لقد سمعت أكثر من مرة، من بعض كبار السن(الشيّاب)، يضربون مثلاً بالتعدد القبلي في الولايات بالقول"قفير حدادة"، ورغم ما يحمله هذا المثل من معنى سلبي في الظاهر، إلا انه من وجهة نظري يحتمل أيضاً معنى إيجابي، وليسمح لي القارئ بتفسير ذلك المثل بحيث يفهمه الجيل الحديث من أبنائنا، فقفير الحدادة يحتوي على أدوات كثيرة ومختلفة، وكذلك الحال بالنسبة للمشهد القبلي في الولايات، التي تضم قبائل مختلفة، بحيث من الصعب أن نقول أن قبيلة ما تمثل الأكثرية، وبالتالي يبقى الأمر مجرد تخمينات، وتوقعات لا تمت للمصداقية العلمية بصلة، طالما أنه لا يوجد هناك إحصائيات حقيقية.
ولا شك أن غياب هذه الإحصائيات، وعدم تضمينها نتائج التعداد السكاني، هو من الإيجابيات التي تشكر عليها الحكومة، وهو دليل على نظرة عقلانية ومتزنة، تصب في مصلحة هذا الوطن الغالي، الذي ناضل طويلاً من أجل التخلص من التبعات السلبية للعصبية القبلية، أو على الأقل الحد منها.
حتى ولو كان لدى بعض الأسر شعوراً بأن لهم ثقلاً أياً كان نوعه، إلا أن التجربة العملية أثبتت بأن من يتعالى عن عامة الناس، ويتفاخر بمكانة أسرته، أو بماله، أو بأجداده، سوف لن يجد له مكاناً في منبر يكون للجميع ممن بلغ السن القانوني أحقية الانتخاب بغض النظر عن قبيلة، أو جنس أو لون، ولم يعد المقياس أبن فلان أو علان، كافي للتسلق على ظهور الناس، ومن يتجاهل هذه الحقيقة سيكون واهماً، ولن يكون مصيره إلا التغني بما يحلو له والعيش في أبراجه العاجية الوهمية.
ورغم أننا قد تجاوزنا ذلك الزمن القديم، إلا أن لدى البعض هواجس وتوجس، من أن هناك تحايل والتفاف من خلال الزج بمترشح قد يملك مؤهلات علمية، وخلقية، ولديه القدرة على الإقناع تقوده لقبة المجلس، ومن خلاله ستستعيد تلك القبيلة ما كانت عليه من حظوة ومكانة سابقة، وبالتالي سيصبح ذلك العضو مصخراً لخدمة قبيلته، وليس مجتمعه. وأنا هنا لست بصدد التعليق بقدر ما أنقل واقعا، وحديثاً متداولاً، الأمر الذي قد يؤثر على المترشح نفسه، وإن كان فعلاً يستحق حمل تلك الأمانة، إلا أن عليه بذل جهد لإقناع المتوجسين، من أنه سيسعى لمصلحة وطنه، أولاً ومجتمعه ثانياً، بعيداً أن أي تحيز قبلي أو مذهبي أو طائفي.
وشخصياً قد لا أجد حرجاً في أن تقف قبيلة ما مع مترشح من نفس القبيلة، إذا كان فعلاً هو الأفضل والأجدر، لكن سيكون من المؤسف حقاً أن يكون الدافع تعصبا قبليا مقيتا فحسب، مع أن الرسول الكريم يحثنا على نبذ التعصب القبلي في قوله عليه الصلاة والسلام: "دعوها فإنها منتنة".
نعم من الجيد أن نجد القبيلة تعين أفرادها في السراء والضراء بما يرضي الله ورسوله، حتى أنه تسمى العصبة من الأرحام "العاقلة"، حيث كانت تقوم بدفع دية المقتول، وهذا يعني أن دورها هو دور تكافلي، وهي محبذة في دفع الضرر وجلب المنافع لما فيه الصالح العام، لكن إساءة فهم دورها، أو أستخدمها في الضرر بمصالح المجتمع، أو التعالي سوف لن يعود ذلك إلا بالشقاء على المجتمع في وقت نحتاج فيه إلا وقفة تعاون وتكاتف وتآزر لما فيه خير هذا البلد.
لكن ماذا لو وجدنا كمزارياً يرشح ظهوريا ، وفليتياً يرشح شحياً، وحضرمياً يرشح سعيدياً، وغيرها وغيرها وهكذا، فهذا معناه أن هناك تعاليا وتسامياً على التعصب القبلي، وأن القناعات هي الحكم والفيصل، وهي سيدة الموقف، وبالتالي فإن الأفضلية ستكون لمن يستحقها، فهل يمكن أن يتحقق ذلك؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لما لا !!!!!!!!!! متى ما كان هناك وعي حقيقي ومراعاةً للأمانة، يقول عز وجل في محكم كتابه العزيز: " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " .
وقبل أن أختم حديثي،أود التنبيه أن ما معظم ما جاء في هذا المقال، هو قراءة للمشهد، وتحليل له من وجهة نظر متواضعة، أما رأي الشخصي فسأحتفظ به لأسباب شخصية، غير أن ما أود أن أنبه عليه، هو أهمية أن يحكم الإنسان عقله، وأن يراعي ضميره في اختياراته.
وبطبيعة الحال جميع المترشحين فيهم الخير والبركة، ولديهم كل حسب طاقته وإمكانياته ما قد يفيد به مجتمعه، وهؤلاء المترشحين لو لم يرو الكفاءة في أنفسهم، لما ترشحوا، وإن اختلفت رؤاهم وتوجهاتهم إلا أن مصلحة الوطن ستبقى فوق كل اعتبار، وهذا حسن ظننا بهم، ففيهم من ذوي الخبرة الطويلة ممن خدم الوطن بإخلاص ولا يزال، وفيهم صاحب اليد البيضاء الكريمة، وفيهم المتواضع الذي يشعر الناس بأنه منهم، وإليهم، وفيهم الشباب المتعلم المثقف القادر على توصيل هموم المواطن، والإحاطة بمتطلبات المرحلة القادمة، وفيهم المتحمس والمندفع غير هياب للمطالبة باستحقاقات ما هو قادم. وعلى هذا سيكون التمايز صعباً، والاختيار أصعب، ويبقى الاقتناع، وتحكيم العقل قبل القلب سيد مثل هذه المواقف الموقف.
منقول من قلم كاتب باارز لم يذكر أسمه ..
المفضلات