الكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان
قابوس بن سعيد المعظم

بمناسبة إفتتاح مجلس الشورى ‏21/ديسمبر/1991م





الحمدلله الذي جعل الشورى منهاجاً لتحقيق مصالح الأمة, والصلاة والسلام على من أرسله الله ‏بالهدى ودين الحق وعلى آله وصحبه الهداة المهتدين ومن ترسم خطاهم إلى يوم الدين , بإسمك ‏اللهم ياذا الجلال والإكرام وبعونك وتأييدك وعنايتك وتوفيقك نفتتح مجلس الشورى إنطلاقاً من ‏مبادئ شريعتك الغراء , وتأكيداً لنهجها القويم وسيراً على صراطها المستقيم فسدد يارب خطانا ‏وكلل بالنجاح مسعانا وأجعل هذا المجلس فاتحة مباركة لمرحلة جديدة في بناء هذا الوطن العزيز ‏يتحقق له فيها بالتعاون بين الحكومة والمواطنين مزيد من التقدم والنماء والإستقرار والرخاء.‏


أعضاء المجلس الكرام:‏


بإنشاء مجلسكم هذا تنتهي حقبة من مشاركة المواطنين في تحمل مسؤوليات البناء والتعمير ‏تميزت بالجهد المشترك بين القطاعين الحكومي والأهلي في إطار المجلس الإستشاري للدولة.. ‏ولقد كانت تلك تجربة مثمرة تمرس المواطنون من خلالها على تقديم المشورة الواعية في مختلف ‏مجالات التنمية بما أثرى جهود الحكومة وساعد في التعرف بصورة أفضل وأشمل على إحتياجات ‏المواطنين في شتى المناطق واليوم تبدأ حقبة جديدة من تاريخ هذا الوطن الذي تتسع طموحاته ‏وتكبر تطلعاته بمرور الزمن.‏


إنها سنة الحياة التي لا تقبل الجمود فهي في حركة دائبة وتطور مستمر نرى مواكبتها وصولاً إلى ‏الغاية الكبرى التي نصبو إليها جميعاً وتحقيقاً لكل الآمال التي تجيش بها نفوس أبناء هذا البلد ‏القادر على صنع التاريخ, نعم إنها حقبة جديدة تبدأ فيها تجربة جديدة تتمثل في قيام مجلس ‏للشورى, أعضاؤه لم يتم تعيينهم مباشرة بقرار حكومي وإنما جاء إختيارهم من بين أولئك الذين ‏رشحتهم ولاياتهم ودون تدخل من أية جهة إدارية , متوسمة فيهم القدرة على البذل الوفير والعطاء ‏الغزير لا من أجل مجتمعاتهم المحلية فحسب وإنما من أجل عمان كلها ولصالح العمانيين كافة ‏أينما كانوا ومهما إختلفت مناطقهم وتباعدت قراهم ومدنهم وولاياتهم.‏


إنها لمسؤولية جسيمة أنتم أول من يتحملها وأمانة عظيمة أنتم في مقدمة من يُسأل عنها .. فلابد ‏من تقديرها حق قدرها وأدائها على الوجه الأكمل الذي يمهد الطريق لمزيد من التطور في مستقبل ‏الأيام أمام هذه التجربة الرائدة التي تختلف في العديد من جوانبها عن تجربة المجلس الإستشاري ‏للدولة, بما منحته لمجلسكم بمقتضى مرسوم إنشائه من إختصاصات واسعة من بينها صلاحيات ‏تشريعية تتفق والمستجدات الناتجة عن التطور السريع الذي تشهده البلاد, وهي صلاحيات هامة ‏تستوجب إستيعاباً كاملاً لمتطلبات الحياة الإجتماعية والإقتصادية في العقد الأخير من القرن ‏العشرين وبما أن للمجلس دوراً في الأعداد للخطط التنموية للبلاد ومتابعة تنفيذها , فعليه أن يعمل ‏على ترسيخ وعي المواطنين بأهداف التنمية وحمايتها من أضرار التلوث فإن مشاركتكم في هذا ‏المضمار بجهد بارز سوف يكون له أثره المتميز وتقديره الخاص.. وصون البيئة والحرص على ‏نقائها ونظافتها أمر حيوي جدير بأن يحظى بما هو أهل له من عناية ورعاية.‏


ولدعم التنسيق بين مجلس الشورى والحكومة بما يخدم الأهداف العامة للمجتمع العماني فقد نص ‏مرسوم إنشاء المجلس على عدة طرق تؤدي إلى تحقيق هذا الهدف وإننا إذ ندعو الحكومة ‏والمجلس إلى تكثيف جهود التنسيق الحقيقي بينهما وتطوير أساليب التعاون بين الأجهزة التابعة ‏لهما لنأمل أن يعمل ذلك على رفع مستوى الأداء فيما يقدم للمواطنين من خدمات.‏


اعضاء المجلس الكرام:‏

لقد تحققت على هذه الأرض الطاهرة خلال السنوات الماضية منجزات كثيرة خاصة في ميدان ‏الزراعة والصناعة والخدمات,وكان لتعاون المواطنين أثر ملموس في هذا الشأن وأول واجباتكم ‏المحافظة على هذه المكاسب وذلك من خلال العمل على تفجير الطاقات الخلاقة في الإنسان ‏العماني وإبراز قدراته الكامنة وتنمية مواهبه وإستعداداته من اجل مزيد من البذل والعطاء ‏والمثابرة والإجتهاد مستلهمين في ذلك تاريخه الطويل الحافل بالأمجاد وتراثه الأصيل الزاخر ‏بالمفاخر والذي يعتبر العمل قيمة إنسانية عالية ينبغي أن تبقى مدى الأيام متقدمة متوهجة لا تخبوا ‏جذوتها ولا ينطفئ نورها كما أن من أهم الواجبات المنوطة بكل عضو منكم إلى جانب الإهتمام ‏بالمصلحة الوطنية العامة والإخلاص والتفاني في القيام بواجباته نحو بلده أن يولي عناية خاصة ‏لخدمة مجتمعه المحلي وتطويره وتلمس إحتياجات المواطنين فيه, وعرضها في إطار من الواقعية ‏والموضوعية سعياً إلى تحقيقها وفق الإمكانات المتاحة , وفي إطار الخطط والبرامج الإقتصادية ‏والإجتماعية.‏


وإننا إذ نعرب عن ثقتنا في قدرة مجلسكم على الإسهام البناء في دفع عجلة التقدم بهذا البلد إلى ‏الأمام دونما تراجع فيما يقدمه من رأي صائب وفكر ثاقب وحلول مدورسة نابعة من بصيرة ‏مستنيرة وإدراك واع لحقائق الأمور لنؤكد عزمنا الأكيد وحرصنا الشديد على دعمه بكل ما يكفل ‏له أداء مهامه على خير وجه.‏


كما نؤكد في هذا المقام على ضرورة أن يثبت كل عضو منكم كفاءته الشخصية عن طريق العمل ‏الوطني الهادف إلى رفعة عُمان الحبيبة مسترشداً بمبادئ الدين الحنيف وبالقيم والتقاليد العمانية ‏الأصيلة التي كانت دوماً وعلى مدى العصور والحقب المتوالية النبراس الذي يضئ لنا الدرب ‏وينير السبيل ويحدد المعالم ويسدد الخطى على طريق المجد والعزة والفخار.‏