حِين رَحَل ..
لَمْ يَبْقَ لها سِوَى حلم مُنْدَثِر , وَ ذاكرة كالقطْب انْجَمَدت بِبَرْد الخَيْبَةِ في اشتعال اللَّهْفَة وجَمْر شَوْقٍ يُشَاكِسُ النَبْض .
حِين رَحَل , أقامتْ عَلَى روحها صلاتها الأولى واِنْكَمَشت في ذاتها بسذاجةٍ مُدركة .
أَسْنَدَت ذاكرتها المُثقلة بالخَيْبَةِ عَلَى طَرَفِ سريرها , وأَرسلتْ له رِسالة بحُرُوفٍ مُرتعشة محمولة كأَشْلاء شهيد حرب فلسطينية يبحث عن روحٍ تَعطفُ عَلَيه وتثأر لبقايا جسده المركونة خلف الكفن الخشبي : غداً العَزَاء .. فلتأتي ..لنقم صلاتنا الأخيرة معاً , وَ تعلم هِيَ بأنه لن يأتِ , حينها فَقَط أرتدت ذاكرتها وأرخت هدب عينيها وغرقت في غيابة الحسرة , بعد أن قَضَمْت أَطْرَافَ أَصَابِعِها ندماً .
وَأستفاقتْ مِن سباتها وهِيَ ترقص عَلَى مَنَصَةِ الإشْتِهَاء ,وَقد فَاضَ بها الحَنِيْن , وَلتحفظ كبريائها المزيف قررتْ أن تكتفي بالأحتفاء بأشياؤه المقدسة لروحها .. بقايا عطره , وفنجان قهوته العالق به بعض آثار البن , وَمعطفه وربطة عنقه المصنوعة مِن الساتان , وموسيقى الكمنجات لأندريه ريو و القليل من نوبات البكاء الحمقاء .
ومازالت تواصل إشتهائها بجنون بائسٍ في داخله شهوة الموت .
وَعَلَى حِين غِرَّة ,وَهِيَ غافية عَلَى ذاكرتها , غير آبهة بوخزِ الذكريات ولا الضجيج الذي تفتعله الخيبات , يصلها بريد تهنئة كُتب عليه عيد ميلاد سعيد , وإذ هو عيدها الثالث والسبعون , هرعت مسرعة إلى المرآة وصعقت حين رأت ملامح امرأة لا تشبهها ,وَقد شاب شعرها ,وتقوس ظهرها ,واكتسى وجهها بالتجاعيد , وَحِين قررت إِعْدَام بَقَايَاه أصبحتْ رقماً في سجلِ الأموات .
دعوة لكل امرأة أن تخون ذاكرتها , وتمضي وكأن شيئا لم يكن ,
فلا جدوى من الإخلاصِ والوفاء .
*** منقول ***
لمتابعة أكثر خارج موقع مسندم.نت...
نرجو زيارة هذا الرابط (( بالضغط هنـــا )) ..
المفضلات