اقتراح بتطوير نمط التقويم التشخيصي علاجياً وإثرائياً
بلا شك يعتبر حاليا "برنامج التنمية المعرفية للطلاب والطالبات في مواد الرياضيات والعلوم ومفاهيم الجغرافيا البيئية" من المشاريع التربوية الرائدة التي أسهمت في تغيير النمطية التقليدية للبرامج الإثرائية التي تخدم التحصيل الدراسي والمواهب الطلابية في نظام التعليم العام العماني.
وهنا كلمة حق يجب أن تقال في أن برنامج التنمية المعرفية وبتعدد أدوات القياس التي يعتمد عليها قد أسهم على وجه العموم في توفير المصادر التعليمية المختلفة لعملية التعلم النظرية والتطبيقية والتي تترجمها عمليات التنافس من خلال مواقف التقويم المختلفة التحريرية والشفوية والعملية بما تساعد الطالب على تطوير معارفه وصقل مهاراته ومواهبه بتوظيف أنماط التعلم السمعي والبصري والحركي. إن هذه الإستراتيجية في عمليتي التعليم والتعلم يتوقع منها أن تساعد المعلم والطالب على توظيف مختلف مصادر المعرفة في داخل الصف وخارجه وفي المدرسة والبيت وفي المواقع الحقيقية لبيئة العمل والإنتاج وفي الحديقة والطبيعة. والنتيجة الحتمية بالنسبة للطالب تتمثل في صقل شخصيته في الكثير من المهارات الحياتية والتي من ضمنها التفاعل البنّاء من خلال العمل الجماعي والتعود على أسلوب الحوار والمناقشة وتحليل المواقف والمتغيرات والربط فيما بينها قبل إصدار الأحكام والقدرة على التخطيط السليم لإنجاز الأعمال والبحث في مصادر المعرفة والتعبير اللغوي بأسلوب علمي ومنظم والقدرة على التشخيص والتقييم والمعالجة المستمرة للوصول إلى أفضل الحلول العملية. إن ذلك يشكل أساسا لبناء الشخصية المتكاملة التي تسعى إليها الدول المتحضّرة تحقيقها من قرن التعليم بالتربية لتنشئة أجيالها علميا وخلقيا من خلال التعليم المدرسي الحديث حيث التربية القيمية بمثابة الروح في جسد العلم ومعيارا رئيسيا للحكم على نجاح برامج تطوير التعليم في أي مجتمع.
وحتى نصل إلى تحقيق كل هذه الايجابيات من مثل هذه المنافسات فإنني أقترح للقائمين على النظام التعليمي في هذا الوطن العزيز أن يتم التفكير في إستراتيجيات شاملة للعملية التعليمية من منظورها التشخيصي والعلاجي والإثرائي بحيث تأخذ في الاعتبار تحقيق التكامل بين التقويم التكويني والتقويم الختامي مع ضمان أن تصب كل هذه الجهود في تحسين المستوى التحصيلي لطلابنا خاصة وأداء نظامنا التعليمي عامة من خلال أدوات صادقة ومؤشرات قابلة للقياس مع عدم تجاهل الجوانب الوجدانية لإكمال المحصلة النهائية من الدورة التعليمية. وتتمثل بعض هذه الإستراتيجيات في إستثمار الأدوات التالية:

(1) الاختبار التحريري لبرنامج التنمية المعرفية
حسب تحليلي الشخصي لواقع تطبيق برنامج التنمية المعرفية خلال السنوات الماضية وما مر به من مراحل لتطوير آليات التقويم أجد أن المنافسات العملية المتمثلة في المشاريع الطلابية بالإضافة إلى المسابقات الشفوية قد تشكل أكثر الفعاليات التقويمية موضوعية بسبب إتباعها لأسلوب التصفيات المتدرجة أو كما يسمى "بالأولمبياد" للوصول إلى مرحلة التنافس المركزي على مستوى السلطنة. وهذا في حد ذاته يشكل أحد الضوابط المهمة التي تجعل المقيّم أو الفاحص على المستوى اللامركزي حريصا على توفير ظروف التقويم المشابهة للتقويم المركزي لكون المؤشرات التي تعكسها النتائج في المنافسات النهائية المركزية تعبّـِر عن مستوى جودة آلية التقويم التي تمت في المراحل الأولية في المدرسة أو المحافظة. إن غياب هذه الآلية عن الاختبارات التحريرية لبرنامج التنمية المعرفية لأي سبب كان لا يعني التقليل من شأنها ولكن أرى من الأهمية بمكان أن يتم إعادة تقييم الطلاب المتفوقين في الاختبار الأول بشكل مركزي وليكن من خلال اختبارات خاصة قد ترقى إلى مستوى اختبارات القدرات العامة أو اختبارات التحدي في المواد المستهدفة. إن هذا التوجه بالإضافة إلى أهميته في رعاية المتميزين من خلال المنافسات الوطنية فإنه سوف يوفر للوزارة الكثير من الوقت والجهد وربما الإنفاق المالي لاختيار الطلاب للمنافسات الإقليمية والعالمية كما هو الحال بالنسبة لأولمبياد الرياضيات أو الكيمياء على سبيل المثال. وفي نفس الوقت إن هذه الطريقة سوف تشكل إحدى مراحل التحقق والتشخيص للمستوى التحصيلي الحقيقي للطلاب على مستوى المحافظات ومدارسها بعد اختبار التنمية المعرفية الأول. ولتسهيل آلية تفعيل مثل هذه الاختبارات أقترح الآتي:
- نفترض أن الاختبار الأول لجميع طلبة الصف السابع كان في العام الدراسي الحالي 2014/2013م، وبالتالي بعد إعلان النتائج فإنه....
- من المناسب أن تعطى المدارس والمحافظات مدى كاف لإعادة صياغة برامجها لمعالجة جوانب الإخفاق التحصيلي لطلابها وتعميم تجاربها الناجحة وتطويرها، وهذا ربما يقودنا إلى...
- تطبيق الاختبار الأول في كل عامين دراسيين أي يكون التالي في 2016/2015م على أن...
- يتم في العام الدراسي 2015/2014م تطبيق الاختبار الثاني للطلاب المتفوقين الموجودين في الصف الثامن والذين كانوا قد حققوا إنجاز التميز في الصف السابع (2014/2013م) كما تقوم المحافظة ومدارسها بتفعيل برامجها التطويرية المتعلقة بالتحصيل الدراسي.
- بما أن اختبار التفوق سوف يطبق على عينة محددة من الطلاب المتميزين فقط وهم في الصف الثامن فإنه يفضل أن تعقد هذه الاختبارات في مركز محدد على مستوى المحافظة أو في مراكز قطاعية والهدف من ذلك لضمان المزيد من المصداقية على المؤشرات الإحصائية.
- يمكن أن تغطي بعض مفردات الاختبار الثاني محتوى مقرر الصف الثامن بالإضافة لمحتوى الصفوف السابقة.

(2) الاختبارات الوطنية
لقد حان الأوان إلى إستثمار أداة الاختبارات التحريرية بشكل أفضل ضمن نوع مهم من التقويم التشخيصي التتبعي للمستوى التحصيلي للطلاب خلال مراحل تعلمهم في إطار ما يسمى بـ "الاختبارات الوطنية". لذا أقترح أنه من الأفضل أن تتبنى وزارة التربية والتعليم هذا النوع من الاختبارات سواء ضمن برنامج التنمية المعرفية أو بشكل مستقل نظرا لأهمية هذه الأداة والتي يجب التخطيط لها وإعدادها وتنفيذها بدقة تامة ووفق رؤية وأهداف واضحة إذا أردنا استثمار عائدها على جميع المستويات الزمنية والفئوية البشرية منها والمادية. ومما يُحفِـّز تبني مثل هذا النوع من التقويم هو جاهزية السلم التعليمي في السلطنة لتطبيق هذه الأداة لتشخيص التطور المعرفي لعملية التعلم نظرا للمراحل المقسّمة على أساسها صفوف التعليم العام وما يتعلق بذلك من بناء المحتوى الدراسي على أساس المعارف والمهارات ووفق مصفوفة المدى والتتابع المصممة لتحقيق الترابط الرأسي والأفقي للمعارف والمفاهيم وما يرتبط بذلك من عمليات العلم والمهارات المختلفة.
إن الاختبار الوطني بطبيعته يهدف إلى قياس التحصيل الدراسي للطلاب (تشخيصا وعلاجا وإثراءً) في نهاية مرحلة تعليمية محددة لذا يمكن أن يكون الصف الرابع وهو الصف الأخير من الحلقة الأولى بمثابة أحدى محطات التقويم الوطني للحصيلة العلمية المتوقع إكسابها لطلاب السلطنة بعد أربع سنوات من تعلمهم. وقد يركز الاختبار في هذا الصف على ما تعلمه الطالب من معارف ومهارات محددة كتلك المرتبطة بمقررات اللغات والعلوم والرياضيات فقط وحسب المواصفات المتبعة حاليا في اختبارات التنمية المعرفية للصف السابع بحيث يصمم الاختبار لقياس ما تعلمه الطالب من الصف الأول وحتى الصف الرابع. ثم يتم تتبع هذه الفئة من الطلاب والمفترض أن يصلوا بعد عامين دراسيين إلى الصف السابع حيث يطبق الاختبار الوطني ليشمل المقررات الدراسية المتعلقة بما تم قياسه في اختبار الصف الرابع وربما يتم اعتماد اختبار التنمية المعرفية للصف السابع نوعا من الاختبارات الوطنية. وقد يرى المختصون في الوزارة تطبيق الاختبارات الوطنية على مراحل مختلفة من الصفوف الدراسية فقد يكون في نهاية الصفوف الثالث والسادس والتاسع وقد يقتصر على مرحلتين فقط كأن يكون في نهاية الصف الرابع والصف الثامن. والمهم في جميع الأحوال أن يدرك المسئولون بأن هذا العمل يحتاج إلى إستراتيجية وطنية تسخر لها الكفاءات البشرية والموارد المادية وحملة شاملة لجميع فئات المجتمع للتعريف بماهية هذه الاختبارات وأهدافها الآنية والمستقبلية على مستوى جميع عناصر وشركاء العملية التعليمية ومن ذلك:
- مراجعة وتطوير البرامج الأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي الموجهة للطالب المعلم قبل الخدمة وتصميم البرامج التدريبية والتأهيلية أثناء الخدمة بما تمكن المعلم من تطبيق أفضل الطرق التدريسية وأساليب التقويم والبرامج العلاجية والإثرائية ووسائلها التعليمية والتربوية.
- تطوير المقررات الدراسية وما يرتبط بها من توظيف للتكنولوجيا والإعداد القيمي وتنمية المهارات الحياتية لتحقيق الشخصية المتكاملة للطالب.
- تطوير العناصر البشرية المساندة للمعلم والطالب في البيئة المدرسية بما تشمله من إدارة ناجحة ومحفزة للتعليم والتعلم وما يتعلق بذلك من بناء نظام تواصل فعّال مع ولي الأمر والمجتمع بصفة عامة.
- تحسين البيئة المدرسية المادية المتعلقة بتصميم البناء المدرسي الحديث وتوفير المرافق والوسائل المساعدة لعمليتي التعليم والتعلم بالإضافة إلى الترفية وإكتشاف وصقل المواهب من خلال النشاطات المختلفة.
فبضمان تحقيق التطوير الحقيقي للموارد البشرية المعنية بالعملية التعليمية على المستويين الإداري والفني وعلى مستوى جميع المحافظات والمدارس على حد سواء مع الإلتزام بمعايير الجودة للجوانب المادية في العملية التعليمية والمتمثلة بشكل رئيسي في البناء المدرسي الحديث والهيكلة العملية المتكاملة للإشراف والمتابعة لتقييم الأداء بمصداقية تامة جميعها سوف تساعد على إيجاد مؤشرات حقيقية من نتائج الاختبارات الوطنية. إن تحقيق هذه الظروف في نظامنا التعليمي هي بمثابة الجدار الواقي في عدم إتاحة الفرصة للمتغيرات المشتتة بالتأثير على مصداقية الأحكام وذلك لبناء نظام موثوق به للمحاسبة والتطوير النوعي المرتبط بالحاجات الفعلية لتجويد العمل التربوي البعيد عن القرارات العشوائية التي تعتبر المصدر الرئيسي للإهدار التربوي.
هذا المقترح مجرد إجتهاد شخصي قد يطوّر وقد يختزل ضمن أولويات ربما خططت لها وزارة التربية والتعليم على المدى القريب أو البعيد إلا أنني مقتنع تماما بأننا في حاجة إلى أن نسابق الزمن للحاق بركب التقدم التعليمي ليس فحسب من خلال بناء أدوات قياس فاعلة بل يتطلب قبل ذلك بناء معايير وطنية شاملة لجميع عناصر العملية التعليمية وتفعيلها على أرض الواقع في وقت واحد وليست مجزأة وذلك قبل أن نتحاكم على التكريم أو التقصير حول جودة النتائج أو المخرجات والتي هي في الحقيقة نتاج لمدى جودة المدخلات والعمليات لأي نظام تعليمي.

وحسب ما تقدم من سياق أطرح السؤالين التاليين:
أ) هل جنينا الثمرة الأخرى من تطبيق الاختبارات التحريرية لبرنامج التنمية المعرفية فيما يتعلق بالجانب العلاجي المتمثل في رفع كفاءة المعلم على إعداد أسئلة القدرات العليا والتي يترتب عليها تطوير مهارات طلبته على التعامل التلقائي مع هذا النمط من المفردات في مواقف التقويم الرسمي المستمر وتكوين الإتجاهات الإيجابية لدى المتعلمين نحو العلم والتعلم الذاتي أم أننا مازلنا نواسي أنفسنا ونتهم المعلم بالمثل القائل "فاقد الشيء لا يعطيه" وبالتالي تسويف الحلول بتجاهل أسباب إخفاقنا في تحقيق التغيير المطلوب على مستوى المعلم والطالب والنظام التعليمي عامة؟

ب) لتحقيق الجودة التعليمية بتفعيل الاختبارات الوطنية من خلال الإدارة السليمة للجانب المالي في إعداد وتكلفة طباعة هذه الاختبارات والمهارة الفنية في صياغة مفرداتها وضبط عامل الزمن في تطبيقها وتصحيحها ورصد نتائجها وإستخراج بياناتها الإحصائية وتوظيف مؤشراتها في التطوير الفوري الشامل للعملية التعليمية، فما هي مقترحاتكم ومرئياتكم لتحقيق ذلك؟


... قراءتكم مقدّرة ومشاركاتكم مثرية للموضوع
مع وافر الشكر والتقدير



*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..