بين عَشمْ إبليس في الجنة .. وعضوية مجلس الشورىأهدي هذا المقال إلى القرّاء الذين يفهمون ما يقرأون ، أما أولئك الذين يقرأون في المقال ما هو محفور في أدمغتهم فالعياذ بالله منهم .. إني أخشى أن يقتطفوا منه أجزاء معينه ويفسروها حسب أهوائهم ثم يسيرون بها في الشوارع صارخين .. لقد آن الأوان أن يعلموا أنّ زمن الصراخ قد ولى ، وحل محله زمن التروي والبحث الدقيق .. ( بتصرف)لقد بات موضوع إنتخابات مجلس الشورى حديث الساعة ، هذا الموضوع الذي يتكرر عليّ كل أربع سنوات ولا أعلم إن كانت هي سنين عجاف وشداد أم سنين يغاث فيها الناس وفيها يَعصِرون ! فلا يمضي يوم إلا ويفتح نقاشاً بين زملائنا وأصدقائنا الذين نظنهم من المفكرين والمثقفين ونحسبهم أنهم يحسنون صنعا .. ولا أخفي عليك أيها القارئ إني وجدت في هذه النقاشات أسلوبا في التفكير لا يمكن بلعه وفي كثير من الأحيان أرفض حتى إستساغته ، هم يتحدثون في بحر وأنا أتحدث في بحر آخر بينهما برزخ لا يبغيان ، وحاشا لله أن أميّز نفسي هنا بأني أفضل منهم ثقافةً وفكراً ، فالحكم في هذا الأمر صعب ، وإن رجعنا البصر للبحث عن معيار ومقياس عام يقبل به الجميع فإننا لا نجده حتى وإن رجعنا البصر كرتين ، والمستقبل هو الذي سيكشف عن الصواب والخطأ في تفكير كل منّا .. فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .. فأنا لست مخدوع ولا ناقص عقل حتى أضع صوتي في ذلك الصندوق الخشبي لإختيار شخص لعضوية مجلس الشورى يكون كل همه أن يصحي عند شروق الشمس ويقرع أبواب البيوت لإستلام حفنه من الطلبات لأجل إنجازها وتخليص إجراءاتها في الدوائر الحكومية.لقد بحثت في كل المواقع وفتشت في كل المراجع وقدحت زناد الفكر فرجع الفكر كليلاً عليلاً ، ولم أجد أن المطالبة براتب الضمان الإجتماعي أو المطالبة بأرض أو برصف طريق أو المطالبة بوظيفة عامة لأي مواطن هي من إختصاصات ومهام أعضاء مجلس الشورى .. لكني وجدت أن هذه خدمات عامة تقدمها الحكومة للمواطنين وفق أنظمة وقوانين ولوائح تصدر في ذلك الشأن ، وليس برغبة أو مطالبة أعضاء مجلس الشورى بها .. كثير من المتحذلقين والمتشدقين يرفضون وينكرون عليّ هذا الرأي ويسلقوني بألسِنة حادة ظانين ظن السوء أنني أنتقص جهد هؤلاء الأعضاء في سبيل نجاحاتهم وإنجازاتهم تجاه ولاياتهم التي يمثلونها .. إن الإنسان الفطن غير المتوهم بالخيالات لا يحتاج إلى جهد جهيد من أجل إظهار الواقع الذي نعيشه ، فمثلا لو نظرنا إلى راتب الضمان الإجتماعي فإننا نجد المادة (8) من قانون الضمان الإجتماعي تقضي بالأتي : يقدم طلب المعاش إلى المكتب المختص الذي يقيم الطالب في دائرته على إستمارة تعدها الوزارة .. فهذه المادة صريحة وواضحة ، فلم تقل أن الطلب يقدم عن طريق أو بواسطة عضو مجلس الشورى في الولاية التي يعيش فيها طالب المعاش ، وإنما يقدم الطلب إلى المكتب المختص !! .. ظروف الحال تجعلني أن أطرح أسئلتي لهؤلاء المطبلين والعازفين على إسطواناتهم المشروخة .. هل يستطيع أعضاء مجلس الشورى التدخل في هذه الإجراءات ؟ وهل يمكنهم أن يغيروا قيد أنمله في تقديم هذا المعاش لمواطن على حساب مواطن آخر ؟ وهل لهم القدرة على أن يكونوا سبباً لمنح هذا المعاش لمواطن قد لا يستحقه ؟ بطبيعة الحال لا أنتظر منكم الإجابات على هذه التساؤلات ، فالمادة (10) من نفس القانون كفيله للرد على هذه التساؤلات حيث تقضي بأنه : يجري المكتب المختص دراسة شامله لحالة طالب المعاش يقرر على ضوءها إستحقاق الطالب للمعاش ومبلغه أو رفض الطلب مع بيان أسباب الرفض ويرفع القرار إلى وكيل الوزارة للإعتماد على أن يتم خلال أربعة اشهر من تاريخ تقديم الطلب ويخطر الطالب بالقرار بالوسائل المتاحة وتخطر وزارة المالية بكشوف معتمدة من وكيل الوزارة تتضمن أسماء مستحقي المعاشات والمبالغ المقررة صرفها لكل منهم..هذا مثال واحد للخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين فهي تقضى وتنجز وفق القانون والإجراءات التي تنظمها ، وإن تدّخل أي شخص في سير إنجاز هذه الخدمات لا يغيّر في الأمر شيئا ، فهي والعدم سواء حتى ولو كان ذلك الشخص يلتف حول كرشه خنجرا ويحمل قبل أسمه لقب ( سعادة الشيخ) ، وهذا المبدأ ينطبق على جميع الخدمات الأخرى التي تُقدم للمواطن سواء كانت خدمات الإسكان او الطرق أو التوظيف .. إلى آخره من خدمات ، وإذا كان كثير من المغفلين يعتقدون بغير ذلك فأنه يُعدُ خروجاً على المشروعية ودعوة إلى مخالفة القوانين وحينها يحق لكل مواطن الإعتراض قانوناً على تصرفات أصحاب السعادة الأعضاء.نحن نريد أعضاء مجلس شورى يكونوا فاعلين لخدمة المجتمع بكل فئاته وأطيافه بشكل مجرّد ، ولا نريد أعضاء كل همهم خدمة أفراد معينين في ولاياتهم ، نريد منهم أن يسهروا الليالي في دراسة وبحث الأنظمة والقوانين وما تحمله هذه التشريعات من إزدواجية ، نريد منهم التصدي للإحتكار والوقوف أمام قانون الوكالات التجارية لينظروا إليه كيف تمت صياغته بما يخدم مصالح صنّاع القرار وأصحاب رؤوس الأموال ، نريد منهم المطالبة بإعادة صياغة قانون المطبوعات والنشر حتى لا تُطمس كلمة حق قيلت في وجه الظالمين ، نريد منهم المطالبة بتفعيل قانون حماية المستهلك لنخرج من دائرة التضليل والخداع والغش التجاري ، نريد منهم أن ينظروا إلى قانون الإيجارات حتى لا يبقى المستأجر تحت رحمة المؤجر ويطرده كيفما شاء ، نريد منهم أن يدرسوا باستفاضة وأسلوب علمي الخطط والمشاريع التنموية التي تضعها الجهات الحكومية ويطالبوا بمتابعة هذه الخطط وما تم فيها من إنجاز حتى لا تكون التسع سنين التي انقضت لبناء مطار مسقط الدولي بمئات الملايين أضغاث أحلام ، وما هم يتأويل الأحلام بعالمين ، نريد منهم دراسة الأجور والرواتب في القطاع العام والخاص بما تتناسب والوضع الإقتصادي في البلد ، والتساؤل والبحث عن المفارقات الغريبة والعجيبة التي ما انزل الله بها من سلطان عن إختلاف تلك الرواتب والأنظمة التقاعدية بين الجهات الحكومية المطبقة لقانون الخدمة المدنية والجهات الحكومية لأخرى التي تطبق أنظمة خاصة ، نريد منهم مراجعة وتغيير سياسات التعليم المخجلة والفاشلة التي أصبح فيها الطالب يكتب كلمة (لكن) بـ (لاكن ) ، والسعي للمطالبة لإعطاء المعلم حقوقه التي تتبناها كل دول العالم المتحضر بدلاً من جره وإقتياده إلى الإدعاء العام بحجة أن التلميذ قد أصيب بإحباط وإهانة عندما طُلب منه حلاقة شعر رأسه أو إزالة المكياج من وجهه وملمع الشفايف من على (براطمه) ، نريد أعضاء يطالبون بخدمات صحية تتناسب وكرامة المواطن العماني بدلا من أن يبيع مزرعته للسفر إلى تايلند أو الهند من أجل العلاج ، أو من إنتظار سنة ونصف حتى يحين دوره في إجراء أشعة الرنين المغناطيسي .. ما نريده كثير ولا يتسع المقام هنا لذكره ، فقد يأخذ منا مئات الصفحات لسرده فلو استطاع هؤلاء الأعضاء تحقيق 10% من واجباتهم الحقيقية سنكون لهم من الشاكرين وحينها لن تكون مطالبنا كعشم إبليس في الجنة.. أما كونهم يتنططون من جهة حكومية إلى أخرى من أجل تخليص معاملات طلبات الأراضي أو رواتب الضمان أو وظيفة عامة وتقديم مواعيد المستشفيات على حساب مواطنين آخرين .. فالله الغني عن بقرات زيد ونسأل الله أن يأتينا بالفرج القريب.عبدالله الخروصي - القاهرة 7 / 10 / 2011م
المفضلات