نحن معزولين عن العالم الخارجي بفضل تردي قطاع الإتصالات و الأمية الرقمية
أيها الأخوة الكرام ...
كثيراً ما نســمع من خلال التصريحات الرنانة و كثيراً ما نقرأ أخبار ما ينشــر في إعلامنا المحلي بأن من أهم إنجازات هيئة تنظيم الإتصالات الموقرة هــو (تحرير قطاع الإتصالات العماني) ودورها الرائد في فتح الســوق العماني للمنافســة الشــريفة وفي تطوير قطاع الإتصالات و الإرتقاء به للأفضل ... فما حقيقة ذلك و هل فعلاً ســعت الهيئة و بادرت من تلقاء نفســها في تحرير قطاع الإتصالات بالســلطنة و ما مدى نجاحها في مشروع التحرير و هل فعلاً خلقت جواً من المنافســة الشــريفة بين الشــركات العاملة في السلطنة ؟!!
من جانب في تلك المسيرة الظافرة ... هل فعلاً جعلت الهيئة مصلحة المواطن العماني نصب عينيها عند إبرام الإتفاقيات و حين توقيع عقود التراخيص للشركات الجديدة أم كانت مشغولة بأهداف أخرى غير معلنة ؟!
هــذا ما ســنتطرق إليه من خلال السـرد التاريخي للأحداث
لن نكيل إتهامات باطلة ... و لن نفتري على أحد ولن نشــخصن المســائل ولن نلوم الأفراد ... بل ســنناقش و نتفكر في ماذا كان يمكن على الهيئة فعله لتحرير القطاع و هل وفقت في ذلك أثناء التنفيذ و سنســرد الوقائع والأمثلة و سنستذكر الأحداث كما وردت فهي ليســت سرية و بإمكان الجميع التحقق منها.... حتى لا يلومنا أحد.
فالتاريخ لا يمكن تحريفه وخاصة في عالم اليوم حيث مصادر المعرفة باتت متاحة للجميع للتأكد من أي معلومة وإن ورد أي خطأ سهواً فجل من لا يســهوا و نطالب بتصحيح المعلومة الخاطئة و وضع المعلومة الصحيحة مكانها لتعم الفائدة .
هيا بنا أيها الأخوة الكرام ... نرجع للوراء إلى عام 2005م و ما قبل عام 2005 م لنســتقرأ الأحداث و نحاول أن نفهم مجريات الأمور من خلال إســتذكار الأحداث.
حسب ما تقوله الأحداث التاريخية ... إن عملية (تحرير قطاع الإتصالات) في السلطنة لم تأت كمبادرة من (هيئة تنظيم الإتصالات) - حسبما يتوهنم البعض ... بل جاء قرار التحريركظرورة ملحلة تمهيداً و تلبية لشــروط و معاهدات دولية ملزمة وقعت بين حكومة سـلطنة عمان و بين (منظمة التجارة العالمية) و كذلك تلبية لشـروط إتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين حكومتي ســلطنة عمان و الولايات المتحدة الأمريكية ... فكان لزاماً على الســلطنة فتح أســواقها للمنافســـة الحرة وكان قطاع الإتصالات على رأس تلك القطاعات المطالب بتحريرها تمهيداً لدخول شــركات أجنبية و إقليمية و محلية أخرى تعمل جمباً إلى جنب مع المحتكر الأوحد أنذاك (عمانتل)...
إذاً مقولة أن الهيئة ســعت إلى تحرير قطاع الإتصالات من تلقاء نفســها ليست دقيقة و بما أن الهيئة قامت بنفيذ ما إشترطته عليها الإتفاقيات الدولية ، فتحرير قطاع الإتصالات إذاً لا يعد إنجازاً بل تنفيذاً للإشــتراطات الملزمة (يعني مجبر أخاك لا بطل) .. ألا يعتبر هذا مبرراً كافياً لدحض إدعاء الإنجاز ؟!!
إنتهينا من النقطة الأولى و فندناها و بينا حقيقتها ... فهيا بنا ننتقل للنقطة الثانية المتربطة بالنقطة الأولى و المفصلة لها:
هل حقاً قامت الهيئة بتحرير قطاع الإتصالات على أكمل وجه ... أم أنها إلتفت على تلك الإشتراطات بتحرير جزء و تقييد جزء آخر ؟!
كي لا نعطي رأياً إستبدادياً قاطعاً من أول وهلة ... دعونا نرى و نقيم إنجازات الهيئة في مسيرة تحرير قطاع الأتصالات و نرى و نقيم مدى نجاح الهيئة في تنفيذ سياسة تحرير قطاع الإتصالات العماني ..
و لتسهيل الأمر دعونا نضع أمثلة حية على ماذا كان يفترض على الهيئة فعله .... و هل هي فعلاً فعلت ما كان يفترض بها فعله .... لتحرير هذا القطاع الحيوي الهام؟ ...
لنرى المشــهد معاً:
أيها السادة الكرام ... (من حيت المبدأ) كان يفترض أن تقوم الهيئة بفتح باب الإســتثمار في قطاع الإتصالات على مصراعيه أمام الشــركات العالمية وذلك تمهيداً و تنفيذاً لإشتراطات لتلك الإتفاقيات الدولية الملزمة التي تطرقنا إليها ســابقاً ...
بمعنى أن الهيئة كان عليها أنذاك طرح رخصة إتصالات موحدة و شــاملة مكافئة تماماً لرخصة (عمانتل) أنذاك ... و ذلك لخلق منافس قوي يحد من هيمنتها على السوق العماني ليقلص إحتكارها له.
أي أن الرخصة الجديدة التي ستحرر القطاع ... كانت يجب أن تشمل جميع أنواع الإتصالات السلكية و اللاســلكية بشــتى أنواعها و أشكالها و متطلباتها .. يعني (إتصالات نقالة - إتصالات ثابتة - كوابل ألياف ضوئية - كوابل نحاسية - إنترنت ثابت و متنقل - بوابات ربط دولي وكل ماله علاقة بقطاع الإتصالات) ... فبمثل هذه الرخصة الشــاملة قفط .. يمكن خلق المنافسـة الشريفة بين عمانتل و منافســتها القادمة ... إذ لايمكن أن تخلق منافســة شريفة بين غريمين إن كان الأول مسلح بعصى و الآخر مدجج بكل أنواع الأسلحة الفتاكة.. فأين العدالة في ذلك ؟!
فهل فعلاً طرحت الهيئة رخصة شــاملة للمنافس القادم في عام 2005 م ؟! الجواب: لأ ...
و بدلاً من ذلك تم تقســيم عمانتل إلى شــقين ... (عمانتل) و (عمان موبايل) تمهيداً لكي يدخـل المنافس لمنافســة (الشـق النقال من الإتصالات الصوتية) فقط ... و ليس لمنافســة عمانتل
هــذا ما عنيته عندما قلت ســابقاً أن النورس دخلت سوق السـلطنة عرجاء برجل واحدة (أي بشـق واحد من قطاع الإتصالات) لأنها حينها مجبرة على شراء النت و الخدمات الثابتة من عمانتل منافســها فياله من تنافس شريف ..
طيب ...
فوق هذا و ذاك و حرصاً على مصلحة الوطن و المواطن (المنتفع من الخدمة) كان يجب على الهيئة التركيز على إنتقاء القوي الأمين و المنافس الأفضل ذو السمعة الطيبة و إلزامه بجدول زمني محدد (لتغطية كامل أراضي الســطنة كوحدة واحدة) بأحدث أنواع الإتصالات وكان يفترض حث المنافس على مسارعة الخطى و مســابقة الزمن لإنتشـال الوطن من تخلف القطاع آنذاك و اللحاق بركب الدول الأخرى التي سبقتنا و تجاوزتنا بمراحل في رقي الإتصالات لديها .... لاحظوأ أنني ركزت على عبارة (كامل أراضي الســطنة) و وضعتها بين قوسين للدلالة على أهميتها .... فهل تم ذلك فعلاً
هل كان إختيار النورس لأنها كانت الأفضل و الأكفأ و القوي الأمين ... لمنافســة عمانتل .. أم أنه تم إختيارها لأنها عكس ذلك ؟!!
ثم إن كان كما يصرح البعض أن النورس رسم لها جدول زمني لتعميم خدماتها على كافة أراضي السلطنة فلماذا لم تتقيد النورس حتى الآن بتغطية السلطنة بشبكة قوية من الجيل الثالث رغم مرور أكثر من 7 ســنوات من عملها في السـلطنة ... فهل كان الجدول الزمني مصنوع من مادة المطاط فائق المرونة.
أيها الســادة الكرام ... أعيد و أكرر ...
كان على الهيئة التعامل مع سوق الإتصالات في السلطنة على أنه وحدة واحدة لا تتجزأ بأي حال من الأحوال وكان عليها رفض مبدأ تقســـيم الوطن الواحد إلى (مناطق ذات جدوى إقتصادية ) تتهافت عليها الشركات الإستغلالية من كل حدب و صوب (كتهافت النمل على قطعة حلوى) .... و مناطق (ليست ذات جدوى إقتصادية) تفر منها الشــركات الإستغلالية فرارها من المجذوم (( فر من المجذوم كفرارك من الأسد )) !!!...
يعني شئ أكيد أن الشركات الإستغلالية ستنقض على الوطن لتنهش اللحم و تترك العظم إن ترك لها الحبل على الغار لتعمل على مزاجها وحسب منطقها الرأسمالي الإســتغلالي. فغريب جداً كيف غابت عن أعين الهيئة هذه المسألة ... فحتى بائع الســمك الأمي الذي لا يفقه شئياً في الإقتصاد لا يقبل أن يبيعك لحم السمك الخالص فقط بل يزن لك اللحم و العظم و الأحشاء معاً .. بل يطلب منك أجراً إضافياً إن أنت طلبت منه تنظيف السمك و فصل العظم منه .... فكيف غاب هذا المفهوم عن الهيئة الموقرة ؟!!.. أم أن وراء الأكمة ما وراؤها ؟! .. الله أعلم بخوافي الأمور.
المهم من منظورنا القاصر الذي لا يفقه في الإستثمار شيئاً و بمنطق جزار الســمك
... كان ينبغي على الهيئة الموقرة أن تصيغ شـروط رخصة إتصالات شــاملة متكاملة وأن يتم التركيز على المناطق النائية التي إســعصت على عمانتل بما أنها غير جاذبة للإستثمار و دمجها مع المناطق اللمغرية إقتصادياً بحيث تتحقق المعادلة الصعبة ... أرباح بالهبل من المناطق المجدية ... تغطي أي خسـائر محتملة في المناطق التي لا تشــكل عامل جذب قوي أو ما تســميها الهيئة بـالـ(مناطق الغير مجدية إقتصادياً) .... يعني (عشـان الورد ، يسقى العليق ... بالعماني : تشرب المعورا عشــان القت) 
فلماذا لم تفعل الهيئة ذلك ؟!!
من جانب آخر ...
كان يجب على الهيئة أن لا تجزئ قطاع الإتصالات إلى فتات رخص غير متجانس و أقصد بالتفتيت
أنها فصلت (رخصة الهاتف الثابت) عن (رخصة الهاتف النقال) وفصلت (رخصة الإنترنت الثابت) عن (رخصة الإنترنت النقال) وفصلت (المناطق النائية) الغير مجدية إقتصادياً و إقترحت لها (الخدمة الشاملة فيما بعد) عن عن (المناطق غير النائية أو المجدية إقتصادياً)... فهل في صالح سوق الإتصالات كان ذلك التقســيم ؟! .
ألم يكن الأجدر والأنجع للهيئة إعتماد رخصة شــاملة واحدة تشــمل كامل الوطن و كامل خدمات الإتصالات .. تغري بها الشــركات العالمية و يريح حكومة السلطنة من مصاريف دعم الخدمة الشاملة للمناطق الريفية و يريح الهيئة من التعامل مع تراخيص متعددة وفسيفســاء من الخدمات المتناثرة التي لا ترتبط بوحدة ولا بقانون موحد ؟!!
لاحظ أخي أننا لا نزال تتكلم حتى الآن عن مرحلة ماقبل حصول النورس على الرخصة الثانية للخدمات الثابتة و ليس عن الوضع الحالي للنورس.
في نظري القاصر لو تنبهت الهيئة في مراحلها المبكرة و طبقت تلك الســياســة (الموحدة) منذ البداية لتحققت قفزه كبيرة في قطاع الإتصالات بالسلطنة وكانت تلك البنية التحتية ســتجلب إســثمارات ضخمة لأرض السلطنة بحيث تغري الكثير من الشركات العالمية التي تعتبر قطاع الإتصالات عنصر جذب أســاسي لمباشــرة أعمالها بالســلطنة.
أقول : تريدون المثال الحي ... حســناً ... إليكم ما طلبتم :
لن أقول لكم أنظروا إلى الهند و لن أقول أنظروا إلى الصين ولا إلى ماليزيا فأنا أعرف أن نظرنا في السلطنة قصير جداً ... لذلك سـأقول إنظروا إلى دبي !!
نعم دبي ... ســبقتنا و أنشــأت (واحة الســيليكون و مدينة الإنترنت) ....و وفرت لها بنية تحتية من الإتصالات الحديثة و من الخدمات الراقية ... أنظروا كيف نجحت دبي في إســتقطاب الشركات العالمية الضخمة لأنها وفرت لهم بيئة خصبة من الإتصالات الحديثة و من الخدمات الراقية ... ســبقتنا دبي و بقينا نحن نتغنى بإنجازاتنا الوهمية في تحرير قطاع الإتصالات و نتغنى بالشــهادات و الجوائز الوهمية التي تحصدها مشــاريعنا في مجال الحكومة الإلكترونية و نســينا أن كلمة (إلكترونية تعني إنتقال المعلومة على هيئة حزم إلكترونات تحمل البيانات و نســينا أو تناسينا أن هذا كله يحتاج إلى بنية تحتية قوية من خدمات الإنترنت الســريع) ... إذ لا حكومة إلكترونية بدون إنترنت سريع و بدون خدمات مقبولة بالأسعار المقبولة المعقولة المتناســبة مع مســتوى دخل المواطن العماني البسيط المســتفيد و المتعامل مع تلك الحكومة الإلكترونية..... فلماذا نجحت دبي و فشــلنا نحن ..
>>>> يتبع الجزء الثاني >>>>>
المفضلات