كبيتٍ صوتُ القرآن فيه؛ كدوي النحل؛ فلتسمع الأمة أجمع:( ياأهل القرآن لستم على شيء؛ حتى تقيموا القرآن)
منقول
المفضلات