نيابة عن أهالي الغرقى المكلومين وكافة أهالي ولاية بخاء
نوجه الشكر والتقدير لرجال شرطة عمان السطانية بقيادة قطاع مسندم بكافة أفرعها ضباطا وأفراد على ما بذلوه من جهد مضني ومثابرة وعمل دؤوب خلال المحنة التي ألمت بنا وآلمتنا جميعا ، فقد كانوا متواجدين في موقع الحدث ليل نهار وسخروا إمكاناتهم وآلياتهم وأفرادهم لهذه المهمه وكانت دورياتهم البحرية وزوارقهم تجوب على امتداد الشواطئ والسواحل وحتى أعماق البحر على مدار اليوم دون كلل أو ملل وبأمانة وإخلاص لم تهدأ محركاتها إلا لحظت دخولها الميناء للتزود بالوقود والمؤن وكل ذلك نابع من حسهم الإنساني العميق قبل أن يفرضه عليهم واجبهم الوظيفي .
كما نوجه الشكر لقيادة سلاح الجو ضباطا وأفراد وأخص بالذكر المقدم الركن/علي بن احمد الشحي ( علي جمعة ) الذي تواجد ومكث في موقع الحدث منذ اللحظة الأولى لوقوعه وتابع تطورات ومستجدات الأحداث أولا بأول وكانت الطائرة العمودية التي يأمر بها تجوب الشواطئ بشكل شبه يومي .
والشكر أيضا لشباب خصب من هواة الغطس الذي بادروا بأنفسهم المجيئ إلى بخاء والمشاركة في عملية الغطس في ظل الطقس السيئ وارتفاع الأمواج وانعدام الرؤيا في قاع البحر في الأيام الأولى للحادثة ولكنهم أبَو أن يتراجعوا ونحن بدورنا نكن لهم كل التقدير على هذه اللفته الأخوية الشجاعة .
وكل الشكر أيضا للبحارة وأصحاب القوارب في خصب وكمزار الذين كانوا يمعنون النظر في البحر وعلى طول السواحل التي يمرون عليها وكانت تردنا منهم بعض الأنباء بالعثور أدوات ومعدات قارب أملا منهم أن تربط بالحادثة وتساهم في مجرى البحث .
والشكر أيضا للغطاسين الذي جاءوا من مسقط أياً كانت صفتهم وشاركوا في عملية البحث على امتداد يوم كامل ، والشكر موصول لجميع أعضاء وإدارة هذا المنتدى الذين شاطرونا الأحزان من اليوم الأول وسطروا عبارات الدعاء والتعازي والمواساة لذوي الغرقى .
فالمهمة لم تكن بالأمر اليسير بتاتا وما زاد المهمة تعقيدا التيارات المائية الشديدة والمتقلبة الإتجاه في اليوم الواحد فكل ميل بحري مربع يتم تمشيطه والبحث فيه قاعا وسطحا لعدة ساعات مع تغير اتجاه التيار المائي فإن الجهد قد ذهب هباءاً إذ يمكن مع انعكاس التيارات المائية ربما تحمل معها الغريق لذا يعاد وضع نفس الموقع في دائرة البحث مرة أخرى وهو ما كان يثير نوعا من الإحباط لأن البحث في بحر مفتوح وليس مجرد خور أو نهر، ولكن الكل جند نفسه بسلاح العزيمة والإرادة والتصميم والتحدي النابع من الحس الإنساني ، ومما يضفي للمهمة صعوبة أيضا التيارات الهوائية الذي يمكن أن تنقل الغريق من موقع إلى آخر في حال وجوده طافيا على السطح ولكن الدوريات البحرية والطائرة العمودية كانت تراقب عن كثب وترصد جميع الأجسام الطافية المشتبه بها ولعدة أميال بحرية .
ففي هذه الحادثة تجسدت كل معاني الملحمة الإنسانية وأزيلت جميع الطبقات والتئمت كل معاني الأخوة فكنا نرى أفرادا يأتون باستمرار بلباسهم ومركباتهم المدنية ومتواجدين بيننا في الميناء وتبادلون أطرف الحديث مع الجميع وكنا نظنهم أناس يأتون فقط للاطلاع على كل جديد في الحادثة إلى أن علمنا في الأيام الأخيرة أن هؤلاء هم كوكبة من كبار ضباط الشرطة متواجدون في قلب الحادث ويتابعون المستجدات ويصدرون التوجيهات من أقرب نقطة ، وشاهدنا الغطاسون المتطوعون الذين جاءو بملء إرادتهم وغطسوا في ظروف بحرية بالغة الخطورة وبمدى رؤيا يقل عن متر واحد وكأنهم يغطسون للبحث عن غريق ينتمي إليهم قبل أن ينتمي إلينا .
ومع إسدال الستار عن هذه الحادثة الفجيعة التي ألمت بنا جميعا والتكهنات والتحليلات التي لازمتها على مدار الأسبوع فإن التحليل الأرجح للواقع ويتم تداوله هو مع تدهور القارب بفعل الأمواج العالية في المنطقة الواقعة خلف معسكر الجيش فالغريق الأول كان يجيد السباحة ودليل ذلك عدم شربه أو انتفاخه بالماء فاستطاع الوصول إلى البر وتحديدا إلى المنحدر الجبلي الهابط الواقع بجوار التربية ولكنه لم يستطع الخروج إلى اليابسة نتيجة وجود كتل صخرية كبيرة وعرة عند الساحل حيث يلتقي البحر باليابسة ومع شدة وارتفاع الأمواج كابد ما كابد وعانى ما عانى إلى أن فاضت روحه إلى بارئها ، أما الغريق الثاني فيرجح أنه لا يجيد السباحة فغرق ونزل إلى القاع وهنا يحتاج إلى مرور أكثر من 48 ساعة إلى أن يطفوا ولكن وجوده في القاع وتحركه وفقا لحركة التيارات المائية في الأسفل فقد علق بعالق وهو ما أخر ظهوره حتى اليوم السادس ودليل ذلك وجود عوالق أسلاك بمؤخرة رأسه ( والله العالم ) ولكن في النهاية تعددت الأسباب والموت واحد ، وخسرت الولاية اثنين من خيرة شبابها وهم في أوج شبابهم عايشهما الجميع وأنس بصحبتهما ولكن .. وأقولها بغصّة لم يتركوا لنا إلا وحشة فراقهما في أسبوعا كارثيا عصيبا فلم يهدأ لنا بال ولم تهنأ لنا غمضة نوم ، صحيح أن الموت حق ولكن الفراق صعب خاصة على قلوب آبائهم وأمهاتهم وأقربائهم ونحمد الله ونشكره بأن من الله عليهم بالعثور على جثامين فلذات أكبادهم الطاهرة حتى شيعوا إلى مثواهم الأخير ربما هذا خفف من مصابهم الجلل وندعو الله أن يكتب لهم منزلة الصديقين والشهداء ويلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون .
ومن هذه الحادثة علينا أن نستقي العبر والدروس سواء في عدم ركوب البحر في الأحوال المناخية السيئة وتوفير كافة مستلزمات السلامة والانقاذ على متن القوارب فتجاهل تلك الأشياء الزهيدة الثمن أحوج ما نكون لديها في موقف ما ، وعدم ترك الآباء لأبنائهم القليلي الخبرة بأهوال ومخاطر البحر الخروج بأنفسهم ، وفي النهاية نسأل السلامة للجميع وأن يبعد الله عنا مثل تلك الفواجع المؤلة ونرضى بما كتبه الله لنا ونؤمن بما جاء في كتابه الكريم من آيات :
قال تعالى ( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون )
وقال تعالى ( قل لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا )
المفضلات