تشرفت بأن أكون أحد الزائرين لمركز عمان الدولي للمعارض حيث معرض "الإبتكارات العمانية، إكتشاف وإنجاز" المقام في الفترة 26 - 28 / 1 / 2014م والذي أعتبره بمثابة مشتل لزراعة هذه البذور النقية الطرية التي يمثلها هؤلاء المبدعون الصغار هواة ومبتكرو اليوم علماء المستقبل. وبحكم إطلاعي على مثل هذه المعارض على المستوى المدرسي في بعض الدول ذات الخبرة في هذا المجال فقد دونت بعض الملاحظات ليس بغرض المقارنة ولكن لكي نستفيد من التجارب الدولية في تطوير مثل هذه الفعاليات على المستوى التنظيمي وعلى مستوى المبتكر نفسه وكذلك فيما يتعلق بتفاعل الزائرين والمؤسسات المختصة مع الإبتكارات والمبتكرين. فمن خلال تجوالي في أروقة المعرض قمت بتحليل بعض المواقف التي لاحظتها عن قرب والتي ألخصها في النقاط التالية:
1- لقد توقفت عند أحد الإبتكارات وكان لأحد الطلبة وقد بدء مسرورا في تقديم العرض بعد أن سلمت عليه وطلبت منه إعطائي نبذة مختصرة عن آلية عمل الجهاز الذي أبتكره وفي سياق الحديث طرحت له السؤال التالي:
هل هناك جهات أبدت رغبتها في التواصل معك لتقديم المساعدة في تطوير إبتكارك وربما إستثماره؟
فأجابني " منذ الصباح - وكان ذلك في اليوم الثاني - مر عليّ الكثيرون ولم أعرف من أي جهة هم ولم أحصل على عرض حتى الآن"
طبعا الوضع قد يكون طبيعيا من سياق هذه الإجابة لبعض الإبتكارات ولكنها في نفس الوقت قادتني إلى تأكيد الإنطباع الذي تكون لدي من خلال تنقلي بين عدد من الإبتكارات وما كونته من ملاحظات وهو غياب الجهات الحاضنة لها وأخص بذلك مؤسسات القطاع الخاص بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية. وهنا لا ألوم تلك الجهات لعدم حضورها بشكل فاعل نظرا لكون هذه التجربة ربما بالنسبة لهم ما زالت جديدة، أو لأنهم في الأساس غير مدركين لأهميتها لكون الجانب الإستهلاكي يطغى على جميع مناحي حياتنا ومنها الإستيراد الفكري الجاهز والميل نحو المنتج المستورد! أو لأن المؤسسات الخاصة العملاقة في هذا الوطن القادرة على تقديم الدعم المادي لرعاية مثل هذه الإبتكارات هي في الأساس غير عمانية وبالتالي لا تضع الجانب التحفيزي إتجاه هؤلاء المبتكرين من ضمن أولويات برامجها المخصصة في مجال خدمة المجتمع حيث تركز سياساتها على كل ما يعود لها بالربح السريع. وحتى لا نصاب بالإحباط نتيجة ذلك فإن على الجهة المنظمة أن تبادر إلى إبتكار بعض الطرق لجذب الزائرين المختصين كل في مجاله من خلال فرز الأفكار التي تعالجها تلك المشاريع ومن ثم تدعى كل جهة حسب إختصاصها بعد إعطاءها فكرة مبسطة عن محتوى المعرض مع التركيز على الإبتكارات ذات العلاقة بمهام ووظائف تلك الجهة. ومن هنا نكون قد كونا علاقة مسبقة بين الإبتكار والمجال المتوقع أن يوظف فيه بمعنى تسويق مسبق لفكرة المشروع أو الإبتكار لدى الجهة المتوقع أن تكون لديها الإهتمام بالبحث عن الحلول العملية لبعض المشاكل التي تخصها أكثر من غيرها. فمثلا كان من المناسب أن تكون شرطة عمان السلطانية حاضرة في هذا المعرض للإطلاع على التجارب الإبتكارية في مجال المرور والأمن والسلامة كما أن هناك أفكار أخرى رائعة تضمنتها الإبتكارات المعروضة في مجالات مختلفة كالطاقة الشمسية وتدوير المواد وتنقية المياه والزراعة والصحة والتي تقع في صلب الوظائف الرئيسية لعدد من المؤسسات الحكومية والخاصة.
2- التفاعل بين الزائرين والمبتكرين، ومن ذلك ما يلي:
أ. إن سلوك الزائرين وتعاملهم الإيجابي مع المبتكرين يمثل أحد المصادر المهمة في رفع الجانب المعنوي لديهم والشعور بالإعتزاز لما قاموا به. ولكن للأسف فقد لاحظت أعداد من الزائرين يمرون على الإبتكارات وأصحابها وكأنهم يمرون على أرفف مكتبية جامدة ينتقي ما يشاء من الكتب ويترك الأخرى. طبعا أؤمن بأن الميول والإهتمامات قد تحدد رغباتنا وبالتالي تدفعنا بطريقة لا شعورية إلى التفاعل مع ما نميل إليه إلا أن خصوصية مثل هذه المعارض وأمام هذه الكوكبة من المبدعين وخاصة الصغار منهم يجعلنا نحرص جيدا على عدم إرسال إيحاءات سلبية تثبط أي مبتكر لكون ما أبدعة لم ينال إهتمامه مقارنة بزميله الذي يعرض إبتكاره بجانبه. لذلك علينا نحن الزائرين أن نحرص قدر الإمكان على تنمية ثقافة الفضول البحتي لدينا وسبر المعرفة من مصادرها المختلفة وداعمين لمثل هذه لمعارض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لتحقيق أكبر قدر من الإستفادة من مصادر التعلم والتي تمثلها الأفكار الإبتكارية وأصحابها من المبتكرين. لذا من المناسب للزائر أن يظهر إهتمامه بأكبر عدد من الإبتكارات التي يمر بجانبها بغض النظر عن المدة الزمنية التي يقضيها مع كل مبتكر وهذا قد يتطلب أحيانا التحاور معه ونعته بعبارات الإبداع والألقاب التحفيزية حيث ذلك حتما سيؤدي إلى زيادة الثقة بالنفس لدى الطالب أو المبتكر والإنتماء لمشروعة والشعور بالفخر لما أنجزه. كما إن ظاهرة تكدس الزائرين عند إبتكار محدد قد تكون غير مقبولة في هذه المناسبات والتي بطبيعتها تعتمد على الحوار والمناقشة بين المبتكر والزائر لذلك يعيق هذا الوضع عملية المتابعة نظرا لتداخل الإستفسارات وحجب الرؤية وإغلاق الممرات. بذلك كان يمكن للآخرين الإنتقال مباشرة إلى إبتكار آخر ثم الرجوع إلى الإبتكار الأول عندما ينفض الجمع مما يسمح هذا السلوك الإيجابي إلى التوزيع التلقائي للزائرين على أكبر عدد من الإبتكارات في الوقت الواحد لتحقيق أكبر قدر من الإستفادة لكلا الطرفين.
ب. "ساهم في تطوير مشروعي أو إبتكاري" وهي الفكرة التي طرحتها في مشاركة سابقة في موضوع بعنوان "قراءة في معرض المشاريع الطلابية لبرنامج التنمية المعرفية" وتهدف هذه الفكرة إلى زيادة التفاعل الإيجابي بين الزائر وصاحب الإبتكار والتي عادة ما تتبعها حتى أكبر المؤسسات الصناعية العالمية وذلك للإستفادة من أفكار الزبون في تحسين منتجاتها. لذلك شخصيا لم ألاحظ بأن هذا الجانب كان واضحا عند عددا من المبتكرين الذين حاولت التحاور معهم حيث بعضهم - خاصة أولئك الذين يمثلون مرحلة المدرسة - تشعر وكأنهم قد حفظوا الخطوات ويقوموا بإلقائها سردا للجمهور. لذا على المبتكر أن يستفيد من الأفكار التطويرية المرافقة للمناقشات والتي قد تأتي من هنا وهناك بقصد أو بدون قصد، من المختصين أو الهواة وحتى من الفكاهيين الذين يميلون إلى طرح الإستفسارات المضحكة والتي تضفي طابع المرح والإرتياح وهذا الموقف قد يكون سببا لإنتاج فكرة جديدة غير متوقعة.
ج. يفضل أن يتاح للزائرين بتجريب الإبتكار أو بعض خطوات عمله وبالتالي توظيف الجانب الحسي من لمس الأشياء والتعامل معها في عملية التعلم وقد يكون ذلك مدعاة إلى توليد بعض الأفكار الجيدة التي تساعد المبتكر على تطوير إبتكاره، علما إن بعض المعارض المشابهة تطلب من الزائرين القيام بذلك وقد توفر لهم نماذج مصغرة للإبتكار الحقيقي حيث يراعى فيها جانب الأمن والسلامة والعمل الجماعي وعدم إهدار المواد الثمينة التي يعتمد عليها الإبتكار.
د. يجب أن تكيف منضدة العرض بحيث تسمح للزائرين من متابعة الإبتكار من أكثر من إتجاه مما يوفر المساحة الكافية للحركة ويساعد على عدم تحريكه بشكل يؤثر سلبا على مكوناته.
هـ. نشر ثقافة الإبداع والميل الإبتكاري لدى النّشء. وهنا لا أقصد الذين يعرضون إبتكاراتهم ولكن ذلك الجيل الجديد من الزائرين الصغار الذين عادة ما يرافقوا أولياء أمورهم أو معلميهم إلى هذا المعرض. فقد تكون الأفكار الإبتكارية التي تزخر بها مخيلاتهم لا يمكن التعبير عنها شفويا أو تحويلها إلى إختراعات متقدمة في هذا السن، لذا كان من المناسب أن يتم تحديد قسم خاص أو منطقة بجانب كل إبتكار بحيث يسمح فيها للأطفال برسم ذلك الإختراع أو تطوير فكرته والتوسع في مكوناته ومهامه من خلال الرسم أو التشكيل المحاكي. إن هذه الطريقة تتبناها بعض الشركات العالمية لصناعة السيارات عندما تعرض للجمهور في مختلف الأعمار المسابقات المختلفة ومنها مسابقة الرسم للأطفال حيث تؤخذ الكثير من الأفكار التطويرية للشكل الظاهري للسيارة وربما يقود ذلك إلى مكوناتها الداخلية بالإعتماد على إبداعات تخيلات أُولئِك الصغار والتي قد لا يتمكن من تقديمها الكبار.
3- العرض النظري والتطبيق العملي:
للأسف كانت هناك عددا من الإبتكارات لم تكن جاهزة للعرض التجريبي وذلك لأسباب هي في الأساس قابلة للحل مع العلم إن العروض الحية كثيرا ما تشد المتابعين لها وتمكنهم من الربط بين جميع الخطوات التي يعتمد عليها الإبتكار، فعلى سبيل المثال:
- الخلايا الشمسية للإبتكارات التي صادفتها كانت لا تعمل بحجة عدم توفر ضوء الشمس في داخل المعرض في حين كانت زيارتي في منتصف النهار والشمس ساطعة، لذلك كان من الأجدى لمثل هذه الإبتكارات أن يتم عرضها في مكان تصله أشعة الشمس وخاصة لكوننا في بلد غنية بهذا المصدر وما أحوجنا إلى إستغلال مثل هذه التجمعات العلمية لرفع الوعي لدى الجميع من خلال التطبيقات العملية حول أهمية إستثمار الطاقة النظيفة في مختلف مناحي الحياة.
- ذكر لي أحد الطلبة بأن إدارة المعرض لم تسمح له بإحضار بعض القطع لأن مساحة المكان المخصص له لا كتفي لتركيب أجزاء الجهاز بأكملها مع العلم أن مثل هذه المعارض يجب أن يكون من ضمن إشتراطاتها هو تجريب الإبتكار وبالتالي التأكد من قابليته للعمل قبل العرض الفعلي أمام الزائرين.
4- حماية الملكية الفكرية للإبتكارات النوعية:
وتجدر الإشارة هنا بأن على القائمين على موضوع الإبتكار في السلطنة أن يأخذوا في الاعتبار أهمية الحصول على براءات الاختراع لبعض الإبتكارات قبل عرضها أمام الجمهور وخاصة لتلك التي وصلت إلى مرحلة متقدمة من التطوير. والهدف من ذلك هو حمايتها من سرقة أفكارها من قِبل الإنتهازيين سواء من داخل السلطنة أو خارجها الذين يستغلون مثل هذه الفعاليات في الحصول على الأفكار الجاهزة ومن ثم تطويرها في أسرع وقت ممكن لتوفر الظروف والإمكانيات لديهم وبالتالي تحقيق السبق في تسجيل الإبتكار وربما التصنيع.
طبعا تلك كانت رؤية شخصية لذلك المعرض وما ذكرته أعلاه لم يقلل من روعته وتميزه على المستوى العام من حيث المستوى التنظيمي وما جادت به إبداعات المبتكرين وأسلوب ومهارات عرضهم وتفاعلهم مع الزائرين. إن من أسباب نجاح ذلك المعرض هو العمل الدءوب بروح الفريق الواحد للفرق التطوعية والتي يمثلها "فريق عمان أمانة وحملة مبدعو عمان التطوعية" مع الجهات الحكومية المختصة والشركة الراعية والشركات المساهمة. وفي الختام أتقدم بشكر خاص لطلبة برنامج التنمية المعرفية الذين كان لإبداعاتهم نصيب الأسد في هذا المعرض، حقا فجميعكم شباب رائعون تمثلون إبداعات عُماننا الحبيبة، متمنيا أن يتم تطوير مثل هذه الفعاليات في المرات القادمة كما ونوعا، فلكم جميعا جزيل الشكر والتقدير.
...تحياتي / أبو المهند
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..
المفضلات