البدوي المترحل سليمان الفليّح

يوسف أبو لوز

* دار الخليج





تعرفت أولاً إلى شعر سليمان الفليّح في العام 1982 عن طريق مجموعة من الأصدقاء في جريدة “اليوم” الصادرة في الدمام، وكنا نعمل معاً في القسم الثقافي في الصحيفة، ولم يكن سليمان بعيداً عن هذا الجو الرفاقي الحميمي، فقد كانت مجموعته الشعرية “أحزان البدو الرحل” مادة للقراءة الحميمة أيضاً، وسوف أقرأ الفليّح من خلال حضوره المعنوي في أرواح أولئك الأصدقاء .

شاعر بدوي بامتياز، ولكنه يكتب قصيدة التفعيلة، ولم تأخذه بداوته إلى الشعر الكلاسيكي الجاف، بل، استطاع أن يشتق من هذه البداوة بالذات هوية شعرية خاصة به، ثم عرفت بعد ذلك أن شعره صورة طبق الأصل عن حياته، وعندما التقيته هذه المرة شخصياً وللمرة الأولى نلتقي في دبي قبل نحو عشر سنوات رأيت رجلاً يعيش الحياة ويعيش الشعر بالاندفاع نفسه وبالحيوية نفسها . رأيت فيه بدوياً أصيلاً وشاعراً شجاعاً متوّجاً بالنخوة والرفاقية الخالصة .

الحب في عينيه واضح وضوح الشمس، وقد تمثل ذلك في أسبوع قضيناه في دبي بين الضحك والشعر والغرابة الطفولية، وكان رحمه الله يريد أن ننظم له أمسية شعرية في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات ولكن تعذر ذلك نظراً للوقت الضيق، وبالمناسبة، تستطيع لجنة النشر في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات أن تكرم هذا الشاعر الجميل حقاً بأن تبادر مبادرة كريمة إلى إعادة طباعة مجموعته الشعرية النادرة: “أحزان البدو الرحل” .

سليمان الفليّح مثال بالغ الوضوح على نموذج الشاعر الفطري إن جازت العبارة، فهو لا يصنع شعره صناعة لغوية ذهنية جافة، بل، يكتب بحذاقة الكائن الشعري البري أو الطفولي، وإذا أردت أن أختصر شعرية سليمان في كلمة واحدة فهي: “الصدق”، وهو صادق أيضاً في الحياة وفي الصداقة وفي الكتابة، وفي إنسانيته البيضاء .

التقيت سليمان الفليّح في مهرجان جرش في الأردن قبل خمس سنوات، وكان كعادته ممتلئاً بالشعر والحياة . لكن الموت لا يؤجل مواعيده، وها هو يرحل بعد إرث شعري يقاس بالنوع لا بالكم، فقد وضع توقيعه المتفرد على الرقعة الشعرية الخليجية والعربية، ولوّح تلويحة وداعه بصمت وهدوء تاركاً البدو الرحل لأحزانهم، كما تركني أيضاً لذاكرتي ولذاكرة أصدقائه المدججين بروح البداوة النقية .



*** منقول ***