عبـــاس محمـود العقــاد..العالـم الــذي يتسـاوى فيــه كـل شــيء لاشـــيء فيــه

* الثورة السورية




سئل الزعيم سعد زغلول ذات مرة عن العقاد فقال: أديب فحل له قلم جبار ورجولة كاملة ووطنية صافية واطلاع واسع وما قرأت له بحثا أو رسالة في جريدة أو مجلة إلا أعجبت به غاية الإعجاب.

عاش عباس العقاد في بيت ريفي قديم معتزا بنفسه غيورا على أهله وكرامته، تلقى مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في كتّاب القرية، حتى إذا مابلغ السابعة من عمره ألحقه والده بمدرسة أسوان الابتدائية وبين جدران هذه المدرسة ظهرت علامات الذكاء والنبوغ على عباس محمود العقاد وكان مدرس اللغة العربية يعجب به أيما إعجاب كلما طالع كراسته في الإنشاء، وفي يوم من الأيام زار الشيخ محمد عبده مدرسته فاطلع على كتاباته فأعجب به إعجابا شديدا وقال: مااجدر هذا الصبي أن يكون كاتبا وكانت هذه الجملة التي قالها الشيخ حافزاً قوياً له في ذلك الوقت المبكر جعلته يسلك طريق الكتابة دون سواها.‏‏

وكانت القصص الخيالية التي كان يستمع إليها من كبار السن سببا في تفتح مواهبه الأدبية والشعرية وإثراء خياله فأنشد الأناشيد قبل أن يبلغ العاشرة من عمره ونمت مواهبه الأدبية أكثر وأكثر إذ كان والده يصحبه عصر كل يوم إلى جلسات الشيخ احمد الجداوي الأدبية، وكان بارعا في حل المسائل الرياضية ويقرأ الكثير من المجلات الشهيرة في ذلك الوقت، ويعجب بها وخصوصا مجلة الأستاذ خطيب الثورة العرابية، فتأثر به تأثرا شديدا حتى إن عباسا اخرج صحيفة التلميذ محاكيا بذلك صحيفة الأستاذ للنديم.‏‏

وأتيحت الفرصة له ليتحدث إلى السياح الذين يأتون إلى مدينة أسوان فتهيأت له الفرصة لكي يتقن اللغة الإنكليزية فقرأ في الأدب الانكليزي كثيرا وأصبحت له حصيلة أدبيه كبيرة، وخلال تلك الفترة المبكرة من حياته اخذ يحلم كثيراً بأن يتم تعليمه في المدرسة الحربية أو يدرس علم النبات والحيوان ؟، لكن أباه رأى بأن يكتفي بما حصله من العلم وان يعينه في الوظيفة الحكومية.‏‏

وفي أثناء عمله في الصعيد كان هو وبعض زملائه يعقدون الندوات الأدبية لإلقاء الزجل ومقطوعات الشعر التي ينظمونها، ثم انتقل إلى الزقازيق واخذ يتردد على القاهرة لينهل من ندواتها ويقتني منها الكتب القيمة استقال من وظيفته وذهب إلى القاهرة ليلتحق بمدرسة الفنون والصنائع، ثم تركها وعمل بمصلحة البرق ثم تمكن بعد ضائقة مالية ان يعمل بجريدة الدستور مع المفكر الإسلامي الكبير محمد فريد وجدي سنة 1907 استطاع أن يجري حديثا صحفيا مع الزعيم سعد زغلول وكان وزيراً للمعارف في ذلك الوقت، فأحدث ضجة صحفية كبيرة.‏‏

اضطر بعد فترة أن يفترق عن الكاتب الإسلامي محمد فريد وجدي وان يبيع كتبه ليشتري بثمنها حاجاته وطعامه على ان يشتري غيرها بعد أن يجد عملا، ولكنه مرض فقرر السفر إلى أسوان وكان يقضي كل وقته بالمطالعة والكتابة وعاد إلى القاهرة مرة أخرى واشترك في تحرير جريدة البيان والتقى فيها بالكثير من الأدباء والشعراء أمثال: طه حسين وعبد الرحمن شكري وعبد القادر المازني وغيرهم من حملة الأقلام.‏‏

كتب العقاد فصولا نقدية في مجلة عكاظ مع الشاعرين المازني وعبد الرحمن شكري ولكنه خرج من عمله في الأوقاف بتدبير من رجال الخديوي لأنه كان يهاجم الخديوي بكتاباته فعاد إلى البطالة والحاجة وعاد إلى بلدته أسوان حتى اندلعت الثورة سنة 1919.‏‏

خلال تلك الفترة عمل العقاد بجريدة الأهرام وسخر قلمه للدفاع عن الثورة ورجالها فتركت مقالاته أثرا كبيرا في نفوس المصريين وكانوا ينتظرونها بشوق ولهفة حتى إن باعة الصحف كانوا يجرون في الشوارع وينادون على الصحيفة (اقرأ مقالات العقاد يا كدع). وقد بعث العقاد في نهضة مصر الأدبية روحا جديدة واسهم في النضال الوطني فكان قلمه أقوى سلاح، وقد استعان به سعد زغلول لمناصرته والدفاع عنه.‏‏

كتب العديد من الكتب عن عظماء الإسلام كما كتب الفلسفة القرآنية والإسلام في القرن العشرين وحقائق الإسلام وأباطيل خصومه وما يقال عن الإسلام، والعقاد شاعر كبير من مجددي الشعر في النهضة الأدبية الحديثة.‏‏

أصدر نحو عشرة دواوين من الشعر كما أن له العديد من الدراسات والبحوث في كافة المجالات الأدبية والاجتماعية والسياسية، في سنة 1956 تم اختياره عضوا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب وفي سنة 1960 كرمته الدولة فمنحته جائزة الدولة التقديرية للآداب تقديرا لجهوده في مجال الفكر والأدب.‏‏

ولد سنة 1889 وتوفي سنة 1964.‏‏

بعض من أقواله:‏‏

- القراءة ليست من الكماليات أو شيء من الرفاهية بل هي فريضة إسلامية.‏‏

- القسوة لاتدل على القوة والرحمة لاتدل على الضعف وانه ليس في الدنيا أقسى من الأطفال وهم اضعف من فيها من الضعفاء.‏‏

- من طلب العلوم بغير كد سيدركها إذا شاب الغراب‏‏

- من جمع حياته في روحه لم يرهبه الموت إلا كما يرهب المرء من تبديل كساء بكساء.‏‏

- العالم الذي يتساوى فيه كل شيء لاشيء فيه.‏‏



*** منقول ***