في جريدة عمان بقلم آن بنت سعيد الكندية #مسندم فك الأسد
الكاتبة : آن بنت سعيد الكندية
الأدب والفن والتاريخ .. ما نصيبهم من الاهتمام في التخطيط الاستراتيجي؟. قرأت رواية سلطنة هرمز لتتضح لي أبعاد عميقة لتاريخ خصب وباقي مدن محافظة مسندم. أحببت هذا الجزء العماني وأحببت أهله أكثر بعد أن لامست ريم الكمالية في روايتها الجانب الإنساني ورؤيتها لأهمية الموقع الجغرافي. لكم تختلف رؤية الأديب والباحث عن تلك النظرة المحصورة على الاقتصاد والسياسة والعسكرية. مسندم هي الوحيدة التي تملك البحر في جميع سواحلها هكذا وصفت الكمالية العمق الاستراتيجي للموقع. يتجلى الاستخدام التكتيكي للموقع الجغرافي حين استطاع الملك الهرمزي من صد هجوم التتار حسب ما روت الكمالية. وضع الملك الهرمزي العاشر أهل خصب في كهوف الجبال ليربض هو على الساحل مدافعا عن أي هجوم. إذ تسرد الرواية أنه حين دخل التتار بسفنهم الكبيرة نزح الهرمزي بجنوده نحو الأغوار الجبلية المضللة ليدخلوا التتار خصب ويجدوها مهجورة إلى أن رحلوا تماما لتنتهي غاراتهم الوحشية. ما أود قوله هنا وأنا انطلق من قاعدة معرفية بحكم عملي السابق في التخطيط أن لا بد من قراءة رواية سلطنة هرمز لكل مخطط معني بمحافظة مسندم. أقيمت ندوات تاريخية هامة عن تاريخ محافظة مسندم التي كانت في يوم من الأيام بها مملكة تدعى هرمز متمنية أن تكون لهذه الندوات إصدارات يستفاد منها.
الحكاية وما فيها أن الأدب يقدم لنا المعلومة العميقة بخيال واسع، والتخطيط ليس عملية جامدة معتمدة على الحقائق فقط وإنما القدرة على التخيل والغوص بعيدا لاستشراف المستقبل. قدمت ريم الكمالية معلومات دقيقة في الشعر والأدب والمخطوطات البحرية، فالبحر وتاريخه جزء أساسي في أي عملية تخطيطية تنموية. ذكرت كيف شكلت التجارة الحياة وكيف لعب هذا الموقع الجغرافي أهمية قصوى ولازال.
غاصت في تاريخ الغزو البرتغالي المبالغ في فضائعه بالرغم من أن أي غزو لم يخلُ يوما من المأسي. ألهمتني الرواية لأطرح فكرة إقامة معرض بحري للبحارة العمانيين، إذ إن منطلق علوم البحار وما يتعلق بها من دراسات واقتصاد هو مرتكز أساس للتفكير في التخطيط التنموي. ابن ماجد البحار الفلكي الذي أيضا يرجع له الفضل في تطوير علم الفلك البابلي، من الجدير أن تنشأ مدرسة باسمه للعلوم البحرية.
تطل مسندم على مضيق هرمز الذي يسمى بفك الأسد، ويسكن أهلها في فجوات الصخر ناحتين بعضها لتكون مقاعد لهم، فهم كما تصفهم الكمالية جبليون أقوياء. لم تذر الكمالية في روايتها الجميلة بعدا إلا ولامسته، فلابد للمخطط أن يعرف طبيعة المرأة ومكانتها في المجتمع الذي تختلف من بقعة إلى أخرى في البلد نفسه.
بـُني اقتصاد مسندم على المكوس وهي الضرائب الجمركية وفي اللغة هي كل ما يجبى من أموال. تجبى المكوس من كل سفينة عابرة بأعدادها الكبيرة ليستطيع الأولون بناء مملكة هرمزية بشق القنوات المائية وحفر الآبار وتعمير المزارع غير متناسين شبكة من الضمان الاجتماعي بالصرف على المعسرين كالعجزة والأرامل. تشمل المكوس ضريبة العبور ومبلغ الاصطفاف عند كل ميناء وساحل. كان أهل مسندم تجار أهل بحر بامتياز يمتلكون سفنا كثيرة للإبحار التجاري. كل شيء ينطلق من أسسه لا شيء يأتي من فراغ، ولا بداية يمكن ادعاؤها دون معرفة معمقة للماضي. كما لا يمكن البدء إلا من حيث انتهى أجدادنا العظماء الذين سكنوا مسندم محددين منابع مياهها الجوفية بعبقرية لا يستهان بها، محاكين للطبيعية في بناء مساكنهم لا مدمرين لها.
فلتعذرني الروائية ريم الكمالية إن كنت سردت عملها الأدبي المتميز برؤية المخططين الاستراتيجيين ولتسمح لي باستغلال أدبها الروائي لتقديم رؤية تنموية بأبعادها المتعددة التي يطغى عليها الاقتصاد – في أغلب الأحيان- دون الغوص في الجذور. الرواية قدمت خدمة جليلة وليت الإرث الحضاري لدول الخليج يقدم صياغة أدبية فالروايات الغنية بالبحث التاريخي نادرة.