تحتضن معالم تراثية ونفائس ومخطوطات قديمة -
استطلاع – خليفة بن سعيد الحجري -
حظيت ولاية بدية بمحافظة شمال الشرقية باهتمام كبير من محبي التراث والأصالة وعشاق التصوير الفوتوغرافي والتلفزيون الذين يشدون الرحال كل عام لسبر أغوار الماضي والتعرف على تنوع طبيعي وتراثي واجتماعي فريد تحتضنه هذه الولاية العمانية الجميلة التي تمثل متحفا طبيعيا يحتفظ إلى يومنا هذا بإرث ثقافي واجتماعي متجدد ومتواصل عبر الأجيال على الرغم من مجريات العصر ومتغيراته المتسارعة التي لم تغر بعد أبناء هذه الولاية الصحراوية التي يطلق عليها أهلها أرض الواحات الغناء والرمال الذهبية الناعمة وبوابة الصحراء العمانية
وتحتضن بدية ملامح طبيعية وتراثية متنوعة تمتزج فيها روح الأصالة والتراث بالطبيعة الخلابة التي تتزين بها الواحات الصحراوية الجميلة حيث تمثل هذه البيئة منجما خصبا لهواة التصوير الفوتوغرافي والتوثيق التلفزيوني حيث يحضر عشاق التراث ومحبو التصوير في مختلف المناسبات الاجتماعية والتراثية والرياضية التي تنظمها الولاية خلال مواسم الأعياد المختلفة وذلك من أجل اقتناص أفضل الصور الإبداعية والمتميزة التي تجسد حياة الصحراء بجمالها وهدوئها وتنوع مفرداتها الطبيعية والاجتماعية النادرة وتعتبر مثل هذه الصور كنزا حقيقيا لهواة ممن يشاركون في مسابقات محلية وعالمية ويحصدون من خلالها على جوائز تضاف إلى رصيدهم في هذا المجال حيث حققت مجموعة من هواة التصوير بالسلطنة نتائج عالمية في هذا المجال من خلال استثمارهم لمختلف الملامح والأنشطة التراثية والاجتماعية التي تبرز أصالة وتراث الإنسان العماني على هذه الأرض الطيبة
معالم أثريةفي ولاية بدية تمثل القلاع والحصون العمانية نافذة مضيئة تفتح أشرعتها على الماضي وهي بحق تكشف عن تاريخ عماني أصيل ضارب في القدم وقد حظيت هذه الكنوز الأثرية باهتمام بالغ من قبل الحكومة على مدى سنوات النهضة المباركة حيث شملت هذه المرافق بالصيانة والترميم والتحديث والتطوير حتى أصبحت تمثل بحق ذاكرة الزمن الغابر ورمز من رموز الحضارة الضارب في قدم التاريخ التي تفتح أشرعتها للزوار والسياح لتحكي أصالة وعراقة الشعب العماني وقصة كفاحه على مدى العصور
ويعد حصن المنترب في بدية معلما بارزا ومهما لهذه الولاية السياحية الجميلة حيث يحظى هذا الحصن باهتمام سياحي كبير وقد بني الحصن في أوائل القرن السابع الهجري وأعيد ترميمه في عهد الإمام عزان بن قيس البوسعيدي كما قامت الحكومة الرشيدة بإعادة ترميمه وافتتاحه كمعلم تراثي عام 1991 ميلادية حيث أصبح هذا الحصن أحد المزارات السياحية المهمة على مستوى السلطنة
وقد فاز هذا الحصن قبل أيام بالمركز الثاني في مسابقة الجودة للحصون على مستوى المنطقة الشرقية والتي نظمتها وزارة السياحة ضمن جهودها المستمرة لتطوير المرافق السياحية بالسلطنة ويتكون الحصن من دور ارضي ودورين علويين أما الدور الأرضي فيشتمل على بوابة رئيسية تتوسط المبنى تغلق ببابين كبيرين ويوجد إلى يمين المدخل الرئيسي برزة الوالي والتي يبلغ طولها عشرة أمتار وتتسع لجلوس عشرين فردا من العسكر الأفراد وقد استخدم في بناء الغرف والممرات بالدورين أسلوب الكفي وهو على شكل خلية النحل وهو بناء فريد يتميز به بناء هذا الحصن حيث لم يستخدم في بناء السقف جذوع النخيل أو الحطب حيث تم البناء باستخدام مواد خام طبيعية وتوجد بالدور الأرضي غرف للمشاورات وغرف متعددة الأغراض ومسجد وبئر للمياه يتوسط الدور الأرضي كما يشتمل هذا الحصن على غرف خاصة للوالي وعائلته وغرف ومخازن وغرف أخرى لعقيد العسكر ومخازن للذخائر وغير ذلك من الاستخدامات الأخرى
أما الدور العلوي فيشتمل على ليوان طويل استخدم قديما كمدرسة لتدريس القران الكريم والعلوم الدينية واللغة العربية وأماكن خاصة للسكان وتشرف فتحات التهوية على بلدة المنترب حيث تعتبر مصدرا حيويا لدخول هواء الكوس خلال فترة المساء وتوجد العديد من الشرفات المطلة على بلدة المنترب وفي الدور الثاني فهو مفتوح على فضاء خارجي يطل على واحة المنترب من جميع الاتجاهات.
متحف بدية
ساهم متحف بدية للتراث منذ افتتاحه قبل عام بجهود ملموسة في التعريف بالإرث الثقافي والحضاري لواحات بدية وفنونها وعاداتها وتراثها الأصيل ويعمل هذا المشروع الذي يضم نفائس ثمينة في دعم الأنشطة السياحية في بدية من خلال تنظيم برامج استقبال للزوار والسياح الذين يتوافدون على واحات بدية والمناطق الصحراوية برمال الشرقية على مدار العام حيث يعد هذا المتحف أهم معلم تراثي وسياحي متخصص هو الأول من نوعه مستوى السلطنة من حيث الأهمية فهو يضم مقتنيات نادرة وفريدة تحكي للزائر والسائح حقبا تاريخية متواصلة يعود بعضها إلى أكثر من 1200عاما مضت حيث تعد مقتنيات هذا المرفق نفائس وطنية غاية في الأهمية
ويعمل المتحف بشكل متواصل على مدارس الأسبوع في استقبال الجمهور من الزوار من داخل السلطنة والسياح الأجانب كما ينظم برامج تعريفية عن مرافقه ومحتوياته لطلاب المدارس من أجل إتاحة الفرصة للزائرين للتجوال في ماضي هذا الوطن وتاريخه المجيد وحاضره المشرق
ويبرز المتحف ضمن إطلالته على السياحة الداخلية والخارجية على إبراز دور الحضارة العمانية مع محيطها الإنساني وقد روعي في بناء الصالة الرئيسية للعرض والمرافق المختلفة التي بنيت وفق طابع عماني استخدمت فيه خامات البيئة المحلية بما يجسد ملامح عمانية خالصة ويتكون المتحف من سبع صالات عرض رئيسة سميت بأسماء قرى ولاية بدية وواحاتها الجميلة بهدف جذب السائح وتعريفيه بنشاط الإنسان العماني وتاريخه في بناء هذه الواحات بين أحضان الرمال الذهبية الناعمة
ويضم هذا المرفق العديد من الأقسام والأركان المهمة للتعريف بالتراث حيث يضم ركن البنادق التقليدية القديمة وتم في هذه الصالة عرض أنواع من بندقية الصمعاء التي تشتهر في عمان منذ القدم ويحتوي هذا الركن على نماذج متنوعة من الدلال النحاسية ولها نقش دقيق وفريد مطعمة بالفضة وكما تم الاختيار لهذه الدلال من بين 45 دلة موزعة في أقسام المتحف بطريقة تراثية وتبرز الكرم العربي ورمز الاحتفاء بالضيف
بينما تضم الصالة الثانية نماذج للعملات القديمة النادرة ويبلغ عددها بين 5 آلاف وخمسة آلاف ومائتين عملة بعضها تم عرضه في موقع بارز بالمتحف فيما تم الاحتفاظ بالبعض الآخر في خزينة سبلة العروس ومن بين أشهر هذه العملات 25 قطعة أثرية نادرة الوجود وبحسب صاحب المتحف فإن بعض العملات ليس له مثيل ولم يتم التعرف علية لقدم تاريخه ولا يزال العمل جاريا لفك رموزها وتحديد فترة صكها وفق التسلسل الزمني لفترة استخدامها وتداولاها في عمان وزنجبار أثناء حكم العمانيين لشرق إفريقيا
وخصصت إدارة المتحف ركنا فريدا من نوعه وبتشكيلات متنوعة لإبراز الخنجر العماني وهو رمز وطني خالد حيث تم توثيق أنواع الخناجر العمانية وهي رمز الرجولة والفخر لدى العمانيين قديما وحديثا وتتصدر خنجر آل سعيد بمختلف أنواعها وأشكالها المتحف إلى جانب عرض نماذج متنوعة من خناجر عمانية قديمة والتي تلبس بالداخلية والشرقية وخصص لولاية بدية ركن يعرض بشكل خاص أنواع من الخناجر الفضية المزخرفة التي يزينها القرن السيفاني والنصلة الداخلية للخنجر خاصة تلك الخناجر ذات الثمن المرتفع بسبب نقوشها وسعر نصالها الحادة وبعضها لها تاريخ مسجل ومعروف بقدمها
كما ينفرد المتحف السياحي والتراثي في بدية بوجود صالة سميت باسم «آل سعيد» عرفانا بالدور القيادي والحضاري للسلطنة منذ عهد الإمبراطورية العمانية ويعرض المتحف نماذج من الخناجر والسيوف والبنادق التي تحكي حقبة حكم السادة البوسعيديين خلال حكمهم لمسقط وزنجبار وتوجد نماذج فريدة ومقتنيات فضية مطعمة بالذهب وسيوف ومعروضات أخرى تتحدث عن تاريخ حافل بالعطاء للأسرة البوسعيدية
فنون وعادات أصيلة
يرتبط أهالي بدية بكثير من العادات الأصيلة والفنون التقليدية التي لا تزال تتواصل إلى يومنا هذا وتعتبر استمرارا للموروث الحضاري لقاطني الصحراء ويمثل فن الونة واحدا من أبرز فنون البادية على الإطلاق حيث تقام حلقات الونة في مختلف المناسبات وخلال الأيام المقمرة وهو فن يقدمه الرجال فيما تشارك فيه النساء في بعض الأحيان بترديد الأهازيج المرافقة كما يردد حادي الإبل أهازيج الهمبل والتغرود على ظهور الجمال وما يزال فن الربابة واحدا من أهم فنون البادية التي تشهد إقبالا متزايدا من قبل الأهالي والسياح وللنساء العديد من الفنون البدوية التي يحافظن عليها إلى يومنا هذا ومن بينها أبو زلف والمزيفينة والطارق وفنون أخرى جميلة ومعبرة عن الأنس والفرح.
وفي مناسبات الأعراس والختان تقام الرزحة العمانية بالقرب من مصادر مياه الشرب في حلقات يحتفل فيها البدوي باعتزاز بموروثه الثقافي والحضاري احتفاءه بالمناسبات المختلفة حيث يتم تنظيم برامج خاصة من بينها إحياء سباقات عرضة الهجن بعد أن توقفت لمدة تصل إلى 30 عاما وفي هذا الإطار أحيت لجنة الهجن مؤخرا العديد من سباقات العرضة بالميادين القديمة حيث اشتملت على عروض تنافسية لسباقات الجمال إضافة إلى سباقات عرضة الخيل التي تشتهر بها بدية وتقام هذه السباقات التراثية تزامنا مع هبطات بدية السنوية في السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر رمضان وخلال أيام الثاني والرابع والسادس والسابع من شهر ذي الحجة كل عام وفي مناسبة عيد الفطر
متعة التجوال
للرمال الذهبية الناعمة في بدية متعة وتشويق نادر لا يمكن نسيانه وتنطلق معظم الرحلات الخلوية للسياح والزوار وعشاق التصوير مع بداية خيوط الصباح الأولى حيث يتجهون بشكل فردي أو جماعي يتسلقون التلال الرملية من أجل الحصول على تصوير لوحة الطبيعة الخلابة التي تتجلى في منظر واحات النخيل الخضراء وسط الرمال الناعمة والهواء العليل وصوت تغريد الطيور من حولهم وما يلفه الهدوء والسكون في تلك الواحات الجميلة والمشهد بلا شك غاية في الروعة والجمال يجتذب إليه كل من يزور هذه الواحات من السياح الأجانب والزوار والمهتمين بالتصوير حيث يندهش لجمال المشهد الذي تتجانس فيه الصحراء برمالها الذهبية الناعمة ذات اللون الأصفر والأحمر مع البيئة الزراعية التي احتضنت واحات غناء رائعة الحسن والجمال ومن بين ابرز الواحات الراكة التي تحيط بها التلال الرملية من ثلاث جهات وتشكل منظرا بديعا إلى جانب واحة شاحك وكذلك الحال بالنسبة لواحة الحوية الشهيرة فيما يقبل بعض الهواة على ارتياد مناطق أخرى مثل الواصل ذات الأبراج والقلاع والظاهر التي تشتهر ببيئتها الجبلية فيما يحط الزوار رحالهم بعد ذلك في واحة المنترب وهي القلب النابض بالحركة والنشاط قبل التوجه إلى بقية المناطق مثل الغبي وفلج المطاوعة والشباك وهاتوه والشارق وغيرها من القرى المتناثرة على سفوح الرمال الجميلة
غروب الشمس
تجسد لوحة غروب الشمس في رمال بدية أجمل مشاهد الجمال في الصحراء والزائر لهذه الرمال والواحات لا يفوت أبدا هذه المناظر التي يعشقها هواة التصوير ويحرص السياح الأجانب خاصة على مشاهدة لوحة الغروب حتى أصبحت هذه الفعالية أحد البرامج المميزة لمعظم المخيمات الصحراوية في بدية حيث يكون المشهد رائعا وبديعا عندما تمتد خيوط الشمس منسابة بألوانها الذهبية فوق تلال رملية مخضبة بلون الذهب ويعد مشهد ركوب الجمال والتجوال في الصحراء إحدى تجليات الجمال الطبيعي والتراثي لأبناء البادية الذين يجوبون الصحراء جيئة وذهابا على ظهور الإبل في مشهد تراثي يتوقف عنده الزائر والسائح للمشاهدة والتصوير والتوثيق فيما يحرص بعض زوار هذه الرمال على ركوب الجمال وعبور التلال الرملية والجوال في ربوع الصحراء ومشاهدة الطبيعة وأمسياتها الجميلة.
ويتوقف الزائر للواحات والمناطق الرملية ليشاهد الأطفال وهم يمارسون هوايتهم في التزحلق على الرمال التي باتت أحد الأنشطة المهمة في رمال بدية الذهبية ويستمع الصغار والكبار بمزاولة هوايتهم المحببة في ركوب الرمال في مشهد عفوي وطبيعي نادر في بيئة الصحراء.
حرف تقليدية
على الرغم من مغريات الحداثة والتطوير في هذا العصر لا يزال الإنسان يرتبط إلى اليوم ارتباطا وثيقا بعاداته وموروثاته التقليدية لأنه ابن هذه الأرض الطيبة وفي بدية وواحاتها الرملية يحرص الأهالي وأبناء البادية بشكل خاص على الاهتمام بالموروث والمحافظة على كثير من العادات الأصيلة ويحافظ ابن البادية على نمط حياة الصحراء ويجد الزوار والسياح وهواة التصوير فرصة سانحة عند زيارتهم لسكان البادية ويعيشون معهم نمط الحياة ويتعرفون على مشغولاتهم اليدوية وتراثهم وفنون وعادات وتقاليد البدو سواء في نمط العيش أوالتنقل وكذلك الحال في أنواع الغذاء والملابس والفنون والعادات التي تقام في المناطق الصحراوية حيث يقومون بتوثيق ذلك سواء بالتدوين أو التصوير وإجراء المقابلات كما يتعرفون على مجموعة من أشهر المشغولات والصناعات اليدوية التي يتم تطرزيها يدويا باستخدام صوف الأغنام والإبل حيث ترتبط معظم هذه المشغولات بالبيئة الصحراوية وتقوم النساء بصنع هذه المشغولات بهدف تجميل الإبل والخيل فيما تم تدريب وتشجيع أصحاب هذه المشغولات والحرف من أجل إنتاج نماذج مطورة ومبتكرة لتشجيع الأسر المنتجة على بيعها كتذكارات سياحية تحكي للزائر والمقيم أصالة وعراقة الإنسان العماني ومحافظته على موروثاته التقليدية الأصيلة
منقول من جريدة عمان
المفضلات